رياح الائتمان ترفع عدد المصادرات العقارية في بريطانيا وتبعد الأميركيين عن الشراء

تؤجل مشاريع بقيمة 60 مليار دولار في أستراليا.. وتفرض التدخل على حكومة فيتنام

موجة الهبوط العاتية ضربت القطاع العقاري في كل أنحاء العالم («الشرق الأوسط»)
TT

اكد المجلس الخاص بالمقرضين العقاريين (Council of Mortgage Lenders) في بريطانيا ان اكثر من 75 الف شخص سيفقدون منازلهم وعقاراتهم العام المقبل للبنوك والمصارف بسبب عجزهم عن تسديد ديونهم العقارية واقساطهم الشهرية بسبب ازمة الائتمان التي تضرب في كل مكان. وعلى هذا سيتضاعف عدد مصادرات المنازل منذ بداية ازمة الائتمان الدولية الصيف الماضي (2007)، حيث وصل العدد العام الحالي الى 45 الف بيت. وستكون نسبة الزيادة السنوية على عدد الذين سيخسرون منازلهم العام المقبل حوالي 67 في المائة وهي نسبة عالية جدا، اعلى مما كان متوقعا قبل اشهر. ويتوقع المجلس الذي اصدر تقريره الاخير عن الوضع العقاري في بريطانيا قبل ايام، ان يعجز حوالي 500 الف شخص عن دفع اقساطهم وسداد ديونهم العقارية للبنوك والمصارف لمدة ثلاثة اشهر على الاقل، أي بزيادة تصل الى 290 الف شخص عن العام الحالي حيث وصل العدد الى 210 آلاف شخص.

وبالرغم من التدخل الحكومي لإنقاذ البنوك وتخفيض معدل الفائدة العام بنسب تاريخية يقول المجلس في التقرير: ان العام المقبل عقاريا «سيكون صعبا جدا» وقاسيا على الاسواق وخصوصا اسواق القروض العقارية التي تتضاءل اعدادها يوميا منذ اشهر.

كما سيدخل حجم الديون او القروض العقارية الصافية الخانة السلبية لاول مرة منذ العام 1964، مما يعني ان الزبائن سيدفعون اكثر مما يدفعون حاليا لسداد قروضهم العقارية، وان قيمة التراجع على حجم الديون الصافية ستكون حوالي 25 مليار جنيه (40 مليار دولار). وكانت قيمة هذه الديون الصافية العام الحالي حوالي 40 مليار جنيه والعام السابق (2007) حوالي 108 مليارات جنيه، وهو الرقم الذي تطمح الحكومة الى الوصول اليه العام المقبل من خلال دعمها للمؤسسات المالية والمؤسسات والبنوك الخاصة بالاستقراض العقاري.

كما ستتراجع العام المقبل، قيمة الدفعات الاولى التي يدفعها عادة الزبائن للحصول على قروضهم العقارية من المؤسسات (احيانا تصل الى 25 في المائة من قيمة القرض او العقار)، لتصل الى 145 مليار جنيه وهو نسبة تراجع كبيرة من العام الحالي الذي وصلت فيه حوالي 260 مليار جنيه، وكانت ايام الطفرة العقارية العام 2007 حوالي 363 مليار جنيه. ويقول المجلس ايضا ان جزءا كبيرا من المصادرات وحالات الإفلاس ستشمل قطاع الإيجار وان تمديد فترة العجز عن سداد الديون العقارية ( الحكومة تتحدث عن سنتين) لن يمنع ارتفاع عدد المصادرات ورفع اعداد البيوت الشاغرة. وحصول 75 الف حالة مصادرة، يعني ان 0.66 في المائة من المستقرضين واصحاب العقارات سيخسرون عقاراتهم بسبب ازمة الائتمان. كما ان نسبة عدد الذين سيعجزون عن دفع اقساطهم العقارية لمدة ثلاثة اشهر سترتفع من 1.8 في المائة الى 4.4 في المائة من العام الى العام المقبل. ومن جهة اخرى اكدت مؤسسة «امفورم» (mform.co.uk) العقارية الإلكترونية المستقلة في لندن، ان عدد اصحاب العقارات او المستقرضين العقاريين الذين سيستفيدون من تراجع معدلات الفائدة على القروض يصل الى 200 الف شخص. وتؤكد المؤسسة ان بإمكان 200 الف من اصحاب العقارات الذي يحوزون على قروض ثابتة الفائدة لمدة سنتين او ثلاث، توفير ما لا يقل عن 150 جنيها ( 200 دولار) (على القرض الذي يبلغ حجمه 150 الف جنيه) شهريا بسبب توفر قروض ارخص من العام الماضي وبنسبة لا تقل 1.2 في المائة. ومع هذا للحصول على قرض عقاري ذي معدل فائدة منخفض وممتاز (مثل 3.64 في المائة) على المستقرض دفع دفعة اولى لا تقل عن 40 في المائة من قيمة القرض او العقار وهي نسبة كبيرة تدفع الكثير من المهتمين بالابتعاد عن السوق العقاري حاليا. وكان معدل الفائدة العام 5.25 في المائة العام الماضي والعام السابق (2006) 4.5 في المائة.

وتقول المؤسسة بهذا الصدد: «ان المستقرضين الذين يملكون ذخرا (ثمن العقار نسبة الى القرض) كبيرا في عقاراتهم سيستفيدون جدا من التخفيضات الحاصلة على معدل الفائدة بداية العام. فعبر تدخله وتخفيض معدل الفائدة العام، ابعد المخاوف من صدمات معدلات الفائدة خاصة للذين يملكون قروضا ثابتة الفائدة، ومع هذا فإن التوجه الآن يجب ان يكون نحو معدلات الفائدة المتغيرة». وأشار تقرير عقاري آخر، الى ان الخسائر في قطاع العقارات التجارية وصلت الى معدلات عالية مشابهة لخسائر عام 1990، حسب ما تشير الارقام والمؤشرات الشهرية ومؤشر «أي بي دي يوكيه» (IPD UK). وقد تراجعت اسعار العقارات التجارية ايضا بنسبة 5.1 في المائة شهريا منذ العام الماضي تقريبا، مما يعني انها تراجعت بنسبة 22 في المائة خلال العام الماضي وبنسبة 31.5 في المائة خلال الاشهر منذ يونيو (حزيران) العام الماضي. وكان أسوأ تراجع على الاسعار قد سجل العام 1992 حيث تراجعت الاسعار ايام الركود التسعيني بنسبة 27 في المائة تقريبا. ويبدو ان التراجع في العائدات والارباح في قطاع العقارات التجارية وقطاع ايجاراتها هو السبب الرئيسي في التراجع الحاد الحاصل على الاسعار. وقد وصلت نسبة التراجع على العائدات والارباح في القطاع شهريا ومنذ سنة تقريبا الى 5.3 في المائة والإيجارات بنسبة 0.5 في المائة. واقتربت نسبة التراجع على ايجارات المكاتب التجارية من 6 في المائة خلال الفترة نفسها. وهي اسوأ نسبة منذ التسعينات ايضا. وفي الولايات المتحدة، اكدت دراسة اخيرة ان نسبة الناس الذين يرغبون بشراء العقارات المصادرة والرخيصة في الولايات المتحدة قد تراجعت من 54 في المائة الى 74 في المائة خلال الاشهر السبعة الماضية. ويبدو ان الزبائن متخوفون من احتمال تراجع اسعار عقاراتهم اكثر في المستقبل بالإضافة الى التكاليف غير المحسوبة والمفاجئة على القروض العقارية. ويشير الإستطلاع الذي اجرته مؤسستا «تروليا» (Trulia) و«ريالتي تراك» (Realty Trac)، ان الزبائن الجدد يطالبون بتخفيضات حادة ويتوقعون ذلك لشراء أي منزل مصادر. ويطالب ثلاثة ارباع الذين تم استطلاعهم بتخفيض سعر العقار بما لا يقل عن 25 في المائة، وواحد بين كل ثلاثة اشخاص يطالب بتخفيض تصل نسبته الى 50 في المائة. ويقول بيت فلينت من «تروليا» بهذا الصدد: «مع ازدياد عدد البيوت المصادرة تتراجع همة الناس للشراء». ويبدو ان التراجع المتواصل على اسعار العقارات في الولايات المتحدة منذ اكثر من سنة هو السبب الرئيسي ايضا بابتعاد الكثير من الناس عن شراء العقارات حاليا. وتقول هيئة السماسرة الوطنية (National Real Estate Association)، في نشرتها الاخيرة ان 45 في المائة من العقارات المصادرة التي بيعت في اكتوبر (تشرين الاول)، بيعت باسعار ارخص من قروضها العقارية الاصلية، تصل احيانا الى النصف.

وتتوقع المؤسسات العقارية الحكومية والخاصة، ان يرتفع عدد البيوت او العقارات المصادرة هذا العام ليصل الى حوالي 2.2 مليون عقار. وتتجه الكثير من المؤسسات والشركات الى ترك مكاتبها الفاخرة الغالية الإيجارات في لوس انجلوس في ولاية كاليفورنيا والإنتقال الى مناطق اكثر رخصا. وفي القارة الاسترالية، تواصلت الاخبار السيئة في الاسواق العقارية، إذ اكدت الارقام الاخيرة ان قطاع العقارات التجارية يتعرض لنكسة كبيرة بسبب ازمة الإئتمان الدولية وشحة السيولة واحجام المصارف عن الإقراض. وتقول الارقام ان ما قيمته 60 مليار دولار من المشاريع العقارية جمدت هذا العام لتلك الاسباب. وان هناك ما لا يقل عن 3400 مشروع (منها ابراج سكنية ومكاتب تجارية ومراكز للتسوق والترفيه وفنادق) في مرحلة التأجيل او التجميد حاليا. وهذا العدد من المشاريع اكبر خمس مرات من المشاريع التي جمدت او فشلت او افلست العام الماضي (2007) في استراليا، حسب ارقام «ريد كونستراكشين داتا» (Reed Construction Data). وتقول مجموعة «بيكتون» (Becton ) العقارية المعروفة والناشطة في السوق ايضا، انها ستخفض عدد مشاريعها من 37 مشروعا الى 10 مشاريع فقط العام المقبل. وقد اجلت شركات التطوير «ميتاكاب» (Metacap) و«اوستكورب» (Austcorp) و«أي بي اتش» (APH) في مدينة بريزبين مشاريع بقيمة 2 مليار دولار منذ اشهر. كما اجلت الحكومة او جمدت العمل بمشروع «بارانغارو» (Barangaroo) الذي تبلغ تكاليفه على الاقل 5 مليارات دولار. ويقول روب وايلد من مؤسسة «ريد كونستراكشين» بهذا الإطار: «ان السبب الرئيسي للوضع الحالي هو صعوبة الحصول على القروض.. المطورون يرغبون عادة وخصوصا مطورو الشقق السكنية، بالحصول على تأكيد مسبق ونسبة 75 في المائة من المؤسسات المالية وهذا حاليا مستحيل.. وحتى لو تمكنت المؤسسات العقارية المطورة من الحصول على القروض هذا لا يعني انها قادرة على دعمها والوفاء بمستحقاتها في المستقبل.. هناك عدم استقرار كبير في الاسواق، لكني اعتقد ان العمل سيعاود على جزء كبير من هذه المشاريع العام المقبل». وكانت قيمة المشاريع العقارية التي شهدتها استراليا العام الحالي قد وصلت الى 198 مليار دولار أي اقل بكثير مما كانت عليه العام السابق (2007) وقبل ازمة الإئتمان حيث وصلت الى 236 مليار دولار. وعلى عكس «ريد كونستراكشين» لا يتوقع ديفيد غرين- مورغين من مؤسسة «دي تي زد» (DTZ Research) للأبحاث، ان تتحسن الاوضاع قبل عام او عام ونصف على الاقل من الآن وخصوصا في قطاع العقارات التجارية. ولا يعتقد غرين- مورغين بان العام المقبل سيشهد أي مشاريع جديدة، لكنه يتوقع ان يبدأ تعافي السوق العام 2010.

وفي آسيا، اكدت التقارير العقارية حول فيتنام، ان الحكومة وضعت رزمة من اجراءات التدخل لحماية ودعم القطاع العقاري بقيمة مليار دولار على الاقل خلال العام المقبل (2009). ومن الاجراءات الهامة القيام بالإستثمار بمشاريع خاصة بالسكن الرخيص والبنى التحتية ومساعدة القطاع العقاري وتطويره بشكل عام بعد الضربات التي تعرض لها بسبب ازمة الإئتمان.

ويقول فام سي ليان عن هيئة البنائين الفيتنامية ان تخفيض معدلات الفائدة وحجم الدفعات الاولى قد يساعدان على دعم القطاع العقاري والصمود امام الازمات المتوقعة. «مثل الكثير من بلدان العالم قطاع العقار ميزان حرارة الاقتصاد، يرتفع مع نمو الاقتصاد ويتراجع مع التباطؤ». وبشكل عام تراجعت اسعار العقارات في فيتنام بنسبة 30 في المائة تقريبا منذ العام الماضي أي منذ بدء ازمة الإئتمان.