الأردن: اتجاه لإصدار تشريع لتشجيع الأبنية الخضراء

مشروع المدينة النقابية أول مشروع بكلفة 150 مليون دولار

رسم تصويري لمشروع المدينة النقابية («الشرق الاوسط»)
TT

يُعتبر مشروع المدينة النقابية من أكبر وأضخم المشاريع العمرانية في الأردن والمشروع الأول الصديق للبيئة، حيث تم اعتماده وتسجيله في المجلس الأميركي للأبنية الخضراء ومنحه شهادة (LEED شهادة القيادة في كفاءة الطاقة والبيئة) والمختصة بالأبنية الخضراء.

يقع المشروع شمال شرق عمان على شارع الأردن وعلى أرض مساحتها 50 دونمًا حيث يُعتبر المقر الدائم لأربع عشرة نقابة مهنية هي نقابات (المهندسين والأطباء والمحامين وأطباء الأسنان والصيادلة والزراعيين والصحفيين والكتاب والممرضين والمحاسبين والمقاولين والفنانين والأطباء البيطريين والجيولوجيين)، التي يتجاوز عدد منتسبيها 140 ألف عضو منهم 75 ألفا منتسبون إلى نقابة المهندسين.

ويقول رئيس الشعبة المعمارية في نقابة المهندسين كمال حبش الذي يشرف على المشروع إنه قد روعي في التصميم الاهتمام بالمساحات الخضراء وتقليل الضوضاء وتوجيه المباني واستخدام أنظمة تقنية تقلل من استهلاك الطاقة، كما سيتم اعتماد أنظمة تعمل على توليد الطاقة اللازمة للمباني من المنشآت بداخلها. كما سيعكس المشروع الطابع المعماري المحلي ويكون معلم معماري مميز منسجم مع النسيج المعماري لمدينة عمان.

ويضيف حبش أنه سيتم بناؤه من مواد صديقة للبيئة وعازلة للحرارة، كما ستوفر الفتحات والشبابيك إضاءة طبيعية طوال النهار دون الحاجة إلى استخدام الإضاءة الصناعية.

ويشير حبش إلى أن نقابة المهندسين تولي أهمية كبيرة في تشجيع المهندسين على اتباع معايير وأسس بيئية عند وضع تصاميمهم حيث ستعقد الشعبة المعمارية مؤتمرها القادم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من هذا العام عن الأبنية الصديقة للبيئة.

ويقول إن تكلفة المبنى قد تصل إلى 150 مليون دولار، وإن الكلفة تزيد 10 في المائة عن الأبنية العادية، مقارنة مع الأبنية التي تستخدم مواد الصديقة للبيئة، مشيرا إلى أن هذه الكلفة الزائدة يمكن استعادتها في خمس سنوات كحد أقصى، وأن حجم الاستثمار فيه على المدى البعيد مُجدٍ إذا علمنا أننا نوفر نحو 2 في المائة من الكلفة الكلية.

من جانبه يقول رئيس جمعية مستثمري قطاع الإسكان زهير العمري إنه معروض حاليا على مجلس البناء الوطني الأردني، وهو أعلى سلطة في الأردن، مشروع قانون من أجل منح حوافز لشركات الإسكان والمستثمرين والمواطنين الذين يستخدمون الأبنية الخضراء أو الذين يراعون العوامل البيئة في تصاميم أبنيتهم.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن الحوافز قد تأتي من خلال زيادة في البناء المسموح 10 في المائة أو إعفاء من رسوم التراخيص بنسبة 10 في المائة خصوصا أن تكاليف البناء تزيد من خلال المواد الصديقة للبيئة بنسبة تتراوح بين 8 وعشرة في المائة.

ويقول إن الأبنية الصديقة للبيئة تتميز بتوفير الطاقة من خلال استخدام الطاقة الشمسية في تسخين المياه للاستعمالات المنزلية أو التدفئة، وكذلك تدوير المياه المستعملة للأغراض المنزلية وعمل آبار مياه لجمع مياه الأمطار وتنقيتها للشرب، وكذلك تخصيص مساحات خضراء.

ويقول إن هذا التشريع يُتوقع أن يرى النور ويبدأ العمل به في الصيف المقبل، «ونتمنى في المستقبل أن نستخدم تكنولوجيا توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية وغيرها من الاستخدامات». أما المهندس عصام البزور مدير إحدى الشركات الإسكانية فيقول إن قانون التنظيم الحالي يراعى المساحات الخضراء من تخصيص 20 في المائة من مساحة الأرض لإقامة الفيلات أو هناك نسب حددها القانون للمناطق حسب طبيعة البناء، ولكن «أعتقد أن هذه غير كافية وبحاجة إلى توضيح من خلال تشريع يوضح الأمور المطلوبة، وكذلك يجب أن يكون هناك إعفاءات تشجع الشركات الإسكانية وكذلك المواطنين للإقبال على هذا النوع من البناء». وعلى صعيد الأبراج التي بدأت تظهر بالأردن خلال الأعوام القليلة الماضية فإن شركة «ليمِتلِس»، وهي شركة التطوير العقاري ذات التوجه العالمي التي تقوم بتشييد مشروع أبراج سنايا في عمان ومقرها في دبي، تقول إن الاستدامة يجب أن تظل على رأس قائمة أولويات المطورين العقاريين في أثناء مرحلة الركود الاقتصادي العالمي وإلا وجدوا أنفسهم وقد تخلفوا عن الركب عندما تبدأ الأسواق في التعافي.

ويميل الناس عادة عندما يتعلق الأمر بالصراع من أجل البقاء، لأنهم مبرمجون وراثيا على التعامل مع التحديات على المدى القصير، إلى إهمال أمور تبدو لهم أقل أهمية مثل الاستدامة البيئية. لكن دوغلاس كيلبو المدير التنفيذي للتصميم والتخطيط لدى «ليمِتلِس»، يرى أن الوعي والتخطيط البيئي، تحسُّبا لآثار التغير المناخي العالمي على المدى الطويل، هما أمران حيويان حتى في أوقات الصعوبات الاقتصادية.

وقال في هذا الصدد: «إن الذين يظلون الآن على وعي بالنواحي البيئية سيخرجون من الأزمة أقوى من الغافلين عنها، وذلك لأن الاقتصاد الجديد بعد مرحلة النفط سيرسي ـ بل سيفرض قانونيا في الغالب ـ مبدأ زيادة الكفاءة والفاعلية في استعمال الطاقة وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. لقد انتهى عصر الاستهلاك الزائد، ليس فقط في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، بل أيضا على مدى المستقبل المنظور».

«إننا نتعلم كل يوم المزيد عن المخاطر التي ينطوي عليها تجاهل آثار التغير المناخي. إن ظاهرة الاحترار تمثل لنا جميعا تهديدا على المدى الطويل، ومشكلة تنسحب على أجيال عدة وتحتاج إلى الكثير من تثقيف الناس عموما ووضع النظم والضوابط التي تقودنا إلى أسلوب عيش أكثر خضارا.

ويمكن للمطورين لعب دور بهذا الصدد من خلال المشاريع المبتكرة والمستدامة القائمة على استيعاب الطاقة البديلة ومبادرات إعادة التصنيع ووسائل النقل الصديقة للبيئة».

وأضاف كيلبو أن برامج التوعية العامة وجمع وتعميم البيانات والإحصاءات تعتبر أساسية للتحقق من أن الناس الذين يعيشون ويعملون ضمن مشاريع تطوير «خضراء» يفهمون دورهم الشخصي في مكافحة الاحترار العالمي، لأن عدم إدراك حجم المشكلة قد يؤدي إلى تجاهلها.

ومضى قائلا: «إن المبنى الذي يصمم بهدف استيفاء المعايير البيئية الدولية سيكون أقل فاعلية بكثير في حال أن شاغليه، من أفراد ومنشآت، يتركون النوافذ مفتوحة ولا يطفئون الأنوار ويهدرون الماء. بإمكان أبسط التدابير إحداث فرق هائل على الصعيد الجماعي لو أن كل فرد يتبنى العادات الصحيحة».

والجدير بالذكر أن «ليمِتلِس» تعمل على إنشاء أول مبنى في الأردن يحظى بمصادقة الجمعيات الدولية المعنية بالبيئة و«البناء الأخضر»، وذلك من خلال مشروعها «سنايا عمان» الذي يضم برجين توأمين بارتفاع 200 متر.

وكانت السفارة الأميركية قد احتفلت بيوم الأرض البيئي لعام 2009، واستضافت براد لانكاستر مؤلف وناشر كتاب شهير حائز على عدة جوائز بعنوان «حصاد مياه الأمطار في المناطق الجافة وما وراءها»، وديفيد إيزينبيرغ المؤسس والرئيس الأسبق والمدير التنفيذي الحالي لمركز تنمية التكنولوجيا الملائمة (DCAT) الموجود في ولاية أريزونا الأميركية، حيث اجتمعا خلال زيارتهما للأردن بمسؤولين حكوميين وممثلين عن المجتمع المدني، وألقيا (لانكاستر وإيزينبيرغ) محاضرة في عدد من الجامعات الأردنية حول «حصاد المياه» و«الأبنية الخضراء». يؤثر شُحّ المياه على العديد من البلدان من ضمنها أجزاء من الولايات المتحدة. وقد كانت أساليب جمع المياه المنخفضة التكاليف مثل حصاد المياه تُستخدم لعدة قرون. والآن يعطي العلماء وصانعوا السياسات اهتماما جديدا بمثل هذه الأساليب، بهدف تطوير مصادر جديدة للمياه العذبة. ويُجمِع الخبراء الدوليون على أن هناك حاجة إلى المزيد من الاستثمار في البنية التحتية والبحوثات المتعلقة بالمياه لتحقيق الأمن الغذائي والحد من الفقر على المستوى العالمي، بحسب وكالة حماية البيئة الأميركية، وبينما بات التأثير البيئي للأبنية أكثر وضوحا، أصبح مجال جديد يُدعى «الأبنية الخضراء» يلقى رواجا في الولايات المتحدة. ويتم أخذ البيئة بعين الاعتبار عند تصميم الأبنية الخضراء، وذلك باستخدام مواد بناء معاد تدويرها والاستفادة من أشعة الشمس والرياح ومياه الأمطار للتقليل من أثر تلك الأبنية على البيئة واستهلاكها للطاقة. ويشكل تطوير الأبنية التجارية الخضراء واحدا من عدة طرق تتبناها بعض الشركات الأميركية تجعلها أكثر صداقة للبيئة في أداء أعمالها.