سلوفينيا.. ركود عقاري أم انهيار مقنع؟

كانت من الأسواق الأوروبية الواعدة قبل أن تعصف بها أزمة الائتمان

جانب من العاصمة السلوفينية لوبيانا (أ.ف.ب)
TT

كانت سلوفينا قبل عامين من أوائل دول أوروبا الشرقية التي تخلت عن عملتها المحلية لتتبنى اليورو في إطار الإتحاد الأوروبي عامة، كما كانت من أولى الدول التي تتخلى عن يوغسلافيا سابقا واستقلت عنها للانضمام إلى حلف الناتو بداية التسعينات.

بكلام آخر كانت سلوفينيا من الدول الطموحة والمستعجلة للدخول في العالم الأوروبي الحديث في الغرب، وترك تجربة الشيوعية والإتحاد السوفياتي السابق وراءها. ولهذا أيضا كانت من الأسواق الناشئة والواعدة، خصوصا على الصعيد العقاري لقربها من الكثير من البلدان الأوروبية المهمة على هذا الصعيد مثل كرواتيا وإيطاليا والنمسا والبحر الأدرياتيكي بشكل خاص، ولطبيعتها الخلابة والمتعددة على صغرها، إذ إن البلاد تضم جزءا كبيرا من منطقة جبال الالب الباردة وهناك مناطق قارية حارة في الشرق وبعض المناطق تتمتع بمناخ وطبيعة متوسطية أيضا، خصوصا القريبة من البندقية، اضف الى ذلك مناطق الغابات في كوشيفش. بأي حال فإن الطفرة العقارية التي شهدتها سلوفينيا قبل سنوات كبقية دول اوروبا الشرقية، بدأت تخمد، وتشير التقارير الدولية العقارية الأخيرة إلى أن سوق العقار شارف على الانهيار بعد تراجع كبير منذ عام 2007 .

وتقول الارقام الاخيرة التي نشرها مكتب الإحصاءات الوطني، إن أسعار العقارات، خصوصا العقارات السكنية، تراجعت عامي 2007 و2008 وواصلت تراجعها في الربع الاول من هذا العام، حيث وصلت نسبة التراجع عليها حوالي 9 في المائة نسبة الى ما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي. وتعتبر هذه النسبة أكبر نسبة تراجع منذ ست سنوات أي عام 2003.

تأتي هذه النسبة من التراجع على خلفية النمو والارتفاع الذي شهدته اسعار العقارات بين عامي 2004 و2007. ووصلت نسبة الارتفاع على الاسعار في تلك الفترة الى 13 في المائة على الأقل.

وعلى عكس بعض الدول المهمة عقاريا، طالت نسبة التراجع على الاسعار عقارات العاصمة ليوبليانا، أكثر من غيرها من المناطق، حيث وصلت نسبة التراجع الى 9.6 في المائة. أما في بقية المناطق فلم تتعد نسبة التراجع 8.5 في المائة. ولم تساعد الأحوال والأوضاع الاقتصادية في البلاد عامة على تحصين سوق العقار الواعد والناشئ، حيث يمر الاقتصاد الآن في مرحلة من الركود اسوة بدول العالم وأوروبا ووصلت نسبة الانكماش في الربع الاول من هذا العام الى 6.4 في المائة. ولم تتعد هذه النسبة في الربع الاخير من العام الماضي الـ4.1 في المائة.

وينطبق الأمر نفسه على معدل المنتج الوطني العام الذي يتوقع أن يتراجع بنسبة 4 في المائة هذه السنة. ولهذه الاسباب مجتمعة، يتوقع الكثير من الخبراء في الاسواق العقارية السلوفينية أن تواصل أسعار العقارات السكنية تراجعها خلال الفترة المقبلة وبالتأكيد خلال العامين المقبلين، تناغما مع الوضع الاقتصادي.

وتقول مؤسسة غلوبال في هذا الإطار، إن عدد الصفقات في قطاع المنازل المستخدمة او القديمة تراجعت بنسبة لا تقل عن 56 في المائة في الربع الاول من هذا العام ووصل عدد الصفقات 622 صفقة فقط لا غير . هذا بالطبع على الصعيد الوطني العام، لكن على صعيد العاصمة فإن الوضع أسوأ بكثير، إذ تعدت نسبة التراجع على عدد الصفقات نسبة 64 في المائة، عن نفس الفترة، أي 144 صفقة عقارية فقط لا غير. وهذا تقريبا ثلث عدد الصفقات التي تمت في نفس الفترة من العام الماضي (2008) .

وتقول مؤسسة «سلونيب» التي تعتبر اهم المؤسسات العقارية المحلية في سلوفينيا، إن معدل سعر العقار في العاصمة ليوبليانا تراجع في الربع الاول من هذا العام نسبة الى ما كان عليه قبل سنة، ووصلت نسبة التراجع على العقارات المؤلفة من غرفة نوم واحدة- وهي اكبر نسبة تراجع– إلى 8.4 في المائة، أما العقارات المؤلفة من غرفتي نوم فقد كانت حصتها 4.7 في المائة، والعقارات المؤلفة من 3 غرف نوم بنسبة 0.75 في المائة وهي افضل نسبة بين جميع القطاعات. وكان هذا النوع من العقارات الاكثر والأفضل أداء ولم ترتفع نسبة التراجع منذ سنة تقريبا، لكن العقارات الكبيرة والمؤلفة من اربع غرف نوم فلم تتعد نسبة التراجع على أسعارها الـ5.2 في المائة، والعقارات المؤلفة من 5 غرف نوم بنسبة عالية وصلت الى 6.3 في المائة. وفي قطاع الاستوديوهات فقد تراجعت الاسعار في نفس الفترة بنسبة 4.8 في المائة. ويؤكد مكتب الإحصاء الوطني، ان ارتفاع اسعار العقارات في البلاد بين عامي 2004 و2007 جاء على خلفية الاوضاع الاقتصادية الجيدة والنمو القوي ومعدلات الفائدة المنخفضة ونمو وتوسع اسواق القروض العقارية. وقد وصلت نسبة الارتفاع على الأسعار في بعض المناطق في تلك الفترة حوالي 17 في المائة، وهي نسبة عالية جدا تقارن فقط ببعض الدول الاوروبية الغربية مثل بريطانيا واسبانيا وايرلندا وغيرها خلال العقد الماضي وقبل ازمة الائتمان الدولية التي وصلت الى سلوفينيا مبكرا. كما وصلت نسبة النمو للمنتج الوطني العام بين عامي 2000 و2007 إلى 9 في المائة. وحسب أرقام مكتب الإحصاء الوطني فقد ارتفعت قيمة المنتج الوطني العام ايضا من 27 مليار دولار عام 2004 الى 36 مليارا عام 2007، وتحولت سلوفينيا من الدول التي تعتمد على البنك الى الدول المانحة والمستقرة اقتصاديا بكلام أدق. وقد ساعدت الأوضاع الاقتصادية بالطبع على تحسين الأوضاع المعيشية وتحريك الاستثمارات الأجنبية على شتى الصعد، خصوصا الصعيد العقاري. تراجع معدل البطالة من 13 في المائة عام 1999 إلى 6.4 في المائة، أي النصف تقريبا في الربع الثالث من العام الماضي. أما معدل التضخم فقد بقي تحت الـ4 في المائة بين عامي 2004 و2007 وارتفع معدل الاجور العام بنسبة 3.6 في المائة عام 2005 وواصل ارتفاعه الى ان وصل الى 4.1 في المائة عام 2007. أما معدل البطالة فقد تراجع ليصل 6.4 في الربع الثالث من العام الماضي. أما معدلات الفائدة، فقد تراجعت بشكل ملحوظ منذ انضمام سلوفينيا الى الإتحاد الأوروبي، من 10 في المائة عام 2003 الى 5 في المائة عام 2006. ومع هذا عادت وارتفعت النسبة العام التالي (2007) لتصل الى 6 في المائة و7 في المائة العام الماضي، أي كما كانت عليه عام 1999. وعلى صعيد سوق القروض في البلاد، فإن الوضع لا يزال في بداياته، حيث لا يزال من الاسواق الصغيرة جدا في أوروبا، إذ لا تتعدى نسبته من قيمة المنتج الوطني العام الـ9 في المائة حسب احصاءات العام الماضي، رغم النمو المضطرد منذ عام 2004. ووصلت نسبة النمو هذه احيانا 3 في المائة. ولأنه من الأسواق الفقيرة على هذا الصعيد أيضا، إذ لا تقدم القروض العقارية سوى المصارف التجارية التي يصل عددها الى 189 مصرفا وثلاثة مصارف للادخار. لكن بعد مايو عام 2004 الذي شهد انضمام سلوفينا الى الإتحاد الاوروبي، نشطت الكثير من المصارف والبنوك الاوروبية والمؤسسات المالية المختصة في هذا الإطار والقادرة على تأمين القروض العقارية. ووصل عدد هذه المؤسسات والبنوك الى اكثر من 230 مؤسسة. ومع هذا لا يزال التقليد المحلي يقضي احيانا بدفع 50 في المائة من القرض كدفعة اولى كشرط للحصول على القرض العقاري. وبالطبع يتوقع ان يتغير هذا الامر في السنوات المقبلة وتتراجع هذه النسبة لتصبح اكثر تنافسية مع بقية الاسواق الأوروبية. ورغم حداثته، وتطوره النسبي فإن سوق القروض العقارية في سلوفينيا لا يساهم كثيرا في تمويل اسواق العقار على حد قول وزارة المال. ويعود ذلك الى اسباب كثيرة كما يبدو وعلى رأسها القوانين القديمة لتسجيل الاراضي وقوانين المصادرة والكثير من القوانين المرتبطة بالعقارات وعالمها. وحتى يتغير هذا الوضع وتتناغم هذه القوانين مع القوانين الاوروبية المتقدمة والمنفتحة والشفافة، ستظل سلوفينيا عقاريا على هامش المواقع الرئيسية والمناطق الساخنة. وفيما تضمن القروض الممنوحة في البلاد لا تضمن في الخارج. وحاليا تتمتع القروض العقارية التي تتراوح مددها بين 5 و10 سنوات بنسب فائدة ثابتة. ووصلت نسبة القروض ذات الفائدة المتغيرة العام الماضي الى 82 في المائة من عدد القروض في البلاد، حسب تأكيد البنك المركزي. ورغم انفتاح سلوفينيا على اوروبا والعالم بعد التسعينات فقد بقيت اسعارها غالية نسبيا ونسبة الى غيرها من الدول، لذا استقطبت عددا كبيرا من الأجانب المهتمين بالشراء للتأجير. ولا يزال البريطانيون يشكلون 40 في المائة من المستثمرين الأجانب، أما البقية من إيطاليا (30 في المائة) والنمسا المجاورة (8 في المائة) وألمانيا (6 في المائة) وتشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد الصفقات او العقارات التي بيعت الى الاجانب بعد انضمام سلوفينيا الى الإتحاد الأوروبي- رأسا- لم يتعد 500 عقار فقط لا غير. أما بين عام 2006 وبدايات العام الحالي فقد وصل عدد العقارات المملوكة للأجانب الى 2000 عقار.

ولا تختلف قصة قطاع الإيجار عن بقية القطاعات وتطوراتها، إذ تقول غلوبال بربرتي، إنه لا يزال ضعيفا نسبيا رغم مرور خمس سنوات على الانضمام إلى المجموعة الأوروبية، ويتراوح معدل العائدات من الإيجار بين 4.3 في المائة و5.5 في المائة في العاصمة، نهاية يوليو (تموز) العام الماضي. وفيما ارتفع سعر المتر المربع من 2900 إلى 3700 دولار، فإن معدل إيجار الشقق والعقارات الخدماتية بقي في حدود 400 دولار في الشهر وهو معدل عادي جدا. وحتى العقارات الكبيرة لا تحصل على معدلات عالية كما هو لدى جيران سلوفينيا، ولم يتعد المعدل في هذا القطاع أكثر من 2000 دولار.