مطالبات بتحديد مصير الأراضي البيضاء داخل المدن الرئيسية في السعودية

تتضمن وضع رسوم أو تحويلها لشركات تطوير أو زيادة مميزاتها

تتوزع الأراضي البيضاء داخل المدن الرئيسية بشكل كبير في السعودية (تصوير: خالد الخميس)
TT

كشف مسؤول رفيع في أمانة مدينة جدة (غرب السعودية)، عن توجه الأمانة بالقضاء على الأراضي الفضاء داخل المدينة، وذلك من خلال عدد من الإجراءات التي تسعى إلى تطبيقها خلال الفترة المقبلة. وقال المهندس إبراهيم كتبخانه، وكيل أمين محافظة جدة للتعمير والمشاريع، إن بعض الخطوات التي اتخذتها الأمانة تتمثل في المشاريع الريادية، التي يعمل على تطويرها مطور واحد، وتتعدى مساحتها 50 ألف متر مربع، مما يعمل على تشجيع ملاك الأراضي البيضاء في المناطق المطورة، خاصة التي تقع على محاور رئيسية ومناطق حيوية.

وبين كتبخانه لـ«الشرق الأوسط»، أن وجود مناطق كثيرة غير مطورة داخل النطاق العمراني، وعدم وجود رسوم تجاه الأراضي البيضاء، وربط فرض الرسوم بالجهات التشريعية، أدى إلى وجود أراض بيضاء كثيرة وسط وداخل المدينة، لافتاً إلى أن عدم تطوير الأراضي البيضاء داخل المدينة، أدى إلى التوسع في جعل مساحة المدينة كبيرة ومترامية الأطراف.

وقال وكيل أمين محافظة جدة للتعمير والمشاريع، إنه بالنظر إلى مساحة مدينة جدة التي تبلغ 2200 كيلومتر مربع، نسبة إلى عدد السكان، تعتبر الكثافة السكانية غير مرتفعة بالنسبة للمدينة، الأمر الذي لا يعني أن كثافة السكان في الأحياء السكنية القائمة والمناطق المطورة منخفضة، لكن عند حساب مساحة هذه الأراضي البيضاء على مجمل مساحة المدينة ومجمل عدد السكان، نجد أن الكثافة السكانية غير مرتفعة أيضاً. وأشار إلى أن نسبة 25 في المائة من السكان موجودون في مناطق عفوية، وهي المناطق العشوائية التي تمثل 5 في المائة من مساحة المدينة، وبالتالي فإن تلك المناطق ذات كثافة سكانية عالية جدا ويسكنها 25 في المائة من سكان جدة. وبين أن حل مشكلة الأراضي البيضاء يمكن إدخالها ضمن النسيج العمراني للمدينة، مؤكداً في الوقت ذاته على تشجيع الأمانة لتطوير الأراضي داخل النطاق العمراني، كون الخدمات متوفرة، ولا تحتاج إلى بنى تحتية، وتعتبر أكثر جذباً للباحثين عن المسكن. وكانت مصادر ذكرت في وقت سابق أنه يُتوقع أن يصدر قرار يقضي بإلزام أصحاب وملاك الأراضي والعقارات التجارية غير المستثمرة بدفع رسوم «ضرائب» سنوية عليها أو استثمارها، حيث إن الموضوع لا يزال قيد الدراسة لدى الجهات المختصة، حيث سيعمل القرار على الحد من التوسع الأفقي للكثير من المدن الرئيسية السعودية، في ظل وجود الكثير من الأراضي غير المستثمرة داخل النطاق العمراني في تلك المدن. إلا أن عقاريين أكدوا أنه في حال تم قرار إلزام أصحاب الأراضي بالبناء أو دفع مبالغ سنوية أو بيعها، سيكون هناك تأثير كبير على التداول العقاري في البلاد، حيث سيعمل على تحريك حركة العقار والبناء داخل المدن الرئيسية، وبالتالي ستتأثر أسعار المساحات العقارية في المدن بشكل كبير، إما بالسلب أو بالإيجاب.

فيما تنبأ بعض العقاريين بأن القرار من شأنه إيجاد فوضى في سوق العقارات، خاصة أن هناك عددا من المعوقات التي ستصطدم بأنظمة البناء المعمول بها حالياً، وعدم تمكين الاستثمار الأمثل للأراضي داخل المدن، خاصة أن البعض اشترى الأراضي في وقت بلغت أسعارها أرقاماً قياسية.

من جانب آخر حمّل عدد من المسؤولين والخبراء العقاريين في جدة أصحاب المخططات والأراضي البيضاء المجمدة، مسؤولية ارتفاع قيمة الأراضي، الذي تسبب في إحجام المواطنين عن تملك الأراضي السكنية.

وحدد المختصون سببين لإحجام الراغبين بتملك قطع الأراضي السكنية في المناطق الطرفية من مدينة جدة، أولهما،عدم تخطيط الأراضي وتطويرها من قبل الملاك في شرق وجنوب المدينة، وثانيهما ارتفاع الأسعار في الشمال بسبب زيادة الطلب عليها. من جهته ذكر الدكتور طارق فدعق، عضو مجلس الشورى ورئيس المجلس البلدي بجدة، أن ترك الأراضي من دون تطوير أو تخطيط يقلل من قدرة المواطن على الشراء، كونها ترفع الأسعار، وبالتالي لا يوجد مبرر للارتفاع سوى الندرة، وهذا الوضع يعتبر غير منطقي. وأشار إلى أن مالك الأرض أو المخطط ينتظر من الآخرين أن يطوروا وأن تمتد إليهم الخدمات، وبالتالي ترتفع الأسعار، الأمر الذي يجعلهم ينتفعون بشكل غير مباشر بعيداً عن المساهمة بدورهم في التطوير تجاه المنافع التي حصلوا عليها. ويرى الدكتور فدعق أن ترويج العقار حسب المناطق، سواء شمالا أو جنوبا، يتم بآراء معينة لدى العقاريين، والاهتمام بالشمال يرتبط بالمشاريع والاستثمارات، حيث إن المستثمرين العقاريين يتجهون نحو المشاريع الضخمة، كالإستاد الرياضي ومشروع برج المملكة في أبحر. وبين رئيس المجلس البلدي أن فرض الرسوم على أصحاب الأراضي غير المطورة هو الحل المناسب تجاهها، مضيفاً أن المجلس البلدي ليس ضد الربح، لكنه يعمل ع باهتمام كبير تجاه الإسكان الميسر، كون المغالاة في الأراضي تنعكس على قيمة الإسكان في المدينة.

مؤكدا أن أصحاب الأراضي لم يفكروا في استثمار أو خدمة أو تطوير العقار، ولقاء ذلك تقدم لهم الخدمات وترتفع أسعار الأراضي والمخططات التي يملكونها.

من جهته وصف إبراهيم بن سميط، مدير وحدة التداول العقاري بسقيفة الصفا، ارتفاع أسعار الأراضي داخل المدن نتيجة المضارات بالدائرة المغلقة، مشيراً إلى أن الأراضي داخل المدن تأثرت بارتفاع أسعارها نتيجة لعمليات البناء من حولها، ووجودها في مناطق استراتيجية داخل المدينة. إلى ذلك قال عبد الله الأحمري، نائب رئيس اللجنة العقارية بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، إنه تم عرض موضوع الأراضي الفضاء في مجلس الشورى قبل 6 سنوات، وتمت مناقشة وضع رسوم على الأراضي الفضاء، كونها شوهت منظر جدة، وأصبحت تستخدم من قبل الناس كمرمى للنفايات.

وأضاف «أن فرض الرسوم على ملاك الأراضي التي لم تطور يعتبر حافزاً لتخطيطها وبيعها أو استثمارها، كما دعا إلى تسهيل الإجراءات من قبل الأمانة، مع إلزام صاحب القطعة بدفع رسوم الخدمات التي تصل، سواء الهاتف أو الكهرباء أو الألياف البصرية أو الصرف الصحي». وتطرق نائب رئيس اللجنة العقارية بالغرفة التجارية الصناعية بجدة إلى ضرورة اتخاذ إجراء صارم تجاه المسألة، لأنها تخلف توابع كثيرة من خدمات وتوصيل وما سيترتب عليه من تعطيل لحركة السير ومن تشويه للمنظر العام. من جهته ذكر خالد الجار الله، رئيس شركة فكر الدولية ومستشار التسويق والاستثمار العقاري، أن مشكلة تزاحم المواطنين على شراء أراض خارج النطاق العمراني، رغم وجود أراض وبمساحات كبيرة داخل النطاق العمراني في الشرق والجنوب، أصبحت ظاهرة فرضتها ظروف عديدة.

وحدد الجار الله عدم قدرة المستفيد النهائي والراغب بالبناء على الشراء داخل النطاق العمراني لغلاء أسعار الأراضي التي وصلت إلى أرقام كبيرة، بحيث أصبحت تكلفة الأرض تتجاوز قيمة بناء المنزل، في حين أن المعدل الطبيعي لمتوسط قيمة الأرض يفترض أن يكون ما بين 25 إلى 40 في المائة من إجمالي تكلفة التطوير، وقلة المعروض من الأراضي الجاهزة لدى الأفراد، التي تكتمل فيها الخدمات وتمسك أصحابها بها بانتظار أعلى سعر.

وأضاف الجار الله بأن مشكلة التوسع الأفقي في مدينة مثل جدة تترتب عليها مشاكل كبيرة تؤدي إلى ارتفاع الأسعار والانتظار الطويل لوصول الخدمات إلى هذه الأرض، وعدم وجود مشاريع سكنية كبيرة متكاملة الخدمات أيضا تتسبب في قلة العرض، إضافة إلى عدم وجود خيارات للتملك أمام المواطن مما يدفعه إلى السعي للبناء الفردي.

ويعتقد المستشار في التسويق والاستثمار العقاري أن هناك مجموعة من الحلول ستسهم في الإقبال على الشراء في الأراضي داخل النطاق العمراني، وبالتالي انخفاض الأسعار، وأهمها السماح بزيادة الأدوار داخل النطاق العمراني، خاصة المخططات والأراضي الجديدة، والسماح بتعدد الأدوار في الفلل والشقق السكنية، بالإضافة إلى إنشاء شركات عقارية كبرى لتطوير المشاريع السكنية متكاملة، وفرض رسوم على الأراضي والمخططات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة حسب كل مساحة، التي تجمد ولا يتم تطويرها داخل النطاق العمراني. وأشار الجار الله إلى ضرورة تعاون الحكومة مع القطاع الخاص من خلال تطوير المشاريع السكنية متكاملة الخدمات، حتى وإن كانت خارج النطاق العمراني وبيعها على المستفيدين النهائيين.

وأضاف «يجب على ملاك الأراضي المبادرة بتطوير أراضيهم المجمدة وإسهامهم في حل مشكلة الإسكان». أما في حال عدم القدرة أو الرغبة بالاستثمار يقترح الجار الله أن يتم تحويلها للشركات الجادة التي ترغب بالاستثمار في هذه الأراضي وجني الأرباح من غير الدخول في الشؤون الإدارية والتنفيذية. كما طالب بتسهيل الإجراءات من قبل أمانات المدن ووزارة التجارة لدعم الشركات الجادة في تطوير المساكن.