جامايكا: أسواق العقار تترنح تحت وطأة تراجع العملة والتضخم

الجريمة تمنعها من أن تصبح أهم الأسواق في الكاريبي

تتمتع جامايكا بشواطئها الخلابة بفرص استثمار عقارية مهمة
TT

جامايكا من الاسواق العقارية الهامة في منظومة دول الكاريبي، التي استقطبت الكثير من المستثمرين الاجانب خلال السنوات الماضية، خصوصا في قطاع العقارات الفاخرة، ولطالما تمتعت الاسواق العقارية بنمو ملحوظ، وضعها على رأس احد أهم المواقع العقارية القريبة من الولايات المتحدة، إلا أن الأرقام الأخيرة تشير إلى تراجع في النشاط العقاري وتراجع على الاسعار وعدد الصفقات العقارية وعدد المستثمرين الاجانب في الربع الاول من ها العام. وقد تمتع السوق العقاري السكني خلال السنتين الماضيتين بضعف ملحوظ، على اثر أزمة الائتمان الدولية وانحسار الاهتمام الاجنبي الذي عادة ما تعتمد عليه الأسواق العقارية السكنية على أنواعها. ومع هذا فإن التراجع الحاصل خلال الربع الاول من هذا العالم يأتي على هذه الخلفيات بالإضافة الى ضعف الاقتصاد العام، وارتفاع معدل التضخم في البلاد مع ارتفاع معدل الجريمة نسبة الى السنوات السابقة في المدن الرئيسية مثل العاصمة كينغزتون وسانت اندرو وخليج مونتيغو وغيرها.

وهذه المسألة من المسائل الأساسية، التي أثرت على أداء القطاعين السياحي والعقاري، ومنعته من يصبح الاغلى والأفضل في الكاريبي، إذ ان جامايكا تتمتع بأعلى معدلات الجريمة حول العالم، حسب المعلومات التي نشرتها الامم المتحدة مؤخرا (اكانت من نوع اطلاق الرصاص او من نوع السرقة والاحتيال). وادى هذا بالطبع الى ارتفاع اسعار العقارات المحمية والمسورة، على حساب العقارات العادية مع ارتفاع عدد السرقات خلال الربع الاول من هذا العام بنسبة لا تقل عن 100 في المائة.

عرفت جامايكا التي تقارب مساحتها من مساحة لبنان، الاهتمام الأجنبي منذ سنوات طويلة، إذ إنها تتمتع بنظام بريطاني، ولا تبعد اكثر من 90 ميلا عن كوبا جنوبا و120 ميلا عن جزر هايتي والدومينيكان واسبنيول المهمة. وعلى الخريطة يمكن ملاحظة الموقع القريب لجزيرة جامايكا (ثالث اكبر جزيرة في الكاريبي) من معظم جزر الكاريبي وأميركا الوسطى وأميركا الجنوبية وأميركا الشمالية، ولذا تتمتع منذ سنوات طويلة بقطاع سياحي كبير؛ لجمالها الاستوائي الرائع وخدماتها الحديثة نسبيا. ويقال إن اسم الجزيرة جامايكا يعني: «ارض الشجر والماء» أو «ارض الينابيع». بأية حال فإن تراجع الاهتمام الأجنبي رغم أهمية الجزيرة الجغرافية المعروفة، ساهم بتراجع كبير في قطاع العقارات الفاخرة، الذي تبلغ معدل اسعاره عادة 350 الف دولار وما فوق. كما تراجع عدد الصفقات في هذا القطاع الهام منذ بداية عام 2008 كما يبدو، وأصبح من الصعب التخلص من العقار او بيعه خلال فترة قصيرة، كما كان يحصل في السابق. فبدل فترة الشهر التي كانت تستغرقها عملية بيع العقار، تبقى معظم العقارات المعروضة للبيع في الاسواق سنة تقريبا هذه الأيام. وبسبب التراجع في عدد الصفقات أيضا، والتراجع العقاري عامة تم وقف عدد لا بأس به من المشاريع الحديثة وإلغائها ووقف العمل او تجميده في البعض الآخر، خصوصا في شمال الجزيرة ، بسبب ارتفاع اسعار مواد البناء وارتفاع معدلات الفائدة على خلفية التراجع الكبير في الطلب.

وتشير الأرقام الأخيرة، إلى أن التراجع على عدد المشاريع الجديدة وعمليات البناء كان كبيرا العام الماضي وتواصل، ففي الربع الثاني من هذا العام تراجعت عمليات البناء بنسبة 2.2 في المائة، وفي الربع الثالث وصلت النسبة إلى 7.7 في المائة وفي الربع الاخير بنسبة اكبر وصلت الى حوالي 13.2 في المائة. ولذا تراجعت اسعار العقارات الفاخرة في بعض المناطق الهامة المتطورة عقاريا في الشمال الغربي مثل نجريل وخليج مونتيغو، وأصبح من الصعب الحصول على الاسعار التي كانت معروفة قبل عام 2007 وبدء ازمة الائتمان الدولية. وكان معدل سعر الفيلا قبل العام الماضي يصل الى مليون دولار. وهذا التراجع ايضا طال المناطق الاقل تطورا من الناحية العقارية والعمرانية مثل تراجر بيتش، التي تبدأ اسعار العقارات فيها من 700 الف دولار وما فوق.

وتقول مؤسسة «جامايكا للعقارات» الإلكترونية في هذا الصدد ان اسعار العقارات بشكل عام ارتفعت خلال العشرين سنة الماضية بنسبة لا تقل عن 43 في المائة، بينما تمتعت المناطق الشمالية المتطورة بنسبة 100 في المائة عن نفس الفترة، لتركز المشاريع الهامة والفاخرة فيها. لكن معدل التضخم خلال تلك الفترة أي بين عامي 1998 و2008 ايضا، وصل الى اكثر من 10 في المائة. وقد ارتفعت معدل التضخم الاقتصادي العام من 9.3 في المائة قبل عامين (2007) إلى 22 في المائة العام الماضي بسبب ارتفاع أسعار السلع الأجنبية، وعلى رأسها أسعار المواد الغذائية والبنزين وغيره من المواد الرئيسية المستوردة. ومع هذا فإن التوقعات تشير إلى تراجع معدل التضخم هذا العام ليصل الى 9 في المائة.

وإضافة إلى تراجع الاهتمام الأجنبي وارتفاع معدلات الجريمة والأسعار فإن الأداء الاقتصادي العام لا يساعد سوق العقار ولا يؤهله للنمو هذا العام. وقد أشارت الأرقام الرسمية الى معدل هذا النمو بين عامي 2006 و2007 لم يتعد الـ1.7 في المائة. مهما يكن فإن الاقتصاد الجاميكي ومنذ عشر سنوات تقريبا ضعيف ومكبل بتراجع قيمة الدولار المحلي او الجاميكي امام الدولار، وارتفاع نسب التضخم ومعدلات الفائدة وارتفاع الديون الخارجية ومعدل البطالة. ولهذا السبب، وبسبب ازمة الائتمان كما ذكرنا سابقا، كانت الجزيرة الواعدة من اول الدول او المناطق الاقتصادية التي تشهد ركودا اقتصاديا كبيرا في دول الكاريبي منذ عام 2008 (تبعها جزر الباهاماز). وانكمش معدل المنتوج الوطني العام السنوي بنسبة لا تقل عن 1.2 في المائة العام الماضي وأكثر من 2.2 في المائة في الربع الاول من هذا العام. وكل هذا بالطبع اثر على الاسواق العقارية السكنية وعدد المشاريع الجديدة. وتشير الأرقام الخاصة بالعام الحالي او الربع الاول منه، إلى أن عدد الحوالات المالية تراجع بنسبة 12 في المائة على الاقل، عما كانت عليه في الربع الاول من العام الماضي، لتصل قيمتها فقط الى 357 مليون دولار. وتراجعت عمليات البناء عن نفس الفترة ايضا بنسبة 7 في المائة. إضافة إلى كل هذا فقد تراجع قطاع المناجم والزراعة والأخشاب وصيد الأسماك ويتوقع أن ينكمش منتوج هذه القطاعات الهامة بين العام الحالي والعام المقبل (2010) بنسب لا تقل عن 3 في المائة على حد قول البنك المركزي. كما يعاني الاقتصاد الجاميكي من تراجع قيمة الدولار المحلي أمام العملات الأجنبية وبشكل خاص امام الدولار الأميركي منذ عشرين عاما، ولهذا تلجأ الحكومة دائما الى رفع معدلات الفائدة لوقف تدهور قيمة العملة. وتشير أرقام البنك المركزي إلى أن الدولار الأميركي كان يساوي 7 دولارات محلية في عام 1990 أما الآن (2009) فإن الدولار الأميركي يساوي 90 دولارا على الأقل. وكان البنك المركزي قد بدأ بتخفيض معدلات الفائدة نهاية عام 2006 مع استقرار سوق صرف العملة وتراجع معدل التضخم. وكانت معدلات الفائدة بين عامي 2006 و2008 تتراوح بين 11 في المائة و14 في المائة. لكن نهاية العام الماضي اضطرت الحكومة الى رفع بعض معدلات الفائدة من 18 في المائة الى 25 في المائة بين يناير ( كانون الثاني) ومايو (أيار) هذا العام في محاولة لوقف تدهور الدولار المحلي.

على صعيد سوق القروض العقارية في البلاد، تشير المعلومات المتوفرة انه من الاسواق الصغيرة، التي لا يشكل اكثر من 2.3 في المائة من قيمة المنتوج الوطني العام. ووصلت نسبة النمو في القطاع الهام هذا عام 2007 الى 4.2 في المائة، وهي نسبة قليلة على أهميتها. واهم أسباب ضعف سوق القروض العقارية هي معدلات الفائدة المرتفعة عادة، واعتماد سوق العقار على الاغنياء الاجانب الذين يوفرون الكثير من السيولة والعملات الأجنبية. ووصلت قيمة سوق القروض عام 2007م 370 مليون دولار فقط لا غير، أي بزيادة بنسبة لا تقل عن 30 في المائة عما كانت العام السابق أي عام 2006. وتسيطر جمعيات الإقراض العقاري المشابهة لمثيلاتها البريطانية على 58 في المائة من هذا السوق، يليها الشركات او المؤسسات المملوكة للحكومة مثل «صندوق الإسكان الوطني»، بنسبة لا تقل عن 34 في المائة ومن ثم الشركات والمؤسسات المالية الخاصة بنسبة 5.8 في المائة.

وتقول مؤسسة «غلوبال» المعروفة في تقرير أخير، بهذا الصدد إن عدد القروض الجارية حسب ارقام عام 2007، يصل إلى 12.2 ألف قرض، أي بارتفاع بنسبة لا تقل عن 16 في المائة عما كان عليه العام 2006. ومع هذا فقد تراجع عدد القروض العقارية بين الربع الاخير لعام 2007 والربع الثالث من العام الماضي بنسبة 8 في المائة ليصل عددها فقط 8.5 الف قرض. وحول سوق الإيجار تشير «غلوبال» إلى انه من الاسواق التي كانت مستقرة العام الماضي، رغم ما يحصل من تراجعات على جميع الصعد العقارية. ويعود ذلك بالطبع الى قلة العقارات المتوفرة في هذا القطاع أي قلة العرض رغم كثرة الطلب. وعلى عكس بقية القطاعات سجل القطاع ارتفاعا في نسبة العوائد الربحية العام الماضي وصلت الى 6 في المائة، نسبة إلى ما كانت عليه عام 2007، وأصبح معدل إيجار الشقة المؤلفة مثلا من اربع غرف نوم 2.2 الف دولار شهريا على الأقل. وارتفع معدل ايجار العقار المؤلف من غرفة نوم واحدة بنسبة خيالية وصلت الى 43 في المائة عن نفس الفترة، أي أنها ارتفع من 910 دولارات عام 2007 إلى 1300 دولار العام الماضي. ومع هذا ولانه يصعب عزله عن بقية القطاعات كالبناء والصناعة والسياحة، فإن قطاع الإيجار بدأ يشعر بالأزمة مع تراجع معدل الطلب على العقارات الفاخرة في الربع الاول من العام الحالي.

وتشير الأرقام أيضا، إلى أن الطلب ضعيف جدا على العقارات الفاخرة التي يتراوح معدل إيجارها الشهري بين 4 آلاف دولار و12 الف دولار حاليا، وان الطلب لا يزال عل اشده على العقارات التي لا يتعدى معدل إيجارها ألفي دولار بسبب قلة المتوفر في الاسواق منها وبسبب الهجرة الكبيرة الى المدن.

* أهم المشاريع العقارية الأخيرة في جامايكا

* «هايلندز» ـ منطقة خليج مونتيغو ـ يتألف من 100 عقار. ويصل معدل سعر العقار حوالي 350 ألف دولار.

* «ريتشموند ديفالوبمانت» ـ منطقة سانت آن الشمالية، وهو عبارة عن تجمع سكني ترفيهي يصل سعر العقار المؤلف من غرفتين نوم فيه حوالي 165 ألف دولار والمؤلف من ثلاث غرف نوم حوالي 195 ألف دولار.

* «بالميرا ريسورت اند سبا» ـ في منطقة روز هيل في خليج مونتيغو. ويضم المشروع عقارات فاخرة يتراوح سعرها بين 500 ألف دولار (استديو) و3.5 مليون دولار (فيلا).