سوق العقار في تايلند يترنح تحت وطأة الركود الاقتصادي والاضطراب السياسي

الأسعار تراجعت بنسبة 3.7 % في الربع الثاني من العام

أحد مشاريع البناء في العاصمة التايلندية بانكوك (أ.ب.أ)
TT

على الرغم من اهميتها وحيويتها على الصعيدين الدولي والسياحي في الجانب الآسيوي من المعمورة، فإن تايلند من الأسواق العقارية «المغضوب عليها» بشكل او بآخر، او بكلام ادق من الاسواق الملعونة بالسياسة وتطوراتها. إذ إن هذه الأسواق من الأسواق التي تشهد تراجعات متواصلة – مع بعض الاستثناءات – بسبب التطورات والتشنجات السياسية والأمنية في البلاد، وكان آخرها بالطبع قضايا الفساد وعلى رأسها قضية رئيس الوزراء السابق ثاكسين شيناواترا وتبعاتها على الشارع . اضف الى ذلك بالطبع الركود الاقتصادي اثر الازمة المالية الدولية وازمة الائتمان وانحسار رقعة الاستثمارات الاجنبية والعائدات السياحية والشح في السيولة وما الى ذلك من العوامل التي خربت او ابطأت الكثير من اقتصادات العالم وعلى رأسها الدول الصناعية الكبرى ومعظم الدول الآسيوية والاسواق الناشئة باستثناءات هامة في الهند والصين.

وقد أكدت التقارير الدولية الاخيرة ان اسعار العقارات السكنية في البلاد قد تراجعت من جديد بنسبة 3.7 في المائة بين الربع الثاني من العام الماضي ( 2008) والربع الثاني من العام الحالي ( 2009). وتشير الارقام الاخيرة التي نشرها البنك المركزي التايلاندي ان اسعار المنازل في تايلند وصلت الى قمتها نهاية عام 1992، وكانت تتراجع قبل الازمة الآسيوية المشهورة عام 1997 ووصلت نسبة هذا التراجع بين عامي 1992 و1997 إلى 2.4 في المائة مع الأخذ بعين الاعتبار معدل التضخم.

وقد تسارع التراجع على الاسعار بعد الأزمة الآسيوية ووصلت نسبة التراجع السنوية آنذاك حوالي 4 في المائة وخصوصا عامي 1998 و 1999. وبعد ذلك فقط شهدت الاسعار تعافيا مهما جدا وعاودت ارتفاعها كما كان يحصل في الكثير من اسواق العقار العالمية الهامة، ووصلت نسبة الارتفاع السنوية بين عامي 2000 و2006 الى حوالي 5 في المائة (2.2 في المائة فعليا مع الاخذ بعين الاعتبار نسبة التضهخم آنذاك). وترافق ذلك ايضا مع ارتفاع في معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي السنوي في تلك السنوات بنسبة 5 في المائة، وهي نسبة ممتازة ساهمت بتعزيز الاقتصاد التايلاندي لاحقا وصموده امام الركود الاخير نسبيا. وتعتبر الطفرة العقارية والسياحية التي شهدتها البلاد بين عامي 2000 و2006 كانت آخر الطفرات الهامة والنادرة منذ التسعينيات. ولذا عاودت الاسعار من جديد بالتراجع خلال عام 2006 وبعده بسبب قضية شناواترا، ووصلت نسبة التراجع آنذاك الى 1.4 في المائة. وفي العام التالي أي عام 2007 زاد التراجع ووصلت النسبة الى اكثر من 6.4 في المائة، اما العام الماضي (2008) وهي أسوأ سنوات الأزمة المالية الدولية فقد وصل التراجع على الاسعار ارقاما مضاعفة ووصلت النسبة الى 18.4 في المائة تقريبا. واخيرا وصلت نسبة التراجع كما سبق وذكرنا بين الربع الثاني من العام الماضي والربع الثاني من هذا العام الى 3.7 في المائة. وهي نسبة ممتازة مقارنة بالعام الماضي ودلالة على تباطؤ التراجع وانحساره واستعادة الاسواق بعض النشاط.

كما تشير ارقام البنك المركزي في تايلند، إلى ان الاقتصاد التايلاندي دخل الركود فعليا في الربع الاول من هذا العام وكان يتوقع ان ينكمش النمو الاقتصادي هذا العام بنسبة 3 في المائة. ومنذ بداية العام الحالي الى يوليو(تموز) الماضي تراجعت الصادرات بنسبة لا تقل عن 23 في المائة عما كانت عليه العام الماضي. وتراجعت نسبة الواردات هذا العام ايضا بنسبة لا تقل عن 35 في المائة على خلفيات الأزمات الدولية المعروفة الآن. وتقول غلوبال برابرتي في هذا الإطار، ان الاستثمار الخاص واصل انكماشه في الربع الأول من هذا العام بسبب تراجع الثقة في الأسواق وحركتها بشكل عام. ويشير تقرير آخر لمؤسسة نايت فرانك الدولية المعروفة، ان حركة الشراء لا تزال بطيئة جدا هذا العام رغم ان محاولات الحكومة دعم القطاع العقاري في جميع مجالاته وتطوير القوانين الخاصة بالاسواق وتحريرها وتبسيطها وفتحها امام الاستثمار الاجنبي بشكل اوسع. وتتوقع نايت فرانك ان يتواصل التراجع في الاسواق العقارية وان تبقى هذه الاسواق ضعيفة خلال الفترة المقبلة. ويبدو ان الاوضاع السياسية والامنية والإضرابات الحاصلة في البلاد منذ عام 2006 وراء دفع المستثمرين الاجانب بعيدا عن تايلند، إذ اشارت الارقام الأخيرة إلى ان عدد المستثمرين الأجانب في سوق العقار تراجع بنسبة لا تقل عن تسعين في المائة في يونيو (حزيران) هذا العام. وان اسعار العقارات في الربع الثاني من هذا العام اقل مما كانت عليه في ذروتها عام 1992 بنسبة 34 في المائة. وقد اضرت الإضرابات السياسية الاخيرة بين مشجعي شاناواترا ومعارضيه بالاقتصاد بشكل كبير إذ أدت التظاهرات والاعتصامات الى اغلاق المطارات الدولية لمدة لا تقل عن اسبوع في نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم الغاء القمة الآسيوية الشرقية الربعة في ابريل (نيسان) هذا العام بسبب انصار شاناواترا.

وتقول غلوبال حول الاسواق في تايلند ان البنك المركزي خفض معدل الفائدة العام الى 1.25 في المائة مع تراجع معدل الفائدة لدى البنوك التجارية من 7.25 في المائة في يوليو (تموز) العام الماضي الى 5.8 في المائة في مايو (ايار) هذا العام .

ويبدو ان البنوك التجارية تقدم معدلات فائدة اقل من بنك الإسكان الحكومي الهام في الاسواق والذي عادة ما يخدم الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وقد تراجع معدل الفائدة على القروض العقارية التي يمنحها البنك الى 6.7 في المائة في مايو (أيار) هذا العام. ورغم ان نسبة القروض العقارية من الناتج المحلي الإجمالي لا تزال قليلة ولا تتعدى الـ11 في المائة، فإن عدد القروض العقارية ارتفع بنسبة 12 في المائة العام الماضي وحده، وهي نفس النسبة التي ارتفع فيها العام السابق (2007) ايضا. وتجد الإشارة هنا الى ان الأسواق العقارية في تايلند متخلفة نسبة الى اسواق اوروبا والعالم الصناعي ولا تزال هناك عوائق كثيرة امام الحصول على ارقام دقيقة، ويصعب على البنوك منح القروض لعامة الناس بسبب مشاكل مستعصية في عمليات تسجيل الاراضي والملك بشكل عام.

وقد بدأت البنوك تمنح الاجانب قروضا عقارية منذ اربع سنوات وبشروط لها علاقة بإذن العمل والزواج وما الى ذلك من الشروط التي تحد من التوسع التجاري، كما ان معظم القروض تراوحت فتراتها بين 25 عاما و30 عاما أي انها طويلة الأمد. كما أن معظم القروض، كما هو الحال في الكثير من البلدان ثابتة الفائدة لتحاشي الصدمات والمفاجآت المصرفية السلبية.

ووصلت عمليات البناء العقاري في تايلند الى ذروتها عام 1997 حيث تم بناء ما لا يقل عن 127 الف عقار او وحدة سكنية جديدة.

لكن بعد ذلك وفي السنوات الاخيرة تراجع عدد العقارات الجديدة سنويا بشكل ملحوظ وحتى العام الماضي كان عدد العقارات الجديدة اقل بنسبة لا تقل عن 55 في المائة عما كان عليه عام 1997.

وتقول مؤسسة كوليارز انترناشونال ن بهذا الإطار، ان عدد العقارات المسكونة تراجع من 90 في المائة في الربع الاخير من العام الماضي الى 73 في المائة في الربع الاول من هذا العام.

كما تم تأجيل العمل في الكثير من المشاريع والغاء البعض الآخر بسبب ازمة الائتمان الدولية. ومن المعروف ان النظام العقاري العام لصالح المالك اكثر من غيره بسبب النقص في قوانين الإيجار والفوضى في الاسواق، ولذا معدلات الارباح من قطاع الإيجار جيدة وخصوصا في العاصمة بانكوك.

ويشير بحث لغلوبال في هذا الاطار إلى ان معدل الارباح من عائدات الإيجار في بانكوك تراجع من 7.6 في المائة في الربع الثاني من العام الماضي الى 7.2 في المائة في الربع الثاني من العام الحالي.

وتشير ارقام البنك المركزي في الإطار الاقتصادي العام إلى ان معدل البطالة يرتفع بشكل مطرد بسبب الاضطرابات السياسية والأزمة المالية الدولية. ويتوقع البنك الدولي ان يتراجع معدل التضخم من 5 في المائة تقريبا العام الماضي الى 0.5 في المائة العام الحالي.

وقد قامت الحكومة باتخاذ الكثير من الخطوات التحفيزية لمساعدة الاقتصاد وبعض القطاعات الهامة على الصمود أمام الأزمة المالية الدولية هذا العام والحد من الانكماش الاقتصادي. ومن هذه التحفيزات الغاء بعض الضرائب الخاصة بالقطاع العقاري في محاولة لتحفيز الاستهلاك وتنشيط الاسواق.

ومن المحفزات الحكومية ايضا رصد 3.3 مليار دولار لتخفيض معدل البطالة وخلق فرص العمل وزيادة القروض بين المؤسسات المالية وزيادة الاستثمار وخصوصا في المشاريع التطويرية الجديدة.

كما تم رصد ما قيمته 42 مليار دولار في مشاريع لتطوير البنى التحتية ومنها الكثير من المشاريع الإسكانية والمزيد من العقارات والمنازل والتجمعات السكنية الجديدة. ويتوقع ان يتواصل العمل على هذه المشاريع حتى عام 2012.

كما تحول الحكومة تشديد القوانين الخاصة بحماية المستثمرين والراغبين بتملك العقارات في تايلند والحد من عمليات الفساد من قبل المطورين وشركات البناء وغيرها.

وتقول مؤسسة ايجيا بربرتي نيوز على شبكة الانترنت حول النشاط العقاري في العاصمة التايلاندية بانكوك، ان العقارات الفاخرة المستخدمة لا تزال ومنذ ست سنوات تجذب المشترين والمستثمرين وخصوصا العقارات الفاخرة القديمة في الوسط التجاري والمناطق الهامة من العاصمة. وتقول مؤسسة لانغ لاسال في تقرير لها من العاصمة ان معدل سعر المتر المربع للعقار الفاخر والجديد في الوسط التجاري يتراوح بين 4 آلاف دولار و7 آلاف دولار. لكن يمكن العثور على عقارات فاخرة بأسعار اقل بالطبع في المدينة بين 3 الاف و5 الاف دولار للمتر المربع الواحد.

وتقول المؤسسة العقارية الدولية المعروفة ان زبائن العقارات الفاخرة القديمة يقولون انها وعوضا عن اسعارها الرخيصة نسبيا، واسعة ومعظمها يضم بركة سباحة وغرفة للسونا والتمارين الرياضية وملعب للتنس احيانا.

ولأن سوق هذا النوع من العقارات من اغلى الاسواق وانشطها في العاصمة، فإن العدد الكبير منها في الاسواق خلال السنوات الماضية وضع ضغوطا كبيرة على قطاع الإيجار فيها.

ويبدو ان المستثمرين الجدد يفضلون بكثير مناطق العقارات الجديدة على القديمة بسبب عائداتها الربحية الافضل.

بأية حال فإن الاسواق العقارية في تايلند بشكل عام لا تزال تشهد تراجعات على جميع الصعد بسبب الازمة المالية الدولية والركود الإقتصادي في البلاد. ورغم ان الحكومة تحاول تنشيط القطاع عبر الكثير من الوسائل فإن الاضطرابات السياسية تمنع أي تطورات ايجابية كبيرة باستثناء المشاريع الحكومية للبنى التحتية التي قد تجذب المستثمرين الاجانب بحد ذاتها.