جنوب أفريقيا تراهن على كأس العالم لإنعاش السوق العقاري

الكساد في القطاع مستمر حتى نهاية العام

جنوب أفريقيا تقدم فرصا عقارية جيدة للمدى البعيد («الشرق الأوسط»)
TT

تقل درجة معاناة سوق العقار في جنوب أفريقيا عنها في الدول الغربية، ولكنها مع ذلك، لا ترى أفقا إيجابيا لحالة الجمود التي تسودها هذا العام، لأسباب تعود إلى تراجع السيولة وتجمد نشاط الشراء، على الرغم من العروض المغرية للعقارات في السوق، ومشكلات هيكلية مثل عدم الاستقرار السياسي ونقص إمدادات التيار الكهربائي. وتراهن جنوب أفريقيا على بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها العام المقبل لكي يعاود النشاط العقاري نشاطه.

وكانت جنوب أفريقيا تمر مؤخرا بمرحلة انتخاب حكومي فاز فيه مرشح حزب «الكونغرس الأفريقي الوطني»، جاكوب زوما برئاسة جنوب أفريقيا. وتأمل الأوساط السياسية في فترة استقرار يتم التركيز فيها على النمو الاقتصادي وتحسين الخدمات لشعب جنوب أفريقيا الذي يتطلع نحو المزيد من المساواة الاقتصادية.

وهناك بوادر انتعاش في القطاع العقاري التجاري في المدن الكبرى مثل كيب تاون وجوهانسبرغ، حيث يجري العمل على بناء العديد من المجمعات المكتبية والتجارية التي تصل إلى السوق من الآن وحتى عام 2011، وفقا لشركة «كوليير» العقارية. ولا يعاني سوق جنوب أفريقيا من الاعتماد الكبير على الطلب الأجنبي، فالاستثمار الخارجي في عقاراتها محدود، كما أن البنوك فيها لا تقرض بسهولة، ولذلك يمكن القول إن أساسيات السوق جيدة، بانتظار عودة النشاط الاقتصادي. ولكن حتى مع استمرار الكساد هذا العام، فإن توقعات العام المقبل تبدو وردية، حيث تتوقع شركة «كوليير» أن يعود النشاط الاقتصادي والنمو بنسبة 5.3 في المائة، وهي نسبة جيدة بكل المقاييس العالمية. ولكن ما زالت هناك شكوك في أن تتحقق هذه النسبة فعلا.

وعلى الرغم من الكساد، تؤكد الشركة أيضا أن بعض القطاعات لم تتأثر، مثل قطاع العقار الفاخر. ولكن بعض الأحياء تراجعت فيها الأسعار إلى درجة أن شركات العقار تنصح بعدم البيع الآن وانتظار انتعاش السوق في العام المقبل. وفي منطقة كيب تاون الغربية تباع العقارات بوتيرة متزايدة على الرغم من ملامح الكساد السائدة في المنطقة. وتشير أحدث الإحصاءات من مؤسسة «سوذبي» العالمية لمزادات العقار إلى انخفاض في عوائدها بنسبة 35 في المائة وفي عدد العقارات التي باعتها بنسبة 45 في المائة خلال الربع الأول من هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ومع ذلك، فقد أشارت إحصاءات المؤسسة إلى ارتفاع في أسعار العقارات في المنطقة بنسبة 19.1 في المائة، خاصة في قطاع القمة في السوق الذي كان الأقل تأثرا بالتراجع الاقتصادي.

وفي آخر ثلاثة مزادات أجرتها الشركة، كان متوسط عائد المزاد الواحد نحو 24 مليون راند (الراند هو عملة جنوب أفريقيا ويوازي الدولار نحو 8.9 راند) بانخفاض ملحوظ عن حجم مزاداتها السابقة، كما باعت الشركة نحو مائة عقار ساحلي بسعر متوسط لكل عقار وصل إلى أربعة ملايين راند.

ويقول باري كيفن، من إدارة الشركة، إن هناك كثيرا من المشترين في السوق، وإنه يلاحظ عودة كثيرين المستثمرين المحترفين الذين كانوا ينتظرون وصول السوق إلى مستويات متدنية حتى يشتروا العقارات المتميزة انتظارا لفترات انتعاش مقبلة. وفيما تعترف أوساط السوق بأنه يمر بأصعب مراحله، فإن بعض الشركات تأمل أن يساعد تراجع سعر العملة سوق العقار. ويقول سام سيف، رئيس مجموعة «سيف» العقارية، إن الظروف صعبة والنشاط متراجع عما كان عليه في أي وقت مضى. وهو، مثل كثيرين من مديري شركات العقار في جنوب أفريقيا حاليا، لا يتوقع صيفا ساخنا، وإنما فترة استقرار يتمنى بعدها أن تبقى شركته على قيد الحياة بعيدا عن شبح الإفلاس.

ولكن شركات أخرى تشعر ببعض التفاؤل، حيث يقول بيري ايفرت، رئيس شركة «ايفرت» الدولية للعقار، إن المستثمرين الأجانب لديهم اهتمامات متزايدة بسوق جنوب أفريقيا، خاصة من الأوروبيين الذين يستفيدون من انخفاض قيمة الراند مقابل اليورو. وتلاحظ الشركة إقبالا من ألمانيا وهولندا والدول الاسكندنافية التي يعتقد المستثمرون فيها أن جنوب أفريقيا تقدم فرصا أفضل لنمو رأس المال والخروج بسرعة من مرحلة الكساد.

من ناحية أخرى، يعتقد رئيس شركة «ايفرت» أن القطاع الذي يكفل أفضل قيمة في السوق هو القطاع المتوسط حجما وسعرا. فهذا القطاع كان الأكثر تأثرا بالكساد، وانخفض أكثر من غيره، كما أن عدد الوحدات المعروضة في السوق يفوق القطاعات الأخرى كافة. ويعني هذا أن المشتري في هذا القطاع يفاوض من موقع جيد، وتتاح له فرص استثمارية جيدة، كما أن القطاع سوف يكون الأكثر طلبا في السوق لدى عودة الانتعاش.

ويبحث كثير من المستثمرين الأوروبيين عن عقارات في كيب تاون وفي المدن الأخرى التي سوف تستضيف مسابقات كأس العالم في عام 2010. وتلقت مؤسسة «سوذبي» كثيرا من الاستفسارات الدولية عبر الإنترنت، خاصة من المستثمرين الألمان الذين يرون في جنوب أفريقيا فرص نمو هادئة ومستقرة. ودفع هذا النشاط «سوذبي» لأن تفتتح لها فروعا في عدة مدن ألمانية مثل هامبورغ وإيسن ودسلدورف. ويؤكد هذا التوجه سايمون غيب رئيس شركة «بام غولدنغ» العقارية، الذي لاحظ ارتفاع معدل الاستفسارات من ألمانيا. ولكنه يضيف أن دوافع الاستثمار كانت متعلقة أكثر بانخفاض سعر الراند عنها بمسابقات كأس العالم، لأن المستثمرين كانوا يهتمون بالعقارات في كل المواقع وليس فقط في المدن التي تجرى فيها المسابقات. ولكن سام سيف يضيف أن هناك كثيرا من التقلبات المتوقعة بين الوقت الحاضر وعام 2010، وأن المستثمرين الأجانب يقبلون على الاستثمار في جنوب أفريقيا ولكن بحذر.

هذه الرؤية غير الواضحة هي التي تحجم طلب المستثمرين الأجانب على جنوب أفريقيا حتى الآن. وينصح الخبير العقاري في شركة «إيكونومتريكس» الاستشارية بالتروي، لأن المؤشرات الحالية لا توضح وجود أي انتعاش وشيك. وهو ينصح البائعين بالانتظار وعدم البيع كلما كان ذلك ممكنا، بينما يتوجه للمشترين بنصيحة سرعة دخول الأسواق بينما هي في مرحلة القاع.

ولكن التمويل ما زال هو المشكلة الكبرى في سوق عقار جنوب أفريقيا، خاصة للمشترين المحليين في قطاع المدخل الذي لا يملك فيه المشترون نسبة كبيرة من مقدم ثمن الشراء. وترفض البنوك إجراء عمليات تمويل عقارية حاليا إلا بضمانات معززة. كما يعاني السوق أيضا من ارتفاع أسعار الفائدة نسبيا، وهو ما تصفه شركة «ريالتي» العقارية بأنه يضع السوق العقاري أعلى من قدرة شرائح كبيرة من المشترين المحليين.

وتؤكد شركة تمويل اسمها «أوبا» على تراجع النشاط العقاري بسبب انعدام القدرة المحلية على الشراء على الرغم من وجود الطلب. ويمتد هذا الكساد إلى فئات السوق العقاري الأخرى كافة، من شركات التمويل إلى مكاتب المحاماة والوسطاء العقاريين. وتلجأ بعض الشركات إلى تسريح نسبة من موظفيها، بينما تتهم شركات أخرى البنوك بالتشدد أكثر من اللازم في شروطها. ويقول جاك ايسترهويس رئيس شركة محاماة محلية، إن هناك نقصا ملحا في قطاع الإسكان، خاصة في مدينة كيب تاون، ولكن مطوري العقار وشركات البناء تحجم عن تطوير المشروعات أو شراء الأراضي، لأن أحدا لا يستطيع الحصول على قروض عقارية. كما أن شراء الأراضي حاليا بقروض لا يعد اقتصاديا بمعدلات الفائدة السائدة.

وبلغ من درجة الإحباط أن مصادر السوق شعرت ببعض الارتياح عندما قرر البنك المركزي الإبقاء على أسعار الفائدة السائدة عند معدل 12 في المائة بلا تغيير، فقد كانت التكهنات بين شركات العقار ترجح رفع أسعار الفائدة السائدة في السوق. وتفرز أسعار الفائدة العالية ضغوطا على البائعين الذين يريدون تسديد قروضهم، مما يضغط بدوره على الأسعار.

وينقسم الطلب الحالي في سوق جنوب أفريقيا إلى نوعين: الشراء الاستثماري بغرض الإيجار، والشراء من أجل التقاعد أو لاستخدام العقارات للعطلات. ويرتفع الطلب على الإيجار بسبب عدم القدرة على الشراء، مما يفتح مجالات الاستثمار في العقارات المؤجرة. ومع زيادة الطلب الإيجاري، تأمل شركات العقار أن ينعكس ذلك إيجابيا على أسعار العقارات. ويقدم ايفرت مثالا على أن المشتري المستعد للانتظار لعدة سنوات لن يخسر في العقار، لأن من اشترى عقارا في جنوب أفريقيا منذ خمس سنوات، فإنه يملك الآن قيمة أعلى مما دفعه في العقار بنسبة الضعف، على الرغم من تدني الأسعار الحالي. والسبب الواضح لهذا التفوق السعري وجود الطلب المرتفع، فهناك نسبة النصف تقريبا من تعداد جنوب أفريقيا يضعون ملكية العقار كهدف أول في حياتهم. وترى الشركات المحلية أن الأسعار المنخفضة تقدم فرصا قياسية لم تكن متاحة من قبل، ولكن خبراء العقار الدوليين يحذرون من جانبهم أن جنوب أفريقيا تعاني من التضخم وارتفاع أسعار الفائدة والتراجع الاقتصادي وقربها الجغرافي من زيمبابوي التي تعد الآن من المناطق الموبوءة في العالم وقد تنعكس سلبا على كل دول المنطقة القريبة منها.

والنصيحة هي التروي قبل الشراء، ودراسة السوق جيدا، وزيارة العديد من المواقع، والاستعداد لما قد يكون أسوأ، مثل رفع أسعار الفائدة مرة أخرى أو زيادة نسب التضخم. ومما يذكر أن الشركات الكبرى لم تتراجع في مشروعاتها العقارية أثناء فترة الكساد الحالية، حيث وقع الثري الأميركي دونالد ترامب عقدا مع شركة العقار المحلية «ديفلاند» التي يملكها العقاري نيل برنشتاين، لبناء مجمعات سكنية وفندقية على فترة ثلاث سنوات. وتغطي مساحة المشروع نحو 300 ألف متر مربع وتتكلف عشرات الملايين من الدولارات. ولا ترتبط هذه المشروعات بكأس العالم، حسب قول برنشتاين، الذي أكد أن مشروعاته هي للمدى البعيد، «فمن الجنون ربط مشروعات بهذا الحجم بمسابقة فترتها أسبوعين!».

وسافر ابن دونالد ترامب، الذي يدير عمليا بعض شركات الأسرة، إلى جنوب أفريقيا لمعاينة المواقع واختيار الأفضل منها، وعلق على المشروع بالقول إنه أول مشروع لمؤسسة ترامب في أفريقيا، وأن الوقت ملائم الآن لدخول القارة المجهولة من أفضل مواقعها. ولكن ترامب لن يكون وحده في السوق، فقد سبقته إليه استثمارات عقارية أكبر حجما قادمة من دبي.