نهاية الطفرة العقارية في أوكرانيا بسبب الأزمة المالية العالمية

الأسعار ارتفعت بنسبة 562 % بين عامي 2002 و2007

الركود الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية أحد أهم الأسباب وراء تراجع أسعار العقارات في أوكرانيا (ا.ب)
TT

أسواق العقار في أوكرانيا من الأسواق العقارية الناشئة والحديثة التي انفتحت على عالم العقار وتطوراته الدولية قبل سنوات عدة وبعد انفتاحها كبقية دول أوروبا الشرقية على دول الجوار الغربية التي تحوز أهم الأسواق العقارية في العالم. ولأن الأسواق في البلاد لا تزال طرية العود، فقد أشارت التقارير الأخيرة إلى وصول أزمة الائتمان إلى أوكرانيا وأسواقها، وبدأت الأسعار تتراجع بعد أكثر من أربع سنوات من النمو الكبير الذي لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. ولا شك أن الركود الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، خاصة بريطانيا وألمانيا وروسيا أيضا، أحد أهم الأسباب وراء تراجع أسعار العقارات في البلاد وفي العاصمة كييف. فقد أكدت التقارير أن أسعار العقارات في فبراير (شباط) الماضي (2009) تراجعت بنسبة تصل إلى 23 في المائة. وتراجع سعر المتر المربع من 4.2 ألف دولار في أغسطس (آب) العام الماضي (2008)، حيث وصل إلى قمته، إلى 3.2 ألف دولار في فبراير (شباط)، على الرغم من أن الأسعار بشكل عام لا تزال أعلى من العام الماضي. كما جمدت كثير من المشاريع بسبب الشحة في التمويلات والسيولة. وتحوز أوكرانيا المرتبة الخامسة والعشرين بين دول العالم من ناحية غلاء سعر المتر المربع الذي يصل معدله إلى 2.8 ألف دولار، كما هو الحال في إستونيا ولاتفيا وسلوفينيا ومالطا. وكانت الأسعار خلال السنوات الماضية، خاصة في قطاعي العقارات السكنية والتجارية والتحديثية بشكل عام، قد ارتفعت بشكل لا يوصف بسبب الاهتمام الأجنبي، خاصة من قبل البريطانيين والمستثمرين العرب من الخليج والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وقبرص وألمانيا والسويد، والأغنياء المحليين. وتشير الأرقام إلى أن أسعار العقارات ارتفعت بنسبة 28 في المائة في عام 2002، وفي عام 2003 بنسبة 20 في المائة، ثم ارتفعت بنسبة 45 في المائة في العام التالي قبل أن تبدأ الطفرة العقارية في البلاد في عام 2005، حيث ارتفعت أسعار العقارات السكنية والشقق في العاصمة كييف بنسبة لا تقل عن 60 في المائة حسب أرقام «بلاغوفيست» التفصيلية. وفي عام 2006 ارتفعت أسعار العقارات في العاصمة أيضا بنسبة لا تقل عن 51 في المائة، تلتها في عام 2007 نسبة لا تقل عن 44 في المائة، لكن العام الماضي وبعد بدء أزمة الائتمان، تراجع نمو الأسعار ولم يسجل الارتفاع أكثر من 17 في المائة، وهي نسبة قليلة جدا مقارنة بالسنوات السابقة. وعلى هذا الأساس يكون معدل نمو الأسعار قد تراجع ليصل إلى أقل مما كان عليه في عام 2002. ويقول ناطق باسم مؤسسة «كييف أبارتمانت» المختصة بالعقارات الدولية الفاخرة على شبكة الإنترنت، معلقا على التطورات الأخيرة في الأسواق: «إن الوقت حاليا غير مناسب لشراء العقارات، لكني أبحث حاليا، كما أنصح زبائني أن يبحثوا حاليا قبل الشراء نهاية الربيع.. على المشتري أن يتذكر أن هناك كثيرا من المؤسسات العقارية في السوق والقليل من المشترين كما كان الحال قبل بدء الطفرة العقارية». وتقول مؤسسة «غلوبال بربرتي الدولية» في هذا الإطار، إن أسعار العقارات ارتفعت بين عام 2002 وعام 2007 بنسبة لا تقل 562 في المائة، وهي نسبة مخيفة وعالية جدا سيصعب على السوق التأقلم معها وتصحيحها خلال وقت قصير. بكلام آخر، فإن الأزمة العقارية الحالية ستكون أطول مما هو متوقع، إذ إن النقص الكبير في عدد المنازل والوحدات السكنية الجديدة، لا يزال أحد أهم الأسباب التي أدت أيضا إلى ارتفاع الأسعار بتلك النسب العالية خلال السنوات الماضية. وبدلا من رفع عدد هذه الوحدات نتيجة الطلب العالي على العقارات من السكان المحليين والمستثمرين الأجانب، من قبل الحكومة والمستثمرين، بقي الوضع على حاله، لا بل قلت نسبة المنازل الجديدة نسبة إلى فترة الثمانينات والتسعينات وما يطلق عليه بالفترة «الشيوعية».

وتقول «غلوبال» حول هذه القضية، إن المشاريع الكبيرة والجديدة في المدن الكبرى في أوكرانيا تقع تحت سيطرة ثلاث شركات مرتبطة بالسلطات المحلية. وتشير الأرقام إلى أن 70 في المائة من المشاريع السكنية الجديدة في العاصمة كييف تحت سيطرة مؤسسة «كييف مسك بد» (KyivMiskBud) التي تملك إدارة المدينة نسبة كبيرة من أسهمها.

وتبين الحكومة في كييف أن عدد الوحدات السكنية (أو المنازل) التي تم بناؤها عام 1990 وصل إلى حوالي 275 ألف وحدة. وبين عامي 1994 و1996 تم بناء 120 ألف وحدة، وبين عامي 2000 و2002 تم بناء 150 ألف وحدة. لكن معدل عدد الوحدات بين عامي 2000 و2003 وصل إلى 65 ألف وحدة سنويا. بقي الوضع على حاله عام 2004 وارتفع العدد قليلا عامي 2005 و2006. وبين عامي 2007 و2008 وعلى الرغم من مواصلة الأسعار ارتفاعها، فلم يتعد عدد الوحدات السكنية الجديدة الـ95 ألف وحدة. وعلى الرغم من استخدام العملة المحلية الهريفنيا (تم اعتمادها عام 1996)، فإن الدولار الأميركي لا يزال أهم العملات التي تسيطر على الأسواق، خاصة الأسواق العقارية ومبادلاتها المالية. وكان أكثر من 86 في المائة من القروض العقارية في البلاد بالدولار الأميركي العام الماضي، وفقط 10 في المائة في العملة المحلية. ولهذا ينصح المستثمرون دائما بالأخذ بعين الاعتبار حالة العملة الوطنية (الهريفنيا) والعملات الأجنبية، خاصة الدولار ومعدلات صرفها قبل البدء في أي مشروع. الأرقام الرسمية والحكومية تشير إلى أن سوق القروض لا يزال قويا في أوكرانيا، على الرغم من ارتفاع معدلات الفائدة بشكل عام (يتوقع أن تواصل ارتفاعها)، وقد نما بشكل ملحوظ في العام الماضي (2008) وشكل ما نسبته 9.1 في المائة من المنتوج الوطني العام. ولم تكن هذه النسبة تتعدى الـ2.3 في عام 2005 . ومع هذا، لا يزال هذا السوق أضعف من غيره من أسواق أوروبا الشرقية. وقد تضاعفت قيمة القروض العقارية من 3.8 مليار دولار في عام 2007 إلى 11.3 مليار دولار العام الماضي.

وحول معدلات الفائدة، تشير الأرقام إلى أن معدلات الفائدة على القروض التي تعتمد على الدولار الأميركي كانت حوالي 12.1 في المائة عام 2006، وارتفعت العام التالي 2007 إلى 12.8 في المائة، ومنذ ذلك الحين حتى يناير (كانون الثاني) هذا العام ارتفعت النسبة لتصل إلى 16.7 في المائة. وتمشيا وتناغما مع الأوضاع الاقتصادية وأوضاع أسواق العقار الخاصة في البلاد، فإن معظم القروض العقارية ثابتة الطبيعة (معدلات الفائدة) وقد وصلت نسبة القروض التي تتراوح مددها بين سنة وخمس سنوات عام 2006 إلى 98 في المائة. وفي عام 2008 كانت نسبة القروض التي تبلغ ممدها الخمس سنوات وأكثر 92 في المائة .

ويتوقع حاليا أن يرتفع عدد حالات المصادرة للعقارات مع مواصلة معدلات الفائدة ارتفاعها، على الرغم من ارتفاع قيمة الدولار في الفترة الأخيرة أمام العملات الأجنبية بعد تراجع حاد لفترة طويلة.

والأسوأ من هذا، فإن التوقعات تشير إلى انكماش اقتصادي كبير في البلاد العام الحالي بسبب أزمة الائتمان وبنسبة تتراوح بين 6 و7 في المائة، وهي أسوأ نسبة منذ عام 1996. وقد وصل معدل النمو الاقتصادي سنويا بين عامي 2000 و2008 إلى نحو 7.3 في المائة.

ويعود ذلك إلى التراجع الكبير في حجم الصادرات المحلية، خاصة الصلب (إلى روسيا في معظم الأحيان) خلال السنتين الماضيتين، إذ يشكل قطاع الصلب 50 في المائة من حجم الصادرات إلى الخارج. وعلى الرغم من التطورات الاقتصادية الأخيرة، فإن هناك توقعات بمواصلة معدل التضخم ارتفاعه ليتراوح بين 16 و18 في المائة لهذا العام. وبالطبع هذا تطور إيجابي عن العام الماضي، حيث وصل معدل التضخم إلى أكثر من 25 في المائة.

وحول الاستثمارات الأجنبية وتطوراتها في أوكرانيا أخيرا، تقول مؤسسة «كوليارز إنترناشونال»، إن حجم الاستثمارات الأجنبية في الأسواق العقارية، خاصة القطاع التجاري ارتفع العام الماضي عما كان عليه العام السابق أي عام 2007. وقد تمت معظم الصفقات خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، أي حتى أكتوبر (تشرين الأول). ومع تراجع دور الشركات الأسترالية، نشط المستثمرون العرب، ونشطت الشركات الإسرائيلية التطويرية في الأسواق في الفترة الأخيرة، خاصة في العاصمة كييف.

وبشأن قطاع المكاتب التجارية، تقول «كوليارز»، إن الأوضاع حاليا في العاصمة كييف لا تشجع كما تشير أرقام العام الماضي، على الرغم من حصول صفقتين بقيمة 200 مليون دولار. فقد وصلت مساحة المكاتب المباعة بين يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) العام الماضي إلى 110 آلاف متر مربع، نسبة بسيطة منها من المكاتب القديمة. ووصلت مساحة المكاتب المتوفرة في العاصمة العام الماضي إلى 200 ألف متر مربع، أي بارتفاع نسبته 14 في المائة عما كانت عليه العام السابق (2007) . وقد ارتفعت نسبة المكاتب من درجة «بي» (B) العام الماضي لتصل إلى 53 في المائة. أما مساحة المكاتب من الدرجة الممتازة (A) فقد تراجعت بنسبة 16 في المائة. وعلى صعيد قطاع الفنادق، تقول المؤسسة إن أوكرانيا من الدول التي تحتاج إلى تطوير هذا القطاع بشكل كبير، وهناك اهتمام دولي كبير في لعب دور في هذا الإطار عبر بناء المنتجعات الفاخرة والفنادق الممتازة وزيادة عدد الغرف المتوفرة القادرة على استيعاب النشاطات الدولية المهمة. لكن أزمة الائتمان أبطأت من عملية نمو هذا القطاع الأساسي الذي تلعب الشركات المحلية فيه دورا لا يستهان به. واقتصرت النشاطات الدولية في هذا المضمار العام الماضي على ثلاث شركات مهمة وهي «ريزيدور هوتيل غروب» (Rezidor Hotel Group) و«غلوبال حياة كوربوريشين» (Global Hyatt corporation) و«ريكسوس غروب» (Rixos Group). ويتوقع أن تدخل الأسواق شركات دولية أخرى مثل «انتر كونتينانتال غروب» و«هيلتون هوتيلز كوربوريشين» و«فيرمونت هوتيلز آند ريزورتس».

وقد تم تأجيل العديد من المشاريع نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي بسبب أزمة الائتمان، ولم يتم بناء سوى 124 غرفة من غرف الفنادق الفاخرة من فئة (4) نجوم، وتعديل وتطوير بعض الفنادق القديمة. ويصل عدد الغرف في الفنادق الفاخرة من فئة (5) نجوم حاليا في العاصمة كييف إلى 661 غرفة، ومن فئة الـ(4) نجوم 1350 غرفة، ومن فئة الـ(3) نجوم 3400 غرفة.