أميركا: المكاتب الشاغرة في تزايد.. ومعها تتفاقم أزمة المقرضين

وسط توقعات بأن يكون عام 2009 الأسوأ بالنسبة للسوق العقارية التجارية منذ 1991

المباني المعدة للتأجير من قبل الشركات والمكاتب في معظم المدن الاميركية الكبرى مثل نيويورك تجاوزت معدلات الأماكن الشاغرة فيها ( أ.ب)
TT

تجاوزت معدلات الأماكن الشاغرة في المباني المعدة للتأجير، من قبل الشركات والمكاتب، حاجز الـ 10% في معظم المدن الكبرى داخل البلاد، كما أن هذه النسبة في تعاظم سريع، ويدل ذلك على المحنة الاقتصادية التي يمكن أن تؤدي مشاكل أخرى جديدة للمقرضين المتعثرين. ومع تفشي تسريح الموظفين، وتخفيض الشركات لنفقاتها، من المتوقع، في العام المقبل، ظهور الكثير والكثير من تلك المساحات الشاغرة، بداية من نيويورك، وشيكاغو، وصولا إلى لوس أنجليس. ومن المتوقع حينئذ انخفاض دخل الإيجارات، وتراجع قيم العقارات بدرجة أكبر. ويتوقع معهد المناطق الحضرية أن عام 2009 سيكون الأسوأ بالنسبة للسوق العقارية التجارية «منذ الكساد الموجع سنتي 1991-1992». ولا تعاني البنوك والشركات المالية من مشكلات ذات صلة بالعقارات التجارية خلال الركود الحالي مثل المشكلات المرتبطة بالعقارات السكنية. ولكن سيكون على كثير من ملاك المباني- في الوقت الذي يعانون فيه من وجود الكثير من المساحات الشاغرة لديهم، وتضاؤل دخول الإيجارات- إعادة تمويل الرهون العقارية التجارية هذا العام. وسيؤدي الفتور المسيطر على عمليات الإقراض بدءا من البنوك وصولا إلى الأسواق الائتمانية إلى جعل ذلك صعبا، حتى بالنسبة للمقترضين الذين يقدمون مدفوعاتهم في الوقت الراهن، الأمر الذي سيؤدي إلى عجز في القروض. وينذر ذلك بوضع سيء بالنسبة للبنوك، وصناديق المعاشات، وشركات التأمين، وصناديق التحوط، والآخرين الذين توجد لديهم قروض أو أجزاء منها في صورة أوراق مالية تم بيعها. ويطالب جيفري ديبوير، المدير التنفيذي لـ«ريال استات راوندتيبل»، وهي جماعة ضغط في واشنطن، الحكومة بتقديم يد العون لقطاع العقارات، كما يحذر من التأثير المحتمل لعدم الوفاء بالديون. وقال ديبوير «إن كل حالة بمفردها قد تكون من الأهمية بمكان، إلا أن التأثير التراكمي سيضع ضغطا هائلا على القطاع المالي». ويشير محللو البورصة إلى أنه من المحتمل أن تكون العقارات التجارية هي القنبلة الموقوتة التالية للبنوك، التي حصلت فعليا على مئات المليارات من الدولارات في صورة مساعدات فيدرالية. جدير بالذكر أن لدى بنوك كبرى، مثل بنك أوف أميركا، وجي بي مورغان تشاس، ومورغان ستانلي، أوراقا مالية عقارية تجارية تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات. كما استثمرت البنوك أيضا مباشرة في العقارات. ومن المحتمل أن تكون البنوك الإقليمية باعثا أكبر للقلق. وفي العقد الأخير، شقت تلك البنوك طريقها سريعا نحو الإقراض العقاري التجاري بعد أن حرمها اللاعبون القوميون من البطاقة الائتمانية ونشاط الرهون الاستهلاكية. وحسبما أفادت به البيانات الحكومية، تضاعفت تقريبا نسبة إقراضها للعقارات التجارية على مدار الست سنوات الأخيرة. ومع تراكم القروض المحلية، تم تقسيمها وبيعها إلى المستثمرين على هيئة أوراق مالية خلال العقدين المنصرمين، وكذا تمت إعادة حزم القروض العقارية للأسواق المالية. وحسبما أفادت به شركة تريب، وهي شركة أبحاث تهتم بالأوراق المالية المدعومة من الرهون العقارية، تحول 60% تقريبا من القروض العقارية التجارية إلى أوراق مالية في عامي 2006-2007. وحيث إن سوق تلك الأسهم غير منتج، لم يعد ممكنا للمقترضين تأجيل دفع القروض التي باتت مستحقة. وسيواجه كثير من ملاك العقارات التجارية أزمة مشابهة لتلك الخاصة بملاك المنازل حاليا، الذين ليس بإمكانهم الحصول بسهولة على إعانة للرهون العقارية، وذلك لأن قروضهم قد تمت تجزئتها وبيعها لكثير من الأطراف. ومن ثم ليس هناك في الغالب كيان واحد يمكن التفاوض معه، وذلك نظرا إلى المصالح المختلفة للمستثمرين. وعبر الكثير من التقارير، فوجئ الكثير من ملاك المنازل بسرعة تدهور السوق خلال الأسابيع الأخيرة. وكان متوقعا ارتفاع معدلات الأماكن الشاغرة في مقاطعة أورانج، بولاية كاليفورنيا، وهي مركز أزمة الرهون العقارية، وفي نيويورك، وفيها تهيمن الصناعة المالية المتقلصة على المكاتب والشركات. ولكن زادت المساحات الشاغرة فجأة أيضًا في هوستون ودالاس، اللتين كانتا بمعزل عن الركود الاقتصادي حتى وقت قريب، بسبب أسعار النفط المرتفعة والتوسع في شركات الطاقة. ويقول السماسرة في شيكاغو إن الطلب قد توقف في الوقت الذي شارفت فيه الأبراج الجديدة المشيدة للمكاتب والشركات على الانتهاء. ويقول بيل غواد، المدير التنفيذي لكريسا بارتنرز، التي تقدم الاستشارات للشركات بشأن تأجير وشراء المساحات الخالية لإقامة المكاتب والشركات «الركود الاقتصادي منتشر للغاية، ونحن نتوقع فعليا أن كل سوق في البلاد سيشهد ارتفاعا في معدلات المساحات الشاغرة، وسيتراوح الارتفاع ما بين 2 - 5 نقاط مئوية بحلول منتصف 2009». ولا يتراءى لنا أي تغير في مقاطعة أورانج، حيث كان يهيمن مقدمو القروض المعرضة للمخاطر وشركات الملكية في يوم من الأيام على السوق، إلا أنهم يتركون أماكنهم في الوقت الحالي بعد أن أصبحت أعمالهم غير مثمرة، كما يقل عدد البنوك الكبرى نظرا لموجة الاندماجات. وارتفاع معدل الأماكن الشاغرة، من 7% بنهاية عام 2006، إلى 18%. وفي نيويورك، حيث كانت الإيجارات قد ارتفعت إلى أعلى معدلاتها، في الوقت الذي بدأت فيه الشركات المالية في الحصول على المساحات المكتبية، ارتفعت معدلات الأماكن الشاغرة إلى أكثر من 10% للمرة الأولى منذ سنوات. ويقول بيل روغرز، المدير الإداري في جونز لانغ لاسال، شركة الوساطة العقارية، إن ما بدا أنه أكثر الأمور المحتملة سوءا منذ بضعة أسابيع ماضية بالنسبة لشيكاغو، يبدو حاليا أنه النتيجة الأكثر احتمالية، فمعدل الأماكن الشاغرة، الذي كان ثابتا عند حد الـ10%، أصبح يتزايد سريعًا في الفترة الحالية ويمكنه أن يصل إلى 17% خلال عام 2009. وتابع «تحاول الكثير من الشركات في الوقت الحالي التخلص من المساحات الزائدة نظرا للسوق السيئة المتوقعة خلال عام 2009».

وتتوقع شركة نيومارك نايت فرانك للوساطة العقارية، أن يزيد معدل الأماكن الشاغرة في دالاس إلى 19% هذا العام، مقارنة بالنسبة السابقة التي كانت تبلغ 16.3%. وواصلت هوستون- شأنها شأن دالاس- العمل في الوقت الذي بدا فيه الإجهاد والتوترات على عدد من المدن الأخرى، بسبب التباطؤ الاقتصادي. إلا أنه قد حدث توقف مفاجئ لنمو الوظائف، وفورة أعمال التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي. وتعتبر المراكز التجارية غير المنتهية أو الشاغرة بمثابة معلم على الطرق العامة. فمن بين 8.4 مليون قدم مربعة من مساحة المكاتب التي ما زالت تحت الإنشاء، أو تلك التي تم الانتهاء منها بالمنطقة الحضرية، لم يتم تأجير 80% من تلك المساحات. ونتيجة لذلك، بلغ معدل الأماكن الشاغرة 11%، كما أنه في ازدياد.

ويقول دان فاسولو، المدير الإداري لريال كابيتال أنالاتيكس، وهي شركة للأبحاث العقارية «أرى موجة من الأصول المتعثرة ستظهر في تكساس في المستقبل القريب». وطبقا لما أوضحته شركات السمسرة والمحللون، بدأت الإيجارات الفعالة فعليًا في الهبوط، بعد التأجير المعفى من الضرائب، وامتيازات ملاك الأراضي، ومن المتوقع أن تنخفض إلى 30% أو أقل، مقارنة بما كان عليه الوضع خلال الأيام الرغدة للازدهار العقاري. ويجعل ذلك الوضع أكثر صعوبة على الملاك، الذين توقعوا بدورهم ارتفاع الإيجارات عندما مولوا مباني المكاتب والشركات والفنادق ومراكز التسوق والعقارات التجارية الأخرى الخاصة بهم. ويقوم الملاك فقط بدفع فائدة القروض التي على مدار 5 أو 7 أو 10 سنوات، ويعيدون تمويل مدفوعات رأس المال الكبير الضروري عند استحقاق دفع القروض. ودون تمويل جديد، سيكون لدى الملاك القليل من الخيارات بدلا من محاولة التفاوض على البنود مع مقرضيهم، أو تسليم المفاتيح إلى البنوك وملاك وحاملي السندات. ومن بين العقارات التجارية، كانت الفنادق والمراكز التجارية من أكثرها اضطرابا، حيث أدت المبيعات الضعيفة، وإشهار الإفلاس من قبل بائعي التجزئة إلى وجود مزيد من الأماكن الشاغرة، فضلا عن أن مديري الأسواق التجارية المدينة، مثل جنرال غروث بروبيرتيز، وسنترو، يقعون تحت وطأة ضغوط كبيرة لبيع الأصول، ومع ذلك، يعتري المحللين القلق المتزايد بشأن سوق المكاتب والشركات.

وترى ريال استيت راوندتابل خطورة متزايدة من عدم الوفاء بدين، أو حبس الرهن المتعلق بالرهون العقارية التجارية، والمقدرة قيمتها بحوالي 400 مليار دولار، والمستحق دفعها هذا العام. وخلال الأسابيع الأخيرة، التمست مجموعة يقودها ويليام رودين، المقاول العقاري في نيويورك، من هنري بولسون، وزير الخزانة، وتشارليز شومر، السيناتور الديمقراطي في نيويورك، وآخرين، أن يجعل الحكومة تدرج العقارات التجارية في البرنامج الجديد البالغ قوامه 200 مليار دولار لتحفيز الإقراض. ويقول ديبوير، رئيس راوندتابل، أن ملاك الأراضي يقدمون مدفوعات القروض على نحو كبير. وأن إعادة التمويل هو الأمر الباعث على القلق. وتابع حديثه، إن أغلب القروض تساوي ما بين 50- 70% من قيم العقارات. ومع ذلك، وفي أوج السوق عام 2006-2007، انتهز بعض الملاك مزية الائتمان المتاح، واقترضوا 90% أو أكثر من قيمة العقارات، وهي الاستراتيجية التي تفيد فقط في السوق الناهض. وأضاف ديبوير أنه منذ ذلك الحين، انخفضت قيم العقارات بنسبة 20%. وعندما يصبح الأمر ممكنا، يحاول الملاك توسعة القروض. ومن المحتمل أن يوافق المُقرض على مد أجل الرهن العقاري إلى 10 سنوات، وذلك في حالة إذا ما واصل المقترض تقديم مدفوعاته، وكان بإمكانه تقديم دفع للأسهم للتعويض عن الانخفاض في قيمة المبنى أو العقار. وطبقا لتقرير قدمته ريال كابيتال أنالاتيكس، أنه في الوقت الحالي، تعاني أبراج للشركات والمكاتب، ومراكز للتسوق، وفنادق تبلغ قيمتها زهاء 107 مليارات دولار، من بعض المشاكل تتراوح بين التأخر في السداد وحبس الرهن نفسه. وتأتي نيويورك - السوق العقارية الأكبر مقارنة بالجميع - في المقدمة، إذ يبلغ مجموع العقارات المتعثرة فيها 268، بقيمة 12 مليار دولار. وهناك 19 مدينة أخرى - منها أطلنطا، ودينفر، وسياتل - يوجد بها عقارات تجارية محجوز عليها تتجاوز قيمتها مليار دولار. ويعتري المحللين القلق على وجه الخصوص من عقارات على شاكلة 666 فيفث أفينيو، ووان بارك أفينيو، ومجمع رايفرتون في نيويورك، وذا باسيفيكا تاور في سان دييغو، وسيرز تاور في شيكاغو، وهي العقارات التي تم الحصول عليها فيما بين عامي 2006- 2007، على أساس تمويل رهن عقاري يعتمد الإيجارات المستقبلية، بدلا من الدخل القائم. ويقول غواد من كريسا بارتنرز «الكثير من تلك العقارات تعاني كثيرا. فالسعر الذي دفعوه نظيرها يعتبر مرتفعا للغاية للبدء به. وليست هناك سبيل لأي شخص أن يُقرض أموالا على هذه الشاكلة في الوقت الحالي».

* خدمة «نيويورك تايمز»