هل من حق الأمير تشارلز التدخل في المشروعات العقارية؟

مشروع قطري يتسبب في أزمة بريطانية

منطقة تشيلسي في لندن تنتظر المشروع الجديد (ا.ف.ب)
TT

هل من حق الأمير تشارلز التدخل في المشروعات العقارية؟، هذا هو السؤال الذي شغل بال الإعلام البريطاني في الأسابيع الأخيرة وتسبب في أزمة بين بعض وسائل الإعلام والأمير تشارلز حول ما اعتبره البعض تدخلا سافرا في مشروع عقاري تجاري. لكن الأزمة الفعلية كانت بين مصمم المشروع اللورد روجرز وبين الأمير تشارلز إلى درجة أن المصمم المعماري الذي رأى تصميمه يلغى بجرة قلم من شركة «ديار» القطرية، نادى إعلاميا بمراجعة صلاحيات الأمير تشارلز ومدى شرعية تدخله في المشروعات العقارية التي لا تعجبه، كما طالب أيضا بتحقيق في هذا التدخل السافر.

ووفقا لصحيفة التايمز اللندنية فإن اللورد روجرز قال «إن الأمير تشارلز قام بسابقة خطيرة بالتدخل لدى الشركة القطرية لإلغاء مشروع تشيلسي» ونادى بتحديد صلاحياته الدستورية والحد من تدخله في بعض المجالات التي اعتاد التدخل فيها مثل العقارات والبيئة والطب، لكن أستاذا في القانون بجامعة أكسفورد اسمه فيرنون بوغدانور قال إن اللورد روجرز مخطئ، لأن الأمير تشارلز من حقه التدخل في المسائل العامة طالما أنه ليس طرفا في نزاع أو يعبر عن آراء سياسية. والاختلاف في الرأي لا يعني أن المسألة دستورية. وأضاف بوغدانور أن الوضع سوف يتغير إذا أصبح تشارلز ملكا، حيث تكون التصريحات محسوبة بعد استشارة خبراء ووزراء بحيث لا يكون لها تأثير ضار على أي جوانب محتملة.

وتعود جذور المشكلة إلى مشروع تطوير أكبر موقع عقاري في لندن يقع في منطقة تشيلسي، على موقع معسكر سابق للجيش البريطاني. ويقع المشروع على مساحة 13 فدانا تقريبا بجوار مستشفى تاريخي اسمه «رويال هوسبيتال». وجاء الهجوم على الأمير تشارلز بعدما انتقد المشروع العقاري إعلاميا، لأنه لا يتناسب مع طبيعة المنطقة التاريخية، وتوجه إلى شخصيات نافذة في قطر لكي توقف المشروع، وهذا ما حدث قبل أسبوع واحد من مناقشة المشروع في المجلس المحلي لمنطقة ويستمنستر. لكن التدخل كان بعد شهور وتكلفة باهظة في تصميم المشروع من شركة اللورد روجرز التي لن ترى المشروع يخرج إلى النور. وقررت الشركة القطرية المشرفة على المشروع سحب التصميمات وإعادة النظر في المشروع باستشارة العديد من الجهات ومنها شركة بيئية يشرف عليها الأمير تشارلز.

وفي حوار مع راديو «بي. بي. سي»، قال اللورد روجرز، إن المشكلة أن الأمير تشارلز لا يناقش وإنما يبدى آراء قوية، ولذلك لا بد من التساؤل حول جدوى تدخله في موضوعات من هذا النوع. ويخشى اللورد روجرز أن ترى شركته مشروعا بديلا في تشيلسي بدلا عن المشروع الذي صممه، حتى لو حصلت شركته على مستحقاتها المالية كاملة، لأن المنافسة بين العقاريين في لندن تكون أحيانا مسألة كرامة قبل أن تكون مسألة مالية.

وفيما ينقسم الرأي العام على المشروع، كانت هناك جهات متطوعة للدفاع عن آراء الأمير تشارلز الذي «يحمي الذوق المعماري العام» ويحافظ على الشخصية التقليدية لمباني لندن. كما كتب كثيرون في الصحافة أن الأمير كان سباقا في الكثير من الموضوعات العامة قبل أن تصل إلى العامة، مثل الحديث عن البيئة وإعادة تدوير العبوات الزجاجية في قصره قبل سنوات من تعميم الفكرة في كل أنحاء بريطانيا.

لكن النزاع الحالي سوف يركز أنظار الإعلام البريطاني على المشروع وسوف يرصد كل كبيرة وصغيرة فيه على نحو جاد بعد أن كان يذكر المشروع من باب التندر عليه. فخلال العامين الأخيرين التي كانت تصميمات المشروع تنتظر دورها في البحث في مجلس حي ويستمنستر، تناولت الصحافة البريطانية المشروع من عدة زوايا أهمها أن شركة «ديار» اشترت الأرض وحدها بمبلغ يقارب مليار جنيه إسترليني في قمة فقاعة الأسعار العقارية، لكي تكون أغلى صفقة أرض عقارية من نوعها في بريطانيا. كما أشارت إلى الأخوين كاندي المشرفين على المشروع من خلال شركتهما «كاندي آند كاندي» بأن لديهما بعض الأفكار الطائشة حول التسهيلات التي سوف يتمتع بها المشترون في هذا المشروع، منها برادات خاصة للمعاطف المصنوعة من الفراء، ومرآب للسيارات ذو أرضية يتم تسخينها حتى لا يشعر أصحاب السيارات بالبرد في الشتاء، ومرايا بذاكرة بحيث يمكن لمستخدمها النظر إلى صورته في المرآة بعد نصف دقيقة بحيث يمكن أن يرى خلفية رأسه وجسمه في المرآة قبل الخروج.

وحتى يمكن تصور أبعاد المشروع، وصل حجم الاستثمار في أراضي المشروع فقط 959 مليون جنيه إسترليني دفعها الأخوان كاندي بتمويل مباشر من صندوق «ديار»، رغم أن المستشار العقاري لوزارة الدفاع البريطانية نصح الوزارة بألا تتوقع أكثر من 750 مليون جنيه إسترليني كحد أقصى لثمن الأرض، وذلك خلال ذروة الفقاعة العقارية في عام 2007. وفي العام الماضي تقدمت شركة كاندي للحصول على تراخيص البناء في المشروع وفقا للتصميمات التي تضم 319 شقة فاخرة. ولكن شركات عقار لندنية شككت في إمكانية نجاح المشروع من حيث الربحية في المناخ الحالي، حيث أشارت عدة شركات في قطاع النخبة العقاري إلى أنها لا تجد مشترين في فئة القمة التي تفوق العشرة ملايين إسترليني، وأنه حتى لو نجحت شركة كاندي في بيع كل وحداتها العقارية فالأمر قد يستغرق منها نحو 20 عاما على الأقل. وكانت حسابات المشروع قد أجريت في عصر الطفرة الذي تغير تماما الآن.

الأخوان كاندى كانا يتوقعان تحقيق هوامش ربح قدرها حوالي ثلاثة ملايين إسترليني على كل شقة في المشروع، ويعني هذا أن إجمالي الأرباح المتوقعة من 319 شقة يماثل كثيرا سعر الأرض ويقترب من المليار جنيه إسترليني.

ووفقا لحسابات مطوري العقار، فإن المعتاد هو تقسيم الاستثمار في المشروعات العقارية إلى ثلاثة أجزاء متساوية هي قيمة الأرض ولها حصة الثلث، وتكاليف البناء ولها الثلث الثاني ثم نسبة الأرباح ولها الشق الثالث. ويدفع ممولو المشروع حاليا أقساط الأرض على خمسة أقساط سنوية، كما أن من المتوقع أن تبدأ أعمال البناء في المشروع، بعد إقرار التصميم النهائي، وتصل تكلفتها إلى نحو المليار إسترليني أيضا. لكن الشكوك التي تتحدث عنها أوساط العقار في لندن حاليا تتعلق بالشق الثالث وهو تحقيق الأرباح المتوقعة، وقيمتها مليار جنيه إسترليني. وهذا المعدل من الأرباح غير وارد بالمرة في الظروف الحالية.

ويذكر أن الأخوين كاندي وشركائهما في صندوق «ديار» يشرفان أيضا على أغلى مشروع في لندن وهو مشروع «وان هايد بارك» الذي يتفوق في قيمته على قيمة مشروع تشيلسي. وتباع وحدات مشروع هايد بارك بأسعار أغلى من مشروع تشيلسي. وما زال المشروع الأول قيد البناء ولم يتم بيع كل وحداته العقارية بعد. ويضيف هذا من أعباء بيع المشروع الثاني. وتعاني لندن حاليا من تخمة عقارية مع ندرة في التمويل. وتطال الأزمة كافة قطاعات العقار حتى القطاع السوبر الفاخر، وبالتالي فمن الصعب إقناع مستثمر بشراء شقة بعشرة ملايين إسترليني في سوق متراجع. وقد يعرض المشتري الثري ما يراه سعرا عادلا في مثل هذا العقار في حدود ستة ملايين إسترليني. ومعنى هذا أن مشروع تشيلسي قد لا يغطي تكاليفه، وقد يجد من الأفضل تحجيم الخسائر ببيع أكبر عدد ممكن من الوحدات بسعر السوق حتى يغطي المشروع أكبر نسبة من أصل الاستثمار.

ويزيد تدخل الأمير تشارلز من أزمة المشروع، لأنه كان يعترض على التصميم الحديث المكثف، وقد يكون التصميم الجديد للمشروع أصغر حجما وأقل عددا لوحدات العقار.

لكن المشكلة الأصلية هي أن استثمار الأخوين كاندي يعاني من سوء التوقيت، حيث وقعت أزمة الرهن العقاري ومشكلة الائتمان في الوقت الحرج بعد شراء الأرض بثمن باهظ وقبل بداية إنشاءات المشروع. فلو كانت أرض معسكر تشيلسي تعرض الآن للبيع لما تخطى ثمنها نصف ما دفع فيها في أقصى تقدير، وفقا لمصادر السوق. وحتى لو دفع فيها المستثمر المصمم على حيازتها 500 مليون إسترليني لكان في استطاعته إكمال المشروع وبيع الوحدات العقارية الفاخرة بنصف الثمن مع تحقيق بعض الأرباح. أما الآن فإن أمل تغطية التكاليف يبدو بعيدا كلما طال أمد أزمة الائتمان الحالية.

وفي المجال العقاري تزداد مشكلة التمويل تعقيدا لرفض البنوك الإقراض العقاري لعدم رغبتها التعرض لمخاطر قطاع تعتقد أنه متراجع في القيمة. وقد يجد الأخوان كاندي أن الأثرياء الذين تتوجه إليهم مشاريع تشيلسي وهايد بارك لا يحتاجون إلى الاقتراض، لكنهم يعرفون أيضا أن الفرص الجيدة هي تلك التي توفر فرص الربح بعد حين، وفي المناخ الحالي قد يكون من الصعب استعادة ما يدفعه المستثمر في عقارات مقومة بأكثر من قيمة السوق. ويقامر المستثمران كاندي على أن مزاج الأثرياء يتغير من الرغبة بشراء العقارات التاريخية العريقة إلى الرغبة بالحداثة. ويقول نيكولاس كاندي إن العقارات العتيقة بها العديد من المشاكل، فهي لا توفر أماكن لصف السيارات تحت الأرض ولا يمكن تركيب تكييف مؤثر فيها وهي مثل سيارات الفيراري القديمة: جميلة الشكل، لكن بها الكثير من المشاكل. وهو يأمل أن تكون الفكرة الأساسية في تصميم حي كامل للأثرياء جاذبة للعملاء، خصوصا ان موقع تشيلسي هو الأخير بهذه المساحة في كل أنحاء لندن.

وكان المشروع الملغى الذي قدمه الأخوان كاندي لمجلس حي ويستمنستر للموافقة عليه، يضم مساحات خضراء تفوق في مساحاتها مساحات البناء، وهي تقع بمحازاة النهر، وتضم 300 شجرة على الأقل، كما يشمل المشروع أيضا فندقا راقيا ومنافذ تجارية ومركزا رياضيا به حمام سباحة طوله 25 مترا. ويتم تسويق المشروع على أنه «موطئ قدم» للأثرياء في لندن، خصوصا هؤلاء الذين ينتقلون من مدينة لأخرى ويريدون موقعا دائما داخل لندن بالمواصفات الفاخرة. وسيتم هدم برجين سكنيين ضمن المعسكر القديم قبل البدء بأعمال البناء في المشروع الجديد.

لكن من سلبيات المشروع هو أنه يجاور منطقة سكن رخيص تدخل ضمن نطاق المشروع، بها عدد مماثل من الوحدات السكنية، يشترطها المجلس المحلي للإسكان الشعبي لذوي الوظائف الحيوية، وقد يجد الأثرياء أنفسهم جيرانا إلى جوار سائقي الحافلات والممرضات ورجال الإطفاء. وفي العادة يلبي المقاولون هذه الرغبة ببناء المساكن الشعبية في مواقع أخرى بعيدة عن المشاريع الفاخرة، لكن في حالة مشروع تشيلسي يصر مجلس حي ويستمنستر على أن تكون الوحدات الرخيصة داخل إطار المشروع نفسه.

من الشروط الأخرى التي يفرضها المجلس المحلي هو أن تكون الشوارع التي تتخلل المشروع مفتوحة وليست مغلقة ببوابات أمنية، وقد يؤثر هذا في الرغبة بالشراء من كبار الأثرياء، حيث معدلات الجريمة في لندن ما زالت مرتفعة، الأمر الذي يجعل مسألة الأمن حيوية.

وكان يعيب البعض على المشروع أنه يحتوي على كثافة سكنية فيه قريبة من بعضها بعضا بحيث تشبه إلى حد كبير مشروعات الإسكان الشعبي في الستينات. ويلاحظ البعض أن المشروع يجاور مستشفى تاريخيا يوفر شكلا معماريا أقل كثافة وأجمل شكلا من المشروع الجديد، وكان لهذه المستشفى الذي صممه المعماري التاريخي سير كريستوفر رين، الأثر الأكبر في غضب الأمير تشارلز في التناقض الصارخ ما بين المعمار التقليدي الجميل والتكدس الحديث الهادف للربح. وكان بيع معسكر الجيش السباق للاستثمار الخاص قد أثار غضب بعض اللندنيين ومن بينهم جيران المعسكر الذين اعترضوا بدورهم على «التصميم الزجاجي» الحديث. ويعتبر البعض أن بيع الحكومة للمعسكر كان تفريطا في جزء من تاريخ المدينة لكسب حفنة من الجنيهات. هذا ولن تكتمل أعمال البناء في مشروع تشيلسي قبل عام 2014، ويتم تمويل المشروع بقرض يبلغ حجمه 2.5 مليار دولار من صندوق «ديار». وقد تكون أحوال سوق العقار البريطاني قد تحسنت قليلا في ذلك الحين عن وضعها المتدهور حاليا.