تزايد عدد البريطانيين الباحثين عن العقارات في أستراليا

فيما يتواصل التراجع الحاد في المملكة المتحدة ليمتد إلى العقارات الفاخرة في لندن

لا يتوقع الخبراء في الاسواق العقارية في استراليا ومنها مدينة سيدني أي انهيار في الاسعار على شاكلة بعض الدول الاوروبية والولايات المتحدة خلال العام الحالي (« الشرق الأوسط»)
TT

من قطاع إلى آخر تتواصل التراجعات الحادة في الأسعار والأخبار السلبية الخاصة بالعام الحالي في بريطانيا، التي تأثرت أكثر من غيرها من دول العالم بأزمة القروض عالية المخاطر في الولايات المتحدة، التي أدت إلى أزمة الائتمان التي تعيشها الأسواق هذه الأيام. وقد أكدت التقارير الأخيرة بشأن سوق العقار الفاخر في العاصمة لندن، أن نسبة التراجع في الأسعار الخاصة بالعقارات والمنازل التي يتراوح سعرها بين 1 مليون جنيه (1.4 مليون دولار) و2.5 مليون جنيه (3.1 مليون دولار) وصلت إلى 22 في المائة منذ بدء أزمة الائتمان في أغسطس (آب) عام 2007. وقد شهدت الأسعار تضخما في النمو العام لم تشهد من قبل. واكد تقرير خاص بأسعار العقارات الفاخرة في العاصمة من مؤسسة «نايت فرانك» (Knight Frank) الدولية المعروفة، إن الأسعار في هذا القطاع تواصل تراجعها، وأن نسبة التراجع في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي (2008) وحدها وصلت إلى 2.2 في المائة. ووصلت نسبة التراجع في الأسعار في الربع الأخير من العام الماضي حوالي 10 في المائة. وعلى هذا الأساس تكون نسبة التراجع منذ مارس (آذار) العام الماضي حتى بداية العام الحالي قد وصلت إلى 18.4 في المائة. ويعتبر هذا القطاع، أي قطاع المنازل التي يتراوح سعرها بين 1مليون و2.5 مليون جنيه، أكثر الأسواق تأثرا بأزمة الائتمان في قطاع العقارات الفاخرة. وأشارت «نايت فرانك» إلى أن العقارات التي يتعدى سعرها الـ10 مليون جنيه (14 مليون دولار) تعرضت لتراجع لافت في الأسعار أيضا، وصلت نسبته 8.1 في المائة عن نفس الفترة. وبشكل عام تؤكد الأرقام أن أسعار قطاع العقارات الفاخرة تتراجع بشكل لافت أسوة بغيره من القطاعات العقارية المختلفة. ويقول رئيس قسم الأبحاث في المؤسسة ليام بيلي في هذا الإطار، إن نسبة التراجع في أسعار العقارات الفاخرة قد تصل إلى 30 في المائة خلال الفترة المقبلة من هذا العام، وأن «أكثر الأسواق تأثرا بتراجع الأسعار هو سوق العقارات التي يتراوح سعرها بين 1مليون و2.5 مليون جنيه، الذي يعتبر مدخلا لسوق العقارات الفاخرة. وعادة يستقطب هذا القطاع موظفي الوسط المالي والمحترفين من رجال الأعمال، وهم أكثر الناس تأثرا بما يحصل، خاصة على صعيد البطالة، ويتوقع أن يتزايد عدد العاطلين عن العمل من هؤلاء الموظفين ورجال الأعمال العام الحالي (2009)». وعلى الرغم من أن أسعار العقارات الفاخرة تراجعت في معظم المناطق دون استثناء، مثل شرق لندن وكناري وورف ومناطق نايتس بريدج وكينزينغتون وتشلسي وغيرها، فإن الخبر السار الوحيد هو أن ديسمبر الماضي شهد انحسارا ملحوظا في التراجع على الأسعار (2.2 في المائة)، أي أقل من الأشهر السابقة منذ سبتمبر (أيلول) العام الماضي. ومع هذا لا يزال مبكرا القول إن الوضع بدأ في التغير والتبدل، وإن الأسواق بدأت تستعيد عافيتها، إذ إن عدد العقارات والمنازل الفاخرة المعروضة للبيع والمتوفرة في الأسواق في ديسمبر الماضي ارتفع بنسبة 1 في المائة عما كان عليه في ديسمبر عام 2007. كما أن عدد العقارات التي تم بيعها أيضا تراجع في نفس الفترة بنسبة عالية جدا، وصلت إلى 44 في المائة، على حد تأكيد بيلي.

ويتفق كثير من المراقبين العقاريين على أن وضع الأسواق العقارية الفاخرة العام الحالي يعتمد على وضع الوسط المالي والأوضاع الاقتصادية بشكل عام، وأن التوقعات بأن يكون الحد الأقصى لنسبة التراجع أو التصحيح على الأسعار 30 في المائة، وأن ذلك سيحصل نهاية الربيع المقبل، أي نهاية النصف الأول من العام الحالي. ويتوقع أن يتراجع عدد الصفقات في هذا القطاع أيضا خلال العام الحالي كما حصل العام الماضي، ولا يتوقع بيع أكثر من 3 آلاف عقار من العقارات التي يتعدى سعرها مليون جنيه في جميع أنحاء لندن، وهو عدد قليل جدا، مقارنة بعدد صفقات السنوات القليلة الماضية. وحول قطاع المكاتب التجارية، أشار تقرير جديد لمؤسسة «ان بي ريل استيت» (NB Real Estate )، إلى أن عدد المكاتب التجارية الشاغرة في العاصمة لندن يواصل ارتفاعه منذ السنة الماضية، وأن هناك مكتبا شاغرا من أصل كل 10 مكاتب في المدينة، وأن معدل الإيجارات تراجع بنسبة 19 في المائة منذ العام الماضي. وقد تراجع معدل سعر القدم المربع من 65 جنيه نهاية عام 2007 إلى 53 جنيه تقريبا نهاية العام الماضي (2008)، بينما ارتفع عدد المكاتب الشاغرة عن نفس الفترة، من 9.6 في المائة إلى 11 في المائة. ويبدو أن أكثر المناطق تأثرا بالتراجع الحاد في أسعار قطاع المكاتب التجارية هي منطقة الوست إند (West End) في لندن (يعتمد سوقها كثيرا على استثمارات وإيجارات صناديق التحوط) التي تراجعت فيها معدلات الإيجار بنسبة عالية وصلت إلى حوالي 30 في المائة. وتراجع سعر القدم المربع في المنطقة أيضا بشكل ملحوظ، ليصل إلى 85 جنيه فقط لا غير نهاية العام الماضي، تأثرا بفضيحة صندوق التحوط، الذي كان يديره برنارد مادوف بقيمة 50 مليار جنيه (70 مليار دولار تقريبا). الخبراء في هذا المضمار يقولون إن آخر أفضل الصفقات التي تمت في المنطقة كانت صفقة تأجير مكاتب في سانت جيمس سكوير لمؤسسة «بيرمال انفستمنت مانيجمانت سيرفيسيز» (Permal Investment Management Services) في أكتوبر عام 2007 بسعر 140 جنيه للقدم المربع (إيجار). وهذه المؤسسة من المؤسسات المعروفة التي تدير صناديق التحوط الهامة. كما استأجرت كل من المؤسسات التحوطية المنافسة مثل «زي بي آي» و«ويربيرغ بينوكس» و«جي إل جي»، مكاتب في الوست إند بأسعار أرخص وصلت إلى 110 جنيه للقدم المربع الواحد. إلا إن تقرير «ان بي ريل ستيت» يؤكد ارتفاع عائدات الإيجار في المنطقة من 5.5 في المائة نهاية عام 2007 إلى 6.5 نهاية عام الماضي (2008)، ما يشجع المستثمرين في الوضع الحالي، الذي يشهد أقل معدل للفائدة العامة منذ مئات السنين. وعلى الرغم من أزمة الائتمان، فإن منطقة الوست إند لا تزال تعتبر من أغلى مناطق العالم من ناحية معدلات الإيجار حسب تأكيد مؤسسة «كوشمان ووكفيلد» (Cushman & Wakefield) الاستشارية المهمة. وتأتي بعد منطقة الوست إند في لندن كل من جزيرة هونغ كونغ والعاصمة اليابانية طوكيو. الأزمة التي تتعرض لها القطاعات العقارية في بريطانيا، بدأت تطال وبشكل ملحوظ المكاتب العقارية والسماسرة، خاصة الشركات الكبرى النشطة في أسواق الشراء والبيع المختلفة، مثل الشركة أميركية الأصل «فوكستونز» (Foxtons). ويبدو أن المصارف اليابانية والأميركية التي تمول المؤسسة وتقف ورائها (Bank of America- Japanese bank Mizuho)، بانتظار نتائج وحسابات الربع الأول من العام الحالي للتقرير، وما إذا كانت ستواصل تمويلها للمؤسسة التي اكتسحت الأسواق العقارية منذ عشر سنوات تقريبا. لكن من المؤكد أن هذه المصارف جمدت حاليا أي تمويل. وكانت مؤسسة «بي سي بارتنرز» ( BC Partners ) قد اشترت «فوكستنز» في مايو (آيار) عام 2007، بما لا يقل عن 360 مليون جنيه (520 مليون دولار)، أي قبل أزمة الائتمان، واعترفت المؤسسة بأنها اقترفت خطأ فادحا، وأنها لن تنقذ فوكستونز، إذا لم يتم مسح ديون مستحقة عليها بقيمة 260 مليون جنيه (380 مليون دولار). ويقول اندرو نيوينغتون عن المؤسسة المالكة في هذا الإطار: «مع انحدار أسواق العقار يتراجع وينحدر وضع المكاتب العقارية، لذا كان تقييمنا خاطئا بشراء الشركة ووضع الأسواق». ومع هذا يؤمن نيوينغتون بأن مستقبل المكاتب العقارية والوسطاء والسماسرة ليس حالكا كما يشاع، إذ إن أي تحسن أو تعاف للأسواق العقارية في لندن سيشهد عودة قوية لهذا القطاع المهم. كما يؤمن نيوينغتون بأن فوكستونز ستواصل أعمالها كالمعتاد، وأن المسؤولين يواصلون التفاوض مع المصارف والبنوك المعنية للوصول إلى حل. وعندما تم شراء فوكستونز كانت «بي سي بارتنرز» قد توقعت تراجع عدد الصفقات العقارية في العاصمة لندن بنسبة 30 في المائة منذ بداية العام الماضي حتى الآن، إلا إن نسبة التراجع في عدد الصفقات والمبيعات وصلت في بعض المناطق إلى 60 في المائة، وفي بعضها الآخر إلى 70 في المائة . ولم تكن فوكستونز المؤسسة العقارية الوحيدة التي اشترتها شركات «الأسهم الخاصة» (private equity) في السنوات القليلة الماضية، إذ استحوذت شركة «أبولو» (Apollo ) الأميركية المعروفة، على أكبر الشركات البريطانية العقارية وهي شركة «كانتري وايد» (Countrywide) في نفس الفترة تقريبا. وأشارت تقارير أخيرة أيضا إلى أن عدد البريطانيين الباحثين عن العقارات في أستراليا يتزايد يوميا. ويتوقع أن ترتفع أسعار العقارات في بعض المناطق المهمة (التي لم تشهد تراجعا حادا على الأسعار) مثل كوينز لاند المرغوبة من المتقاعدين البريطانيين بنسبة 3 في المائة خلال العام الحالي. ويبدو أن تزايد أعداد البريطانيين الباحثين عن عقارات للاستقرار في القارة الأسترالية يعود إلى تراجع أسعار العقارات في بريطانيا، وتراجع معدلات الفائدة ومعدلات التضخم في أستراليا بشكل عام. ويتراوح معدل التضخم حاليا في استراليا بين 2 و3 في المائة.

ولا يتوقع الخبراء في الأسواق العقارية في أستراليا أي انهيار في الأسعار على شاكلة بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة خلال العام الحالي، لا بل على العكس، يتوقع كثير منهم ارتفاع ملحوظا لها في بعض المناطق المرغوبة من المستثمرين والمتقاعدين الأجانب.