الأزمة العالمية تمتد إلى بلغاريا.. و تراجع الاستثمارات الأجنبية فيها بملياري دولار في 2008

أسواقها العقارية كانت مقصد المستثمرين الأجانب خلال السنوات القليلة الماضية

جانب من العاصمة البلغارية صوفيا («الشرق الأوسط»)
TT

بدأت أسعار العقارات بالتراجع في إحدى أهم الأسواق العقارية الأوروبية الناشئة والحديثة، وهو السوق البلغاري، الذي كان محط المستثمرين الأجانب خلال السنوات القليلة الماضية كما تشير التقارير الأخيرة. ويبدو أن أزمة الائتمان الدولية التي أدت إليها القروض العقارية عالية المخاطر في الولايات المتحدة قبل سنتين تقريبا، قد وصلت إلى بلغاريا وأسواقها السكنية والسياحية. فقد كانت بلغاريا، رابع محطة استثمارية عقارية في العالم بالنسبة للبريطانيين قبل عامين (2007) وكانت أكثر الدول جذبا للنخبة المالية الروسية وأغنيائها في الفترة الأخيرة كما كان الحال في العاصمة البريطانية لندن خلال السنوات العشر الماضية. وركز الروس كثيرا من استثماراتهم وأملاكهم في المناطق الساحلية السياحية. وكانت العادة أن يبني البريطانيون أولا ويشتري الروس بعد ذلك كما هو معروف.

وقد ساعد الاقتصاد البلغاري القوي نسبيا على استقطاب كثير من الشركات الأجنبية والأوروبية الاستثمارية، خاصة في العاصمة صوفيا، مما رفع الطلب على العقارات من قبل كثير من موظفي هذه الشركات الأجنبية الذين قدموا إلى البلاد للعمل.

لكن الأوضاع الاقتصادية الحالية والركود الاقتصادي في بريطانيا وإحجام كثيرين عن التدخل في سوق الاستثمار العقاري الأوربي الشرقي، والأوضاع الروسية المماثلة، وربما الأسوأ من الناحية الاقتصادية ، أدت إلى تراجع عدد المستثمرين العقاريين الأجانب من هذين البلدين المهمين على هذا الصعيد، وتوقف وتأجيل كثير من المشاريع المهمة في شتى القطاعات السكنية والتجارية والسياحية الفندقية بسبب شحة القروض وجفاف التمويلات المالية بشكل عام بسبب أزمة الائتمان كما ذكرنا سابقا.

وتشير الأرقام الأخيرة التي نشرها مكتب الإحصاءات الوطني في صوفيا، إلى أن أسعار العقارات السكنية كانت تواصل ارتفاعها حتى الربع الثالث من العام الماضي (2008)، لكن في الربع الرابع تراجعت أسعار المتر المربع (695 يورو) بنسبة 4.1 في المائة عما كانت عليه في الربع السابق. وتقول مؤسسة «كوليارز إنترناشيونال» العقارية الدولية المعروفة بهذا الصدد في تقريرها الأخير، إن معدل سعر المتر المربع في بلغاريا لا يزال 1000 يورو تقريبا.

ومع هذا، فإن أسعار العقارات في الربع الأخير من العام الماضي كانت أعلى من العام السابق (2007) بنسبة 11.7 في المائة. وتبدو هذا النسبة عالية، نسبة إلى معدل التضخم العام في البلاد. وإذا أخذنا هذا المعدل في الاعتبار، تكون الزيادة السنوية بنسبة 2.3 في المائة.

كما تراجعت الأسعار العقارية في العاصمة صوفيا بنسبة 2 في المائة في النصف الثاني من العام الماضي، نسبة إلى ما كانت عليه في النصف الأول من العام ذاته لتصل إلى 9 في المائة فقط. ويدو واضحا أن نسبة الزيادة السنوية على الأسعار في هذا السوق الناشئ، تراجعت بشكل كبير عما كانت عليه أيام الطفرة العقارية خلال السنوات السبع الماضية، فالأرقام تشير إلى أن نسبة ارتفاع الأسعار عام 2007، أي قبل عامين، كانت 27 في المائة وهي نسبة عالية جدا، وقبل ذلك العام (2006) كانت 16 في المائة، وقبل ذلك العام (2005) بنسبة 37 في المائة. ومن المعروف جدا أن توقيت دخول بلغاريا السوق الأوروبية المشتركة أو الاتحاد الأوروبي قبل عامين، أشعل الأسواق وضخم من شهية المستثمرين الأوروبيين الذين تهافتوا على الأسواق قبل فوات الأوان واشتروا كل ما كان متوفرا في الأسواق من عقارات مهمة.

وتهافت هؤلاء الأجانب، وجلهم من ألمانيا وبريطانيا وروسيا وأيرلندا وغيرها، على أسواق العقار في المناطق الساحلية على البحر الأسود، التي تكثر فيها المنتجعات السياحية أو النقاط السياحية الساخنة. وانتقل الطلب الأجنبي الكبير بعد البحر الأسود إلى مناطق نهر الدانوب وضفافه. وتشير الأرقام التي نشرتها مؤسسة «غلوبال بربرتي غايد» الدولية، إلى أن الطلب الكبير على العقارات وارتفاع عدد الاستثمارات والمشاريع الأجنبية خلال السنوات الماضية أدى إلى نمو الاقتصاد العام بنسبة 6 في المائة بين عامي 20054 وعام 2008. لكن أزمة الائتمان الدولية، وتبعاتها أدت إلى تراجع الطلب على العقارات بشكل كبير وتراجع عدد الأذون الجديدة آو تصاريح البناء نهاية العام الماضي بنسبة 15 في المائة عما كانت عليه العام السابق.

كما أشارت التقارير إلى أن 5 في المائة من المكاتب العقارية قد أغلقت أبوابها بسبب التراجع الحاد في النشاط العقاري بين الربع الأخير من العام الماضي وبداية العام الحالي يناير (كانون الثاني) 2009. وفيما تتوقع «غلوبال» أن يرتفع عدد المكاتب العقارية المفلسة بنسبة أكبر هذا العام، فإن التوقعات أيضا ببدء التعافي ستكون بعد عام 2012.

وكما هو معروف، كانت بلغاريا ورومانيا من أفقر دول الاتحاد الأوروبي عند انضمامهما إلى الاتحاد بداية عام 2007، لكن الطفرة العقارية في كل من البلدين أدت إلى نمو ملحوظ في الاقتصاد وصلت نسبته 6 في المائة العام الماضي، ووصل معدل النمو بين عامي 2004 و2006 إلى 6.4 في المائة، بعدما لم يتعد نسبة 4.7 في المائة بين عام 2000 وعام 2003. وتراجع معدل البطالة بسبب كثرة المشاريع المحلية والأجنبية ومشاريع البنى التحية والتحديثية عام 2002 بنسبة 18.2 في المائة، وفي عام 2007 بنسبة 6.9 في المائة، أما العام الماضي فوصلت النسبة إلى 5.6 في المائة. وساهمت الاستثمارات الأجنبية العقارية في فتح كثير من فرص العمل وإنعاش الاقتصاد الوطني بشكل عام. ولمعرفة حجم النمو في قيمة هذه الاستثمارات الأجنبية، لا بد من إلقاء نظرة على الأرقام التي تشير إلى أن قيمتها عام 2001 لم تتعد 13.4 مليون دولار، وخلال ست سنوات، أي عام 2007، وصلت إلى 2.3 مليار يورو. أي بارتفاع من 1 في المائة عام 2001 إلى 35 في المائة عام 2007.

ويبدو أن التراجع الاقتصادي في البلاد خلال الربع الأخير من العام الماضي (2008)، كان بسبب الركود الاقتصادي الأوروبي وتراجع نمو أسعار العقارات السنوية في هذه الفترة ليصل إلى 3.6 في المائة، بعدما كان حوالي 7 في المائة في النصف الأول من العام الماضي. بأية حال، فإن توقعات تقارير الاتحاد الأوروبي تقول إن الاقتصاد البلغاري سيتراجع وينكمش بشكل عام هذه السنة. ويتوقع أن تتراوح نسب التراجع بين 1 و 2 في المائة حتى نهاية عام 2010. لكن بعض المصادر الاقتصادية الدولية الأخرى تتوقع تراجعا بنسبة 0.6 في المائة.

وقد تراجعت قيمة الاستثمارات الأجنبية، وجلها في القطاع العقاري، من 6.5 مليار يورو عام 2007 إلى 5.4 مليار يورو. أي بتراجع نسبته 16 في المائة تقريبا. وكانت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة عام 2006 قد وصلت إلى 6 مليارات يورو. وتراجعت قيمة الاستثمارات الأجنبية العقارية المباشرة نهاية العام الماضي بنسبة 39 في المائة، ما يقارب 1.5 مليار يورو (2 مليار دولار). وحول القروض العقارية التي أدى توفرها بكثرة خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة العام الماضي، إلى إشعال سوق العقار والمساهمة في الطفرة العقارية في بلغاريا، فقد شكلت سوق القروض ما نسبته 11.2 في المائة من حجم الاقتصاد العام السنة الماضية. ولم تكن هذه النسبة تتعدى الـ0.4 في المائة قبل ثماني سنوات، أي عام 2000 .

لكن يتوقع أن تساهم هذه القروض لاحقا، في تأزيم الأوضاع أكثر، إذ أن 99 في المائة منها ذات طبيعة ثابتة من ناحية معدلات الفائدة، ويتوقع أن تنتهي فترة الثبات السنة المقبلة، مما سيترك معظم القروض في البلاد عرضة لتغيرات وتبدلات معدلات الفائدة المتناغمة مع الاقتصاد الراكد. وتشكل نسبة القروض الأوروبية في الأسواق بشكل عام ما نسبته 43 في المائة من عدد القروض بشكل عام، أما القروض البلغارية، فلا تتعدى نسبتها الـ57 في المائة. أما القروض العقارية الممنوحة بالدولار الأميركي، فتشكل ما نسبته 1 في المائة من عدد القروض. ومع هذا، فإن معدل الفائدة على القروض، وبسبب تدخل البنك المركزي الأوروبي، ارتفع ليصل إلى 10.4 في المائة بداية العام الحالي (2009). ولم تتعد هذه النسبة الـ8.35 في المائة عام 2007. كما ارتفعت معدلات الفائدة على القروض العقارية من 7.4 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2007 إلى 8 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، أي قبل خمس أشهر.

وشددت البنوك البلغارية في الفترة الأخيرة وبسبب أزمة الائتمان، من شروطها لمنح القروض العقارية كما هي الحال في معظم دول العالم، فبدلا من القروض التي كانت تغطي 90 في المائة من قيمة العقار أو 80 في المائة، لم تعد تتعدى التغطية الـ70 في المائة، وأحيانا 50 في المائة. بأية حال، فإن النشاط العقاري والإنشائي في البلاد قد ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الماضية، خاصة في العاصمة صوفيا، ولهذا ارتفع عدد الشقق والعقارات السكنية الخاصة بالطبقة المتوسطة والموظفين ومن النوعية الجيدة في الأسواق، خاصة في أحياء ازتوك وفازوف ودكتورز غاردنز. ومع ارتفاع عدد الشقق، لم تترفع معدلات الإيجار في المدينة كثيرا، وتراوحت بين 1 و3 في المائة فقط بين عامي 2006 و2008، على الرغم من أن أسعار العقارات بشكل عام ارتفعت بمعدل 10 في المائة على الأقل في الفترة نفسها.

ولم تشهد معدلات الإيجار أي تطور ملحوظ العام الماضي، خاصة في النصف الثاني، على الرغم من تراجعها بنسبة 1 في المائة عما كانت عليه نهاية عام 2007.

وحسب إحصاءات مؤسسة «غلوبال»، فإن التفاوت بين معدلات ارتفاع الأسعار والإيجار أدى إلى تراجع معدلات الإيجار في العاصمة، وتراوح معدل الإيجار في وسط المدينة بين 4.6 و4.9 في المائة، بينما تراوح المعدل في المناطق والضواحي الجانبية المعروفة بين 5.4 في المائة و6 في المائة.

وتؤكد التقارير الأخيرة أن أسعار العقارات في العاصمة صوفيا هي الأغلى في جميع أنحاء بلغاريا (1.1 ألف يورو للمتر المربع) ، وتأتي بعدها، حسب إحصاءات العام الماضي، فارنا (1.0 ألف يورو للمتر المربع) وبورغاس (880 يورو للمتر المربع) في مناطق البحر الأسود. وتحوز هاتان المنطقتان على نصف العقارات السكنية والسياحية الجديدة في البلاد، مما أعاق الحركة السياحية خلال السنوات الماضية بسبب كثرة مشاريع البناء والحفريات والتلوث والضجة وانقطاع التيار الكهربائي أحيانا.

لكن أسعار العقارات في هاتين المنطقتين ارتفعت بنسبة 124 في المائة في فارنا و122 في المائة في بورغاس بين عام 2004 وعام 2007. بينما تعدت هذه النسبة في دوبريتش المحاذية لرومانيا لتصل إلى 210 في المائة عن نفس الفترة.