بداية موجة اقتناص الفرص العقارية في أميركا وآسيا

الصينيون يتجهون غربا والبريطانيون شرقا

TT

في الوقت الذي تتركز فيه الأنظار على الأزمة الاقتصادية وحلولها المقترحة من قمة مجموعة العشرين، فإن العديد من المستثمرين وصلوا إلى قناعات خاصة بهم أن البحث عن الفرص العقارية في الأسواق الملائمة لهم أفضل بكثير من أي نوع آخر من الاستثمار، أو حتى الاحتفاظ بالنقد في البنوك. ويمكن رصد محاولات دخول إلى الأسواق تجري بطريقة عكسية في الأسواق العالمية. فمن ناحية يتسابق المستثمرون من الصين على اقتناص الفرص في السوق الأميركية في الوقت الذي يتجه فيه مئات من المصرفيين البريطانيين إلى منطقة جنوب شرق آسيا ليس فقط للبحث عن وظيفة وإنما أيضاً لشراء عقارات يرون أنها الأفضل قيمة في العالم حالياً. ويمكن استنتاج أن السوقين الأميركية والآسيوية قد تمثلان أفضل النقاط الساخنة للاستثمار حالياً، وقد تقودان عالم العقار المتهاوي نحو بريق من أمل الانتعاش.

ويلجأ المستثمرون الصينيون إلى الذهاب إلى أميركا في عطلات سياحية هدفها الأساسي هو البحث عن العقارات الملائمة. وتنظم شركتان على الأقل رحلات سياحة عقارية من هذا النوع وسط أنباء صينية تشير إلى أن مستثمري الصين يحاولون إنقاذ سوق العقار الأميركي. إحدى هذه الشركات اسمها «سوفان» وتقول إنها بصدد تنظيم عشر رحلات من هذا النوع خلال العام الجاري وإن هناك ما يزيد على 500 مستثمر له اهتمام بشراء عقارات أميركية. وتصحب الشركة سياحها لمشاهدة عقارات معروضة للبيع وتساعدهم على إتمام عمليات الشراء في حالات الاتفاق.

ويقول أحد المستثمرين الصينيين العائدين من رحلة عقارية استغرقت نحو 14 يوماً إنه وجد تراجع الأسعار الأميركية جذاباً، خصوصاً أنها وصلت إلى حدود متدنية تجعل منها قيمة جيدة للمستثمرين الذين يبحثون عن فرص استثمار. ويعبر العديد من المستثمرين الآخرين عن رغبات ودوافع مختلفة للشراء منها توفير مسكن لأبنائهم الذين يتطلعون إلى تلقي التعليم في أميركا، حيث يشعرون أن وجود المسكن يمنحهم فرصة جيدة للقبول (وهو أمر غير صحيح)، بينما يعترف البعض الآخر أن الرحلة كانت بغرض السياحة واستعراض أحوال سوق العقار الأميركية من دون الرغبة، وأحياناً القدرة، على الشراء.

ولكن هذا التيار يواجه بصعوبات على الجانب الأميركي، حيث يصر بعض البائعين على وجود أصول أميركية للمشتري داخل أميركا قبل الموافقة على البيع. وإذا تعذر ذلك يمكن القبول بأصول ورصيد في هونغ كونغ، ولكن ليس في الصين نفسها. ويتخذ البائعون هذا الموقف نتيجة لنصائح من مستشاريهم القانونيين الذين يعرفون مدى صعوبة تسوية الخلافات في محاكم صينية إذا ما دعت الحاجة لذلك.

من عوامل الجذب الأخرى أن معدل الأسعار في المدن الأميركية الآن أصبح أرخص منه في المدن الصينية الرئيسية مثل بكين أو شنغهاي. ويؤكد منظمو الرحلات العقارية أن الثمن هو الدافع الأكبر لرحلات الشراء العقاري لأميركا. فبثمن يبلغ 400 أو 500 ألف دولار يمكن شراء عقار أفضل بكثير في مدينة أميركية عما هو ممكن في مدينة صينية.

وهناك أيضاً نسب متزايدة من الأثرياء في الصين يبحثون عن فرص استثمار جديدة خارج الحدود. ويقول تقرير من شركة استشارية اسمها مجموعة بوسطن إن الصين بها الآن نسبة 20 في المائة من كل مليونيرات العالم، وبلغ عدد هؤلاء في عام 2008 حوالي 391 ألفاً، بزيادة 20 في المائة عن العام الأسبق.

من العوامل الفاعلة في السوق الأميركية حالياً التي قد تكون سبباً في خفض الأسعار اصطناعياً، استخدام شركات العقار في عمليات تقدير القيمة العقارية. وتقدم هذه الشركات خدمات رخيصة لا تزيد قيمتها على 50 دولاراً لكي توفر تقييماً لقيمة العقار، وذلك بدلا من تقييم من خبير معتمد يتكلف عدة مئات من الدولارات. ولكن شركات العقار تلجأ إلى خفض الأسعار حتى تضمن عمليات بيع سريعة وأيضاً في حالات تقييم العقارات لصالح البنوك. ويطالب خبراء تقييم العقار بتنظيم السوق واشتراط حصول مقوم العقار على مؤهلات وخبرة حتى لا ينعكس التقييم سلبياً على الأسواق ويعرقل عودتها إلى الانتعاش.

من ناحية أخرى أظهرت إحصاءات أميركية أن العقارات التي تأخذ الحفاظ على البيئة في الاعتبار، من حيث استهلاك الطاقة وإعادة تدوير المخلفات، تباع بأسعار أعلى كما تحصل على إيجارات أعلى. وفي حالة العقارات التجارية تكون الفوارق المالية واضحة على نطاق أكبر مما يعزز الجدوى من تحويل العقارات إلى «مبان خضراء». ولا يمانع المستثمرون والمستأجرون على السواء في دفع مبالغ أعلى للحصول على عقارات جيدة في استهلاك الطاقة. ويعد هذا البحث هو الأول من نوعه ويثبت بوضوح أن العناية بالبيئة لها أيضاً عوائد أفضل.

وعلى الجانب الآخر من المعادلة العالمية توجد مفارقة لافتة، حيث تأثرت منطقة جنوب شرقي آسيا أكثر من غيرها بالكساد العالمي، ولكنها تستقبل الآن بأعداد متزايدة المزيد من كبار المصرفيين الذين تسببوا في الأزمة. فهؤلاء يبحثون عن مواقع جذابة في العالم يقضون فيها وقتاً بعيداً عن تحولات الأسواق حتى تنتهي موجة الكساد وتبدأ بعدها عمليات التوظيف مرة أخرى.

وتتفوق منطقة جنوب شرقي آسيا في مناقشات الإنترنت من حيث جاذبيتها ويسافر المصرفيون إلى مواقع فيها مثل ماليزيا وتايلاند والفلبين وحتى فيتنام. ولكن الجاذبية لا تعني الانتعاش، حيث يقول نيكولاس بارنز، رئيس قسم الأبحاث الدولية في شركة نايت فرانك العقارية، إن جنوب شرقي آسيا تعاني من فقدان الثقة والوظائف وترنح أسعار العقارات وجفاف الصفقات، بنسبة أكبر من غيرها. والسبب الذي يطرحه بارنز هو أن المنطقة كانت تنمو بطريقة قياسية في وقت الانتعاش. ومع تراجع الأسعار قياسياً يعتبر البعض أنها فرصة مناسبة للشراء والاستثمار، خصوصاً بعد إعلان مجموعة الدول العشرين عن خطة الانتعاش العالمية.

من ضمن الدول الجاذبة للمستثمرين الأجانب، ماليزيا التي تقدم العديد من الشواطئ الخلابة والعاصمة كوالالمبور وأيضاً مناطق التقنيات مثل «وادي السليكون» فيها المسمى «سايبرجايا». ولقيت سوق العقار الماليزية دفعة قوية في عام 2007 عندما ألغت الحكومة ضريبة رأس المال على العقار. كما أن كافة التعاقدات تسجل باللغة الإنجليزية مما يسهل أمور التعامل الأجنبي في العقار فيها.

ويساهم في جاذبية قطاع العقار أنه مقوم بالعملة المحلية «الرنغيت» التي انخفضت في قيمتها إزاء الدولار والإسترليني. ويتم التسعير بالعملة المحلية لكل المستثمرين. ومن الفرص المتاحة ما تقدمه شركة اسمها «بروبرتي فرونتير» من فيلات ساحلية فاخرة بأسعار تبدأ من 150 ألف دولار، مع ضمان لعوائد إيجارية بنسبة 7.5 في المائة لمدة خمس سنوات. كما يمكن تمويل نصف المبلغ المطلوب محلياً. وتقدم شركة أخرى اسمها «إكسبيرينس انترناشيونال» فيلات بغرفتين على ساحل سيبانغ الذهبي بالقرب من مطار العاصمة بأسعار تبدأ من 120 ألف دولار، مع ضمان إيجارات لفترة تمتد إلى 15 عاماً بنسبة ثمانية في المائة. وعلى الإنترنت تقدم شركة «أي بروبرتي دوت كوم» شققاً بحجم ثلاث غرف في العاصمة كوالالمبور بأسعار تبدأ من 30 ألف دولار. أما الشقق في المشاريع الجديدة فهي تبدأ من 60 ألف دولار، بنسبة 40 في المائة انخفاضاً عن أسعارها في العام الماضي.

وتتمتع تايلاند بالجمال الطبيعي وعاصمة نشيطة هي بانكوك. وعانت تايلاند من بعض الاضطراب السياسي في العام الماضي، ولكن مع عودة حكومة مدنية تراجعت المخاوف السياسية فيها. وتتميز تايلاند بصناعة سياحية منتعشة تنعكس إيجابياً على المنشآت والمشروعات السياحية. وخلال العامين الماضيين تضاعفت أسعار بعض العقارات السياحية بينما انخفض البعض الآخر وفقاً للموقع. ويمكن للأجانب الشراء في المشاريع السياحية ولكنهم لا يستطيعون شراء الأراضي. ولا تفرض تايلاند ضرائب على رأس المال، وتقدم بعض المشاريع حوافز مالية وضمانات إيجارية وتمويلا لبعض عمليات الشراء.

وتعد «فوكيت هو» الأغلى بين مدن تايلاند وتبدأ أسعار الشقق الساحلية فيها بحوالي 160 ألف دولار لشقق بغرفة واحدة. وتصل قيمة الفيلات الأكبر حجماً إلى 300 ألف دولار. وتوجد فرص أخرى في مناطق تايلاندية أخرى بعضها لم يكتشفه الأجانب بعد. وفي هذه المناطق، مثل كوفانغان، تكون فرص زيادة القيمة في المستقبل أفضل من المناطق السياحية المعهودة.

وفي العاصمة بانكوك تتراوح أسعار الشقق ما بين 45 ألف دولار إلى 100 ألف دولار، ولكن المناطق المركزية تقدم بعض العقارات الفاخرة التي يمكن أن يصل سعر الشقة فيها إلى 400 ألف دولار. وتتمتع تايلاند بسهولة الطيران إليها كما أنها تقدم قيمة جيدة لعقاراتها مع مستوى معيشة جيد نظراً لانخفاض تكاليف الحياة فيها وهي أيضاً تتمتع بالأمان النسبي وتوفر فرصة جيدة لنمو الاستثمار.

ويمكن اعتبار الفلبين من الوجهات السياحية الرخيصة التي تجذب قطاعات عريضة إليها طمعاً في نمو سريع للاستثمار وعوائد عالية للإيجارات العقارية. ولكنها مع ذلك تمثل نسبة أعلى من المخاطر الطبيعية التي تتمثل في العواصف والبراكين والأعاصير التي تهددها بين شهري يونيو (حزيران) ونوفمبر (تشرين الثاني). من المخاطر الأخرى ارتفاع نسب الفساد فيها مع بعض حالات الخطف والإرهاب أيضاً. وهي تعاني من التضخم أيضاً، وإن كانت الأسعار فيها تبدأ من 40 ألف دولار للشقق مع عوائد إيجارية تتراوح بين 8 ـ 12 في المائة.

وتقدم العديد من شركات العقار مشاريع في العاصمة مانيلا مع إمكانيات التمويل بأسعار تبدأ من مائة ألف دولار، وفيلات ساحلية بأسعار من 200 ألف دولار. ولكن تبقى المخاطر عالية مع غموض بعض الشيء في جوانب الأمان والاستقرار.

وتعد فيتنام من أحدث أسواق العقار الآسيوية وهي تقدم جهة غير عادية للإقامة والسياحة. وفي عام 2007 تضاعفت الأسعار فجأة ثم ما لبثت أن فقدت 40 في المائة من قيمتها في العام التالي بعد انهيار البورصة فيها. وبدأ نشاط البيع مرة أخرى يتصاعد في عام 2009 بفعل التخفيضات الكبيرة على الأسعار. وفي العديد من المشاريع بيعت المراحل الأولى فيها بالكامل وبأسعار وصلت إلى حدود نصف مليون دولار للفيلات الفاخرة. وتقوم شركة «إم جي أم ميراج» ببناء منتجع قيمته 2.7 مليار دولار على مقربة 80 ميلا من مدينة «هوشي منه» سوف يستكمل في عام 2011، وتعرض شركة «بروبرتي فرونتيرز» جوانب وتفاصيل هذا المشروع.