السعودية: الاستراحات.. منتج عقاري فرضه ارتفاع تكاليف البناء

تحوّلت إلى مظهر اجتماعي ومركز لتجمع الأسر.. ويستفاد منها استثمارياً

تحولت الاستراحات إلى متنفس عائلي من ضوضاء المدن، إضافة إلى منتج عقاري يدر عوائد مالية جيدة لكثرة الطلب عليه («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي تشهد فيه الأراضي داخل المدن السعودية ارتفاعاً في الأسعار، تحول الكثير من الأفراد إلى استهداف الضواحي لبناء مبان تخصص لقضاء فترة الإجازة، أو لإقامة المناسبات والحفلات فيها، وهي التي تعرف محلياً بمنتج «الاستراحة». حيث تحوّل السكون والهدوء الذي يلازم ضواحي المدن السعودية إلي ضجيج بسبب الحركة الناشئة؛ جراء تحول تلك المناطق إلى استراحات خاصة وعامة، بما يشبه المجمعات المتكاملة بعد تخصيص جزء كبير منها إلى أماكن للرحلات والاحتفالات الخاصة بذوي الدخل المحدود.

الاستراحات كمنتج عقاري فرض وجوده ـ وفق آراء عقارية ـ بسبب بعد تلك الأراضي عن المناطق السكنية، إضافة إلى أن عدم مقدرة ملاكها على بنائها واستغلالها، مما جعلهم يحولونها مؤقتا إلى استراحات لا يكلف بناؤها الكثير، بل وتدر أرباحا شهرية.

وشهدت الفترة الماضية بناء الكثير من منتج الاستراحات، ونظراً لارتفاع تكاليف البناء تحولت الكثير من الأراضي في ضواحي المدن لبناء استراحات، تحتوي على وسائل تسلية متعددة كملعب لكرة القدم ومسابح، إضافة إلى قاعات قد لا تكلف الكثير ولا تستخدم المزيد من مواد البناء.

وحيث إن الثقافة الإسكانية بدأت تتحول في بناء منازل أو مساكن كبيرة تتضمن مجالس كبيرة وغرف ضيافة تستحوذ على نصيب كبير من مساحة البيت، تحول الفكر الان إلى الاستعاضة بتلك الاستراحات لتأمين عادة استقبال الضيوف. ويؤكد عبد الله الأحمري، رئيس التثمين العقاري بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، نائب رئيس اللجنة العقارية بجدة، أن الاستراحات تشغل ما بين 50 إلى 80 ألف كيلو متر مربع من مساحة الضواحي في أطراف جدة، وعدد من المناطق، مشيراً إلى أن استخدامات منتج الاستراحات تتضمن عدة جهات من قبل المستفيدين منها. وبين أن تلك الاستخدامات تمثل جانبين، الأول يعود ملكيته في الغالب لملاك أراضي فرضت عليهم غلاء أسعار البناء وبعد المنطقة عن النطاق العمراني، مما دفع اولئك الملاك إلى تسوير الأرض وبناء غرفة صغيرة، ومرافق يتم قضاء الإجازات بها، وهي لا تكلف سوى 50 ألف ريال (13 الف دولار). أما الجانب الآخر استثماري، وهو الذي يستثمرها ملاك الأراضي في بناء ما يشبه قاعات أفراح بسيطة لذوي الدخل المحدود، التي يكلف بناؤها ما بين 100 ألف ريال (26.6 الف دولار) إلي 300 ألف ريال (80 الف دولار)، وتدر على أصحابها أرباحا سنوية من 15 إلى 20 في المائة بشكل سنوي. وعلى الجانب الآخر، يرى الكثير من ملاك الاستراحات أنها أصبحت المتنفس الأول لهم ومكان تجمع الأهل والأصدقاء، بعيدا عن إزعاج المدن والبيوت، حيث يشير عمر الغامدي، الذي يعمل في إحدى الجهات الحكومية، إلى أنه عمل على إنشاء الاستراحة قبل نحو عامين، وذلك من خلال بناء سور للأرض التي يملكها، ومن ثم عمد إلى بناء مسبح وملعب لكرة القدم وغرفتين مجهزتين، إضافة إلى مكان للجلوس.

وبين أن الاستراحة تحولت إلى مجمع للعائلة في نهاية الأسبوع، في حين يعمل على تأجيرها في الأيام الأخرى لبعض الأسر بمقابل مادي، يصل إلى ألف ريال لليوم الواحد. وكانت الهيئة العامة للسياحة والآثار، أعلنت في وقت سابق، على لسان رئيسها الأمير سلطان بن سلمان، أنها رفعت خطة لتطوير الاستراحات في الطرق، التي تعد الوجه الذي لا يعكس الواجهة الحضارية للمملكة، وأبان حينها الأمير سلطان، أن الاهتمام بالاستراحات في الطرق يعتبر من الاستراتيجية الوطنية التي أقرتها الدولة، وأشار حينها إلى أن 82 في المائة من السياح والمواطنين يعتبرون أن الخدمات في تلك الاستراحات غير لائقة. وأكد أنهم مستعدون لتحويل استثمار الاستراحات في الطرق، إلى أفضل مما هو عليه في الوقت الحالي، وذلك لوجود مستثمرين مستعدين لإعادة تنظيمها وتقديم الخدمات التي يستحقها المسافر.

وتشهد السعودية خلال الفترة الماضية بناء الكثير من الاستراحات، وذلك بعد أن ازداد الطلب عليها من قبل الأفراد والأسر، حيث تتراوح أسعار تأجير الاستراحات ما بين 4 الاف ريال (1067 دولارا)، وحتى 15 الف ريال (4 آلاف ريال)، وتستخدم عادة لإقامة المناسبات الاجتماعية، بالإضافة إلى أن البعض بدأ يستخدمها لإقامة الأعراس، وحفلات التخرج.

من جهتها، أعلنت أمانة جدة عن جملة من الاشتراطات لبناء الاستراحات والمتمثلة في المساحة، التي حددتها الأمانة بألا تقل مساحة الموقع عن 3 آلاف متر مربع، وألا يكون واقعا على شارعين، زاوية أحدهما تجاري، إضافة إلى ضرورة إيجاد اشتراطات السلامة، ووجود رابط أمني للمستأجرين، على غرار ما هو معمول به في الفنادق والشقق المفروشة.

وأوضح المهندس عائض بن مشبب العبد الله، مساعد وكيل الأمين لخدمات السلامة والعلاقات الحكومية، أن «جميع البلديات الفرعية تلقت تعميما للقيام بأعمال الحصر الخاصة للاستراحات الواقعة في مختلف أنحاء محافظة جدة، والمجمعات القروية، وذلك لرفعها للجنة الفرعية، للوقوف على أحوالها على الطبيعة، خاصة أن أغلبها قد قام أصحابها بتغيير مسمياتها من استراحات إلى قاعات مناسبات».

وأعلنت أمانة جدة حصر جميع الاستراحات في أنحاء مدينة جدة، التي يزيد عددها على 3 آلاف استراحة، منتشرة في العديد من مخططات مدينة جدة وأحيائها وأغلقت عددا كبيرا منها. في جانب آخر، يرى كثير من المراقبين أن الاستراحات، خصوصا العائلية في أطراف المدن تشكل خطرا وملاذا لبعض الخارجين عن النظام ولا تخضع للرقابة، وهو الأمر الذي علق عليه مساعد وكيل الأمين لخدمات السلامة والعلاقات الحكومية، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» إلى تشكيل إمارة منطقة مكة المكرمة لجنة مكونة من أمانة جدة والمباحث العامة، إضافة إلى وزارة التجارة والدفاع المدني، لحصر الاستراحات في مختلف مناطق مكة المكرمة، والمجمعات القروية، وذلك لرفعها للجنة الفرعية، للوقوف على أحوالها على الطبيعة.

وأشار، في الصدد ذاته، إلى أن الجولات بدأت منذ وقت، وتم اكتشاف العديد من المخالفات، لعل أبرزها عدم وجود تراخيص بلدية لمزاولة النشاط، وغرم أصحابها مبالغ تراوحت من 1000 إلى 5 الاف ريال، كما سجلت مخالفات عدم وجود صكوك ملكية للأراضي، التي شيدت عليها الاستراحات وهو الأمر الذي استوجب إغلاقها.

إضافة إلى مخالفات تتعلق بالمساحة، التي حددتها الأمانة بألا تقل مساحة الموقع عن 3 آلاف متر مربع، وألا يكون واقعا على شارعين، زاوية أحدهما تجاري، ومخالفات تخص الدفاع المدني، إضافة إلى المخالفة الأهم، وهي عدم وجود رابط أمني للمستأجرين، على غرار ما هو معمول به في الفنادق والشقق المفروشة، وهو الأمر الذي يجعل منها مكانا لبعض المطلوبين.