صفعات شديدة في أحجام البيع والاقراض بالأسواق العقارية.. من أميركا إلى دول البلطيق

قيمة الصفقات العقارية في الولايات المتحدة لم تتعد 125 مليار دولار

يحجم الكثير من المشترين عن الدخول في السوق انتظارا منهم لتراجعات اكبر في الأسعار («الشرق الأوسط»)
TT

تراجعت المبيعات في القطاع العقاري التجاري في الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 70 في المائة العام الماضي (2008) كما أكدت التقارير الأخيرة عن بعض المؤسسات العقارية الدولية الهامة ومنها «جونس لانغ لاسال» (Jones Lang LaSalle) المعروفة. وأكدت المؤسسة الاستثمارية الدولية أن قيمة الصفقات العقارية في القطاع التجاري لم تتعد الـ125 مليار دولار العام الماضي وأنها تتوقع ان يتراجع عدد المبيعات ايضا بنسبة 25 في المائة هذا العام (2009). ويبدو ان تراجع عدد القروض العقارية الخاصة بالقطاع التجاري السنة الماضية وبكلام آخر اختفاؤها من الأسواق بسبب أزمة الائتمان الدولية يلعب دورا كبيرا في التراجع الحاصل على القطاع العقاري التجاري في الولايات المتحدة الأميركية بشكل عام. وكانت تلك القروض المتوفرة قد ساهمت في الطفرة العقارية التي شهدتها البلاد قبل اندلاع أزمة الائتمان الدولية في أغسطس (آب) عام 2007. كما تراجعت قيمة التمويلات أو القروض التي تقدمها المؤسسات المالية مقابل الرهون العقارية في القطاع التجاري بنسبة مخيفة وصلت الى 95 في المائة العام الماضي، ولذا يتوقع ان تتدخل الحكومة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس الجديد أوباما في منتصف العام الحالي وبث الروح في السوق المتهالكة وتأمين التمويلات الضرورية لوقف الانهيار المتوصل في القطاع العقاري التجاري في البلاد. وخصوصا ان قيمة القروض هذه لم تتعد العام الماضي اكثر من 12.1 مليار دولار. ولان سوق هذه القروض حسب بعض الخبراء قد انقرضت ولم تعد كما كان في العامين 2006-2007، يطالب الكثير منهم تدخل الدولة لتأمين الاستقرار في الأسواق من الناحية المالية والتشريعية.

ويعتقد البعض أيضا أن الركود المميت في القطاع العقاري التجاري يعود الى رفض الكثير من أصحاب العقارات او المستثمرين بيع عقاراتهم بعدما تراجعت اسعارها بنسبة لا تقل عن 30 في المائة العام الماضي. ومعظم الملاك يفضلون الانتظار بدل تخفيف حجم الخسائر. ومن جهة ثانية يحجم الكثير من المشترين عن الدخول في السوق انتظارا منهم لتراجعات اكبر في الأسعار في المستقبل، وهم يعتبرون ايضا ان الأسعار لا تزال عالية ولم تنخفض ما فيه الكفاية.

إلا أن مخاطر الإغلاق والمصادرة من قبل البنوك والمؤسسات المقرضة تدفع بالكثيرين من الملاك والمستثمرين الى بيع العقارات، مما سيساعد على تحريك الأسواق الى جانب التدخل الحكومي. ويقول احد مديري مؤسسة «جونس لانغ لاسال» (Jones Lang LaSalle) ايرل واب بهذا الخصوص، إن هناك الكثير من رؤوس الاموال او المستثمرين الذين ينتظرون الفرص الممتازة للتدخل في الأسواق وشراء العقارات، رغم ان الوضع سيظل سيئا على الاقل لمدة سنة من الآن، وستواصل معدلات الإيجار تراجعها الى جانب عدد المستأجرين والراغبين في الاستثمار في سوق الإيجار.

وفي الإطار العام يتوقع ان تطلب ثاني اكبر مؤسسات القروض العقارية في الولايات المتحدة «فردي مالك» (Freddie Mac) من الحكومة الأميركية المزيد من التمويل وضخ ما لا يقل عن 35 مليار دولار إضافية لمواصلة أعمالها ومنع انهيارها التام بسبب ارتفاع عدد حالات الإفلاس لدى زبائنها العاجزين عن مواصلة دفع أقساطهم الشهرية لسداد قروضهم العقارية. ويفترض ان تحدد المؤسسة التي أنقذتها الحكومة الى جانب مؤسسة «فاني ماي» (Fannie Mae) قريبا، حجم الخسائر التي منيت بها خلال العام الماضي. وقد تقلصت محفظة المؤسسة الاستثمارية بسبب ارتفاع نسبة حالات الإفلاس من 0.2 في المائة الى 1.72 في المائة من بداية العام الماضي (2008) حتى الآن. إلا أن بعض الخبراء يتوقعون ان تضطر الحكومة الى ضخ ما لا يقل عن 100 مليار دولار في المؤسسة لاستمرارها في العمل وتبقي حساباتها في الخانة الإيجابية. وقد تلقت المؤسسة حتى الآن اكثر من 13.8 مليار دولار من الحكومة، بعد اعلانها عن خسائر بقيمة 35 مليار دولار في الربع الثالث من العام الماضي بسبب أزمة الائتمان الدولية وانهيار الأسواق العقارية. وكانت المؤسسة قد سجلت خسائر فادحة في الربع الثاني ايضا من العام الماضي بلغت نحو 29 مليار دولار.

وتسمح الحكومة ان تنمي المؤسسة محفظتها الاستثمارية الى ما قيمته 850 مليار دولار. ومع هذا فقد عقدت المؤسسة صفقات لشراء وبيع القروض العقارية بقيمة 25.37 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، أي اكثر بكثير مما قامت به من نشاط عقاري في نوفمبر (تشرين الثاني) الذي لم يتعد حجمه 15 مليار دولار. وتعتبر قيمة ديسمبر الاكبر منذ يونيو (حزيران) الماضي.

الأخبار السيئة لم تتعد على القطاع التجاري العقاري في الولايات المتحدة، إذ أكدت المعلومات والتقارير الأخيرة في لندن وأوروبا ان القطاع العقاري التجاري في بريطانيا سيتأثر اكثر من غيره من الأسواق الاوروبية وخصوصا ألمانيا وفرنسا بسبب أزمة الائتمان وشحة القروض العقارية المتوفرة في الأسواق. وتقول مؤسسة «موديس انفسترز سرفيس» (Moody"s Investors Service)، إن أسعار العقارات التجارية في البلاد ستواصل تراجعها وستصل نسبة التراجع العام الحالي (2009) الى 25 في المائة. وعلى هذا الاساس تتوقع المؤسسة ان تصل نسبة التراجع على الأسعار منذ عام (أيام الطفرة والنمو) 2007 حتى نهاية العام الحالي الى 45 في المائة. وتوقع تقرير أوروبي تجاري ان تتراجع الأسعار في القطاع العقاري التجاري في فرنسا العام الحالي بنسبة 20 في المائة وفي ألمانيا بنسبة 15 في المائة. مهما يكن فإن حجم مبيعات السندات المدعومة من شركات الإقراض العقاري التجاري قد تراجع بنسبة 89 في المائة عما كان عليه عام 2007 ولم تتعد قيمة السندات المبيعة العام الماضي اكثر من 6.3 مليار يورو (9 مليار دولار تقريبا)، وذلك بسبب إحجام البنوك والمصارف عن إقراض الزبائن وتردد المستثمرين عن دخول الأسواق. ولا يتوقع الخبراء ان يتغير الوضع قبل نهاية العام الحالي، ان التراجع على الأسعار في هذا القطاع يؤثر سلبا على قيمة السندات وسوق مبيعاتها. وتقول «موديس» إن الأسواق والأوضاع لن تتغير وتعود الى طبيعتها ونشاطها المعتاد قبل استقرار الأسعار بشكل عام وعودة القروض العقارية وتوفرها في الأسواق واستقرار الأسعار.

أما على صعيد العقارات السكنية فقد تواصل التراجع على الأسعار للشهر الخامس عشر على التوالي. وقد تراجعت الأسعار في يناير (كانون الثاني) بداية العام الحالي بنسبة 1.3 في المائة. ومع هذا تكون نسبة التراجع قد انحسرت نسبيا وبنسبة ممتازة بعد شهر ديسمبر الماضي حيث وصلت إلى 2.5 في المائة كما يؤكد تقرير بنك «نيشن وايد» (Nationwide) الشهري. لكن الارقام لا تدعو الى التفاؤل إذ ان نسبة التراجع السنوية على الأسعار قد وصلت حتى الآن الى 16.6 في المائة بعدما لم تتعد العام السابق حتى ديسمبر (كانون الأول) الـ15.9 في المائة.

وقد تراجع أيضا معدل سعر المنزل في بريطانيا حسب «نيشن وايد» من 153 الف جنيه (220 الف دولار تقريبا) الى 150.5 الف جنيه (210 آلاف دولار تقريبا) الشهر الماضي، بسبب اوضاع السوق المتردية وندرة القروض وتراجع عدد الصفقات العقارية وغيرها من مظاهر أزمتي الائتمان الدولية والمحلية.

ويقول مارتين كاهبوير عن البنك ان سوق العقار تشعر بوطأة الركود الاقتصادي ومشكلات النظام المصرفي او القطاع المالي، بشكل كبير مما يؤثر على نشاطه سلبا. ولا يتوقع التقرير أن البنك سيبدأ التعافي في الأسواق العقارية قبل التعافي الاقتصادي العام. إلا أن صندوق النقد الدولي قد حذر في تقرير أخير له بهذا الشأن، من ان الركود الاقتصادي الحالي قد يكون أسوأ من ركود الأربعينات.

لكن الأسواق العقارية التجارية والسكنية في الولايات المتحدة وبريطانيا، ليست وحيدة في مشكلاتها المتعددة الأوجه، إذ ذكرت التقارير الأخيرة أن أسواق العقار التجاري تشهد حالة من الهلع خوفا من تراجع اكبر على الأسعار في دول البلطيق بسبب أزمة الائتمان الدولية. وأكدت مؤسسة «ري اند سوليوشين غروب» (Re&Solution Group)، أن المستثمرين والملاك متهالكين على بيع العقارات والمشاريع مخافة تكرار انهيارات العام الماضي. ففي ليتوانيا مثلا تراجعت الأسعار في قطاع العقارات التجارية وتراجع عدد الصفقات العام الماضي بشكل عام رغم ان العام الماضي كان من افضل الاعوام في القطاع على الصعيد الاستثماري إذ وصلت قيمة الاستثمارات الى نحو 300 مليون يورو (386.5 مليون دولار). ويبدو ان صعوبة الحصول على القروض يمنع حصول وإتمام الكثير من الصفقات بين الباعة والمشترين. كما عانت لاتفيا من التدني في قيمة الاستثمارات الداخلية والخارجية رغم بداية مشجعة العام الماضي. ولا تزال استونيا تعاني من الركود في أسواقها العقارية التجارية أيضا بسبب الأزمات المالية الداخلية وعدم استقرار السوق.

ومع هذا تتوقع الكثير من المؤسسات العقارية الدولية المعروفة ان يتدخل الكثير من المستثمرين في الأسواق لاقتناص الفرص في الاوقات التي تناسبهم، لا على الصعيد التجاري فحسب بل على الصعيد السكني ايضا.

وتقول مؤسسة «ري اند سوليوشين» ان اجواء التقارب التي سادت في أوساط المستثمرين العام الماضي ستتغير حاليا لما يوفره السوق من فرص وعدد كبير من الخيارات العقارية بسبب ارتفاع عدد المصادرات وحالات الإفلاس واضطرار الكثير لبيع أو التخلص من عقاراتهم في أقرب وقت. ولذا هناك عدد لا بأس به من صناديق التحوط الدولية التي تراقب الأوضاع عن كثب في دول البلطيق التي تعتبر أسواقها من الأسواق الناشئة.

أما في المجر فالوضع معاكس تماما للوضع البلطيقي والدولي حيث تعاني معظم الدول من التراجعات والانهيارات في الأسواق، إذ إن الطلب على المكاتب التجارية الحديثة والممتازة ارتفع العام الماضي بشكل ملحوظ في العاصمة بودابست. وتشير الأرقام إلى أن الطلب ارتفع بنسبة 3 في المائة العام الماضي عما كان عليه عام 2007 خصوصا في المناطق الهامة وسط العاصمة. وتركزت النشاطات الاستثمارية والعقارية وزادت في الربع الأخير من العام الماضي ووصلت نسبة هذا النشاط من النشاط السنوي كله 35 في المائة. ويتوقع أن يتواصل النمو في هذا القطاع العقاري الهام العام الحالي، إذ إن الشركات تستخدم المكاتب المتوفرة حاليا وقبل انتهاء العمل بها. وتشير بعض المؤسسات إلى أن العرض والطلب في حالة متوازية ومستقرة وقد نمت السوق كما كان متوقعا وبالحجم المطلوب وقد كان عدد المكاتب الجديدة التي تم تأهيلها وبناؤها ضعف ما تم إنجازه عام (2007).