لبنان يسير على طريق البناء الموفر للطاقة

من عزل السقوف إلى «لمبة» الفلوريسنت المدمجة

TT

في خضم النقص الحاد في التيار الكهربائي في لبنان المتمادي والمتواصل منذ نهاية الحرب الداخلية، وفي ظل ارتفاع قيمة الفاتورة النفطية التي تجاوزت مليارين و200 ألف دولار في عام 2007، أي ثلث ما كانت عليه قبل خمس سنوات وتمثل استيراد 97 في المائة من حاجات الطاقة، يتجه لبنان، على أكثر من صعيد، لتشجيع البناء الموفر للطاقة، سواء على صعيد طريقة البناء نفسه، أو على صعيد الاستخدامات في المنزل، ويلقى تعاونا في ذلك من القطاع المحلي، ومن الاتحاد الأوروبي عموما، وإسبانيا وألمانيا على وجه الخصوص.

فعلى صعيد طريقة البناء، ترى مجموعة من أصحاب الاختصاص أن أفضل الوسائل لتوفير الطاقة في المنزل تكمن في تحسين مواصفات البناء، وإجراء بعض التحسينات على الأبنية أو المنازل القائمة. وهذا ما خلصت إليه ورشة عمل نظمتها السفارة الألمانية في بيروت، والبرنامج الأوروبي «ميد ـ اينيك» والمركز اللبناني لترشيد الطاقة في مبنى بنك «عودة» في وسط بيروت، وهو المبنى الذي يعتبره المهندس عزيز مالك (أحد كبار موظفي البنك) نموذجا للبناء الذي صمم على أساس استجابته لمعايير فعالية الطاقة. وتضاف إليه تغييرات أساسية في التصرفات والسلوكيات من أجل توفير ملموس في الطاقة. ويقول مالك لـ«الشرق الأوسط»: «إن المبدأ الأساسي الذي اعتمدناه عند بناء المركز قبل عشر سنوات، هو منع دخول الشمس إلى الداخل، بحيث جاء تركيز الزجاج باتجاه الجنوب، أي بغير اتجاه الشمس. كما أننا اعتمدنا نظام الزجاج المزدوج، وهو ما يخفف من الحرارة والبرد على السواء. واعتمدنا العزل للجدران كذلك، وحتى تمديدات التدفئة والتبريد. كما استعملنا المصابيح الكهربائية الفلورسنت الحلزونية والإلكترونية الموفرة للطاقة، بالإضافة إلى عزل جزء من سطح المبنى من خلال وضع طبقة من الرمل تتراوح سماكتها بين 30 و40 سم وزرعنا فيها الورد والأشجار الصغيرة». ويلفت إلى أن البنك استعان يومها بالخبرات الألمانية، «وآثرنا تطبيق المواصفات، ليس في المقر الرئيسي فحسب، بل في كل الفروع التي استحدثت، ولا أعتقد أن هناك تطورا في التجهيزات يستدعي منا إضافتها. وفي ما يختص بتسخين المياه على الطاقة الشمسية، وجدنا أنه من غير الضروري اعتماد هذا النظام لأن المبنى غير معد للسكن».

تجدر الإشارة إلى أن استهلاك الطاقة في الأبنية في أوروبا يمثل أكثر من 40 في المائة من إجمالي الطاقة المستهلكة، يشكل الاستهلاك المنزلي منها وحده 80 في المائة.

ومن أجل تطوير مفهوم فعالية الطاقة في البناء في لبنان والمنطقة، اعتمد البرنامج الأوروبي عشرة مشروعات نقالة في عشرة بلدان، ومول مشروع إعادة تأهيل تولاه «المركز اللبناني لترشيد الطاقة» في أحد المستشفيات في شمال لبنان، وتحديدا في بلدة زغرتا. ويمر المشروع بعدة مراحل، لتعد المرحلة الأولى دراسة المبنى بكل تفاصيله، ومن ثم اختيار أفضل الحلول لخفض استهلاك الطاقة في المستشفى، أولها تحسين نظام الإنارة عن طريق استخدام المصابيح الكهربائية الاقتصادية، وعزل السقف من تقليص الاعتماد على نظام التهوية، واعتماد نظام لإدارة الطلب على الطاقة، لا سيما بواسطة برنامج معلوماتي يراقب الاستهلاك في ساعات الذروة. وفي نهاية الأمر، تبين أن فاتورة المستشفى الكهربائية التي كانت توازي 350 ألف دولار سنويا يمكن تقليصها بنسبة 30% بعد تطبيق الإجراءات المذكورة.

ويوضح رئيس مؤسسة «ميد ـ اينيك» كلاوس وينزيل، أن الإجراءات الخمسة التي تبدو أكثر فعالية في المنطقة هي:

1ـ التحسينات التي يمكن إجراؤها في أعمال التصميم.

2ـ العمل على نظام التهوية.

3ـ إحداث تغييرات في غلاف البناء (مثل عزل السقف).

4ـ الاعتماد على سخان الماء الشمسي.

5ـ إحداث تحسينات في عملية الإنارة.

أما بيار خوري مدير المركز اللبناني لترشيد الطاقة، الذي احتفل بدراسته المائة للأبنية، فقد أشار إلى تبني مشروع لتحسين المباني الحكومية (نحو 20 مبنى في كل محافظة لبنانية من المحافظات الخمس) بفضل هبة إسبانية قيمتها 10 ملايين دولار.

ويسعى المركز منذ فترة إلى تسويق اللمبة (المصباح الكهربائي) الموفرة للطاقة، التي يزيد عمرها عن اللمبة العادية عشر مرات، وتستهلك من الطاقة 80 في المائة أقل من اللمبة العادية، وتتوافر اللمبة الجديدة بمختلف الأحجام والقوة، ويمكن استخدامها داخل البناء أو خارجه. وأظهرت التجارب التي قام بها المركز في عدد من القرى اللبنانية أن الفاتورة الكهربائية الإجمالية لمنزل واحد تراجعت بنسبة 13 في المائة.

ويعتبر رئيس مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان زياد حايك، أن هذه الحملة يجب أن تضاف إليها عناصر مشجعة أخرى في إطار استراتيجية شاملة ترتكز، بصورة خاصة، على تبني سياسات وقوانين تعزز إجراءات التحفيز الاقتصادي، ويفترض تبني هذه السياسات والقوانين بالتعاون بين مؤسسة الكهرباء ووزارة الطاقة والمياه، وتستدعي بصورة أساسية، رفع أسعار المصابيح العادية من جهة، وخفض الرسوم على المصابيح الكهربائية الموفرة للطاقة، بحيث يتقارب سعر النوعين من المصابيح.

وعلى صعيد الماكرو اقتصاد، يعتبر حايك أن غياب المصابيح العادية من الأسواق في إطار خطة شاملة من الآن حتى عام 2012، يمكن أن يوفر للبنان «من الطاقة ما يوازي إنتاج معمل كهربائي».