«المسكن الميسر».. ثقافة جديدة تلبي احتياجات السوق العقارية السعودية

خبراء: مناسبة للأسر الجديدة الأكثر بين فئات المجتمع

يعتقد الكثير أن مسمى المسكن الميسر يطلق على المشاريع الصغيرة لفئة محدودة من المجتمع، إلا أن المسكن الميسر بات يمثل ثقافة سكن جديدة تلبي الاحتياجات الضرورية في السكن .(«الشرق الأوسط»)
TT

تحول قطاع العقارات في السعودية إلى صناعة، تحمل جميع المقومات التي تساعدها على تكوين سوق واعدة قوية، يعمل بها صناع محترفون يستهدفون شرائح السوق المختلفة، يحملون فكرا عقاريا جديدا، رسموا من خلاله سياسات القطاع العقاري، للتحول من بيع الأراضي إلى طرح المشاريع المختلفة.

ومع ذلك التحول والدخول في عالم الصناعة، باتت السوق محتاجة إلى منتجات عقارية مختلفة، تخدم شرائح المجتمع المتعددة، في الوقت الذي يزداد فيه الطلب على المنتجات العقارية، وينخفض فيه العرض، مع نمو سكاني يعتبر من أعلى معدلات النمو في العالم.

ثقافة المسكن الميسر دخلت للسوق العقارية منذ أمد بعيد، حينما كانت الطفرة العقارية الأولى في نهاية السبعينات، عن طريق إنشاء الحكومة للأبراج السكنية، التي أطلق عليها «عمائر الإسكان»، بالإضافة إلى إيجاد أحياء سكنية مغلقة أو مفتوحة تحتوي على مساكن لمنسوبي القطاعات المختلفة، كمساهمة من الحكومة لإيجاد مساكن مختلفة لموظفي الدولة، التي كانت تجربة تحولت إلى نموذج واصلت عليه الشركات الكبرى في البلاد.

إلا أن السيولة الكبيرة وانخفاض الأسعار في ذلك الوقت، دفع الكثير من موظفي الدولة إلى شراء الأراضي وبناء مساكن ومنازل كبيرة تعكس ثقافة السكن عند أفراد المجتمع، حيث كانت مساحات المنازل تتراوح ما بين 600 متر مربع إلى 2000 متر مربع، مما أسهم في خروج الكثير من الموظفين من الأحياء السكنية الخاصة بقطاعاتهم، والسكن في منازلهم التي عملوا على بنائها بشكل شخصي، مما أوقف الكثير من المشاريع المخصصة للقطاعات خلال عقدين من الزمان.

في الوقت الحالي، ومع ارتفاع أسعار مواد البناء وأسعار العقارات بمختلف أشكالها، عادت ظاهرة المسكن الميسر، إلا أنها عادت بشكل تجاري، من خلال شركات تجارية، عملت على دراسة السوق في الوقت الحالي، وخرجت بمخرجات تفيد بوجود شريحة كبيرة تبحث عن المسكن الميسر.

ويذهب عقاريون إلى أن المسكن الميسر في الوقت الحالي هو العقار المخصص لشريحة ذوي الدخل المحدود والمتوسط، يعمل على تأصيل ثقافة إيجاد العقار للسكن، من دون أن يكون العقار مقر استقبال كما كان معمولا به في السابق، من خلال بناء المنازل بمساحات كبيرة لاستقبال الضيوف، التي تعتبر سمة من سمات المجتمع السعودي.

وأشار العقاريون إلى أن وجود الاستراحات، وهي الأماكن المخصصة لإقامة المناسبات أو قضاء إجازة نهاية الأسبوع، ساعد على إيجاد البدائل لاستقبال الضيوف في حال كانت هناك مناسبات أو غيرها من المناسبات الاجتماعية، مشيرين إلى أن الأسباب الأخرى تعود إلى ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات المختلفة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار مواد البناء أخيرا مما رفع تكلفة بناء المنزل الإجمالية.

ويؤكد خالد الضبعان، الخبير العقاري، أن دخول الشركات العقارية عمل على التخفيف من ثقافة بناء المنزل بشكل شخصي لدى الأفراد، حيث يسعى الكثير من الشركات إلى تقديم مشاريع عقارية تخدم السوق مع إيجاد منتجات ذات جودة عالية لدعم العلامات التجارية العقارية في البلاد، في الوقت الذي شهدت السوق وجود عشوائية من بناء المنازل عبر أفراد ومؤسسات مقاولات، تطرح منتجات ذات جودة منخفضة تتسبب في مشاكل عديدة من ناحية اللمسات النهائية في المساكن، كإيجاد مشاكل في عطب التمديدات أو السباكة أو ما يتعلق بالصرف الصحي.

وأضاف الخبير العقاري أن دخول المسكن الميسر سيوفر إيجاد منتج ذي سعر منخفض يساعد على سد الفجوة في ظل ارتفاع الطلب وانخفاض العرض، خاصة من فئة الموظفين الجدد، الذين يشكلون نسبة كبيرة من أفراد المجتمع، موضحا أن الكثير من تلك الشريحة بحاجة إلى مساكن تتراوح مساحاتها ما بين 200 متر مربع، وحتى 450 مترا مربعا، مما يدفع الحاجة إلى طرح مشاريع للمسكن الميسر منخفض الأسعار.

وقد يذهب البعض إلى أن مسميات المسكن الميسر والمسكن الاقتصادي تتشابه، إلا أن بها اختلافا كبيرا. ففي الوقت الذي يعرف به المسكن الميسر بأنه الذي تنخفض فيه المساحات ويقدم نموذجا عقاريا بديلا للعقارات المخصصة للإيجارات، حيث يدفع المشتري أقساطا شهرية وسنوية على عقار سيتملكه بعد فترة من الزمن، فإن المسكن الاقتصادي يتمثل في انخفاض تكاليف بنائه وطرحه للأسواق بأسعار مختلفة، وهو المسكن الذي لا يزال يحظى بجدال بين البلديات والشركات العقارية المختلفة.

وهنا يؤكد الضبعان مجددا أن المسكن الميسر، وهو الأقرب إلى شقة السكنية، يختلف ضمنيا عن ما يعرف بالمسكن الاقتصادي، مشيرا إلى أن المسكن الاقتصادي يتمحور حول تخفيف تكلفة مواد البناء المستخدمة في بناء العقار، في حين يتمثل المسكن الميسر في تخفيض مساحات البناء والاكتفاء بالمساحات الضرورية داخل العقار كغرف النوم وغرف المعيشة وتوابعها.

وشهدت السعودية أخيرا إعلان عدد من شركات التطوير العقاري عن تخصيص نشاطها لطرح المساكن الميسرة، من خلال إنشاء مشاريع مختلفة للمسكن الاقتصادي، حيث تم الإعلان عن مشاريع في الرياض وجدة، بالإضافة إلى المنطقة الشرقية.

كما شهدت عددا من المشاريع الخيرية لإيجاد مساكن ميسرة خصصت لفئة يدعمها الضمان الاجتماعي في البلاد، التي تتواجد في مختلف أرجاء البلاد عن طريق متبرعين أو شركات عملت على دعم تلك الفئة من قبل تلك الجمعيات المختلفة.

من جهته قال محمد عبد الله بن سعيدان، العضو المنتدب لشركة المسكن الميسر، التي أنشئت في العاصمة السعودية الرياض، إن إنشاء الشركة جاء لتقديم مشاريع المساكن الميسرة، وذلك اعتمادا على الطلب الحقيقي في المساكن، الذي يشهد تزايدا كبيرا خلال السنوات الماضية.

وأضاف أن فكرة إنشاء الشركة جاء باتفاق بين مجموعة شركات بن سعيدان وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، بعد إنشاء كرسي أستاذية في 2003، وذلك في قسم تخطيط المدن والأقاليم بالجامعة لإعداد البحوث والخطط والآليات التي من شأنها حل مشاكل الإسكان الميسر بالمملكة.

وأكد أن أسعار المسكن الميسر التي طرحتها الشركة تتراوح أسعار بين 380 ألف ريال (101 ألف دولار) و690 ألف ريال (184 ألف دولار)، مشيرا إلى أن الشركة تعمل على طرح مشروعين عقاريين في العاصمة السعودية الرياض، سيتم طرحهما خلال العام الجاري. وأكد أن الشركة تعمل على مفاوضة عدد من البنوك لتقديم تمويلات بنظام التأجير المنتهى بالتملك، الأمر الذي سيكون مناسبا للكثير من الشريحة المستهدفة. وقال إن مشروع الازدهار الذي ستطرحه الشركة سيوفر مساحات من 167 مترا مربعا، إلى 255 مترا مربعا، مشيرا إلى أن الخدمات ستكون مرتفعة. وأكد أن الحاجة في الطلب لمثل هذا النوع من العقارات المختلفة، مشيرا إلى أن الاقتصادات العالمية تمر بأزمات مثلما حدث في أزمة الأسهم، والأزمة المالية العالمية، في الوقت الذي توقف فيه العديد من المشاريع.

وأضاف الشركة ستعمل خلال 3 سنوات على طرح مشاريع المسكن الميسر في العاصمة السعودية الرياض، مؤكدا أن الطلب كبير في الوقت الحالي على المساكن الميسرة في ظل انخفاض التعدد في المنتجات العقارية المختلفة.

ويدرس عدد من مختلف الشركات العقارية، في ظل ارتفاع الطلب على المسكن الميسر، الذي يناسب الأسر الحديثة، إنشاء أذرع تطويرية للمساكن الميسرة، التي أثبتت جدواها الاقتصادية وحاجة السوق إلى كميات كبيرة من تلك المساكن.