الأسعار تعاود ارتفاعها في السويد بعد سنة من التراجعات

زادت بنسبة وصلت إلى 4 % في العاصمة ستوكهولم

مقر البرلمان السويدي في العاصة ستوكهولم (رويترز)
TT

على الرغم من أنها ليست من الأسواق الرخيصة والتجارية دوليا بشكل عام، فإن الأسواق العقارية في الدول الإسكندنافية خصوصا السويد من الاسواق الهامة في الجزء الشمالي الاوروبي من العالم، ومن أكثر الأسواق الدولية استقراراً وتنظيماً رغم الخضّات المالية والائتمانية من وقت إلى آخر. وقد أشارت التقارير الأخيرة إلى ان أسواق العقار في السويد بدأت تخرج من ازمتها التي عانت منها العام الماضي خصوصا التراجعات الملحوظة على الأسعار في العاصمة ستوكهولم وبقية المناطق، وتوقف وتأجيل بعض عمليات البناء في المشاريع الجديدة بسبب أزمة الائتمان الدولية وما تبعها من ازمات مصرفية وبنكية عامة.

ومع هذا لم تكن التراجعات على الأسعار بنفس الحدة التي شهدتها بعض الدول الأخرى في شمال المعمورة، إذ ان أسعار العقارات بشكل عام تراجعت خلال عام، (منذ الربع الاول للعام الماضي (2008) حتى الربع الأول للعام الحالي (2009) ، بنسبة 3.7 في المائة ووصل معدل سعر العقار إلى 166 ألف يورو (237 ألف دولار) حسب الإحصاءات الحكومية الرسمية الأخيرة. كما تراجعت اسعار العقارات السكنية خاصة في العاصمة ستوكهولم بنسبة 6.3 في المائة وبنسبة 7 في المائة ما يعرف بستوكهولم الكبرى في نفس ألفترة. ووصل معدل سعر العقار فيها إلى 296 ألف يورو ( 423 ألف دولار). ومع هذا لم يكن تراجع معدل الأسعار السنوي في الربع الاول من العام الحالي أسوأ من الربع الاخير للعام الماضي، إذ وصلت نسبة التراجع في الربع الاول من هذا العام إلى 2.9 في المائة بعدما كانت في الربع الاخير حوالي 5.3 في المائة لجميع المناطق. أما في ستوكهولم فقد كانت نسبة التراجع اقل ايضا ولم تتعد الـ 7 في المائة، لكنها كانت قبل ذلك وفي الربع الاخير من العام الماضي 8.3 في المائة.

هذا بالطبع من الاخبار الممتازة للاسواق السويدية، وفيه مؤشرات على النهوض بعد سنة كاملة من التراجعات غير المعهودة. ويعود ذلك ايضا إلى سبب أهم وهو أن تراجع المعدل السنوي السلبي يعود إلى ارتفاع الأسعار في الربع الاول من هذا العام على الصعيد الوطني العام، وبنسبة لا تقل عن 5.4 في المائة حسب تأكيد غلوبال بربتي في تقريرها الأخير.

ويشير التقرير إلى ان نسبة الارتفاع على الأسعار تراوحت بين 1.2 في المائة في نورلاند الوسطى (كانت7.4 ـ في المائة) و 11.3 في المائة في نورلاند العليا (كانت 0.1 في المائة العام الماضي). وكانت نسبة الارتفاع في وسط السويد 1.5 في المائة (كانت العام الماضي 3.9 في المائة) وبنسبة 5.2 في المائة في سمالاند والجزر (كانت 3.7 في المائة فقط). أما في وسط السويد الشمالي فوصلت النسبة إلى 4.3 في المائة (كانت العام الماضي 3.9 في المائة) وفي غرب السويد بنسبة 2.8 في المائة (كانت العام الماضي 4.4ـ في المائة.

صحيح أن الأرقام تشير إلى بعض التعافي في الاسواق وهو تعافي مهم لكن من المهم ايضا التأكيد هنا على ان الأسواق العقارية في البلاد لا تزال ضعيفة، ووهنة نسبة إلى غيرها وتخطو ببطء إلى بر الأمان. وقد أشارت غلوبال مؤخرا إلى ان معظم الاقاليم والمناطق شهدت تراجعا على عدد الوحدات السكنية المباعة من 22 في المائة في الربع الاول من العام الماضي إلى 35 في المائة في الربع الاول من هذا العام. وتراجع عدد المنازل المباعة ايضا على المستوى الوطني في الربع الاول من هذا العام ليصل إلى 8.8 ألف وحدة، أي تقريبا نصف المعدل الربعي بين عامي 2004 و2008 الذي وصل إلى 15 ألف وحدة أو منزل.

وكما سبق وذكرنا في البداية فقد كان العام الماضي عام توقف وتأجيل المشاريع الهامة والتطويرية الحديثة، لذا سجلت الأرقام الأخيرة أيضا تراجعا على النشاط الإنشائي والبنائي، ولم يتعد عدد العقارات الجديدة في الربع الاول من هذا العام اكثر من 2.8 ألف عقار.

أي أقل بكثير من المعدل الربعي بين عامي 2004 و2008 أي ايام الطفرة، حيث كان معدل العقارات الجديدة حوالي 7.7 ألف عقار.

كل هذا يأتي بالطبع على خلفية الطفرة التي شهدتها السويد في منتصف التسعينات حتى العام الماضي. وجاءت تلك الطفرة بعد استعادة الاقتصاد أنفاسه ونموه من أزمات بداية التسعينات. وتشير الأرقام الأخيرة بهذا الصدد إلى ان أسعار العقارات ارتفعت بين عامي ستة وتسعين وألفين وسبعة في ستوكهولم الكبرى بنسبة 217 في المائة. وفي منطقة مالمو الكبرى ارتفعت هذه الأسعار بنسبة 236 في المائة، وفي غوتنبورغ الكبرى بنسبة 202 في المائة. وحسب هذه الارقام تكون الأسعار قد تضاعفت في تلك ألفترة في خمسة أقاليم، وكانت اكبر نسبة ارتفاع في تلك ألفترة (ايام الطفرة) بعد العاصمة ستوكهولم، هي مناطق الجنوب القريبة من اوروبا والنروج وبريطانيا والمانيا وفرنسا وغيرها. ووصلت نسبة الارتفاع على الأسعار في هذه المناطق إلى 185 في المائة. وكانت اقل الارتفاعات في تلك ألفترة في ثلاث مناطق وتراوحت بين 74 في المائة و90 في المائة كان اقلها في مناطق نورلاند الوسطى.

منذ الثمانيات تحاول السويد تحرير اسواقها وتقليل دور الحكومة في كل شاردة وواردة، ولهذا تعافت بسهولة من ازمة التسعينات حيث انكمش معدل الناتج المحلي الإجمالي، وسجلت نموا اقتصاديا في منتصف التسعينات بنسبة لا تقل عن 4 في المائة، وبنسبة 2.6 في المائة قبل عام 2003. اما بين عامي 2004 و2007 فقد عاد النمو إلى 3.5 في المائة. وكانت ارتفاع معدل الصادرات السبب الرئيس وراء هذا النمو، حيث وصلت نسبة الارتفاع السنوية بين عامي 2004 و2006 إلى 9.7 في المائة. ويشكل قطاع الصادرات 54 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. وتعود نسبة كبيرة من هذه الصادرات إلى الدول الاوروبية المجاورة ودول الاتحاد الأوروبي بشكل عام والنروج القريبة من الناحيتين اللغوية والجغرافية والولايات المتحدة بالطبع. ويعتبر قطاع الهندسة من اهم القطاعات التصديرية في البلاد ويشكل 50 في المائة منها. ورغم تراجع معدل البطالة من 5.8 في المائة في عام 2005 إلى 5.3 في المائة عام 2007 ، وارتفاع معدل الاجور بنسة لا تقل عن 4 في المائة بين عامي 1996 و2007، فإن عدد المنازل الجديدة لم يرتفع وشهدت تراجعا بين منتصف التسعينات حتى عام 2000 بسبب الإصلاحات الاقتصادية آنذاك.

وتشير الإحصاءات بهذا الصدد إلى ان معدل عدد المنازل الجديدة سنويا بين عامي 1980 و1990 كان 42 ألف منزل، وتراجع إلى 10 آلاف منزل جديد بين عامي 1995 و2001. وعاد المعدل السنوي عام 2000 ليصل إلى 20 ألف منزل، لكن بين عامي 2004 و2007 ارتفع من جديد إلى 27 ألف منزل، لكنه بقي أقل من معدل التسعينات.

وقد تراجع معدل ألفائدة العام على القروض من 10 في المائة عام 1996 إلى 5 في المائة بين عامي 2004 و2008، وبشكل عام تراوح بين 7 و2 في المائة في تلك ألفترة بسبب شدة التنافس بين المصارف والبنوك والمؤسسات المالية على منح القروض.

ولا بد من الذكر هنا ان الإصلاحات الاقتصادية طالت القطاعات العقارية وساهمت بالطفرة العقارية الاخيرة، حيث تم تخفيض كلفة الملكية بشكل عام وتشجيع التملك في نفس الوقت. كما تم تخفيض حجم الضرائب المتعلقة بالعقار وعالمه بشكل عام مما سمح للكثير من الملاك بالاستثمار في قطاع الإيجار وتوسيع هذا القطاع الهام خصوصا في العاصمة ستوكهولم التي تعتبر من اجمل مدن العالم وأغلاها من ناحية الأسعار على الأرجح.

من جهة أخرى أكد تقرير سويدي اخير في مجلة «ذي لوكال» الإلكترونية باللغة الانجليزية حول الوضع العقاري في البلاد، ان الاوضاع ليست على ما يرام حتى الشهر الماضي (أغسطس 2009)، وان حجم المبيعات العقارية خصوصا المنازل الخاصة تراجع في النصف الاول من هذا العام إلى أدنى حد له منذ عشر سنوات ووصل إلى 1.2 مليار دولار فقط. كما يعتبر هذا الحجم اقل بثمانين في المائة مما كان عليه العام الماضي. وحسب هذا التقرير، تعود أسباب هذا التراجع إلى صعوبة الحصول على قروض بأسعار معقولة أو تنافسية وصعوبة عقد الصفقات بين البائعين والمشترين في وقت تشهد فيه الأسواق تقلبات كثيرة، وتمر بفترة حرجة لا تعرف نتائجها حى الان. كما يعتبر هذا التراجع انعكاسا للهزة الكبيرة التي تعرضت لها الاسواق الخريف الماضي خصوصا بين أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني)، حيث جفت الاسواق حسب تعبير بعض المعلقين واتسعت ألفجوة بين توقعات الباعة وتوقعات المشترين. لكن منذ التخفيض الاخير لمعدل الفائدة العام يبدو أن الأسواق على هذا الصعيد ـ عادت إلى سابق نشاطها أو وضعها الطبيعي وأصبحت التوقعات بين الباعة والمشترين اكثر تقاربا.

ومع هذا فقد أدت أزمات الائتمان وشح القروض وارتفاع أسعارها إلى لجم القطاع العقاري التجاري، وهروب الكثير من المستثمرين الاجانب من الأسواق. ولهذا كان النشاط في النصف الاول من هذا العام في معظمه نشاطا عقاريا محليا ومن مستثمرين محليين يعرفون الاسواق ظهرا عن قلب.

كم سجل ارتفاعا في الطلب على العقارات في المدن الكبرى خلال النصف الاول من هذا العام، ووصل معدل المهتمين بكل عقار حوالي 50 زبونا. لكن معدلات إيجار العقارات التجارية واصلت تراجعها في العاصمة ستوكهولم والمدن الكبرى منذ سنة، وتراوحت نسبة التراجع عليها بين 10 و15 في المائة في المناطق الهامة والأساسية في النصف الأول من هذا العام.

ورغم ان الأسعار بشكل عام لم تتعرض لتغيرات جذرية في الكثير من المناطق فإن اسعار العقار قد ارتفعت حقا في العاصمة في يوليو (تموز) بنسبة 4 في المائة، وفي غوتينبرغ بنسبة 3 في المائة. لكن في مالمو تراجعت الأسعار في نفس الشهر بنسبة 5 في المائة.

وكل هذه التقلبات مرتبطة بعدد العاطلين عن العمل وارتفاع معدل البطالة وارتفاع عدد حالات الإفلاس ومعدلات الفائدة وغيرها من آثار الأزمة الاقتصادية الدولية. ويبدو أن أكثر العقارات المرغوبة هذه الايام هي العقارات المطورة والمحسنة والعائلية الكبيرة المؤلفة من اربع أو خمس غرف نوم. ويتراوح معدل سعر هذا النوع من العقارات بين 600 ألف دولار و900 ألف دولار. بشكل عام تعتبر الأسعار في وسط السويد مؤشرا على طبيعة الأسعار في البلاد بشكل عام، وقد شهدت بعض المناطق ارتفاعا بسيطا خلال الاشهر القليلة الماضية، وعادة ما تكون ارتفاعات الأسعار تدريجية وأقل من نسب المدن الرئيسية التي عادة ما تكون الأغلى في البلاد.