المكسيك: تراجع كبير للطلب على العقارات بعد عزوف المستثمرين عن المناطق الساحلية

الاعتماد الكلي على أميركا يعزز الركود في الأسواق

جانب من العاصمة المكسيكية ميكسيكو سيتي (رويترز)
TT

الأسواق العقارية في المكسيك من الأسواق الأميركية الشمالية الهامة إلى جانب الولايات المتحدة وكندا بالطبع، وقد شهدت طفرة عقارية كبقية بلدان العالم خلال العقد الماضي، بسبب الاهتمام الأجنبي وخصوصا من المستثمرين الأميركيين القريبين، وتوافر القروض العقارية الخاصة بالطبقات الدنيا. لكن التقارير الأخيرة أشارت إلى أن الأسعار في جميع أنحاء البلاد بدأت تتراجع بشكل حاد وخصوصا في المناطق الساحلية. ويبدو حسب مؤسسة «غلوبال انترناشونال» العقارية الدولية أن الأسواق ومنها أسواق العقار السكنية بدأت بالتأقلم مع الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة والتراجع في نمو المنتوج الوطني العام في البلاد والسمعة السيئة لأخبار تهريب المخدرات والجريمة التي تبعد الكثير من المستثمرين عن الأسواق وتدفعهم إلى أسواق أخرى مثل البرازيل وكندا ودول الكاريبي. ورغم صعوبة الحصول على أرقام دقيقة عن السوق الصاعدة نسبيا من الجهات الرسمية والخاصة عن أحوال السوق وتقلباتها، فإن الأرقام المتوفرة تشير إلى تراجع كبير على اسعار العقارات الخاصة بالعطل من 12 في المائة إلى نحو 60 في المائة منذ سبتمبر (أيلول) العام الماضي (2008) حتى الآن. وقد كثرت هذه العقارات في السنوات الأخيرة بعد تركيز المستثمرين الأميركيين المناطق الساحلية الجميلة لبناء المنتجعات ومنازل العطل والتقاعد وملاعب الغولف وغيرها من العقارات ألفاخرة والسياحية، إذ إن الأسعار في المكسيك كانت ارخص من ولايتي كاليفورنيا وفلوريدا ايام الطفرة العقارية عام 2006 وقبل ازمة الائتمان عام 2007. لكن عدد هؤلاء المستثمرين تراجع ايضا بشكل كبير منذ عامين أي منذ بداية أزمة الائتمان وأخبار الجريمة المرتبطة بتجارة المخدرات في المكسيك، والتزوير والفساد والتلاعب بأصول العديد من المشاريع الأجنبية وعدم توافر الشروط والقوانين الحديثة لتطوير الأسواق العقارية مما يجذب شتى أنواع المستثمرين الأجانب ومن جميع دول العالم. ولهذا يطالب الكثير من أعضاء البرلمان والحكومة منذ أسابيع بتحرير الأسواق وفتحها أكثر أمام المستثمرين الأجانب وإزالة العقبات أمام تدفقهم وتملكهم للعقارات ومنها تغيير نظام الملكية العقارية الحالي ومنح الأجنبي حق تملك الأرض أو العقار من دون تدخل المصارف ورعايتها. كما يلعب الدور الكبير للمصارف والبنوك في عالم القروض في المكسيك في دفع المستثمرين الأجانب إلى أسواق أخرى نتيجة فقدان الثقة في النظام المصرفي وقوته هناك. كما تعاني الأسواق من عدم الشفافية وأنظمة مالية استقراضية قديمة وغير حديثة لا تتماشى مع أنظمة القروض العقارية الغربية، فضلا عن البيروقراطية والفترة الزمنية الطويلة التي تستغرقها عملية الإفلاس أو المصادرة العقارية.

ويتوقع الخبراء أن يؤدي ذلك إلى استعادة الاسواق العقارية عافيتها وتدفق الكثير من المستثمرين الاجانب وتعديل الاسواق وتنميتها وتنويعها كما حصل في بعض دول الخليج العربي خلال السنوات القليلة الماضية. التقارير المتوفرة تشير أيضا، إلى أن الأسعار العقارية المحلية راكدة جدا، باستثناء بعض المناطق الهامة التي تشهد مشاريع تطويرية ملحوظة وهامة. كما أن الطلب على العقارات في جميع القطاعات السكنية والتجارية والسياحية قد تراجع بشكل كبير. حسب الأرقام الخاصة بعام 2007، التي نشرتها اللجنة الوطنية للإسكان (CONAVI)، فإن عدد العقارات الخاصة بقطاع الإيجار شكلت 14 في المائة من عدد العقارات المتوفرة في البلاد، أي ما يعادل 3.6 مليون وحدة سكنية من اصل 25.7 مليون وحدة، ينتشر معظمها في المدن الكبرى (مثل تولوكا سان لويس بوتيسي وتامبيكو وليون وماريدا وسالتيلو وهيرموسيلو وتخوانا غوادالاخارا) والعاصمة مكسيكو سيتي التي تعتبر اكبر عاصمة في العالم من ناحية عدد السكان (20 مليون نسمة). كما أن أصحاب 75 في المائة من المنازل أو العقارات في قطاع الإيجار، يقعون تحت خط متوسط الأجور العامة أو الطبقات الدنيا والفقيرة نسبيا. كما تشير هذا الأرقام أيضا إلى أن عدد المنازل المبنية من قبل المطورين العقاريين والمستثمرين ارتفع في السنوات الأخيرة على حساب عدد المنازل المبنية من قبل أصحاب العقارات محليا وقد تراجع عدد هذه المنازل أو العقارات منذ عام 2000 إلى عام 2006 بنسبة 70 في المائة، إذ قبل أزمة الائتمان الدولية لم يشكل عدد هذه المنازل أو العقارات أكثر من 30 في المائة من العقارات الجديدة في البلاد. وبلغ عدد المنازل الجديدة التي بناها المستثمرين وتم بيعها محليا بين عامي 2007 و2008 نحو 500 ألف منزل أي اقل من المنازل الجديدة عام 2006 بنحو 30 ألف منزل. ويتوقع أن يكون عدد القروض العقارية الخاصة بالطبقات الدنيا هذا العام نفس عدد العام الماضي الذي بلغ نحو 500 ألف قرض. وتقول الأرقام الخاصة بالوجود الأميركي العقاري في البلاد، ان عدد الأميركيين الذين يملكون عقارات يبلغ مليونين نصفهم يعيشون في شتى المناطق المكسيكية. وكان عدد منازل العطل في المكسيك عام 2007 قد وصل إلى نحو 4.3 مليون منزل، 70 في المائة منها للأجانب وخصوصا الأميركيين. وبين عامي 2005 و2008 تم بناء ما لا يقل عن 500 ألف منزل جديد تقريبا كل عام من قبل المستثمرين والمطورين الأجانب والمحليين. وكان هذا الرقم لا يتعدى الـ194 ألف منزل كل عام بين عامي 1994 و1998. ونسبة المنازل الخاصة بالطبقات الدنيا وصلت إلى 75 في المائة، وفي عام 2008 وصلت نسبة المنازل الخاصة بهذه الطبقات (61 في المائة من القروض الحكومية) و25 في المائة للطبقات المتوسطة (10 في المائة من القروض الحكومية) و20 في المائة للطبقات الميسورة (9 في المائة من القروض الحكومية) و5 في المائة للطبقات الغنية والقطاع ألفاخر والحديث. وعادة ما تلعب الحكومة دورا كبيرا في تمويل وتوفير العقارات الخاصة بمعظم الطبقات غير الغنية عبر «الصندوق الوطني لمؤسسة إسكان العمال» وغيره. أما القطاع الخاص والبنوك فتقدم ما نسبته 20 في المائة من القروض العقارية في البلاد. وبالطبع هو عدد قليل جدا نسبة إلى حجم السوق العقارية وإمكانياتها الاستثمارية والمالية نسبة ومكانة المكسيك الدولية. ومن المعروف أن هناك أربعة لاعبين كبار في سوق القروض العقارية في البلاد ومن ضمنها الحكومة والبنوك والمؤسسات الخاصة والقروض الخاصة أو ألفردية العامة.

وكانت الحكومة تخطط إلى الوصول إلى ما يقل عن مليون قرض عند عام 2009، لكن أزمة الائتمان الدولية والوضعين الاقتصادي والعقاري في الولايات المتحدة وكندا قلصت من إمكانية تحقيق الهدف الحكومي العام. وقد لعبت شحة التمويلات الأجنبية دورا كبيرا في التراجع العقاري من ناحيتي الأسعار والقروض.

وكانت الحكومة قد وضعت خطة الوصول إلى مليون قرض عقاري بداية هذا العام لأسباب كثيرة وهامة على الكثير من الصعد الوطنية والاقتصادية والاجتماعية، على رأسها النسبة العالية من الشباب والعدد الكبير من المنازل والعقارات القديمة التي لا تملك المقومات الأساسية للعقار الحديث او العيش الكريم بكلام آخر. وهناك ما لا يقل عن 5 ملايين وحدة سكنية في البلاد من هذا النوع من العقارات، حسب الإحصاءات الأخيرة بالعام الحالي. وسيرتفع هذا الرقم إلى نحو 700 ألف سنويا حتى عام 2021. واضطرت البنوك بسبب الأوضاع الاقتصادية بعد عام 2000 إلى تغيير فترة القروض وإطالتها من 15 إلى 30 سنة كما تم تخفيض كلفة القروض من 6 إلى 3 في المائة منذ تسع سنوات كما ارتفع حجم القروض نسبة إلى قيمة العقارات من 60 إلى 85 في المائة. وقد ارتفعت قيمة القروض العقارية في المكسيك التي تقدمها البنوك بشكل خاص من 5.3 مليار دولار أميركي في عام 2004 إلى 9.5 مليار دولار عام 2005 و20 مليارا بداية العام الماضي (2008). ومعظم هذه القروض تتمتع بفائدة ثابتة لفترات طويلة.

وحسب الشروط البنكية والمصرفية والحكومية ومؤسسات الإقراض العقاري، فإن 4.5 مليون مواطن قادر على الاستقراض العقاري من أصل 44.5 مليون عامل في البلاد وهي نسبة قليلة جدا، حسب الإحصاءات الأخيرة في منتصف العام الماضي. ويشكل قطاع القروض العقارية 10 في المائة من حجم الاقتصاد العام في البلاد كما أشارت أرقام عام 2007. ولا تزال معدلات ألفائدة عالية جدا مقارنة بدول الجوار والدول الأوروبية وغيرها حيث تصل إلى 14.7 في المائة أحيانا.

وتأتي التطورات العقارية في البلاد في وقت يشهد فيه نمو المنتوج الوطني العام تراجعا ملحوظا نتيجة الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية، إذ إن المكسيك التي تملك ثاني اكبر اقتصاد بين دول أميركا اللاتينية تعتمد على الولايات المتحدة في كل شاردة وواردة في اقتصادها من المستثمرين إلى كميات التصدير والاستيراد والعمالة والمواد الاستهلاكية بشكل عام. كما أن 80 في المائة من صادرات البلاد تذهب إلى الأسواق الأميركية وهناك ما لا يقل عن 11 مليون مكسيكي في الولايات المتحدة أي ما نسبته 3 في المائة من قيمة المنتوج الوطني العام (نحو 40 مليار دولار حسب إحصاءات عام 2008).

وقد تراجع هذا النمو (الانكماش الاقتصادي) من 3.2 في المائة عام 2007 إلى 1.8 في المائة العام الماضي (2008). وقد سجلت البلاد معدل نمو لا يقل عن 4 في المائة بين عامي 2004 و2006 أي قبل أزمة الائتمان الدولية.

وفيما لا يعير المكسيكيون أي انتباه للركود الاقتصادي الذي يحصل من فترة لفترة وكان آخرها عام 2001 وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولذا يكثر الحديث عن الانكماش وحجمه.

وفي محاولة لمنع حدوث ركود عميق، بدأت الحكومة بالتفكير في حزمة من الإجراءات والتغييرات لدعم القطاع العقاري والإسكاني وتأمين التمويلات للمشاريع الصغيرة.

ومع هذا تظل المكسيك أفضل من الدول المحيطة بها من بعض النواحي العقارية، إذ لا يزال معدل سعر المتر المربع فيها أغلى من بقية دول أميركا اللاتينية، حيث يصل إلى 3227 دولارا ويأتي بعدها الأرجنتين بـ2.2 ألف دولار والبرازيل بـ1.89 ألف دولار ثم بنما بـ1.7 ألف دولار والأورغواي بـ1.7 ألف دولار أيضا وكوستاريكا بـ1.6 ألف دولار.