أسعار العقار في المغرب ترفض الرضوخ لقوانين الأزمة

وزير الإسكان سعيد بصمودها.. والمغاربة يشعرون بالإحباط

TT

في الوقت الذي بدت ملامح الأزمة تظهر على عدد من القطاعات الاقتصادية في المغرب، خصوصاً قطاع السياحة وأسواق السيارات، بدا أن قطاع العقار يقاوم السقوط بكل ما أوتي من قوة، رغم أن مقاومته يمكن أن تنتهي في وقت قريب.

ومنذ أزيد من عام، ورغم كل التوقعات بانهيار أسواق العقار والسكن في المغرب، إلا أن كل تلك التوقعات لم تتحقق، على الأقل حتى الآن، لكن هذه المقاومة لا يمكنها أن تستمر إلى ما لا نهاية إذا استمرت الأزمة المالية العالمية على ما هي عليه لسنوات أو أشهر أخرى.

وكان وزير الإسكان المغربي، توفيق احجيرة، قد ذكر أخيراً، في لقاء عُقد بالعاصمة الفرنسية باريس، أن سوق العقار بالمغرب لم يلتهب بنار الأزمة، وأنه «سيصمد في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية التي يمكن أن تمسه ولكن بدرجات ضعيفة».

وأضاف الوزير المغربي، على هامش المعرض الأول للعقار المغربي بباريس، أنه «على الرغم من أن المغرب لا يمكن أن يبقى إلى الأبد بمعزل عن هذه الأزمة التي بدأت تأثيراتها تطاول بعض القطاعات، إلا أن قطاع العقار سيبقى صامداً». وإذا كانت هذه التصريحات تسعد كثيراً المقاولين والمؤسسات العقارية في المغرب، إلا أنها على العكس من ذلك، ستصيب الناس العاديين بالإحباط لأنهم كانوا يأملون أن تنخفض أسعار العقار حتى يمكنهم شراء شقة مناسبة بأسعار معقولة.

وينظر الكثير من المغاربة إلى المقاولين العقاريين بأنهم «جشعون أكثر من اللازم وراكموا ثروات ضخمة على حساب رغبة الملايين من المغاربة في تملك سكن خاص ولائق». وعاش سوق العقار في المغرب سنواته الذهبية طوال عقد من الزمن، وارتفعت أرباح المقاولين العقاريين خلال السنوات الخمس الماضية إلى معدلات قياسية، وهو ما أثار انتقادات كثيرة من جانب شرائح اجتماعية واسعة وجدت نفسها متضررة من هذا الارتفاع المهول للأسعار.

وبعدما كانت طفرة السكن في البداية محاولة من أجل التغلب على السكن العشوائي ومدن الصفيح في هوامش المدن المغربية، فإنها تحولت مع مرور الوقت إلى وسيلة للربح السريع، وبعد أن كانت هوامش المدن تتوسع بمزيد من دور القصدير، إلا أنها بدأت تتوسع بمدن إسمنتية جديدة وعمارات بها شقق تشبه علب الكبريت.

وكانت طفرة السكن الاقتصادي في المغرب جاءت بعد خطاب ألقاه الملك الراحل الحسن الثاني منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي، عبر فيه عن رغبته في أن يجد المغاربة، وخصوصاً الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، فرصتهم في الحصول على سكن لائق، وهو ما زرع حبوراً كبيراً في البلاد.

غير أن فكرة السكن الاقتصادي سرعان ما تحولت عن أهدافها الحقيقية، وأصبحت وسيلة لمراكمة الأرباح، وظهرت مقاولات عقارية عملاقة أصبحت تجني أرباحاً خرافية من وراء بيع شقق غير لائقة وصغيرة.

وعلى الرغم من أن عدداً من الأحزاب السياسية المغربية والهيئات والمنظمات الاجتماعية، طالبت الدولة بضرورة التدخل من أجل لجم جموح المقاولين العقاريين ودفعهم إلى التعقل في مجال أسعار العقار، فإن ذلك لم يجد آذاناً صاغية وسارت الأسعار في خط تصاعدي مهول أصاب الناس بالدهشة.

ويبدو لافتاً أن المغرب، الذي يصل فيه الحد الأدنى للأجور إلى 200 دولار فقط، يصل فيه سعر المتر المربع الواحد في شقة عادية إلى حوالي 800 دولار، أما الشقق الجيدة فيصل سعر مترها المربع إلى أزيد من ألف دولار، وأحياناً إلى أزيد من ألفين في الشقق الموجودة بوسط المدن.

وكانت أحزاب مغربية طالبت الدولة بضرورة فرض ضرائب على عشرات الآلاف من الشقق الفارغة، وهي الشقق التي يملكها مضاربون عقاريون ويعيدون بيعها بأسعار عالية، مما يلهب سوق السكن في المغرب، بيد أن الحكومة المغربية لم تقم بأي إجراء يمكنه أن يعقلن سوق السكن، بل يعاب عليها أنها منحت الكثير من الأراضي بالمجان أو بأسعار رمزية لمقاولات عقارية كبرى، مع أن هذه المقاولات تتعامل بالأسعار نفسها، سواء اقتنت الأراضي بأسعار كبيرة أو حصلت عليها بالمجان.

ويطالب فاعلون اجتماعيون وحقوقيون بضرورة أن تتدخل الدولة للعب دور الوسيط الإيجابي ما بين شركات العقار والمواطنين، بحيث تقتني الدولة الشقق بأسعار معقولة تترك هامشاً جيداً من الربح للمقاولين، وتعيد بيعها بأسعار معقولة للراغبين في السكن. غير أن هذا الاقتراح يقاومه المقاولون العقاريون بشدة، بالنظر إلى أنه لا يترك لهم هامش ربح كبيراً.