تبادل العقارات يلغي الحاجة إلى تمويل البنوك.. أحيانا

تعد حلولا جديدة لأزمة التمويل العقاري

التبادل العقاري يلغي الحاجة إلى البنوك أحيانا («الشرق الأوسط»)
TT

هذه الفكرة ليست جديدة ولكن أزمة التمويل العقاري الذي أصاب معظم الأسواق بالشلل شجع العديد من الشركات وأصحاب العقارات على تبنيها كمخرج مؤقت على الأقل من الأزمة الراهنة. وهي تمتد من العقارات المبنية إلى المشاريع من على الخرائط التي يتم التعامل فيها عن طريق المقايضة بالتبادل مع دفع فروق الأسعار نقدا وتنفيذ التعاقدات فورا من دون الحاجة إلى تعطيل إجراءات تمويل مصرفي غير متاح من البنوك.

وتصلح فكرة التبادل للعديد من الظروف التي تريد فيها العائلات الانتقال إلى عقارات أكبر حجما، أو الانتقال إلى عقارات أصغر في مرحلة التقاعد. وتصلح أيضا في حالات الانتقال من مدينة لأخرى أو من بلد لآخر لضرورات العمل أو لاختيار المعيشة في بلد مغاير. وهي أيضا فكرة تطبق في جميع قطاعات السوق من المساكن الشعبية وحتى القصور الفاخرة. وأسهلها يجري داخل البلد الواحد حيث يتم التعامل بعملة واحدة وتحت قواعد قانونية ثابتة، ولكن التبادل يحدث أيضا عبر الحدود ويكون التعامل بسعر العملة المعلن وقت تنفيذ التعاقد.

وتدخل شبكة الانترنت لاعبا قويا في هذا القطاع من السوق حيث إنها تتمتع بالانتشار الدولي وإمكانية عرض الصور والفيديو مع تكاليف رمزية لتقديم الخدمات لا تزيد أحيانا على 50 دولارا. وهناك بعض المواقع التي تقدم خدماتها مجانا اعتمادا على مصادر دخل أخرى من تدبير التمويل والإعلانات وصفقات البيع الأخرى. وتصل العمولة العادية في شركات إدارة التبادل العقاري التي تعمل في السوق الأميركي إلى نحو 500 دولار لكل صفقة في المتوسط.

وفي بريطانيا كانت الفكرة مطبقة قبل عقود في تبادل المساكن الشعبية المؤجرة رخيصا لطبقات فقيرة، بحيث يمكن لهؤلاء الانتقال من موقع إلى آخر من دون الحاجة إلى التخلي عن عقاراتهم والتقدم لمجالس محلية بعيدة عنهم للبحث عن مساكن بديلة. فالأولوية في هذه العقارات تتاح للسكان المحليين أولا، وتضعف فرصة من يعيش خارج المنطقة. وعبر الإعلانات في الصحف، كانت عروض الانتقال توفر أوصاف العقار المتاح وتطلب عقارا مماثلا وبديلا في منطقة أخرى على أن يتولى كل ساكن مسؤولية إيجار العقار البديل. وتقدم بعض المجالس المحلية البريطانية هذه الخدمة لسكانها لتسهيل مهمة التنقل الجغرافي لهم. هذه الفكرة للإسكان الرخيص تحولت الآن إلى تبادل عقارات ذات ملكية جزئية في مشاريع حكومية بريطانية تتيح ملكية الربع أو النصف لعقار بحيث يستأجر المالك الجزئي ما تبقى من العقار من مؤسسة عقارية تشرف على المشروع. ويمكن الآن تبادل العقارات المملوكة جزئيا بحيث تتم التسوية بالمبادلة. وتعرض مواقع مثل «بروبرتي اكستشنج» مئات العقارات المعروضة للتبادل داخل وخارج بريطانيا، وبعضها مملوك جزئيا لأصحابه.

ويلغي تبادل العقارات الخوف من انهيار الأسعار في السوق، كما في حالات الشراء النقدي أو بالاقتراض، حيث تهبط قيمة العقارات المتبادلة وترتفع بالتوازي وفق المناطق التي تقع فيها. وتقتصر مخاوف التبادل الدولي على تحولات أسعار العملة، حيث يخسر المشتري بعملات تتراجع قيمتها (كالجنيه الإسترليني والى حد ما الدولار أمام اليورو) أو في البلدان التي تنتشر فيها معدلات التضخم التي تضغط سلبا على قيمة العملة. وبالطبع يكسب المشتري في مناطق ترتفع فيها قيمة العملة كمنطقة اليورو.

والتبادل يصلح لجميع أحوال السوق ويسهل تنفيذه في الأسواق الهابطة لان عمليات البيع العادي تكون ضعيفة، كما توجد عقارات كثيرة متاحة في الأسواق للاختيار منها. ويكون لراغبي التبادل حوافز تبادل متوازية مع الطرف الآخر بحيث يمكن تنفيذ الصفقات بسهولة.

وتطلب الشركات او المواقع الالكترونية المشرفة على عمليات التبادل العقاري ان يدفع المشترك رسم تسجيل لعقاره لكي يعرض على الموقع. ويفتح له هذا التسجيل نافذة الاطلاع على كافة العقارات الأخرى المعروضة للتبادل لكي يختار منها. ومن بين مئات المواقع التي تقدم خدمات التبادل، يكون من الأفضل اختيار أكبرها حجما مثل موقع (1031 اكستشنج بروبرتي.نت) الذي يتخصص في تبادل العقارات الأميركية.

من مزايا التبادل أيضا إمكانية عرض التبادل بين اي موقعين في العالم بلا استثناء، وبغض النظر عن حجم وقيمة العقار المعروض او ذلك المطلوب طالما ان الفارق يمكن تسويته نقدا. وفي بعض الأحوال لا تتكلف المسألة أي أعباء مالية لان بعض المواقع تقدم خدماتها مجانا. من هذه المواقع موقع اسمه «اكستشنج سواب فيفا ستريت»، وهو موقع يتخصص في تبادل العقارات والسلع والخدمات أيضا.

من المجالات التي يشملها مجال التبادل العقاري أيضا عقارات الاستثمار التي يود أصحابها أن يستبدلوا بها أخرى مختلفة في الحجم أو الموقع. وهناك عشرات الشركات التي تقدم هذه الخدمات عبر مواقع الكترونية، بعضها يتخصص في أنواع معينة من العقار، مثل المساكن أو المحال التجارية، والبعض الآخر يتخصص في مواقع أو مدن معينة يوفر التبادل بين أرجائها. وفي الشهور الأخيرة، ومنذ تفاقم أزمة التمويل العقاري بدأت شركات عقارية كبرى تستخدم مواقع التبادل من اجل عرض عقاراتها الجديدة. وتقبل هذه الشركات بيع العقارات مقابل مبادلتها بعقارات اصغر وارخص على سبيل تسهيل عملية الشراء، وبعد إتمام عملية التبادل ودفع الفارق تلجأ شركات العقارات للتخلص من العقارات التي حصلت عليها بالتبادل عبر المزادات العلنية. وتعلن شركات العقار عن خدمات التبادل على أنها صفقة تبادل بعقارات قديمة أخرى جديدة أو اكبر حجما على أن يدفع المشتري فارق الثمن. ويتم التسويق على أساس تقدير قيمة العقار وخصم الثمن من قيمة العقار الجديد، مع توفير تكاليف عمولة وكيل التسويق العقاري. من الحوافز أيضا أن مشتري العقار الجديد يضمن الصفقة ويوفر من وقت الانتظار.

وتدخل على خط التبادل أيضا شركات تسويق عقاري عادية تعاني من تجمد السوق. وفيما توجهت بعض الشركات المتعثرة إلى مجال التأجير بدلا من البيع، فان البعض الآخر، مثل شركة «ترينس بينتر» البريطانية، توجهت إلى مجال التبادل العقاري الذي تقول عنه انه ينفذ في سبع خطوات.

وتبدأ هذه الخطوات ببائع عقار يريد بيعه أو أن يبادل به عقارا آخر. ويخبر البائع شركة العقار بمواصفات وموقع العقار الذي يبحث عنه للتبادل. وتساعده الشركة في البحث عن العقار المناسب للتبادل، حتى يعثر العميل على العقار المطلوب ويخبر به الشركة. وتتصل الشركة ببائع العقار الآخر وتحاول التوفيق بين الطرفين للتبادل. وبعد تبادل الزيارات والموافقة على التبادل تقوم الشركة بحساب فوارق الأسعار وتبدأ في تنفيذ الخطوات القانونية لتنفيذ التبادل.

وتقول الشركة ان هذا الأسلوب يكون أحيانا أسهل من صفقات البيع والشراء العادية لان التبادل لا تدخل فيه «سلسلة» مترابطة من العقارات التي يتعين بيعها أولا من اجل شراء عقارات اكبر أو اصغر منها.

وبالإضافة إلى شركات مقاولة العقار الجديد التي تقبل العقارات القديمة بالتبادل لدفع جزء من الثمن، هناك شركات خاصة تقوم بمهام تبادل العقار بالنيابة عن مقاولي تسويق العقار الجديد، تكون مستقلة عن المقاول وتوفر مرونة اكبر للعميل بحيث لا يلتزم بالشراء من مقاول معين. كما توفر هذه الشركات المتخصصة خيارات أوسع للعقارات التي يمكن شراؤها وتغطي مناطق جغرافية أوسع وتعمل في مختلف ظروف السوق. كما أنها توفر أيضا فرص الشراء لمنازل اكبر حجما وأغلى قيمة من المنازل الجديدة التي ينتقل إليها البائع. وأخيرا فإن التبادل عن طريق شركة محايدة يمنح العميل فرصة تفاوض أفضل مع المقاول العقاري بحيث يحصل على أفضل الشروط لأنه يتمتع في هذه الحالة بامتيازات المشتري نقدا. ويمكن الاستفادة من خدمات التبادل التي تقدمها الشركات بأسعار رمزية، تقل بكثير عن عمولات شركات بيع العقار. إحدى هذه الشركات «كويك موف» تعمل في هذا المجال منذ العام الماضي في بريطانيا على موقع الكتروني يتيح للمستهلك أن يعلن عن عقاره بوصف شامل وعرض تسع صور فوتوغرافية له مع إمكانية إبلاغه بالبريد الالكتروني فور وجود اهتمام من أي جهة بتبادل العقار. وتتيح الشركة أيضا إمكانية البحث في رصيدها من العقارات المعروضة للتبادل. وتحمل الشركة على موقعها الالكتروني أكثر من ألفي عقار معروض للبيع أو التبادل، ولا تحصل الشركة من المعلنين سوى على مبلغ 15 جنيها إسترلينيا مقابل البقاء على الموقع، المتاح عالميا، حتى إتمام صفقة البيع او التبادل. الشركة تعمل ايضا في مجالات بيع العقار وتبادل الممتلكات الثمينة، ولكن اهم مجالات نشاطاتها هو التبادل العقاري الذي يشمل في مجمله عقارات بريطانية، وبعض العقارات الأوروبية والأميركية، وأراضي في كندا. ومع ذلك فليست كل أطراف السوق سعيدة بالتبادل العقاري، فهناك تحذيرات من نقابة سماسرة ووكلاء العقار من التيار الجديد الذي يهدد بجذب نشاط تجارة العقار من مكاتب البيع التقليدية. وتقول هيئة وكلاء العقار ان العديد من المتعاملين في مجال العقار لا يفضلون التبادل وان التعامل عبر الانترنت يعرض المتعاملين للمخاطر في حالات الاحتيال او ظهور مشكلات قانونية. ولكن التوفير وسرعة التعامل والخروج من شلل السوق حاليا تعد من حوافز زيادة نشاط التبادل.

مما يذكر ان النمو المطّرد في صفقات التبادل العقاري لفت نظر إدارة الضرائب البريطانية التي قررت تغيير القانون حتى تحسم أمر المتعاملين بالتبادل لكي تفرض عليهم ضرائب كانوا معفيين منها. فصفقات العقار تخضع في العادة الى ضرائب تمغة كانت صفقات التبادل معفاة من نصفها بحكم انها كانت تفرض فقط على العقار الاعلى ثمنا بين العقارين المتبادلين. ولكن القانون تغير لكي تفرض هذه الضريبة على العقارين معا في صفقات التبادل ايضا. ولكن حتى مع نهاية الميزة الضريبية فان سرعة القرار وانجاز الصفقات هي الحافز الأهم في صفقات التبادل.

في إحدى الحالات استطاع زوجان في مرحلة التقاعد أن يستبدلا بمنزل كبير يطل على البحر آخر أصغر حجما داخل مدينة ايستبورن الساحلية، بسبب موقع المنزل على هضبة ووجود أربعين درجة سلم للوصول إلى المدخل الرئيسي للعقار. وفي المقابل كانت العائلة التي تسكن في وسط المدينة تبحث عن منزل بحديقة واسعة للأطفال ولم تكن درجات السلم تضايقها لان الزوجين ما زالا في مرحلة الشباب من العمر. وبعد التفاوض المباشر تم تقييم المنزل الساحلي بنحو 600 ألف جنيه استرليني، مقابل 400 ألف جنيه للمنزل الأصغر حجما. ولدى إتمام الصفقة اتضح ان حجم التوفير في تكاليف البيع والشراء لكل من الطرفين بلغ نحو عشرة آلاف جنيه استرليني.

من الحالات الأخرى، صفقة تبادل ناجح بين جيران كانت أسرة منهما تسعى لشراء منزل اكبر حجما بينما كانت عجوز تعيش بمفردها في منزل تاريخي واسع وتبحث في الوقت نفسه عن مسكن اصغر حجما. كان الطرفان يبحثان عن عقارات مناسبة من دون الحاجة الى مغادرة القرية التي يعيشون فيها. وفجأة خطرت لهما فكرة التبادل العقاري، ونجحت الفكرة في التنفيذ لأنهما يعرفان تماما الموقع والجيران الآخرين. من الفوائد الأخرى لهذه الصفقة: التوفير، وعدم دخول أطراف ثالثة في الصفقة بمزايدات أو التأخير من انتظار إتمام صفقات بيع أخرى في سلسلة أطراف تنتظر البيع من اجل الشراء. ولم يتطور أسلوب التبادل العقاري عربيا بعد، وإن كانت هناك بعض الصفقات الفردية التي تتم عرفيا بين أطراف تعرف بعضها. ويمكن لقراء الصحف العربية مطالعة إعلانات مبوبة عن بائعي عقار يطلبون المبادلة بعقارات في مدن أخرى داخل البلد الواحد. ولكن من غير المعهود أن تتم صفقات تبادل عقاري بين الدول العربية لتباين القوانين وأحيانا لمنع تملك العقارات لغير المواطنين. ويمكن القول إن صفقات التبادل العقاري تنتظر تطور القوانين العربية وانفتاح الأسواق. فالتبادل فيه الكثير من المنافع مثل سهولة الإجراءات وخفض التكلفة وسرعة إنجاز الصفقات.