البيع القسري للعقارات بدأ يشمل القطاع الفاخر أيضا

قصور وقلاع حول العالم تباع بأقل الأسعار

العقارات الفاخرة تقدم فرص استثمار نادرة في الوقت الحالي («الشرق الأوسط»)
TT

سواء بالمزاد أو البيع القسري، يتكرر السيناريو نفسه حول العالم، من قلاع اسكوتلندا إلى جزر دبي، ومن قصور جنوب أفريقيا إلى مزارع كاليفورنيا، حيث تعرض عقارات فاخرة للبيع رخيصة في سوق توفر كثيرا من الفرص النادرة التي يقول عنها خبراء العقار إنها فرص قد لا تستمر طويلا. ويعاني كبار المستثمرين مالكو العقار الفاخر من الأزمة المالية العالمية التي زادت من ديونهم، وأجبرتهم على عرض بعض عقاراتهم الفاخرة للبيع لاستعادة بعض السيولة المالية. ومع ذلك، تبقى معظم العقارات غير مبيعة مع تردد المشترين. ومن أبرز الأمثلة التي أوضحت هذا الوضع غير العادي، فشل مزاد عقاري في دبي مؤخرا في بيع بعض العقارات الفاخرة لأنها لم تحقق الحد الأدنى من القيم المطلوبة فيها. وكان حجم تخفيض الأسعار لهذه العقارات أكبر من نصف القيمة التي كانت عليها العقارات منذ عامين فقط.

والواقع أن هناك كثيرا من المشترين والمستثمرين في الأسواق، ولكنهم ينتظرون التوقيت المناسب والسعر المناسب. فمن جنوب أفريقيا، يحكي مشترٍ أنه وقع في غرام قصر ساحلي منذ خمس سنوات، وأنه اقترب من تحقيق حلمه لأن القصر معروض للبيع. ولكن على الرغم من عرض القصر في السوق منذ عام كامل، ومعرفته الوثيقة أن صاحبة القصر تتراكم عليها الديون بأكثر من قيمة عقاراتها، فإنه لم يتقدم للشراء بعد وينتظر أن يصادر البنك العقار ثم يتقدم لشرائه رخيصا من البنك.

وتتكرر قصة المستثمر الأفريقي في أنحاء العالم الأخرى مع استمرار الأزمة المالية وتفاقم نشاط مصادرة العقارات، التي بلغت فيها المتاعب حدود العقارات الفاخرة أيضا. ولا تمثل العقارات الفاخرة نسبة كبيرة من العقارات المصادرة ولكن الوضع الحالي يتجه نحو المزيد من المصادرات لأسباب تتراوح بين فقدان الوظائف وتعذر الحصول على الائتمان وأيضا بسبب تراجع أسعار العقار. ويضطر بعض أصحاب العقارات الفاخرة إلى تسليم مفاتيحها إلى البنوك أو بيعها بأي ثمن يعرض فيها قبل الاضطرار إلى تسليمها إلى البنوك. وتقول متحدثة من شركة مزادات «كونسيرج» الدولية إن موجة بيع العقارات الفاخرة ما زالت في بداياتها. وهي تراقب عدد العقارات الفاخرة المسجلة لدى البنوك على أنها مملوكة لها بعد مصادرتها وتقول إنها ترتفع بمعدلات ملحوظة. ويرتفع أيضا عدد القروض العقارية التي تفوق المليون دولار التي يعجز مقترضوها عن سدادها.

وتؤكد هذا التوجه شركة إحصاءات مالية أميركية اسمها «إل بي إس» تؤكد أن أصحاب القروض العقارية كبيرة الحجم من المتعثرين يزدادون الآن بنسب لم تشهدها الأسواق منذ عام 1992، وفي بداية هذا العام بلغت نسبة هؤلاء نحو 2.6 في المائة من جملة المقترضين.

ويضيف مدير شركة «ورلد فنتشر» لإدارة الاستثمار، مايكل فايرووكر من مقر الشركة في كاليفورنيا أن هناك كثيرا من مالكي العقارات الفاخرة الذين يعانون من المتاعب، وأن هذا يعني أن السوق به كثير من الصفقات الجيدة. وهو يعرف هذا لأن نشاطه الأساسي في السوق هو شراء العقارات التي تعثر أصحابها بأسعار رخيصة لصالح المستثمرين في الصندوق الذي يديره. وهو يشتري كل أنواع العقارات التي يعتبرها رابحة من الفنادق الفاخرة إلى القصور الريفية التي يجد أن بعضها قد تم تخفيض ثمنه بنسبة 60 في المائة.

وهو لا يكتفي بالسوق الأميركية، بل يتخطاها إلى أسواق العالم ويبحث دائما عن الفرص في القطاع الفاخر. ومن أهم الصفقات التي حققها في الأشهر الماضية كانت فنادق في جزر البحر الكاريبي ومزارع فرنسية وإيطالية وأسترالية. ولكنه يعتبر أن السوق الرئيسية التي تقدم له أفضل الفرص ما زالت ولاية كاليفورنيا التي يقيم فيها وتعاني أكثر من غيرها من نشاط مصادرة العقارات الفاخرة. وبعدها تأتي عدة ولايات أميركية أخرى مثل فلوريدا ونيفادا، والأخيرة يتم مصادرة عقار فيها من كل 14 عقارا معروضا للبيع. وهو يدرس شراء قصر فاخر في نيفادا يحتوي على ست غرف وحمام سباحة وقاعة رياضية مجهزة وملحقات أخرى بثمن لا يتجاوز 4.5 مليون دولار هبوطا من سعر أصلي كان يفوق الثمانية ملايين دولار. وهو يتعامل مع ميزانية حجمها مائة مليون دولار تتوجه كلها لشراء عقارات مصادرة في القطاع الفاخر.

ويؤكد مدير تسويق عقارات في لاس فيغاس أن ربع العقارات الفاخرة التي بيعت في المدينة في العام الماضي، ووصل عددها إلى نحو 510 عقارات، كانت عقارات مصادرة. ويختلف هذا النوع من العقارات عن غيره لأن البائع يبيع العقار بثمن أقل من القرض العقاري عليها. وفي الغالب توافق البنوك على مثل هذه الصفقات حتى تتجنب مشكلات وتكاليف وضع اليد ومصادرة العقار. وهو يعرف أن هناك كثيرا من الزبائن الذين يبحثون عن هذا النوع من الصفقات دون غيرها. وهو يؤكد أنه باع بنفسه لصالح مقترضين قصورا تطل على مناظر جبلية ومنازل فاخرة تقع داخل منتجعات للغولف بمبالغ لا تتخطى المليون دولار لكل منها، وهو سعر يقل بنحو النصف عن ثمنها منذ ثلاث سنوات. وحتى في أسوأ ظروف السوق، فإن العقارات التي تسعر بأسعار رخيصة تجد كثيرا من المشترين الجاهزين للشراء.

ويقول مدير شركة عقار في فلوريدا، وهي ثاني أكبر ولاية من حيث مصادرة العقارات فيها، إن تيار بيع العقارات بأقل من قيمتها السابقة ما زال مرتفعا في الولاية. وهو يعترف بأن كثيرا من البائعين هم من الأثرياء الذين قرروا عدم محاولة إنقاذ استثمارات رديئة بأموال جيدة. ولذلك فإن البيع بأي ثمن يمثل بالنسبة لهم أفضل حل للخروج من أزمة السيولة ونزف أقساط القروض العقارية.

أحد العقارات التي يعرضها للبيع يملكها ثري منذ ثلاث سنوات وكان قد اشتراها بنحو مليون دولار. ويقع العقار ضمن مشروع «غراند فينسيا» بضاحية كليرووتر. وهي وحدة عقارية كاملة التجهيز الداخلي بلوازم الإقامة الفاخرة كافة، من صالون بكسوة جلدية إلى تلفزيونات مسطحة بشاشات كبيرة في كل الغرف. العقار كان بغرض الاستثمار بالتأجير، وفي زمن الطفرة كان من السهل العثور على مستأجرين، ولكن مع تراجع نشاط التأجير، كان محتما على المشتري أن يبيع العقار. وعلى الرغم من أن أدنى قيمة له في سجلات الملكية بمجلس المدينة تصل إلى 357 ألف دولار، فإن البنك المقرض وافق على صفقة لبيع العقار بمبلغ 175 ألف دولار فقط. وهذا مثال واحد من مئات الأمثلة المشابهة التي تآكلت فيها الثروة في سوق العقار المتهاوي.

وفي مزاد تقيمه شركة «كونسيرج»، يجري عرض عقار مساحته 5500 قدم مربعة في منطقة ايلزورث بالقرب من مدينة أورلاندو كان يبلغ ثمنه 3.5 مليون دولار ويملكه البنك المقرض حاليا، ولا تأمل الشركة في بيعه بأكثر من مليوني دولار في أفضل الظروف. وكانت الشركة قد باعت في العام الماضي قصرا على مساحة 10 آلاف قدم مع فدان كامل من الأراضي المحيطة ومسافة كيلومتر من الساحل بمبلغ ثمانية ملايين دولار، بأقل من ثلثي سعره قبل عام واحد. وكان القصر الجديد قد اكتمل، ولكن الشركة المطورة له لم تستطع بيعه، واستولى عليه البنك بغرض بيعه بعد ذلك في المزاد. وعرض المشتري المبلغ نقدا قبل عرضه في المزاد حتى لا يضطر إلى المزايدة عليه، وقبل البنك بالعرض فورا. ولكن حالات البيع الاضطراري للعقارات الفاخرة خارج الولايات المتحدة نادرة نسبيا لأن الأثرياء عادة يشترون عقاراتهم نقدا وتكون لديهم موارد مالية تحول دون اضطرارهم للبيع القسري. ولكن عندما تتاح فرص عرض العقارات الفاخرة للبيع الاضطراري، فهي تمثل فرصا رائعة قد لا تأتي أكثر من مرة واحدة في العمر.

من هذه الفرص، أفخم عقار مصادر في بريطانيا حاليا معروض بسعر 2.5 مليون إسترليني، هو قصر ميلفيل هاوس في مقاطعة فايف الاسكوتلندية. وهو يقع على مساحة 16.5 فدان ويضم 11 غرفة نوم وملعب كريكت وآخر للتنس. ويعود تاريخ القصر إلى القرن السابع عشر، وتسوقه شركة «نايت فرانك» المشهورة التي لا يخفي مدير التسويق فيها، جيمس فريمان، أنه قد يقبل بسعر لا يتجاوز المليوني إسترليني في الظروف الراهنة.

وحتى في إسبانيا تنتشر العقارات المعروضة للبيع، وإن كان معظمها من مطوري عقار شبه مفلسين ومستثمرين يحتاجون إلى السيولة. ومن بين آلاف العقارات العادية والشقق الرخيصة هناك أيضا مجموعة من العقارات الفاخرة على قمة السوق. من هذه العقارات ما تعرضه شركة عقارات إسبانية لفيلا في منطقة سانتا بالو على شاطئ كوستا بلانكا. وتحتوي الفيلا على ملعب تنس بالإضاءة الليلية وحمام سباحة مغطى وغرفة بخار وحديقة شاسعة وقاعة رياضية وسينما منزلية. وكان سعر الفيلا قبل عامين يصل إلى أربعة ملايين يورو. وهي معروضة الآن بسعر 2.3 مليون يورو.

ويقول خبير شراء عقاري يعمل لصالح مستثمرين من روسيا والشرق الأوسط في إسبانيا، إن البنوك الإسبانية تفضل الآن إجراء صفقات بيع قبيل مصادرة العقارات أو الاستيلاء عليها، وهي خطوة متبعة في الولايات المتحدة أيضا. وتحاول البنوك تجنب التكاليف الإضافية للخطوات القانونية الضرورية، وكذلك تراجع القيمة بسرعة بسبب السمعة الرديئة التي يكتسبها العقار المصادر، خاصة في القطاع الفاخر. وتوجد لوائح بمثل هذه العقارات المعروضة للبيع قبيل الاستيلاء عليها من البنوك ويحوم حولها خبراء الشراء من أجل تحقيق أفضل الصفقات لزبائنهم. ويمكن الاستعانة بمثل هؤلاء الخبراء إذا كانت ميزانية الشراء لا تقل عن مليون يورو.

ولكن حتى في القطاع الفاخر تحذر شركات شراء العقار من وجود مشكلات. فالمشتري لا بد أن يعرف أن شراء هذه العقارات يكون على حالتها، بما في ذلك المشكلات الهيكلية أو عمليات الصيانة التي لم تُجرَ عليها. وعلى المشتري أن يستعين بمحام لاستكشاف الوضع القانوني للعقار المعروض للبيع، وخلوه من الديون المتراكمة أو القروض. وإذا كان العقار غير مكتمل، عليه التحقق من أن شركة العقار البائعة تملك إمكانيات استكمال البناء وفقا للمواصفات. ولكن هذه الشركات تؤكد وجود صفقات هائلة في كل قطاعات السوق للمشتري الذي يدفع نقدا.

وتعرض شركة اسمها «بروبرتي ابرود» على موقعها على الإنترنت فيلات في الجنوب الإسباني بمواصفات عالية تشمل حمامات سباحة والأرضية الرخامية والجاكوزي وخمس غرف نوم، وهي في العادة كانت تباع بما لا يقل عن 1.5 مليون يورو، ولكنها الآن تباع من قبل البنوك بثلثي سعرها السابق. كما أن هناك كثيرا من الفيلات الفاخرة في ماربيا وحولها بأسعار لا تزيد عن نصف مليون يورو.

أحد العقارات الفريدة يقع على جزيرة اسمها إيفيا في اليونان، وهو قصر يطل على البحر وبخلفية جبلية خلابة ويحتوي على أحدث وسائل الطاقة المتجددة من ألواح شمسية وتوربينات هوائية. ويعرض هذا القصر الذي صادرته البنوك بالفعل بسعر 700 ألف يورو.

ومن اليونان إلى دبي التي تلقت فيها العقارات الفاخرة ضربة موجعة. وتعرض شركة «دبي لاند هومز» لائحة بكثير من العقارات الفاخرة المعروضة للبيع بأسعار تقل عما كانت عليه منذ ستة أشهر بأكثر من 60 في المائة. من ضمن العقارات المعروضة فيلا في منطقة جميرا بشاطئ خاص وحمام سباحة بسعر لا يتعدى 11 مليون درهم (نحو ثلاثة ملايين دولار)، بعد أن كانت معروضة للبيع بسعر 38 مليون درهم قبل ستة أشهر. كما هبطت أسعار الفيلات في مشروع «البراري» من 50 مليون درهم إلى 13 مليونا.

وبوجه عام، يعتبر الخبراء أن تراجع الأسعار يعم معظم أسواق العالم، فيما عدا أسواق أرستقراطية محدودة الإمدادات العقارية وعليها طلب عالمي كبير، مثل مانهاتن في نيويورك، وقلب باريس، ومنطقة توسكاني الإيطالية، وشاطئ كوت دازور الفرنسي وبعض مناطق لندن. ولكن حتى في هذه المناطق توجد صعوبات في حالات الأثرياء الذين تعرضوا للإفلاس وبيعت عقاراتهم قسرا.

ولا أحد يعرف بعد إلى متى سوف يستمر نزف البيع الرخيص في القطاع الفاخر بسبب الأزمة المالية، ولكن بعض المتفائلين يعتقدون أن السوق وصلت إلى مرحلة القاع وأنها في طريق الصعود مرة أخرى بسبب ندرة الإمدادات. ويعني هذا أن الفرص المواتية في هذا القطاع قد لا تستمر طويلا.