بريطانيا: تقرير يشيع بعض التفاؤل في سوق العقار.. لكن المخاوف تتواصل

قال إن الأسعار ارتفعت في مارس بنسبة 0.9% للمرة الأولى منذ 17 شهرا

مازالت المخاوف تلقي بظلالها على سوق العقار البريطاني (« الشرق الأوسط»)
TT

بعد طول انتظار، بدأت الرياح العاتية والسلبية التي تعرضت لها أسواق العقار البريطانية بتغيير اتجاهاتها، إذ ارتفعت أسعار العقارات السكنية لأول مرة منذ أغسطس (آب) عام 2007 أي منذ بدء أزمة الائتمان الدولية. وأشار التقرير الشهري الأخير لبنك «نيشين وايد» (Nationwide Building Society) أن الأسعار ارتفعت في الشهر الماضي مارس (آذار) بنسبة 0.9 أي ما يقارب واحد في المائة. وهي المرة الأولى منذ نحو 17 شهرا، مما ترك انطباعا إيجابيا عند المحللين والخبراء الذي يعتقد بعضهم أن هذا التغيير دليل على بدء التعافي في الأسواق وتراجع ضغوط أزمتي الائتمان والنظام المصرفي اللتين ساعدتا على تراجع الأسعار خلال تلك الفترة بشكل حاد لم يسبق له مثيل منذ سنوات طويلة. وعلى هذا الأساس، يكون معدل سعر العقار أو المنزل في بريطانيا قد ارتفع ليصل إلى 151 ألف جنيه (200 ألف دولار) تقريبا، أي أقل بـ40 ألف جنيه تقريبا عما كان عليه عام 2007. ويبدو أيضا أن التراجع على الأسعار بشكل عام بدأ يتباطأ، إذ تراجع معدله من 17.6 في المائة في فبراير (شباط) إلى 15.7 في المائة في مارس (آذار) العام الحالي. وتقول فيونولا ايرلي عن «نيشن وايد» معلقة على المفاجئة الجديدة للأسواق: «بينما نرحب بارتفاع الأسعار بالطبع، لا يزال من المبكر اعتبار هذا دليلا على أن الأسواق قد مرت بأسوأ ما يمكن أن تمر به».

وترافقت هذه الأخبار السارة بالنسبة للمستثمرين وأصحاب العقارات والعاملين في الأسواق بشكل عام، مع التقرير الأخير الذي نشره بنك إنكلترا، الذي أشار إلى ارتفاع بنسبة 20 في المائة في عدد القروض العقارية الممنوحة في فبراير (شباط) هذا العام. وتوقع البنك في تقريره ارتفاع عدد القروض في الأشهر القليلة المقبلة مما يحرك الأسواق وينعشها وربما يخرجها من غيبوبتها الطويلة.

ويتوقع أيضا أن تلعب المصارف والبنوك الكبرى التي أنقذتها الحكومة في الفترة الأخيرة دورا كبيرا في توفير هذه القروض وزيادة عددها في الأسواق لحماية الأسواق من الانهيار بعد تراجعات حادة على الأسعار لفترة طويلة، مثل بنكي «لويدز» (Lloyds TSB) و«آر بي اس» (RBS) اللذين تعهدا وحدهما بتوفير ما لا يقل عن 40 مليار جنيه (59 مليار دولار) (25 مليار لـ«آر بي اس» و14 مليار لـ«لويدز») من القروض العقارية هذا العام. وهذا يعني أن البنوك والمصارف والمؤسسات المالية الخاصة بالقروض العقارية، ستشدد أيضا من شروطها الكثيرة لمنح القروض، خاصة القروض السكنية والتجارية، وربما ترفع من قيمة الدفعة الأولى لتغطية مشاركتها في الأسواق وحماية قروضها. وفيما يصعب حاليا الحصول على قروض تنافسية الأسعار (معدلات الفائدة) للقروض التي تشترط 40 في المائة كدفعة أولى، لا يمكن للمشترين للمرة الأولى والداخلين إلى سوق العقار الذين يدفعون 10 في المائة كدفعة أولى الحصول على معدلات للفائدة أقل من 6 في المائة. ومن البنوك الكبيرة والمهمة في أسواق القروض العقارية التي أعلنت نيتها رفع قيمة مشاركتها المالية من القروض في الأسواق، أيضا بنك «اتش اس بي سي» (HSBC) الذي يعتبر أكبر مؤسسات الإقراض في بريطانيا، إذ أكد في بيان أخير له عن نيته تخفيف أزمة شحة القروض وندرتها، ومنح قروض بمعدل منخفض للفائدة لا يتعدى 3 في المائة للذين يدفعون 25 في المائة كدفعة أولى أو 25 في المائة من قيمة القرض. ولم يكن البنك يمنح هذا المعدل المنخفض للفائدة إلا للذين يدفعون 40 في المائة من قيمة قروضهم. وكما تتوقع هيئة المساحين الملكية في بريطانيا، ستكون هذه الشروط وهذه المعدلات نسخة أو نموذجا وطنيا عاما عن قروض العقار الحالية والمستقبلية.

ويقول سيمون روبينسون عن الهيئة في هذا الإطار: «فيما يخرج السوق حاليا من غرفة العناية الفائقة، فإن عودة الأسواق إلى سابق عهدها لا تزال بعيدة». ويتوافق كثير من المحللين مع روبينسون ويحذرون من الإفراط في التفاؤل، إذ أن توفر القروض في الأسواق لن يكون إلا تدريجيا، وأن الأسعار ستواصل في المستقبل القريب تراجعاتها مع انكماش أكبر للاقتصاد. ويبدو من تقرير «نيشن وايد» فإن التراجع الأسوأ على الأسعار لا يزال في مقاطعة ويلز، حيث تراجعت الأسعار بنسبة لا تقل عن 8 في المائة بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) هذا العام، بينما كانت مناطق جنوب غرب إنجلترا الأفضل أداء من ناحية الأسعار التي لم تتراجع بأكثر من 2.9 في المائة في الفترة نفسها. كما يبدو من التقرير أن الأسعار في جنوب شرق إنجلترا قد تراجعت بنسبة 4.5 في المائة، أي أقل من العاصمة لندن بقليل، حيث سجلت 5.3 في المائة. أما أيرلندا الشمالية فقد سجلت تراجعا بنسبة لا تقل عن 4 في المائة بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) من هذا العام. ولم تتعد نسبة التراجع هذه في الربع الأول من العام الماضي الـ8 في المائة. وهذه المرة الأولى التي يتباطأ فيها تراجع الأسعار في أيرلندا الشمالية منذ عامين . ووصلت نسبة التراجع السنوية على أسعار العقارات في المنطقة إلى نحو 29 في المائة، أي أقل بكثير مما كانت عليه في الربع الأخير من العام الماضي، حيث وصلت إلى نسبة لا تقل عن 34 في المائة. كما انخفض معدل التراجع الربعي على الأسعار من 8 في المائة في الربع الأول من العام الماضي إلى 4.1 في المائة في الربع الأول من العام الحالي. ويصل معدل سعر المنزل أو العقار في المنطقة حاليا إلى نحو 138.5 ألف جنيه (204 ألف دولار). وعلى الرغم من تراجعات الأسعار الحادة في اسكوتلندا خلال الربع الأول من هذا العام، فإن الأسواق هناك لا تزال قوية والأفضل أداء في بريطانيا منذ خمسة فصول. ويشير «نيشن وايد»، إلى أن اسكوتلندا من المناطق التي تشهد أقل نسبة سنوية على تراجع الأسعار في جميع أنحاء البلاد، ولم تتعد نسبة التراجع الفصلية أو الربعية على الأسعار الـ5.1 في المائة. ويصل معدل سعر العقار في المنطقة حاليا إلى 131 ألف جنيه (193 ألف دولار). ولا تزال لندن، كما يبدو، من أغلى المناطق البريطانية، والمناطق الشمالية لا تزال الأرخص في البلاد، ولا تزال أيرلندا الشمالية تتمتع بأكبر بنسبة سنوية لتراجع الأسعار كما سبق وأشرنا.

ويشير تقرير البنك إلى أن نسبة التراجع السنوية على أسعار العقارات السكنية في الربع الأول من هذا العام قد وصلت إلى 16.5 في المائة، أي بارتفاع كبير عما كانت عليه في الربع الأخير من العام الماضي (2008)، حيث وصلت إلى نحو 14.7 في المائة، على الرغم من تحسن نسبة التراجع الربعية أو الفصلية، حيث كانت 4.7 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي، ووصلت في نهاية الربع الأول من هذا العام إلى 4.2 في المائة، كما تؤكد ايرلي عن البنك.

وحول العاصمة لندن، التي يصل معدل سعر العقار فيها حاليا إلى 242 ألف جنيه (357 ألف دولار)، تشير الأرقام إلى أن التراجع على الأسعار في الربع الأول هذا العام كان أسوأ من الربع الأخير من العام الماضي، حيث تراجعت من 15.1 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي إلى 18.2 في الربع الأول من هذا العام. ولا تزال العاصمة، كما يبدو، من أسوأ المناطق أداء من ناحية معدل تراجع الأسعار الربعية أو الفصلية والسنوية في جميع أنحاء بريطانيا، والأكثر تضررا من أزمة الائتمان وشحة القروض والاستثمارات. وأشار استطلاع لبنك «نيشن وايد» إلى أن 60 في المائة من سكان العاصمة يعتقدون أن الأسعار ستواصل تراجعها خلال الأشهر الستة المقبلة، أي إلى فترة الأعياد وقبل نهاية العام، مقارنة بـ54 في المائة في بقية المناطق. مما يشير إلى أن التشاؤم في العاصمة أكبر مما هو عليه في بقية المناطق. ويشير الاستطلاع إلى أن سكان المناطق الغربية الشمالية من إنجلترا الأكثر تفاؤلا بين السكان فيما يتعلق بالأسعار في المستقبل، إذ أن أقلية قليلة من سكان منطقتي هامبرسايد ويوركشر يعتقدون أن الأسعار ستتراجع أكثر قبل نهاية العام. ويعتقد كثير من سكان المناطق الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية أن الأسعار سترتفع خلال الفترة نفسها. بأية حال، فقد كانت أكثر المناطق تضررا من أزمة الائتمان في العاصمة لندن، كما يبدو، هي منطقة نيوهام، حيث وصلت نسبة التراجع على أسعار العقارات فيها إلى نحو 28 في المائة في الربع الأول من العام الحالي. على عكس منطقتي هاكني وايسلينغتون اللتين شهدتا أقل نسبة تراجع على الأسعار في المدينة، حيث لم تتعد الـ4 في المائة في الربع الأول. وكانت هذه النسبة قد وصلت إلى 8 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي.

ولا تزال منطقة وست منستر هي الأغلى في لندن، إذ يصل معدل سعر العقار فيها إلى نصف مليون جنيه (737 ألف دولار)، تليها منطقة كامدن التي يصل معدل سعر العقار فيها إلى نحو 452 ألف جنيه (670 ألف دولار)، ثم اسلينغتون بمعدل 436 ألف جنيه (ألف دولار). ولا تزال منطقة باركينغ اند داغناهم الأرخص، حيث لا يتعدى معدل سعر العقار حاليا أكثر من 187 ألف جنيه (275 ألف دولار). وحول الوضع العقاري في إنجلترا بشكل عام، تقول الأرقام الأخيرة إن أسعار العقارات تراجعت في الربع الأول من هذا العام بنسبة لا تقل عن 4.4 في المائة، مما يعني أن النسبة المئوية لتراجع الأسعار قد وصلت إلى نحو 17 في المائة (16.9 في المائة). وفيما تراجعت أسعار العقارات في المناطق الشمالية من العاصمة السنة الماضية بنسبة 15.7 في المائة، تعدت هذه النسبة في جنوبها الـ17.6 في المائة.

لكن أسوأ المناطق أداء في إنجلترا من ناحية تراجع الأسعار كانت منطقة ايست انغليا، حيث وصلت نسبة التراجع في الربع الأول من العام الحالي إلى نحو 20 في المائة.

وجاءت بعد ايست انغليا المناطق الجنوبية الشرقية ولندن وبعض المناطق الأخرى التي سجلت تراجعا سنويا بنسبة 18.4 في المائة، بينما لم تتعد نسبة التراجع في مناطق إنجلترا الشمالية والشمالية الغربية الـ15.3 في المائة.