لبنان لم يدخل متاهة القروض العقارية والإسكانية الهالكة

حافظ على أسعار الفورة التي لم تكن «فقاعة»

TT

يكاد يجمع الخبراء العقاريون والاقتصاديون في لبنان على أن لبنان بقي، حتى الآن على الأقل، في منأى عن أزمة القروض العقارية العالمية التي أدت إلى انهيارات في أسعار العقار، لا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا، وبعض الدول الإقليمية، وإلى مصادرة ملايين المنازل التي بات أصحابها عاجزين عن تسديد قروضها. ويتفق الخبراء أيضا على أن الضوابط التي اعتمدت لحماية القطاع المصرفي في لبنان من «الأدوات المسمومة»، اعتمدت أيضا لحماية القطاع العقاري من المضاربات الهستيرية التي شارك فيها المواطن والمستثمر والمصرف والصناديق الاستثمارية في كل بلد عانى من هذه المضاربات.

وإذا انتقلنا إلى لبنان لوجدنا أن فورة الأسعار في القطاع العقاري التي شهدها العام الماضي لم تكن فقاعة، بدليل عدم تراجعها وفق ما توقعه البعض إثر انخفاض أسعار مواد البناء وانخفاض سعر برميل النفط، لا بل يمكن القول إن المطورين والمستثمرين يتمسكون بأسعار الفورة من دون زيادة أو نقصان في انتظار ما ستؤول إليه التطورات المصرفية والمالية والاقتصادية في المنطقة وفي لبنان بالذات. ويعود التمسك بالأسعار العالية ـ التي يصفها البعض بالتصحيحية ـ إلى عدم دخول لبنان متاهة القروض الهالكة. وفي غياب إحصاء دقيق، يقدر أحد المصرفيين القروض المصرفية المتعسرة في القطاع العقاري بعدة مئات موزعة على مجمل القطاع المصرفي، بحيث لا تشكل نسبة تذكر من موجودات المصارف، وحتى من أرباحها. مع الإشارة إلى أن مصرف لبنان المركزي فرض على كل مستثمر عقاري أن يكون مالكا نحو 60 في المائة من قيمة المشروع.

ويلاحظ أن تعسر القروض العقارية كان أقل أهمية في مؤسستي الإقراض السكني، أي مصرف الإسكان، والمؤسسة العامة للإسكان، بحيث بلغت نسبة القروض المتعسرة في المصرف (أي التي تواجه صعوبات في التسديد) 1.34 في المائة، وفي المؤسسة العامة 1 في المائة. وإذا كانت أزمة القروض العقارية العالمية لم تترجم أزمة مماثلة في القطاع العقاري اللبناني، فإنها أثرت، بشكل محدود، في إقراض القطاع الخاص، لا سيما منه غير المقيم، بحيث تباطأت التسليفات في الفصل الأول من العام الحالي، لتقتصر الزيادة في محفظة التسليفات على 1.6 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي وتبلغ 25.4 مليار دولار، في مقابل زيادة بلغت 10 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي. وتركز تباطؤ التسليفات ـ بما فيها العقارية ـ على غير المقيمين، بحيث لم تسجل تسليفاتهم سوى زيادة 0.4% في الفصل الأول من العام الحالي، في مقابل 36.7 في المائة في الفصل نفسه من العام الماضي. بينما سجلت التسليفات للقطاع الخاص المقيم خلال الاثني عشر شهرا المنتهية في فبراير (شباط) من العام الحالي زيادة بلغت نسبتها 14.5 في المائة.

وفي الوقت الذي يعزز مصرف لبنان المركزي الضوابط على القروض العقارية، بالتعاون مع المصارف التجارية، تحاول الحكومة والمصرف على السواء تعزيز القروض الإسكانية التي يقدمها مصرف الإسكان والمؤسسة العامة للإسكان اللذان يتميزان باستقلاليتهما عن بعضهما بعضا، وباختلاف أدائهما.

فعلى صعيد المصرف، أضاف إلى تسهيلاته أخيرا إعفاء المقترض من رسوم تسجيل المنزل الذي يشتريه، كما هي الحال بالنسبة إلى المقترض من المؤسسة العامة للإسكان، علما أن رسم التسجيل في حدود 5.25 في المائة من قيمة المسكن. غير أن الإعفاء في المصرف يقتصر على من يقترض دون 180 مليون ليرة أو ما يساويها، في حين أن الذين يقترضون فوق هذا المبلغ فهم «يمولون» إعفاء الآخرين من خلال زيادة في معدل الفائدة، ودفعهم رسوم التسجيل الخاصة بهم.

وفي إحصاءات مصرف الإسكان، أنه وزع 1400 قرض عام 2008 قيمتها 120 مليار ليرة، بمعدل 95 مليون ليرة للمقترض الواحد. أما إحصاءات المؤسسة العامة للإسكان فتشير إلى توزيع هذه الأخيرة 6300 قرض العام الماضي تبلغ قيمتها 548.1 مليار ليرة، بمعدل 87 مليون ليرة للمقترض الواحد، وبذلك يكون مجموع أصحاب القروض السكنية 7700 شخص في عام 2008 تبلغ قيمة قروضهم 668.1 مليار ليرة.

وعلى الرغم من الفوارق الأساسية بين المؤسستين، فإنه تجمع بينهما نقاط مشتركة ترتكز على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وعلى مستوى المصرف، يمنح قروضه للمقيمين والمغتربين بسقف 450 مليون ليرة لكل قرض. وهو شركة مساهمة وبرأسمال 50 مليار ليرة. المساهمون هم المصارف وشركات التأمين المحلية وبعض الأفراد، فيما تمتلك الدولة 20 في المائة من رأس المال بدافع تأمين الجانب الاجتماعي في الإقراض. ويملك القطاع الخاص أكثرية الأصوات في مجلس الإدارة.

أما المؤسسة العامة للإسكان، فهي مؤسسة حكومية بالكامل، وتتعاون مع المصارف الخاصة لتوزيع القروض على المقيمين بمعدل لا يتجاوز 180 مليون ليرة، بموجب بروتوكول موقع مع جمعية المصارف. وكان الرئيس السابق لجمعية مصارف لبنان الدكتور جوزيف طربيه قد طالب المصرف المركزي بإزالة سقوف القروض الإسكانية تسهيلا لضخ السيولة في السوق وتلبية للطلب الإسكاني والاستقرار الاجتماعي.