دبي: تراجع في أسعار البيع يقابله انتعاش في قطاع الإيجارات

أسعار الإيجارات في مأمن من التصحيح العقاري.. حتى الآن

توجه العديد من ملاك الفيلات في دبي إلى البيع بعد موجة الهبوط الحادة التي شهدتها البلاد («الشرق الأوسط»)
TT

احصل على فيلا فاخرة مكونة من ست غرف وفيها ستة حمامات في «دبي لاند،» اكبر مشروع ترفيه عائلي في الشرق الأوسط، فقط بـ21 مليون درهم إماراتي (5.72 مليون دولار أميركي)، هذا هو نص الرسالة القصيرة التي أرسلتها إحدى الشركات العقارية في دبي لأكثر من 40 ألف هاتف جوال تعلن من خلالها عن عرضها لبيع عقارات بأسعار تنافسية رخيصة، وقد يتعجب البعض هنا ويسأل عن التنافسية في هذا السعر، لكن العجب سيزول قطعا إذا علم السائل أن هذا السعر هو نصف السعر الأصلي لشقة بهذه المواصفات في تلك المنطقة الفاخرة كنتيجة لما يواجهه قطاع العقارات في دبي بفعل التراجع في نسبة الإقراض والنشاط العقاري الحقيقي، وذلك بسبب انعكاسات الأزمة المالية العالمية، حيث كانت دبي حتى وقت قريب تشهد فورة عمرانية كبيرة.

في شوارع دبي وتحديدا الراقية منها، تلفت نظرك عبارة (فيلا للبيع)، على عدد من الفيلات المنتشرة في شارع الجميرا ـ مثلا ـ احد أرقى شوارع الإمارة. فيما أعرب معظم من رفعوا هذه الإعلانات على فيلاتهم في اتصالات هاتفية معهم، أنهم قرروا البيع منذ أربعة أو خمسة أشهر تحت ضغط غياب واضح للطلب بدأت تشهده الإمارة دفع إلى زيادة حادة في مبيعات العقارات التي يضطر أصحابها لبيعها بأسعار رخيصة، بحيث يندفع المستثمرون للتخلص من المنازل تحت وطأة الضغط الناجم عن أزمة الائتمان العالمية.

ويرى المهندس فراس الجاسمي، المتخصص بالشأن العقاري في دبي، أن السبب الذي يدفع مالكي هذه العقارات إلى ذلك هو وجود دفعات مالية كبيرة مستحقة يتوجب عليهم تسديدها، أو لمجرد أنهم رأوا أن قيمة العقارات في السوق تهبط أكثر مما كانت عليه في الشهر الماضي، المهم أن هناك شعورا حقيقيا بالاستعجال.

في حين تكفي عملية مقارنة بسيطة بين إعلانات العقارات التي نشرتها الصحف الإعلانية المحلية قبل الأزمة وما تنشره بعد الأزمة، لملاحظة حجم التأثر إن لجهة انخفاض الأسعار أو العروض المغرية على عقارات داخل دبي وخارجها، وبالتقسيط المريح جدا يصل في بعض الأحيان إلى خمس عشرة سنة مع هدية تقدمها إحدى الشركات عند كل عملية شراء لشقة صغيرة بقيمة 1,600 مليون عبارة عن سيارة انفنيتي او لكزيس.

وإن كانت نسبة الانخفاض في أسعار العقارات في دبي غير محددة أو واضحة في ظل غياب تصريح رسمي بهذا الخصوص، يبقى الأمر مفتوحا لتقديرات المطورين العقاريين والمحللين الاقتصاديين الذي تحدثوا عن انخفاض وصل إلى 50% في بعض عقارات الإمارة.

لكن المهندس فراس الجاسمي، يؤكد أن الحديث عن هذه النسب غير دقيق، خصوصا أن الانخفاض وإن كان أصاب كل العقارات الموجودة في دبي، إلا أن تأثيره متفاوت وفقا للمنطقة وطبيعة التمليك فيها، ويفصل فراس الجاسمي ذلك بالقول «إن التملك في دبي يقسم إلى ثلاثة أنواع، الأول يسمح في بعض المناطق بتمليك المواطنين الإماراتيين ومواطني مجلس التعاون الخليجي، وهذه العقارات هي اقل العقارات تأثرا بالأزمة في دبي. في حين يضرب الانخفاض الحاد بشكل كبير مناطق التملك طويل الأمد (99 عاما). يليه مناطق التملك الحر والمملوكة في غالبيتها لأجانب، الذين يرغبون بتسييل هذه الأصول ما يرفع من حجم العرض في السوق ويضغط على الأسعار».

ومن المؤشرات التي أظهرت حجم تأثر الإمارة بالأزمة المالية العالمية، هو ما بدأته شركات تطوير عقاري كبرى بداية الشهر بتسريح عمالة وتقليص مشروعات وصلت الى 15% في بعض الحالات، هذا عدا عن بعض شركات المقاولات التي أغلقت أبوابها كليا، كما أوقف بنك الإمارات دبي الوطني منح ائتمان لموظفي شركات تواجه مخاطر، بينما أوقفت شركة إقراض عقاري كبرى واحدة على الأقل الإقراض كلية، وفيما تتخذ حكومة الإمارة خطوات واسعة لإنقاذ البنوك، تبدو الأزمة المالية العالمية تخيم على إمارة دبي وتضغط بقسوة على ازدهارها العقاري.

وتنقل وكالة «رويترز» عن محللين من مؤسسة (نومورا) للاستثمارات في مذكرة بحثية وصفهم سوق العقارات في دبي بأنه «نوبة جنون كلي تحركت فيها المضاربة بلا قيود حتى فات الأوان»، وقالت مذكرة (نومورا) «لقد ساهم المقرضون الذين أعماهم ارتفاع أسعار النفط والمقترضون الذين فتنوا بالإيرادات السهلة، في بناء جبل من الديون على القطاع الخاص».

ويتفق الجاسمي مع هذا الرأي بالقول «إن سر هذا الانخفاض في أسعار العقارات هو في قرارات الملاك الأجانب في مناطق التمليك الحر ممن يعانون خارجيا بحكم نقص السيولة فيلجأون إلى تسييل أصولهم عبر بيع عقاراتهم بأسعار التكلفة أحيانا»، ويدعم هذا الرأي بأن «إمارة الشارقة لم تعان من ذات الانخفاض في الأسعار بحكم منعها تملك الأجانب لأراضيها». ومنذ بداية الأزمة كان كثيرون يتوقعون أن تفلت دول مجلس التعاون الخليجي الست من الأزمة نظرا للفوائض الهائلة لديها في ميزان المعاملات الجارية بسبب صادرات الطاقة، لكن محللون لدى «سيتي بنك» قالوا هذا الأسبوع لـ«الشرق الأوسط»، «إن دبي هي الأكثر عرضة للمخاطر في المنطقة لأنها لا تملك نفطا كثيرا وكانت تعتمد في انتعاشها على الفوائض النفطية من مجلس التعاون الخليجي وإيران وروسيا». وفي ظل ما تفرضه الأزمة من حالة حذر وترقب قد تصل لدرجة الخوف أحيانا لا تزال هناك أصوات تدعو للتفاؤل بإمكانية أن تخلق الأزمة فرصا استثمارية جديدة، يقول المحلل الاقتصادي عادل سلوم لـ«الشرق الأوسط»، إن عقارات دبي خصوصاً وباقي أسواقها تمتلك تجارب في مواجهة التحديات، لذلك فإن المدينة يمكن ان تكون المستفيد الأول والرابح الأكبر من الأزمة المالية العالمية التي تعصف بأسواق العالم. ويعزو عادل سلوم رأيه إلى أن الأحداث التي مرت بالعالم تظهر أن في كل أزمة رابحون وخاسرون، فسنرى بأن الأحداث في أعقاب 11/9 أثرت بشكل كبير في استقطاب الاستثمارات إلى المنطقة، ودفعت العديد من المستثمرين العرب لإعادة ما يقدر بتريليون دولار إلى المنطقة وكانت هذه الأموال من ضمن العوامل التي ساهمت بإنعاش الطفرة العقارية في الخليج العربي.

وينطبق الأمر ذاته وفقا للمحلل على أزمة اندلاع حرب الخليج عام 1991 والحرب التي تلتها في 2003، حيث كانت كل التوقعات والتحليلات تتحدث عن حتمية تعرض المنطقة لآثار سلبية، بينما حدث العكس عندما تحولت تلك المحنة إلى معبر إيجابي صنعته دبي بوصفها الملاذ الآمن في منطقة مضطربة، كما أنها استفادت من ارتفاع أسعار النفط بعد الحرب، حيث غذت هذه الزيادة الأعمال التجارية وخدمت الاقتصاد، وطبقا لأحدث التقارير فإن المنطقة تمتلك 40% تقريبا من احتياطيات العملات الأجنبية العالمية. وفي الوقت الذي كان من الصعب الحصول على اتصال مع مسؤول إماراتي لتوصيف الحالة وإعطاء نسبة لحجم التراجع في أسعار العقارات ومدى تأثير ذلك في النشاط العقاري في الإمارات الأخرى كان البديل الأمثل الاعتماد على النسب التي يقدرها المطورون العقاريون في مجال التطوير العقاري، ويتابع المحلل الاقتصادي فراس الجاسمي بأن الحديث عن تأثير الأزمة المالية العالمية في قطاع العقارات في دبي، لا يجعل القضية محصورة في الحدود الجغرافية للإمارة، فبالإضافة الى سوق العقارات النشط في دبي، هناك أسواق أخرى استفادت من الطفرة التي تشهدها دبي، فإمارة عجمان شهدت في السنتين الماضيتين نهضة عمرانية واسعة على هامش الطفرة العمرانية التي شهدتها دبي هذه المرة لم يكن الهدف زبائن العقارات الفاخرة إنما الطبقات المتوسطة، وقد تأثر سوق عجمان بنفس الحجم الذي تأثرت به إمارة دبي، لان إمارة عجمان «تتشابه في البيئة الاستثمارية مع دبي لجهة السماح بتمليك الأجانب».

اللافت في كل ما يشهده القطاع العقاري في دبي أن قطاع الإيجارات يبدو وكأنه في معزل عن كل هذه التفاعلات، لا بل إن الإيجارات ارتفعت بضغط من حملة أطلقتها بلدية دبي للحد من ظاهرة السكن المشترك (الشيرينغ)، تحت عنوان «فيلا واحدة لعائلة واحدة»، الأمر الذي حد من تشارك عدة أشخاص او عائلات في فيلا واحدة ودفع العديد من العائلات والعزاب الى البحث عن بديل مع وجود مَن هم مستعدون لزيادة مخصصات سكناهم، فكان الحل في استئجار شقق صغيرة في احد المشاريع الجديدة التي انتعشت بدورها بدفع من هذه الحملة، ففي حين يمكن استئجار غرفة «ماستر» في فيلا متوسطة الخدمات في منطقة الجميرا الراقية بـ5500 درهم شهريا (1500 دولار أميركي)، تستطيع استئجار غرفة وصالة في مشروع جديد بـ10000 درهم شهريا (2700 دولار أميركي)، مقابل حصولك على عقد سنوي يضمن لك عدم إخلائك من قِبل البلدية في اي حملة ضد السكن المشترك المنتشر في اغلب أحياء دبي تقريبا.

لكن بالرغم من كل هذه المؤشرات، يتوقع خبراء عقاريون انخفاض أسعار الإيجارات في الإمارة بما نسبته 20% بدفع من عدة عوامل، منها تحول العديد من الملاك والشركات العقارية الى التوقف عن بيع أي عقارات جديدة بحكم الانخفاض الحاد في أسعار هذه العقارات واستبدال ذلك بعرضها للإيجار على اعتبار أن قطاع التأجير لا يزال منتعشا على عكس قطاع البيع، وهو ما يراه المحلل الاقتصادي عادل سلوم، سيزيد من حجم المعروض من العقارات للإيجار الأمر الذي «قد يخلق توازنا بين العرض والطلب ويدفع الى عملية تصحيح في قيمة الإيجار»، وفي ما يبدو أن الأمور بدأت تذهب في هذا الاتجاه تستطيع ملاحظة العديد من اللافتات في المدينة القديمة المحيطة ببرج دبي التي تعرض شققا فاخرة للإيجار، الأمر الذي لم يكن ممكن الحدوث قبل شهرين مثلا في ذات المنطقة. تقول سحر، وهي مديرة التسويق في إحدى شركات الوساطة العقارية، إن بعض الأشخاص قد ينتقلون الى تأجير عقاراتهم لأنهم لا يرغبون بالبيع، وقد «اتصل بي كثيرون هذا الشهر ممن يرغبون في التراجع عن البيع وتأجير عقاراتهم بحكم ان قطاع التأجير لا يزال منتعشا وهم ليسو مضطرين لسيولة مالية». أمر آخر يشير إليه المحلل الاقتصادي سلوم قد يساهم في خفض أسعار الإيجارات، وهو استمرار بعض الشركات العاملة في دبي في تسريح موظفيها بضغط من الأزمة وفي ظل تراجع في فرص العمل ما سيدفع هؤلاء الأشخاص إلى مغادرة البلاد ويفرغ عددا من الوحدات السكنية المشغولة ما يزيد من مساحة العرض في قطاع الإيجار الذي لا يزال منتعشا إلى اليوم.