ارتفاع الطلب على العقارات الفاخرة في النمسا رغم الركود

العاصمة فيينا تبقى أكثر الأسواق جذبا للمستثمرين

TT

أوضاع القطاعات العقارية في النمسا تتأثر بما حولها من ازمات مالية، وقد تأثرت كثيرا بما يحصل في الاسواق البريطانية والأميركية والتراجعات الكبيرة على الاسعار والاستثمارات والمشاريع بشكل لم يسبق له مثيل منذ خمسين سنة. ومع هذا فقد فتحت الاوضاع السيئة حول العالم المجال امام فرص كثيرة في البلاد وخصوصا مع زيادة الاهتمام والطلب على العقارات الموجودة في المناطق العقارية الساخنة والمهمة والعقارات التي تتمتع بإيجارات طويلة الأمد. ويأتي هذا بالطبع مع ازدياد وارتفاع عدد المستثمرين العقاريين الراغبين باستثمار اموالهم في قطاعات آمنة طويلة الأمد. ومع هذا لا يزال الخبراء يتوقعون آثارا سيئة من تراجعات الاسواق في دول اوروبا الشرقية على الاسواق النمساوية بشكل عام، إذ إن صحة الاقتصاد النمساوي والنظام المصرفي والبنوك من صحة اقتصادات هذه الدول وخصوصا روسيا وأوكرانيا وبولندا وسلوفينيا. ومع أن التوقعات بأن يتحسن الوضع الاستثماري العقاري في النمسا هذه السنة، فإن مخاطر تغير توجهات المستثمرين الدوليين (معظمهم من أوروبا الغربية) باتجاه بعض اسواق اوروبا الشرقية وغيرها لا تزال جدية.

وحول المساحات الجديدة من المكاتب والمحلات التجارية والفنادق فإن التقارير الاخيرة تشير الى انها ارتفعت العام الماضي بشكل ملحوظ. وتركزت المشاريع الجديدة في العاصمة فيينا على المراكز التجارية والفنادق والتطوير الحضري وتطوير البنى التحتية والمرافق العامة. وبلغت مساحة المراكز والمحلات التجارية الجديدة العام الماضي حوالي مليون متر مربع. ويبدو أن أهم المشاريع على هذا الصعيد هو مشروع مكاتب وزارة المال ومشروع آخر تجاري في كارتنر ستراسي ومشاريع تطوير محطات جديدة للقطارات في كل من وستباهنهوف وفاين ميتي وزنترال باهنهوف. ومشروع تحويل بعض مباني كارتنر ستراي الى مركز تجاري يعتبر الاهم لأنه سيكون اكبر مركز تجاري في العاصمة فيينا وبسعة 16 الف متر مربع من المساحات التجارية. وسيتواصل العمل خلال هذا العام على اكمال المشروع. أما مشروع «يورو غيت» فهو أيضا مشروع ضخم يهدف الى استغلال ما لا يقل عن 500 الف متر مربع من المساحات الخاصة بالسكن والمحلات التجارية والحدائق والخدمات العامة والمدارس وغيرها بالقرب من محطة سانت ماركس في الحي الثالث في المدينة. ويتوقع أن ينتهي العمل بالمشروع عام 2016. وفي المرحلة الثانية من المشروع حسب ما هو مخطط سيتم إضافة ما لا يقل عن 2000 وحدة سكنية حديثة ومكاتب قادرة على استيعاب ما لا يقل عن 8500 موظف.

كما سيتم تحويل اراضي مطار اولد اسبرين في الحي الثاني والعشرين هذا العام الى منطقة من المكاتب والمساكن والمراكز التجارية (بمساحة قدرها 2.2 مليون متر مربع). ويجري العمل حاليا على مشروع «ام.جي.اس» في الحي الثالث لاستغلال أراض مساحتها 63 الف متر مربع وبناء مكاتب تجارية من الدرجة الثانية بمساحة 55 الف متر مربع تضم ايضا بعض الفنادق والبنى التحتية الخاصة بخطوط السكة الحديد والمواصلات الخاصة بالمطار والوسط التجاري.

بأي حال فإن ازمة الائتمان الدولية ساهمت حتى الآن بوقف الكثير من المشاريع العقارية التطويرية، وصار من الصعب الحصول على قرض اكبر من 20 مليون يورو كما يؤكد تقرير خاص من فيينا لمؤسسة «كوليارز انترناشونال» المعروفة. ولهذا يتوقع ان يتراجع النشاط التطويري وعدد المشاريع العمرانية العام الحالي والعامين المقبلين بشكل كبير وخصوصا في قطاع المكاتب التجارية. وسيؤثر هذا بالتالي على عدد المكاتب والعقارات السكنية الفاخرة المتوفرة في الاسواق وتراجعه. وعلى صعيد قطاع الفنادق يقول التقرير، ان الطلب على الفنادق في العاصمة يتزايد يوميا، وتشير أرقام العام الماضي وللسنة السادسة على التوالي، إلى أنه تم تأجير 10.2 مليون غرفة فندقية وبزيادة بلغت نسبتها احيانا 70 في المائة كما ارتفعت العائدات والأرباح بنسبة 10 في المائة، مع زيادة عدد السياح في قطاعي الترفيه ورجال الأعمال.

ووصل معدل عائد الغرفة في قطاع الفنادق من فئة اربع نجوم العام الماضي الى 11 الف يورو وفي قطاع فنادق الثلاث نجوم 8 يورو. ويتوقع أن ترتفع العائدات مع اتمام مشاريع كثيرة جديدة لبناء فنادق من فئة ست نجوم ( اهمها فندق شانغر لي ) في كل من لاندربانكزنترال وباليس شفارزينبيرغ. ويتوقع أن ينمو قطاع الفنادق مع النمو الحاصل والقوي في القطاعات السياحية المختلفة، وقد جاءت العاصمة فيينا في المرتبة الثامنة على لائحة افضل المحطات السياحية حول العالم والثالثة اوروبيا للعام الحالي حسب صحيفة «نيويورك تايمز». وتشير التقارير الأخيرة حول الأوضاع الاقتصادية في النمسا، إلى أن نسبة نمو المنتوج الوطني العام التي وصلت الى 3.1 في المائة قبل عامين ( 2007) لن تتكرر، هذا العام نتيجة الاوضاع الاقتصادية الأميركية والدولية وأزمة الائتمان بالطبع وتراجع حجم الصادرات بشكل عام. ويتوقع الا يتراجع النمو بدل ان يتواصل بنسبة لا تقل عن -2.2 في المائة. وقد تراجع معدل البطالة من 4.4 في المائة عام 2007 إلى 3.8 العام الماضي (2008). وقد يتوقع ان يرتفع هذا المعدل العام الحالي الى 5 في المائة و 5.8 في المائة العام المقبل (2010). وستكون أكثر القطاعات تأثرا بالتراجع الاقتصادي العام قطاعا البناء والصناعة رغم ارتفاع الطلب في قطاعات السياحة والعناية، على خلفية تراجع معدل التضخم هذا العام الى 0.6 في المائة نتيجة تراجع اسعار السلع والطاقة. بأي حال فإن التقارير الاخيرة عن اسواق العقار النمساوية بشكل عام اشارت الى ان اداء العاصمة فيينا العام الماضي كان اهم واكبر وأفضل من غيره من المناطق. ففي الوقت الذي شهدت فيه اسعار العقارات في فيينا ارتفاعا ملحوظا خلال التسعة اشهر الاولى من العام الماضي (2008) بينما كانت تتراجع تدريجيا في بقية المناطق. وقد ارتفعت الاسعار في العاصمة في هذه الفترة إذا اخذنا بعين الاعتبار نسبة التضخم، بنسبة 2.5 في المائة. ويعد هذا ايضا تراجعا عن نسب النمو والارتفاع خلال السنوات القليلة الماضية إذ كانت نسبة ارتفاع الاسعار في نفس الفترة بين عامي 2006 و2007 5.7 في المائة، أما العام السابق (2005) فقد وصلت الى 6.2 في المائة.

في بقية المناطق وعلى الصعيد الوطني العام اشارت ارقام الحكومة إلى أن الأسعار ارتفعت عام 2005 بنسبة 5 في المائة تقريبا وبنسبة 3.1 في المائة العام التالي (2006) وبنسبة 3.7 في المائة عام 2007، أما العام الماضي فقد تراجعت على عكس فيينا بنسبة لا تقل عن 1 في المائة إذا اخذنا نسبة التضخم بعين الاعتبار. وعلى هذا الاساس تواصل الاسعار تراجعها في بقية المناطق منذ النصف الثاني من العام الماضي.

وتقول مؤسسة «غلوبال» الدولية في هذا الإطار ان الاسعار في العاصمة ارتفعت بين عامي 1987 و1994 بنسبة لا تقل عن 150 في المائة وخصوصا القطاع السكني بعد التطورات السياسية الإيجابية في شرق أوروبا. وبسبب زيادة عدد المهاجرين وارتفاع نسبة الراغبين بتملك منازلهم وعقاراتهم ارتفعت الاسعار في بعض مناطق العاصمة ثلاث مرات عن اسعار الثمانينيات. لكن كثرة المهاجرين وارتفاع عدد منازل المهاجرين ادى الى تراجع نمو الاسعار بعد عام 2001 ولم يتعد النمو عليها سوى 14 في المائة نسبة الى ما كان عليه عام 1994. لكن في الطفرة العقارية الثانية كما يطلق عليها البعض بعد عام 2005، فقد جاءت على خلفية اقتصادية قوية وممتازة بالإضافة الى معدلات منخفضة للفائدة وتوسع ونمو اسواق القروض العقارية وعدد منتجاتها.

وعلى هذا الصعيد، فإن معظم القروض العقارية في النمسا من النوع المتغير الفائدة، ووصلت نسبة هذه القروض عام 2001 حوالي 70 في المائة من عدد القروض الممنوحة اما الباقي (30 في المائة) فيتمتع بمعدلات ثابتة للفائدة وقد ارتفعت نسبة الراغبين باتخاذ هذا النوع من القروض بنسبة 90 في المائة عام 2006 ، قبل ان تتراجع الى 54 في المائة نهاية العام الماضي. وبسبب تدخل البنك المركزي الاوروبي تراجع معدل الفائدة العام بين عامي 2003 و2006 ليتراوح بين 4و 4.5 في المائة. وعادت هذه النسبة الى الارتفاع بعد ذلك قبل ان تتراجع من جديد نهاية العام الماضي وتصل الى 5.6 في المائة. بأي حال فإن سوق القروض في النمسا لا يزال يانعا صغيرا نسبة الى بقية الاسواق الاوروبية وقد ارتفعت قيمتها من 29 مليار يورو عام 2001 إلى 71 مليار يورو العام الماضي. وفيما كانت تشكل ما نسبته 14 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي العام عام 2001 اصبحت تشكل ما نسبته 25 في المائة من هذا الناتج العام الماضي. ولأنه يتوقع أن ينكمش الاقتصاد النمساوي هذا العام بنسبة لا تقل عن 2 في المائة، فإن أسواق العقار ستمر في فترة من الركود والانكماش والتراجع أيضا، وقد بدأنا نلاحظ ذلك في ركود الاسعار في فيينا وتراجعها مؤخرا في بعض الأحياء الجانبية، وتراجعها العام هذه السنة في بقية المناطق كما سبق وذكرنا. وحتى لو تم التعافي الاقتصادي العام المقبل (2010) فإن الخبراء لا يتوقعون ان يساهم في وقف التدهور في الاسواق العقارية لأسباب كثير .

وتعود قوة اسواق العقار في العاصمة الى ان معظم او 70 في المائة من العقارات السكنية في وسط المدينة مملوكة للبنوك والمؤسسات المالية والمستثمرين الكبار، ولا يتوقع من هؤلاء تخفيض اسعارهم ايام الشدة بل يفضلون الانتظار، إذ إنهم قادرون على الانتظار. ولهذا تضاعفت الاسعار في العاصمة بين عامي 1997 و2007 وارتفع سعر المتر المربع من 5000 يورو عام 1997 الى 13 الف يورو عام 2007. ويصل معدل سعر المتر المربع حاليا في العقارات الجديدة حوالي 10000 يورو. وهذه الارتفاعات كانت بسبب ارتفاع الطلب وقلة العقارات الممتازة المتوفرة في الاسواق نسبة الى هذا الطلب خصوصا من قبل المستثمرين الأجانب. كما يعود هذا ايضا الى قلة المنازل الجديدة التي يتم بناؤها في النمسا وخصوصا في بدايات العقد الحالي، إذ تراجع العدد السنوي من 66 ألفا في التسعينات إلى 40 ألفا في عام 2004. وتشير الأرقام الأخيرة إلى أن عدد العقارات السكنية في البلاد ارتفع من 3.315 مليون عقار الى 3.53 مليون عقار عام 2007 أي بزيادة قدرها 221.553 الف عقار، أو 36 ألف عقار تقريبا في السنة.

لكن عدد المنازل الجديدة في العاصمة بين عامي 2001 و2007 لم يرتفع بأكثر من 9 آلاف عقار في السنة. وفيما كان عدد العقارات في العاصمة فيينا عام 2001، 770 ألف عقار فإن هذا العدد وصل الى 823 ألفا عام 2007.