كوبا: أفضل الفرص قبل عصر الانفتاح

فيها مواقع عقار غير عادية

احد المنتجعات الكوبية المخصصة للسياح («الشرق الاوسط»)
TT

في كوبا تبدو رياح التغيير واضحة في كل مناحي الحياة الاقتصادية. اولا، من الناحية السياحية يزور كوبا سنويا حوالي مليوني سائح معظمهم من كندا وبريطانيا وأسبانيا، وثانيا، من الناحية العقارية حيث تعرض عدة شركات مشروعات تمليك تقول انها سوف تحصل لها قريبا على تراخيص بيع للأجانب من حكومة راؤول كاسترو. ويعتبر العديد من مستثمري العقار ان كوبا هي احد المواقع غير العادية التي ينظر اليها كثيرون منهم على انها الملجأ الأخير لاستثمار عقاري ناجح على وشك دخول عصر الانفتاح. وتمر كوبا حاليا بمرحلة انتقالية مليئة بالمتناقضات، فمن عمارات سكنية شعبية مكتظة بالسكان في هافانا العاصمة الى منتجعات سياحية مخصصة للاجانب في مناطق ساحلية خلابة مثل فارديرو شرقي العاصمة. وتنتشر مظاهر التحول الحضاري مثل شباب يحملون اجهزة الهاتف الجوال التي كانت ممنوعة حتى وقت قريب الى فنادق تقدم لنزلائها شاشات التلفزيون المسطحة كبيرة الحجم و«نقاط ساخنة» للاتصال اللاسلكي بالانترنت. والى جانب فارديرو تنتشر أيضا مناطق الجذب السياحي مثل موقع ترينداد الذي اعلنته منظمة اليونسكو موقعا للتراث الانساني، ومواقع اخرى مثل سانكتي سبيرتوس الذي يقع في قلب الريف الكوبي. ولكنها من ناحية اخرى دولة ما زالت تعاني من صعوبة المواصلات بسيارات يعود معظمها الى عقد الخمسينات وما قبلها تبدو كلاسيكية من الخارج ولكنها تسير بمحركات روسية معدلة من الداخل.

ويوضح هذا التناقض الطرق المؤدية من العاصمة الى المنتجعات الساحلية والتي تتحول فجأة من طرق سريعة وسلسة الى شوارع مليئة بالمطبات والحفر، مما يجعل مسافة 60 كيلومترا تحتاج الى ساعتين من زمن السفر. ولكن بعد الرحلة الشاقة تبدو افاق السواحل الرملية الخلابة غير المزدحمة التي يقبل عليها السياح الاجانب في قرى سياحية مخصصة لهم.

وفي هافانا نفسها بدأت جهود تجميل المدينة تظهر بين العمارات السكنية المتهالكة الباقية بعد نصف قرن من الحكم الشيوعي. كما تتوسع الاحياء الراقية على اطراف المدينة بين فلل قديمة من عصر ما قبل الثورة. وبدأت ايضا اعداد قليلة من السيارات الجديدة الفاخرة تظهر في شوارع العاصمة من بين مئات السيارات العتيقة من ماركة لادا الروسية.

وعلى الجانب الاقتصادي بدأت في العام الاخير بوادر انفتاح اقتصادي بتخفيف قيود التصدير والاستيراد، كما تحسنت العلاقات مع اميركا الى درجة ان البعض يتوقع ان يصدر قرار اميركي بإنهاء الحظر المفروض على كوبا منذ عام 1961. ومن اميركا تم تخفيف قيود السفر الى كوبا على الاميركيين من اصل كوبي، كما بث التلفزيون الكوبي هذا العام وللمرة الاولى مسلسلات تلفزيونية اميركية.

وفي وسط هذا المناخ المتغير يقام اكبر مشروع عقاري سياحي بين شركة بريطانية اسمها «منتجعات وفنادق ايسنسيا» وبين الحكومة الكوبية. ويقع المشروع، واسمه «نادي كربونيرا» على مسافة 15 ميلا شرقي منتجع فيرديرو على شاطئ المحيط الاطلسي. وسوف يضم المشروع نحو 800 فيلا وشقة مع ملعب غولف وحمامات سباحة خاصة وعامة ونادٍ لليخوت مع مطاعم ومنافذ تجارية مختلفة.

هذا المشروع ما زال قيد التفاوض بين المستثمرين فيه وبين الحكومة الكوبية.

وتشرف شركة «سافيلز» العقارية في لندن على بيع وحدات المشروع بصفة حصرية، وتشير آخر اخبار المشروع من مصادر الشركة إلى أن الاتفاق قد تم بالفعل بعد فترات تأخير متكررة، وأن الاعلان عنه سوف يكون قريبا. ويقول دافيد فون من الشركة ان مشروع كربونيرا سوف يكون بمثابة فرصة نادرة لدخول سوق كوبا العقاري للمرة الاولى منذ ستينيات القرن الماضي. وتبدأ الاسعار في المشروع من حوالي 129 الف دولار للشقق وتصل الى 1.8 مليون دولار للفلل التي تطل على الساحل مباشرة. وتمثل هذه الأسعار قيمة متوسطة لمعدل الاسعار في منطقة البحر الكاريبي مثل جمهورية الدومينكان واقل من مناطق اخرى مثل جزيرة باربادوس.

وسوف تتاح هذه العقارات للبيع لفترات ملكية تصل الى 75 عاما، وليس من المعروف بعد اذا ما كانت السلطات الكوبية سوف تسمح بالبيع كملكية حرة. كما لم يتقرر بعد ما اذا كانت الاموال التي تدفع مقدما سوف تبقى في بلد العميل المشتري او تنتقل الى كوبا. وتشترط الشركة عضوية نادي كربونيرا التي تتكلف حوالي الف دولار، كما تتحقق الشركة مسبقا من شخصيات المستثمرين الراغبين في الاستثمار في كوبا.

وتعترف الشركة بأن هناك العديد من العوامل الغامضة في مثل هذا الاستثمار، الامر الذي قد يثير تردد بعض المستثمرين، ولكنها تصر على انها فرصة لا تعوض لدخول سوق كوبا العقاري الذي ظل مغلقا لفترة زمنية طويلة ويعد بتألق في الاسعار في المستقبل خصوصا بعد الانفتاح على الاسواق الاميركية القريبة.

ويقول كرستوفر ليتون مدير التسويق في الشركة البريطانية التي تطور المشروع ان كوبا تقدم قيمة اكبر من مواقع اخرى قريبة تتمثل في المساحة الكبيرة للجزيرة التي تماثل مساحة انجلترا والتراث الثقافي والحضاري فيها الذي يتفوق على المتاح في الجزر الكاريبية الاخرى. وهي متنوعة في المعالم من شواطيء خلابة الى ارياف هادئة ومدن صاخبة. وعلى رغم وعورة الطرق التي تصل بين العاصمة وبين المناطق الساحلية الا ان شبكة الطرق تغطي كل انحاء الجزيرة، وتغطي كوبا ايضا شبكة طرق حديدية هي الوحيدة في منطقة الجزر الكاريبية. وقد لا يعرف كثيرون ان كوبا بها حوالي 30 مطارا، منها العديد الذي يستقبل رحلات سياحية دولية مباشرة. كما ترسو بها السفن السياحية في ميناء فارديرو. ويتميز الشعب الكوبي بدرجة مهارة عالية ونسبة تعليم تصل الى 99 في المائة، وهو شعب مرح ويرحب بالزوار والسياح حتى هؤلاء القادمين من الولايات المتحدة. ويقول مدير احد نوادي الغولف المنتشرة في الجزيرة ان الاميركيين قد تكون لديهم مشكلة مع كوبا ولكن الكوبيين ليس لديهم مشكلة مع اميركا. ويضيف انه كلما ارتفع عدد السياح كان ذلك افضل للجزيرة.

ويعتقد مسؤولون كوبيون ان المثال الناجح للقرية السياحية في فارديرو قد ينتشر الى انحاء كوبا خلال العقد المقبل لكي تنفض الجزيرة عن نفسها غبار الشيوعية وتفتح ابوابها لسياح العالم. ويأمل الكوبيون ان يتمتع الزوار ببعض الحضارة ويقومون بزيارة المدن واختبار المعيشة بالأسلوب الكوبي اثناء فترة اقامتهم بدلا من البقاء على الشاطيء لمدة اسبوع او اثنين ثم العودة مرة اخرى لبلادهم. مثل هذه الافكار كانت غير واردة بالمرة قبل خمس سنوات، وهناك من يعتقد ان المخاطر ما زالت تفوق المكاسب في كوبا وان مشاريع مثل كربونيرا سابقة لأوانها، الا ان المتفائلين يعتقدون ان الوقت المناسب لدخول اخر معاقل العقار العالمي قد حان وان هناك العديد من المستثمرين الذين ينتظرون نجاح نموذج هذا المشروع لكي يدخلوا السوق الكوبي بقوة. ومن هؤلاء هناك على الاقل شركة خليجية واحدة واخرى كندية تحضر مشروعات سياحية للعرض على الحكومة الكوبية. ولكن جميع هذه المشروعات تنتظر القرار الحاسم من الحكومة الكوبية بالسماح ببيع العقار والاراضي للاجانب وفتح البلاد للاستثمار الاجنبي بعقلية تعزيز الثقة بدلا من العقلية المخابراتية التي سادت عهد كاسترو منذ الازمة الكوبية في الستينيات.