القطاع العقاري في لبنان يعيش هدوء ما بعد العاصفة.. أو ما قبلها

معركة شد حبال وتعزيز مواقع بين العارضين والطالبين

TT

يتساءل المراقبون في لبنان في الوقت الراهن عما إذا كان الهدوء الذي يشهده القطاع العقاري هو الهدوء الذي يعقب العاصفة أو هو الهدوء الذي يسبقها لأن التحليلات تضاربت حول المرحلة المقبلة، فمنهم من ينتظر انخفاض الأسعار، ومنهم من يرصد طفرة جديدة. ولكل من الفريقين منطقه وتبريره.

فالفريق الأول يعتبر أن العامل الأساسي في توقعه هو انخفاض أسعار مواد البناء الأولية، ولا سيما منها مادة الحديد التي تدخل في الخرسانة المسلحة، والنوافذ وصون الحدائق، والعامل الثاني، في منطقه أيضا، هو الانخفاض المتوقع في تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، وانعكاس ذلك في تراجع الطلب على الشقق المتوسطة والصغيرة، والعامل الثالث يكمن في التراجع المتوقع للطلب الخليجي على الشقق الفخمة، وبالتالي تراجع حجم الاستثمارات الخليجية في هذا القطاع بسبب خسائر المستثمرين في البورصات ودخول الاستثمار الأجنبي مادة في التجاذبات السياسية على الساحة اللبنانية.

أما الفريق الثاني فيعتبر أن الفترة التي يمر بها القطاع العقاري منذ أشهر قليلة هي «موسم ميت» عادة، وموسم الطلب يظهر مع بداية الربيع وفي فصل الصيف مع مجيء السياح العرب واللبنانيين العاملين في الخارج. وبحسب منطق هذا الفريق فإن تحويلات اللبنانيين، مهما تراجعت، ستبقى المحرك الأساسي للطلب العقاري ولا سيما على الشقق المتوسطة السعر والحجم، كما أن الخليجيين لن يغيبوا عن الساحة، وإن كان الطلب على الشقق البالغة الفخامة سيشهد بعض الفتور، كما لن تغيب الاستثمارات الخليجية ـ اللبنانية المشتركة، خصوصا بعد تأكد المستثمرين الخليجيين بأن القطاع العقاري اللبناني كان الملجأ الأكثر أمانا للأموال، ولا سيما في ظل السوق المضبوطة بالتشريعات، والبعيدة عن آفة المضاربات.

وفي موازاة هذه التوقعات المتضاربة يعيش المشترون والبائعون، أو الطالبون والعارضون معركة شد حبال وتعزيز مواقع. فالمشترون يفضلون الإقدام على الشراء بالسعر المعقول، أو الانتظار ريثما تتضح كل نتائج الأزمة، وهذا ما ينعكس زيادة في مهلة أي عملية بيع، وزيادة في صعوبة التفاوض، وتراجعا في حجم المبيعات.

أما البائعون أو العارضون من مستثمرين محليين وغير محليين، من أفراد أو شركات. فما زالوا يتمسكون بمواقفهم وأسعارهم مستندين إلى أرباح حققوها في السنوات القليلة الماضية، وإلى إمكان تجاوز لبنان ترددات الأزمة العالمية، وعودة الطلب الخليجي والاغترابي إلى ما كان عليه في مراحل الاستقرار والهدوء.

وفي ظل شد الحبال هذا بين العرض والطلب يؤكد نقيب مهندسي لبنان بلال العلايلي لـ«الشرق الأوسط» أن «سعر العقار غير المبني وتحديدا في العاصمة إذا لم يتجه صعودا فسيحافظ على مستواه حكما، لسبب بسيط جدا، وهو أن عدد العقارات غير المبنية أصبح محدودا، بحيث لا يتجاوز حاليا 180 و190 عقارا». ولفت إلى أن «سقف الزيادة في حال حصولها خاضع لعاملي العرض والطلب». وأوضح أن «اللبنانيين العاملين في دبي الذين صرفوا من وظائفهم بفعل تداعيات الأزمة المالية العالمية توجهوا في غالبيتهم إلى أبوظبي وقطر والمملكة العربية السعودية والقليل منهم عاد للعمل في لبنان حيث السوق اللبنانية قادرة على استيعابهم، لا سيما المهندسون الاستشاريون منهم العاملون في مكاتب الدراسات، وهم مطلوبون كثيرا في المشاريع المختلفة».

وفي محاولة للخروج من بعض الجمود السائد حاليا في القطاع العقاري، بدأت الأصوات تعلو من أجل تيسير المشاريع العقارية وخفض أكلافها. وفي هذا المجال طالب نقيب المهندسين مصرف لبنان المركزي بالتخفيف من القيود المفروضة على التسليف العقاري هذا العام، «إذ إن المتاح لنا اليوم هو تسليف بنسبة 20 في المائة من قيمة المشروع، ونأمل في زيادتها إلى نحو 30 أو 40 في المائة ليستطيع القطاع العقاري التحرك على نحو أفضل وتمكين العجلة الاقتصادية من الدوران بوتيرة طبيعية».

لكن ذلك لم يمنع النقابة من زيارة الرسم على المتر المربع من البناء «من أجل المحافظة على توازن موازنات النقابة الثلاث، بعد تراجع الفائدة على أموال الاحتياط وفي ضوء بقاء الاشتراكات في النقابة ثابتة».

وتذهب «جمعية منشئي وتجار الأبنية» في لبنان إلى أبعد من علايلي في المطالبة بتيسير عملية الإقراض العقاري، ويقول رئيسها المهندس ايلي صوما لـ«الشرق الأوسط»: إن الجمعية رفعت كتابا إلى مصرف لبنان المركزي طالبت فيه بـ«رفع نسبة الأموال المخصصة للقروض السكنية من الاحتياط الإلزامي للمصارف، وتخفيض الفوائد على الحسابات المدينة لدى المصارف بما يتماشى مع الانخفاض الحاصل حاليا في الأسواق العالمية، وبروز متانة الوضع المالي والمصرفي اللبناني، وتشجيع المصارف على ضخ أموال في القطاع الخاص لتحسين العجلة الاقتصادية، ومساعدة المستثمرين اللبنانيين على مواجهة الأزمة وتجنب انعكاساتها الجانبية عليهم». ولم تغفل الجمعية التنويه بالدور الذي لعبه المصرف في تحرير جزء من الاحتياطي الإلزامي للمصارف «الذي ساهم في تسييل نحو 7 مليارات دولار كانت مجمدة في القطاع العقاري خلال الفترة السابقة»، والتنويه أيضا بالقروض الإسكانية المدعومة التي كان للمصرف الدور الأساسي فيها «التي جنبت هذا القطاع خطر التضخم وجمود المبيعات والاستدانة والدخول في المضاربات والفوضى».

وإذا كان البعض يعتبر أن رفع الرسم على المتر المربع من البناء لدى نقابة المهندسين، وارتفاع أجور اليد العاملة بعد مغادرة قسم كبير من العمال السوريين للبنان يغطيان الانخفاض في أسعار المواد الأولية، فإن البعض الآخر يعتبر أن رفع الرسم ليس له تأثير كبير، وأن تراجع أعداد العمال السوريين مرده إلى تراجع الحركة العقارية، بالإضافة إلى أن مصرف الإسكان، الذي يتولى إقراض شريحة معينة من اللبنانيين لجأ أخيرا إلى إعفاء المقترض منه من رسوم التسجيل، وهو ما سينعكس إيجابا حتما على التقارير السنوية التي تعدها مؤسسة «Global property guide» حول توجهات قطاع العقارات في العالم، بما في ذلك لبنان. وكان آخر تقرير صادر عنها قد أشار إلى أن لبنان احتل المركز 60 عالميا عام 2008 بعدما احتل المرتبة 62 عام 2007 على صعيد كلفة عمليات الشراء والبيع العقارية، كما احتل المركز الرابع بين 10 أسواق شرق أوسطية. وتتضمن هذه التكاليف: كلفة التسجيل ورسوم سماسرة العقارات، والرسوم القانونية، وضرائب البيع والتحويل. ويستثني التقرير في المقابل ضرائب الملكية السنوية (ضريبة الأملاك المبنية أو المسقفات كما يسميها عامة اللبنانيين). وحل لبنان إقليميا بعد مصر والمغرب والأردن وقبل إيران وتونس وإسرائيل والإمارات والبحرين وسلطنة عمان.