لبنان: القطاع العقاري يتهيأ لصفقات الصيف

الأسعار في بيروت بدأت تتسم بـ«العقلانية»

TT

يتهيأ القطاع العقاري في لبنان، بمستثمريه ومطوريه ومشتريه، وبعد إنجاز استحقاق الانتخابات النيابية، للانطلاق مجددا، بعد جمود دام فترة غير طويلة بسبب ترقب الاستحقاق والتخوف من الاحتمالات التي يمكن أن تسبقه أو ترافقه، وبسبب تراجع أسعار مواد البناء بشكل مفاجئ نتيجة تدهور أسعار النفط.

وتتوقف سرعة الانطلاق على مسار الأمور بعد حصول الانتخابات والنتائج التي آلت إليها، وما إذا كانت ستفضي إلى استقرار سياسي أم إلى أزمة شبيهة بالأزمة التي سبقت «اتفاق الدوحة»، التي ساهمت، إلى جانب ارتدادات الأزمة المالية العالمية، في جمود الحركة العقارية نسبيا، بحيث غابت منذ عدة شهور أي صفقة عقارية كبيرة في بيروت، باستثناء بعض الصفقات الصغيرة والمتوسطة.

وإذا كانت بيروت قد شهدت في بداية عام 2008 بيع قطع أراض بسعر يتراوح بين 1200 أو 1500 دولار للمتر المربع الواحد، فإن مثل هذه العمليات وبالأسعار المذكورة باتت أكثر ندرة، باعتبار أن فورة الأسعار في مطلع العام الماضي كانت مبالغا فيها كما يقول البعض، فيما اعتبرها البعض الآخر حركة تصحيحية بدليل بقائها عند مستوياتها بعد انقضاء تلك الفورة. وفي كل الأحوال، يقول أحد الخبراء العقاريين «إن الأسعار في الوقت الراهن تحدد ميدانيا».

ومع ذلك، تقول مؤسسة «رامكو» للتسويق العقاري، «الطلب ما زال قائما. والزبائن، من مطورين ومستثمرين جديين لا يزالون يسعون وراء قطع أراض في القطاعات الجغرافية عالية الأسعار، فيما يتسلل آخرون إلى إحياء بيروت غير المعروفة، أو المنسية، بهدف الحصول على أسعار أكثر إغراء». وبخلاف الكلام الذي يتردد دوما، فإن قطعا كثيرة في بيروت ما زالت قابلة للبيع، كالمرائب، والمساحات الصناعية المهملة، والأراضي غير المبنية، والأبنية الصغيرة غير الصحية، والأبنية القديمة التي لا يتوافر فيها الجانب التراثي، مع أن البعض لا يتورع عن محو بعض المباني التراثية من خريطة بيروت. غير أن تلك العقارات، أو معظمها يخضع لطلب أسعار عالية جدا، ربما بدافع الاقتناع بوجود عدد محدود من العقارات غير المبنية أو القابلة لإعادة البناء، لكن المشترين في هذه المرحلة يطرحون أسعارا معقولة من دون أن يحركهم هوس الحصول على القطع المناسبة بأي أسعار، ومن دون القبول فورا بالأسعار التي تطرح عليهم خوفا من ضياع الفرصة كما يحصل عادة في زمن الفورات أو المضاربات.

وإذا كان المطورون يعبرون عن رغبتهم دوما في الشراء، فإنهم لا يظهرون وكأنهم «محروقون» ولا يبدون متعجلين، أو كأنهم يشاركون في مزاد علني، خصوصا لعلمهم أن الطلب على الشقق السكنية الجديدة والأسعار في تطور دائم ولا تخسر من قيمتها كما دلت كل المراحل السابقة، لا بل كانت بمثابة «القجة» التي يحفظ فيها الشاري أمواله وثمار عمره.

ويرد الخبراء العقاريون عدم الاستعجال في بت الأسعار إلى اقتناع المستثمرين والمطورين بأن فورة النصف الأول من عام 2008 قد انتهت وأن الحركة تعاني من بعض الجمود لأسباب داخلية وخارجية، ولذلك نرى أن مهلة البيع والشراء، أو مهلة التفاوض تطول أكثر فأكثر.

وأمام تلكؤ أو حذر الشارين، من مستثمرين ومطورين وطلاب مساكن، اختار بعض البائعين «عقلنة» أسعارهم. وهذا ما نلاحظه في كثير من العقارات في «فرن الحايك» (الأشرفية) شرق العاصمة، وفي «رأس بيروت» في الشطر الغربي منها؛ حيث خفض أصحابها الأسعار بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة خلال الأشهر القليلة الماضية، مع ذلك لم تسجل أي عملية بيع حتى الآن، ربما لاعتقاد البعض أن الأسعار لا تزال عالية، أو أن السعر المطروح يجب أن يساوي قدرة الشاري على الدفع.

وأمام هذه الصورة تبقى أسعار العقارات في لبنان، وتحديدا في بيروت، «تقاوم» الأزمة العالمية وارتداداتها المحلية والإقليمية، ويظل أصحابها متمسكين بها، أملا منهم بتحسن ظروف السوق بعد إجراء الانتخابات في جو هادئ وسليم، واعتقادا منهم بأن العقار في لبنان يبقى الملاذ الآمن للأموال، وبأن الحجر يبقى السبيل الأجدى للاستثمار، وبأننا مقبلون على صيف سياحي يبشر بالنجاح ويضخ في سوق العقار أموالا اغترابية وخليجية طائلة.