انتشار مفاوضات شراء العقارات عبر البريد الإلكتروني

تساؤلات حول قانونية الأسلوب الجديد ومداها

TT

هناك القليل من الأمور التي يمكنها دفع أبناء نيويورك لتقديم رد فعل أسرع من رنة أحد الأجهزة المعروفة بالهواتف الذكية (سمارت فون)، منبئة بوصول رسالة بريد إليكتروني، ذلك أنه بسرعة البرق، يحرص سكان نيويورك على الاستجابة لرسائل البريد الإلكتروني التي تصلهم في الشارع، أو داخل سيارات الأجرة، أو الحافلات، أو أثناء وقوفهم في صفوف داخل مقاهي «ستاربكس». وعليه، فليس من المثير للدهشة أن نجد أن الكثير من الصفقات المرتبطة بمجال العقارات والمتعلقة بشقق تصل قيمتها إلى عدة ملايين من الدولارات يجري إنجازها إليكترونيا في الوقت الراهن. وفي إطار الوضع الراهن للسوق، حيث تضاءلت أعداد الشقق المطروحة للبيع، وينتظر المشترون لمعرفة كل ما في السوق، يرى الكثير من السماسرة أن الطابع الفوري في الاتصالات التي توفرها المعدات الإلكترونية غالبا ما يساعدهم في الحفاظ على الصفقات، إلا أنه في الوقت ذاته، اكتسب فن التفاوض بعدا جديدا تماما عند ممارسته على شبكة الإنترنت. ويثير هذا التطور مجموعة من التساؤلات الجديدة. هل يمكن إجراء مفاوضات بصورة كاملة عبر رسائل البريد الإلكتروني؟، وما حجم ونوعية المعلومات التي يمكن المشاركة فيها عبر شبكة الإنترنت؟، هل تحين أوقات يتعين على الوكلاء والعملاء فيها تنحية أجهزة البلاكبيري التي يملكونها جانبا، واستعمال الهاتف العادي بدلا منها؟، هل من غير المهني استخدام إشارات التعبير عن الدهشة والوجوه المعبرة؟. في هذا الصدد، قالت ديان ليفين، مديرة شؤون السمسرة داخل شركة «سورثبيز إنترناشونال» التي تعمل محامية تحت التدريب، إن هذا «نمط مختلف من المفاوضات الكتابية، حيث لم يتلق المعنيون بالصناعة تدريبا عليها قط». وأكدت أنها دوما تبدي حرصها قبل كتابة أي شيء، حتى لو كان عبر رسالة بريد إليكتروني. وأضافت: «هذا هو الحال الذي عليه العالم الآن. لذا، علينا أن نعتاده، لكن أعتقد أن الوكلاء عليهم أن يتحلوا بالحرص على الاحتفاظ بخطة محددة في أذهانهم، وألا يندفعوا في الكشف عن كل شيء في إطار رسالة بريد إليكتروني». أما جي. ريتشارد شيل، بروفسير الدراسات القانونية وأخلاقيات الأعمال التجارية في مدرسة وارتون التابعة لجامعة بنسلفانيا، فيرى وجود إيجابيات وسلبيات واضحة فيما يخص عملية التفاوض عبر البريد الإلكتروني. وتتمثل الإيجابيات في أن ذلك يشكل سبيلا جيدا لإرسال المعلومات والاحتفاظ بسجل للاتصالات وإخطار جميع الأطراف المعنية بالمعلومات اللازمة في ذات الوقت. واستطرد قائلا «لكن يمكن أن تأخذ الأمور منحى سلبيا حال اندلاع أي صورة من صور الخلافات أو سوء التفاهم، لأن هذه الوسيلة ليس بإمكانها نقل أي فوارق بسيطة في المعنى أو التعبير عن المشاعر». ومن أجل تسوية خلاف ما، أو التغلب على سوء تفاهم، يعتقد شيل أنه «يتعين عليك بالفعل حينها استخدام الهاتف العادي، أو التحدث وجها لوجه». بيد أن بعض الدراسات المرتبطة بالبريد الإلكتروني أطلقت صيحات تحذير ربما تثير اهتمام الأفراد المعنيين بالتفاوض عبر شبكة الإنترنت. وعلى سبيل المثال، قالت تيري آر. كرتزبرغ، الأستاذة المساعدة للإدارة والأعمال التجارية العالمية في «روتجرز بيزنس سكول» إن «الأفراد يشعرون بأنهم يخضعون لقيود أقل، ويبدو أنهم يشعرون بأن بإمكانهم الإفلات من تداعيات اتباع أنماط سلوك أكثر أنانية عندما يبعثون برسالة بريد إليكتروني». وفي إطار دراسة أجرتها بالتعاون مع باحثين في جامعتي ديبول وليهاي، توصلت إلى أن الأفراد أكثر احتمالا لأن يمارسوا الكذب عبر رسالة بريد إليكتروني عما يكون عليه الحال في المحادثات الكتابية على الورق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأشخاص لا يطرحون أسئلة عبر شبكة الإنترنت، وتتضاءل احتمالات أن يكشفوا عن مصالحهم الحقيقية. إلا أن فريقا آخر يعتقد أن هناك ظروفا يصبح من المنطقي خلالها التفاوض عبر شبكة الإنترنت. مثلا، أعربت كاثلين إل. مكغين، بروفسيرة إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة هارفارد، التي وضعت مؤلفات متعددة حول فن التفاوض، عن اعتقادها بأن العقارات تشكل واحدة من المجالات التي يمكن خلالها التفاوض عبر رسائل البريد الإلكتروني، وإحراز نتائج أفضل عن التفاوض وجها لوجه. وأوضحت أن رسالة البريد الإلكتروني باستطاعتها مساعدة البائعين والمشترين على التمتع بقدر أكبر من الصراحة حيال حقيقة ما يبغونه. وقالت «ربما يكون من غير المريح بالنسبة لي الجلوس أمام شخص ما، وأقول له «هل يمكنك ترك الأريكة لي؟»، لكن إذا ما عبرت عن هذا الأمر عبر شبكة الإنترنت، فكل ما تفعله هو وضع الطلب بقائمة، ولا يساورك القلق حيال إمكانية أن تبدو شديد البخل أو تافها». من ناحية أخرى، من الممكن أن يساعد السجل الذي ينشئه البريد الإلكتروني على جعل السماسرة أكثر عرضة للمساءلة. وفي هذا الصدد، قالت دكتورة مكغين إنه عندما يعتمد وكيل ما على طلب من العميل، تبقى هناك مخاطرة ترتبط بإمكانية تعرض الرسالة للتشويه على مدار مسيرة التعامل معها، لكن فرص التشويه تختفي تماما إذا جرى نسخ كل طلب مرسل عبر البريد الإلكتروني لتوفير نسخة إلى كل الأطراف المعنية بالصفقة. وأضافت دكتورة مكغين أنه ينبغي التعامل بجدية مع رسائل البريد الإلكتروني، وألا تجري كتابتها على عجل. وشرحت أنه «ينبغي وضع مسودة لها مثلما يحدث مع الخطابات الرسمية، وليس كرسائل البريد الإلكتروني التي تبعث بها إلى صديق عندما ترغب في معرفة ما إذا كان على استعداد لتناول العشاء معك». ولتجنب «تفاقم الصراعات»، حيث تتحول المضايقات الصغيرة سريعا إلى خلافات تتعذر تسويتها، نصحت دكتورة مكغين بالامتناع عن كتابة الرسائل باستخدام الحروف الكبيرة طوال الوقت والعديد من علامات الاستعجاب، وكذلك الحرص على عدم طرح تعليقات وقحة.

على الجانب الآخر، تولى ستيف غولدشميدت، نائب رئيس شركة «واربرغ ريالتي»، مؤخرا إدارة إحدى الصفقات. وخلال ذلك، وصل عدد رسائل البريد الإلكتروني التي تبادلها ما يتراوح بين 20 و30 رسالة في اليوم الواحد مع عميله، لكنه قال «أنتمي إلى المدرسة القديمة، فلا يزال يروق لي الإنصات إلى صوت السمسار الآخر للتعرف على تطورات الصفقة. وما من بديل لنبرة الصوت». واتهم غولدشميت بعض الوكلاء بالتخفي وراء رسائل البريد الإلكتروني، حيث قال «لقد رأيت عددا أكبر بكثير من السماسرة يتقدم بعروض هزيلة على نحو سخيف عبر البريد الإلكتروني، لخوفهم من الاستماع إلى ضحكات الاستهزاء أو تعبيرات الازدراء من قبل الطرف الآخر. إن الأشخاص أكثر احتمالا لأن يتصرفوا على نحو مناف للمنطق، أو اكتساب شجاعة زائفة عندما لا يضطرون إلى التحدث مباشرة مع الشخص الآخر». من جهتها، أكدت ميلاني إل. سوانسون، الوكيلة لدى «سنشري 21 إن واي مترو»، أنها بعد تعرضها لأزمة بسبب الاتصالات عبر البريد الإلكتروني، كبدتها خسارة صفقة، أقسمت ألا تتخذ أي خطوات كبرى بمجال التفاوض قبل التحدث أولا إلى العميل. واعترفت بأنها أخطأت في فهم رسالة بريد إليكتروني بعث بها أحد عملائها قريبا، حيث تقدمت بعرض لشراء شقة يزيد على العرض الأخير للعميل بمقدار 5.000 دولار. وعلمت لاحقا أن العميل كان يرغب في تقليص قيمة عرضه الأخير بقيمة 5.000 دولار. وقالت «طلب مني السمسار الذي يمثل البائع طرح العرض النهائي، وكنت قد تلقيت رسالة البريد الإلكتروني للمشتري ليلا، وكان حجم الكتابة في جهاز بلاكبيري الذي أمتلكه بالغ الضآلة في ظل الإضاءة من حولي. وبحلول اللحظة التي أدركت فيها حقيقة الأمر، واتصلت بالسمسار الآخر لأخبره أنني ارتكبت خطأ فادحا، وأنهم لن يدرسوا العرض». وأضافت سوانسون أن التحدث إلى العميل قبل الشروع في التفاوض أصبح الآن «أمرا حيويا بالنسبة لي لتفهم البعد العاطفي لعميلي، خاصة أن رسالة البريد الإلكتروني يمكن إساءة فهمها بسهولة بالغة». وبوجه عام، يرى السماسرة وعملاؤهم أن الميزة الكبرى وراء التفاوض عبر البريد الإلكتروني تكمن في إمكانية التشارك في المعلومات بسرعة، ومع كافة الأطراف المعنية. من جانبهما، أبرم دايفيد آر. ليفين وزوجته، ميلاني، عقدا لبيع غرفة يمتلكانها في بروكلين هايتس. وقال ليفين إنهما خلال التفاوض حرصا على الإبقاء على اتصال مستمر مع السمسار الممثل لهما، غولدشميدت من شركة «واربرغ». وأكد ليفين على أنه «في إطار هذه السوق، خاصة عندما تكون بائعا، تكون الأعصاب في حالة توتر بالغ، وبفضل رسائل البريد الإلكتروني كان بمقدورنا الحصول على تحديث فوري للمعلومات من ستيف». واستطرد ليفين موضحا أنه بمجرد طرح عرض، تلقى نسخا من كافة الاتصالات التي أجراها غولدشميت مع محامي ليفين والسمسار الذي يمثل المشتري ومحامي المشتري. وقال «كان باستطاعتي معاينة تطور مجريات صفقة البيع، لما حظينا به من القدرة على قراءة جميع رسائل البريد الإلكتروني لكافة الأطراف المعنية. وقد جعلنا ذلك نشعر بأننا أكثر مشاركة في الأمر». والواضح أن القدرة على التواصل مع جميع الأطراف تتناسب بصورة خاصة مع صفقات بيع المجمعات السكنية الجديدة. فمنذ عام مضى، كان المقاولون ينفرون من مسألة التراجع عن سعر كانوا قد حددوه، ولكن في ظل الأوضاع الحالية بالسوق، تحول التفاوض حول خفض الأسعار بمثابة عرف مقبول. من جانبه، قال سيدني ويلان، مدير شؤون المبيعات في مجمع «كالاهاري» بحي هارلم، إنه تفاوض حول صفقة بيع البريد الإلكتروني، لأنه كان يقضي إجازة في إسبانيا، وبعدما عاد، كان المشتري خارج المدينة في رحلة عمل. ونظرا لوجود أربعة مسؤولين عن مشروع «كالاهاري»، كان من الضروري التواصل معهم عبر البريد الإلكتروني للتوصل إلى سعر نهائي. وقال «ليس بإمكانك تنظيم محادثات جماعية في كل مرة يتوافر فيها عرض مقابل». وبدلا من ذلك، كان يجمع البيانات المتعلقة بصفقات البيع السابقة بالنسبة للمجمع، والانتظار للقرار المشترك الذي يتوصل إليه رؤساؤه. وأكد أنه «في أي موقف به أكثر من صانع قرار، يصبح البريد الإلكتروني عنصرا لا غنى عنه». ويتمثل أحد العوامل الجوهرية لضمان نجاح التفاوض عبر شبكة الإنترنت في التأكد من أن الوكلاء والعملاء التقوا وجها لوجه، بحيث تولدت بينهم علاقة. في هذا الصدد، قالت مارشا ألتمان، الوكيلة لدى «براون هاريس ستيفنز» في ذي هامتنز، إنه «يتعين عليك أولا مقابلة الأشخاص وجها لوجه، كي تتعرف على حقيقة ما يبغونه، ولغة الجسد التي يستخدمونها، وطبيعة رد فعلهم إزاء مختلف الأشياء». الملاحظ أنه على أرض الواقع، يجري التفاوض حيال الكثير من الصفقات بصورة رئيسية عبر شبكة الإنترنت، نظرا لأن غالبية المشترين الذين تمثلهم لا يسكنون بالجوار، ويتطلعون إلى شراء منازل ثانية لهم. وقالت «يرتبط الجزء العاطفي في الصفقات بمعاينة واختيار العقار. أما باقي الأمر، فعمل تجاري بحت، وليس هناك ما يحول دون إتمام صفقة الشراء عبر البريد الإلكتروني». استعانت مارغري فيلدبرغ، المسؤولة التنفيذية المتقاعدة، بأندريا دانييلز، المدير الإداري البارز في «واربرغ ريالتي» لبيع شقة بمساحة ألفي قدم مربع بمنطقة أبر ويست سايد، ثم شراء عقار مشترك بمساحة 4.700 قدم مربع. وأشارت فيلدبرغ إلى أنه نظرا لمعاينتها 30 عقارا مختلفا برفقة دانييلز، خلق ذلك شعورا بالارتياح بينهما، جعل من السهل إنجاز الصفقتين بصورة شبه كاملة عبر البريد الإلكتروني. وأكدت أن «معاينة هذا العدد الضخم من العقارات معا ترك تأثيرا هائلا». وأبدت دانييلز اختلافها في الرأي مع من يدعون أن البريد الإلكتروني يفتقر إلى القدرة على التعبير عن الفوارق البسيطة في المعنى، والحالة العاطفية أو المزاجية. وقالت «يمكنك الاستماع إلى رد مهذب أو كئيب في رسالة بريد إليكتروني. وإذا ما قرأت أيا من رسائل مارغري عبر البريد الإلكتروني، ستدرك إلى أي مدى يمكن للمرء أن يحسن التعبير». وأكدت دانييلز أن عملية البيع والشراء للشقق مرت بسلاسة كبيرة عبر البريد الإلكتروني، لأن كلتا الصفقتين تميزتا بالوضوح والصراحة. من جهته، قال ليفين، من بروكلين هايتس، إنه ووكيله، غولدشميت، استخدما البريد الإلكتروني في تناول المسائل الأساسية، مثل ما إذا كان ليفين ينوي ترك جهاز التلفزيون ذي الشاشة المسطحة والأثاث الموجود في الفناء، إلا أنه يتذكر جيدا اتصال هاتفي تلقاه من غولدشميت حول عرض تحول في نهاية الأمر إلى عقد موقع. وقال «اتصل بي ليهنئنا ويخبرنا أنه عثر على مشتر، ثم تحدثنا عما ينبغي فعله.. قبول العرض أم التقدم بعرض مقابل. أعتقد أنه كان من المهم للغاية أن نعقد محادثة حول الاستراتيجية المتبعة». تتفق أيضا أميليا إس. غيوريتز، النائبة التنفيذية للرئيس في شركة «هالستيد بروبرتي»، مع وجهة النظر القائلة بأنه عند نقاط معينة تمثل مفترق طرق، يصبح من الأفضل إجراء اتصال هاتفي. وقالت إنه في خضم صراع تفاوضي حول شقة بوسط المدينة بمساحة 1.300 قدم مربع، نظمت وشريكها، أندرو فيليبس، مجموعة محادثات هاتفية جماعية مع البائعين قبيل أن يخبروا المشترين الثلاثة المحتملين بأنهم سيضعون موعدا زمنيا نهائيا سيقبلون عنده العرض الأفضل. وقالت «رغبنا في إجراء مراجعة نهائية لما عليه الأمر، للتأكد من أنه لم يفتنا شيء». واستطردت موضحة أنها لاحظت خلال العام الأخير أن قدرا متزايدا باستمرار من اتصالاتها يتحول إلى جهاز بلاكبيري الذي تملكه، بدلا من الهاتف. وقالت «الهاتف أكثر ملاءمة إذا ما اعتقدت أن شخصا ما بحاجة إلى شعور بالدفء، أما البريد الإلكتروني، فيخص العمل فحسب».

* خدمة «نيويورك تايمز»