أسعار العقارات ترتفع بقوة في الصين

البعض يؤكد عودة الانتعاش.. وآخرون يحذرون من فقاعة!

TT

زادت مبيعات العقار في الصين بنسبة 60 في المائة في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام تحت تأثير زيادة السيولة في السوق وتوقعات عودة الانتعاش الذي يقدره البعض بنسبة تصل إلى 20 في المائة بحلول عام 2010. ومع ذلك تزداد المخاوف من وتيرة الارتفاع الذي يشير إلى احتمال ظهور فقاعة أخرى في أسرع أسواق العالم نموا عقاريا هذا العام.

وأظهرت إحصاءات البنك المركزي الصيني عن فترة النصف الأول من العام الجاري أن عمليات بيع العقار زادت بنسبة 53 في المائة عما كانت عليه في عام 2008. كما زاد الاستثمار العقاري في الصين خلال الفترة نفسها بحوالي 11.6 في المائة أيضا، هذا على الرغم من أن الحكومة الصينية ما زالت تمارس سياسة متقشفة بالنسبة للتمويل العقاري تتبعها منذ العام الماضي. وتشير الإحصاءات الصينية إلى أن الأسعار ارتفعت بنسبة واحد في المائة في 70 مدينة صينية خلال شهر يوليو (تموز) الماضي وحده، وهي أكبر زيادة شهرية في تسعة أشهر.

وليس من المتوقع أن تهدأ الأسعار الصينية في المدى المنظور، بل إنها تتوجه إلى زيادة بنسبة 20 في المائة من الآن وحتى نهاية عام 2010 وفقا لتقديرات المحلل الاقتصادي في بنك يو بي إس، ايريك وونغ. وتتوافق المؤشرات نفسها مع تقديرات من جهات أخرى من بينها شركة استشارية اسمها «ستانلي انفستمنت منجمنت». ويخشى اقتصاديون في سنغافورة أن تقبل الحكومة الصينية على إجراءات غير مدروسة في محاولاتها لتهدئة أسواق العقار التي يبدو أنها تخالف السائد في قطاعات الصين الاقتصادية الأخرى.

وتختلف مؤسسة مودي لتقدير الملاءة في نظرتها إلى السوق الصيني، حيث تشير في أحدث تقاريرها أن نمو الأسعار العقارية في الصين ما زال تحت السيطرة، وأن زيادة الأسعار الحالية ناتجة عن زيادة الثقة والسيولة الفائضة في السوق. وتعتقد المؤسسة أن على السلطات الصينية أن توجه المزيد من الاهتمام للبورصة وليس إلى أسواق العقار التي تبدو في حال جيدة. وتضيف شركة لاسال العقارية أن سوق الصين يعاني من ندرة فرص الاستثمار البديلة عن العقار مما أدى إلى زيادة الانتعاش العقاري غير المتوقع.

ويشكو عمدة مدينة شنغهاي، هان زينغ، من أن أسعار العقار في المدينة بلغت آفاقاً غير معهودة قد تضر بقطاع الإسكان فيها. وهو يطالب الحكومة باتخاذ بعض الإجراءات لتهدئة السوق ومنع موجة أخرى من التضخم. وقرر زينغ زيادة تخصيص الأراضي لقطاع البناء مع اشتراط بناء وحدات اقتصادية لخدمة الطبقة المتوسطة لمساعدة الأسر محدودة الدخل.

وتعترف نائبة رئيس بنك الصين، هيسيو لينغ، أن هناك خطراً من ظهور فقاعة عقارية، وتقول إن الظروف الحالية تشير إلى زيادة الطلب غير المبرر بسبب السيولة وتراجع فائدة البنوك وانعدام فرص الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي وتوجه كافة الأموال إلى القطاع العقاري.

وتأتي هذه التطورات على الرغم من القيود التي فرضتها الصين في العام الماضي، ومنها رفع أسعار الفائدة على القروض العقارية ورفع نسبة المقدم المطلوب لهذه القروض إلى حد 40 في المائة من قيمة العقار. وتحاول الحكومة الصينية التحكم في نسبة التضخم التي بلغت ذروتها منذ 11 عاما. وتشير توجيهات البنك المركزي الصيني إلى البنوك التجارية بتشديد شروط الإقراض العقاري أكثر باعتبار التقدم لشراء عقار ثانٍ محسوب على الأسرة كلها وليس فقط على الفرد الذي يتقدم للقرض وحده كما كان الحال في السابق.

وليس من المتوقع أن تخفف الحكومة الصينية من قيود التمويل العقاري في المدى المنظور وهي تراقب عن كثب أوضاع السوق في المرحلة الحالية وترى أن قيودها كافية لضبط السوق.

أما بالنسبة للمستثمر الأجنبي فقد عمدت الحكومة الصينية إلى إحباط عمليات المضاربة بالشراء ثم البيع السريع، وقدمت عدة إجراءات ضريبية من شأنها تعقيد مثل هذه العمليات مما أخرج العديد من المضاربين من السوق، لكن حتى في أحوال الاستثمار العادية للمدى البعيد تتضارب أحيانا القوانين العامة مع القوانين المحلية، ولذلك يتعين الاستعانة بمحام صيني ماهر لتجنب أي متاعب محتملة.

وهناك عدة خطوات يتعين الإقبال عليها عند شراء العقار الصيني، تبدأ بعد العثور على العقار المناسب، حيث يتم الاتفاق على السعر وكتابة تعاقد مبدئي، ويدفع المشتري نسبة 10 في المائة من الثمن. وتجري العملية القانونية بعد ذلك حتى يتم الاتفاق على تاريخ نقل الملكية الذي تتم فيه تسوية كامل الثمن المتفق عليه. وتدفع في الوقت نفسه كافة الضرائب المستحقة والرسوم التي قد تصل إلى نسبة 10 في المائة من الثمن، لكن النسبة تتغير وفقاً لموقع العقار ونوعه والثمن المدفوع فيه.

مما يذكر أن الملكية العقارية في الصين ليست مطلقة وإنما تعتمد على أسلوب الإيجار طويل الأجل. وفي القطاع السكني تصل مدة التعاقد إلى حوالي 70 عاماً، وتقل في التعاقدات التجارية إلى 50 عاماً، وفي المصانع إلى 40 عاماً. ولأن هذا النظام حديث النشأة لا يعرف أحد يقينا ماذا يحدث بعد هذه الفترات، وهل تتجدد التعاقدات تلقائيا وبأي شروط. وتشير الحكومة إلى أنها تدرس تجديد هذه التعاقدات بعد نهاية مداها، بنظام يشبه فئات الملكية في أوروبا.

ويدخل معظم المستثمرين الأجانب السوق الصيني بحثا عن الفرص في قطاع العقار التجاري مثل المكاتب والمنافذ التجارية ذات العوائد العالية، لكن العقار السكني بدأ يجذب الاستثمار الأجنبي أيضا بغرض التأجير وليس بغرض الإقامة. وتمثل الشقق المفروشة التي تديرها شركات، بالإضافة إلى غرف الفنادق، من أفضل الفرص الاستثمارية العقارية في القطاع السكني الصيني حاليا. ويرتفع الطلب باطراد في هذا القطاع، خصوصا في المدن الصينية الرئيسية، وفي الأحياء القريبة من مراكز المال ووسط المدن، حيث فرص الإقامة والتسوق.

واهم المزايا التي تقدمها هذه المواقع ضمان نسب الإيجار لفترات طويلة، مثل عقارات معروضة للبيع الآن في شنغهاي تضمن نسبة 8.9 في المائة من العوائد الايجارية لمدة 18 عاما! هذا بالإضافة إلى ارتفاع قيمة العقار خلال الفترة نفسها. وهناك العديد من المشروعات الجديدة التي تقام بغرض الاستثمار بالتأجير وتجد إقبالا كبيرا بين المستثمرين الأجانب.

ومع ذلك هناك الكثير من الشكوك من المستثمر الأجنبي حول الاستثمار العقاري في الصين. ويقول خبراء شركة «بروبرتي فرونتيرز» (أي آفاق العقار)، إن الكثير من المستثمرين لديهم استفسارات وشكوك متكررة حول الاستثمار في الصين، وهي استفسارات يقدمون لها الإجابات من واقع خبرتهم، وذلك على موقع الشركة الالكتروني. من أهم التساؤلات التي تراود المستثمر الأجنبي في الصين:

- هل يمكن الثقة في الحكومة الصينية؟

- على الرغم من أن الصين ما زالت شيوعية المبدأ إلا أن السلطات الصينية أقبلت منذ السبعينات على برامج تحديث شاملة مع فتح أسواق الاستثمار وتطوير العلاقات الخارجية. ونتيجة لذلك تعد الصين حاليا ثالث أكبر اقتصاد عالمي وفي طريقها لتولي صدارة الاقتصاد العالمي، حيث إن 60 في المائة من ناتجها القومي يأتي من الصادرات. ولا يمكن المحافظة على النمو في الصين من دون علاقات جيدة مع الشركاء التجاريين. ويمكن اعتبار أن الصفة الغالبة للحكومة الصينية هي الاستقرار، والرغبة بالمحافظة على هذا الاستقرار.

- هناك مخاوف من شراء عقارات صينية بعقود إيجار طويلة بدلا من الملكية المطلقة...

- تقوم فكرة الملكية في الصين على المنفعة، ويستغل المشتري منفعة العقار والأرض لفترات تصل إلى ما بين 50 و70 عاماً. وتفكر الحكومة الصينية حالياً في مد فترات الملكية أو حتى تطبيق أفكار أوروبية على الملكية المطلقة.

- الصين تقع في أقصى بقاع العالم ومن الصعوبة الوصول إليها...

- تشرف على العقارات الصينية وتديرها شركات متخصصة، كما أن كافة التعاملات المالية يمكن أن يديرها بنك دولي مثل «إتش. إس. بي.سي»، كما أن الرحلات الجوية إلى الصين متكررة ولا تكلف كثيراً خلافاً عما يعتقد البعض، خصوصا من الشرق الأوسط.

- البعض يخشون من خطر المصادرة في الصين...

- القوانين التي تحكم الملكية الخاصة واضحة تماما في الصين ويحميها الدستور الصيني. من غير المحتمل الاستيلاء على الأراضي، وإذا تم ذلك لمشروعات عامة، فالحكومة الصينية تدفع تعويضات كاملة. ويقال إن الملكية في الصين أكثر أمانا من حيث المصادرة عنها في الولايات المتحدة. ومن شروط عضوية منظمة التجارة العالمية حماية الملكيات الخاصة. - وماذا عن التمويل في الصين؟

- التمويل أسهل بالنسبة للعقارات التجارية التي تدر في الوقت الحاضر إيرادات أعلى. ويوجد تمويل للمشروعات العقارية الصينية بنسبة 50 في المائة من الثمن. ويتم تمويل معظم المشاريع الصينية نقدا، لكن منذ انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في عام 2001، طلبت المنظمة من الصين تطوير قطاع التمويل العقاري الذي لا يزيد في الوقت الحاضر عن خمسة في المائة من قيمة الصفقات. ومن المتوقع أن يستمر تقديم التسهيلات الائتمانية حتى في حالات ارتفاع الأسعار العقارية كما هو الحال الآن. هذا وتعتبر العقارات التجارية الفاخرة المؤجرة تحت إشراف شركات إدارة من أفضل العقارات عوائد في الصين وارتفاعا في القيمة. وقد تكون إمدادات العقار السكني حالياً أكبر من الطلب مرحلياً، لكن الطلب الكامن في السوق المحلي يضمن الحفاظ على القيمة للمدى الطويل.