فرنسا: الأسواق العقارية تتنفس الصعداء مع عودة الانتعاش للاقتصاد

الأسعار ارتفعت بنسبة قاربت 4% في الربع الثاني من العام

جانب من العاصمة الفرنسية باريس («الشرق الأوسط»)
TT

وصلت الأخبار العقارية المفرحة إلى فرنسا في الفترة الأخيرة، على خلفية التعافي الاقتصادي النسبي، إذ أشارت الكثير من التقارير إلى أن أسعار العقارات ارتفعت في الربع الثاني من هذا العام ومن ربع إلى آخر، بنسبة لا تقل عن 3.9 في المائة، وهي نسبة ممتازة بعد الركود الاقتصادي العام الماضي، والتراجع الكبير الذي حصل على الأسعار في جميع المناطق وعلى عدد المشاريع والمستثمرين الأجانب. ويبدو أن التعافي الاقتصادي الأخير قد فاجأ اللاعبين في القطاعات العقارية على الساحة الفرنسية، رغم أن جزءا منه يعود إلى التحفيزات الحكومية المالية واستقرار نظام الضمان الاجتماعي. وكما هو معروف لم ينم الاقتصاد الفرنسي العام الماضي بأكثر من 0.3 في المائة، وأعلنت فرنسا دخولها الركود الاقتصادي في الربع الثالث من العام الماضي أيضا. ولهذا كان يتوقع أن ينكمش معدل الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تقل عن 3.5 في المائة ، لكن النمو الأخير في الربعين الأولين من هذا العام وصل إلى 0.3 في المائة مما أدى إلى خروج فرنسا من ركودها رسميا، وكانت أول الدول الصناعية التي تخرج من الركود إلى ضرب جميع القارات والأسواق. ويقول تقرير لغلوبال بربرتي إن الارتفاع على الأسعار هو الأفضل والأكبر منذ الربع الثاني لعام 2004. وكان أسعار العقارات بشكل عام في البلاد قد تراجعت بنسبة لا تقل عن 6.4 في المائة العام الماضي. ولان معظم الأسواق العقارية الكبيرة والهامة والمتحركة في المدن والمناطق المجاورة، فإن أكبر ارتفاع على الأسعار في الربع الثاني من هذا العام كان على قطاع الشقق، خصوصا في العاصمة باريس التي تضم أكبر عدد منها، سواء أكان في قطاع البيع أم قطاع الإيجار. ووصلت نسبة الارتفاع على أسعار الشقق إلى 4.2 في المائة، وأصبح معدل سعر المتر المربع الواحد حوالي 3 آلاف دولار، ويأتي هذا بعد تراجع متواصل منذ الربع الثاني من العام الماضي (2008) إلى الربع الأول من هذا العام (2009). وارتفعت أسعار المنازل المستقلة في الربع الثاني من العام الحالي ومن ربع إلى آخر بنسبة لا تقل عن 3.6 في المائة أيضا، وبعد ستة أرباع من التراجعات على أسعار هذا النوع من العقارات العائلية المطلوبة. وعلى هذا الأساس يكون سعر المتر في هذا القطاع العائلي قد وصل إلى أكثر من 2 ألف دولار. ويعتقد بعض الخبراء أن تلك الارتفاعات على الأسعار ليست غريبة، إذ إنها ارتفعت بين عامي 200 و2006 على خلفية معدلات الفائدة المنخفضة آنذاك، وعادت إلى الركود والتراجعات مع ارتفاع هذه المعدلات عام 2007. ومع هذا فإن الأسواق العقارية الفرنسية ليست عرضة للتقلبات الكثيرة كما هو الحال في أميركا، وبريطانيا وغيرها من الأسواق المفتوحة والمعروفة، لان معظم تمويلاتها وقروضها ثابتة المدد ومعدلات الفائدة. لكن مع تراجع معدلات الفائدة حاليا وعودتها إلى ما كانت عليه قبل الأزمة المالية الدولية عام 2007، يتوقع أن تعود الأسعار إلى الارتفاع في جميع أنحاء فرنسا مع تزايد النشاط العقاري وارتفاع عدد القروض. ويقال إن أسواق القروض الفرنسية من أكثر أسواق القروض استقرارا في العالم ،وتساهم هيكلته كما يبدو في الاستقرار الاقتصادي بطرق مباشرة وغير مباشرة. وتشير أرقام غلوبال بهذا الصدد، إلى أن 80 في المائة من العقارات مغطاة بالقروض العقارية و80 في المائة منها ذات معدلات فائدة ثابتة. ومنذ العام الماضي يتم اعتماد سنة على الأقل من معدل الفائدة الثابت على أي قرض عقاري. ونحن نتكلم بالطبع عن ثالث اكبر الأسواق العقارية الأوروبية بعد بريطانيا وألمانيا، وقد ارتفع حجم القروض العقارية سنويا بين عامي 2004 و2007 بنسبة لا تقل عن 14 في المائة. ورغم التراجعين الاقتصادي والعقاري العام الماضي ـ وهو الأكبر منذ سنوات طويلة ـ فقد ارتفعت حجم القروض هذا العام بنسبة لا تقل عن 9 في المائة ليصل إلى 710 مليار يورو. وقد كانت قيمة القروض العقارية العام حوالي 305 مليارات يورو. وتعتبر أكبر نسبة ارتفاع على حجم القروض العقارية في فرنسا هي السنوات الثماني الماضية، أي من عام 2000 حتى العام الماضي، إذ ارتفعت نسبة قطاع القروض من الناتج المحلي الإجمالي من 21 في المائة إلى أكثر 37 في المائة. ورغم أن قيم القروض العقارية الممنوحة قد تراجعت من 132 مليار يورو (بين الربع الأول للعام 2007 إلى الربع الأول للعام 2008) إلى 90 مليار يورو (من الربع الأول للعام الماضي إلى الربع الأول للعام الحالي)، يبدو من الأرقام الأخيرة أن قطاع القروض الفرنسي فعلا لم يتأثر كما كان متوقعا بالأزمة الاقتصادية الأخيرة، وواصل نموه ولو ببطء وبشكل أفضل من غيره من الأسواق العالمية والأوروبية بشكل خاص.

ويجدر بالذكر هنا أن قيمة المعونات الحكومية في الأسواق العقارية وصلت العام الماضي إلى 34 مليار يورو، أي ما نسبته 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وان حوالي 40 في المائة من المنازل الجديدة تحصل على هذا النوع من المعونات الحكومية. وتعتبر هذه المعونات من احد العوامل الأخرى التي تساهم في استقرار الأسواق العقارية الفرنسية أكثر من غيرها من الأسواق الأوروبية. وجاء انخفاض معدلات الفائدة بشكل عام، بعدما بدأ البنك المركزي الأوروبي تخفيض معدلات الفائدة في سبتمبر (أيلول) العام الماضي، في محاولة للحد من التراجع الاقتصادي. وكان معدل الفائدة الثابتة على القروض الجديدة قد تراجع منذ ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي إلى يونيو (حزيران) هذا العام من 5.2 في المائة إلى 4.3 في المائة. ولا يزال بإمكان الأجانب الراغبين في تملك منزل ثانٍ للعطل الحصول على قروض بمعدلات فائدة لا تتعدى الـ 4 في المائة. وفي محاولة لمساعدة الأسواق وتحريكها بعد ركود العام الماضي، ألغت الحكومة الفائدة على بعض المعونات الحكومية، رغم أن حجم القرض يعتمد على المنطقة وعدد أفراد العائلة وغيره من المعايير الخاصة.

وتقول غلوبال في هذا الإطار إن المعونات الحكومية الخاصة بالمناطق الممتازة أو من الفئة ألف كالعاصمة باريس، تشترط أن يكون مدخول الفرد 31 ألف يورو سنويا، وان يكون مدخول العائلة المؤلفة من 5 أفراد أكثر من 64 ألف يورو. أما على صعيد قطاع الإيجار فتشير الأرقام والتقارير الأخيرة في العاصمة الفرنسية، إلى أن أسعار الشقق في باريس ارتفعت بنسبة 128 في المائة بين عامي 2000 و2008، بينما لم تتعد نسبة الارتفاع على عائدات الإيجار بأكثر من 28 في المائة عن نفس الفترة. ولذا لم تعتبر هذه العائدات عائدات ممتازة فعلا. ومع هذا فقد أكد مؤشر غلوبال الخاص بالأسعار أن عائدات الإيجار تراوحت بين 3.5 في المائة و5.3 في المائة في يوليو (تموز) من هذا العام، وان المنازل أو الشقق الصغيرة حققت عائدات اكبر من غيرها. وهذا عادة ما يحصل أيام الأزمات وتراجع معدل الاستهلاك العام. وكما هو معروف يعتبر سوق الإيجار من الأسواق الكبيرة في فرنسا، ويتم الاعتماد عليها بكل كبير من قبل السكان المحليين والأجانب، خصوصا في المدن، وهي أيضا من الأسواق المحمية أو التي يمكن القول إنها تحمي المستأجر وتصل فترة الحماية على العقارات غير المفروشة بين 3 و6 سنوات، أما الشقق المفروشة فهي محمية فقط لسنة واحدة.

ولا يمكن لصاحب العقار التخلص بسهولة من المستأجر إلا إذا اثبت أنه يريد استخدامه للسكن أو للبيع. وتبلغ نسبة العقارات الفاعلة في قطاع الإيجار من بين عدد العقارات المتوفرة في الأسواق حوالي 21 في المائة. 17 في المائة من هذا العقارات تقع تحت المظلة الاجتماعية، التي تراجع عددها بين عام 1999 و2001 بشكل كبير.

ومع هذا ارتفعت نسبة الملكية في فرنسا بشكل عام من 54 في المائة عام 1996 إلى 56 عام 2002.

كما ارتفع عدد المستثمرين الأجانب بشكل لم يسبق له مثيل خلال سنوات الطفرة وقبل بدء أزمة الائتمان الدولية عام 2007، ولا تزال الأسواق الفرنسية أكثر الأسواق جذبا للمستثمرين الأجانب، سواء كانوا من أوروبا أم الولايات المتحدة والشرق الأوسط وروسيا وأوروبا الشرقية. وتشير الأرقام الأخيرة إلى أن حوالي 55 في المائة من الزبائن في بعض المناطق الجنوبية الساحلية من الأجانب. وسجلت بعض المناطق نسبة لا تقل عن 64 في المائة. أما في المناطق الغربية والجنوبية الغربية فلم تتعد نسبة الأجانب بأكثر من 15 في المائة. وتشير أرقام مؤسسة بيرفال إلى «أن المستثمرين البريطانيين لا يزالون يشكلون العدد الأكبر من المستثمرين الأجانب، رغم الركود الاقتصادي في بريطانيا والعالم، وتصل نسبتهم إلى حوالي خمسين في المائة من عدد المستثمرين. وهذه النسبة قد تراجعت بسبب الركود أيضا خلال العامين الماضيين، إذ كانت 60 في المائة». ويقول بعض الخبراء في القطاع العقاري الفرنسي، إن النمو الاقتصادي يتماشي دائما مع ارتفاع أسعار العقارات، ويبدو أن الاثنين مترابطان، رغم الوتيرة التي يتحرك بها كل منها. فعندما ارتفعت أسعار العقارات بنسبة 7 في المائة بين عامي 2001 و2007 ارتفع معدل النمو الاقتصادي في نفس الفترة بنسبة 1.8 في المائة سنويا. لكن العام الماضي كان استثناء للقاعدة، إذ إن النمو الاقتصادي وصل إلى 0.7، في المائة، وتراجعت أسعار العقارات بشكل عام بنسبة لا تقل عن 3 في المائة.

وهذا يعود أيضا كما يقول هؤلاء الخبراء إلى ارتفاع معدل الأجور في فرنسا خلال السنوات القليلة الماضية وفي نفس الفترة. وقد ارتفع معدل الأجور في القطاع الخاص بنسبة 3.1 في المائة أي اكبر من نسبة النمو الاقتصادي عن نفس الفترة. لكن سوق العمل المحمي جدا من قبل اتحادات العمال وغيره والضمان الاجتماعي الممتاز، ساهما أيضا في رفع معدل البطالة العام الماضي ليصل إلى 7.8 في المائة. وعلى الرغم من التطورات الاقتصادية الإيجابية أخيرا والخروج من الركود الاقتصادي، إلا أن معدل البطالة يتوقع أن يرتفع هذا العام ليصل إلى 10 في المائة.

ويتوقع أيضا أن يرتفع العجز في ميزانية الحكومة الخاصة بالعمل والضمان الاجتماعي، ويتوقع أن تصل قيمة العجز إلى أكثر من 20 مليار يورو هذا العام .

بأية حال فإن الأسواق العقارية في فرنسا بدأت تستعيد بعض عافيتها التي خسرتها العام الماضي ولو ببطء، ولا يتوقع أن تتعرض لأي نكسات جديدة من معدلات الفائدة المتدنية وارتفاع عدد المهتمين الأجانب منذ العام الماضي.