عودة الانتعاش إلى الأسواق الصينية مع ارتفاع الأسعار

قطاع العقارات الفاخرة في بكين الأفضل أداءً

TT

أصبحت الأسواق الصينية على أنواعها من أهم الأسواق الدولية العالمية منذ فترة، وأصبحت أخبارها لا تقل أهمية عن أخبار الولايات المتحدة أو اليابان أو ألمانيا أو أي من الدول الاقتصادية الكبرى. ولأهميتها للاقتصاد العالمي ونموه وحركته بشكل عام، أصبحت أسواقها العقارية أيضا من الأسواق التي يراقبها الخبراء والمستثمرون باستمرار.

ويبدو أن التدخل الحكومي وبمئات المليارات من الدولارات لوقف التدهور الاقتصادي وتراجع النمو بعد أزمة الائتمان الدولية والأزمات المالية والمصرفية التي تبعت ذلك، قد بدأت تؤتي ثمارها على الكثير من الصعد، خصوصا الصعيد العقاري. وقد أكدت الأرقام الأخيرة للهيئة الوطنية للإحصاءات في العاصمة بكين، أن أسعار العقارات، وعدد الصفقات العقارية قد ارتفع في الربع الأول من هذا العام على المستوى الوطني العام.

وهذه هي المرة الأولى التي يسجل فيها ارتفاع على الأسعار وعدد الصفقات منذ الربع الثالث للعام الماضي (2008). وهي أيضا أول ارتفاع على الأسعار منذ تلك الفترة خلال ثلاثة أشهر على التوالي. وحسب أرقام الهيئة، فقد ارتفعت الأسعار في سبعين مدينة رئيسية بنسبة 3.2 في المائة في أغسطس (آب) هذا العام نسبة إلى ما كانت عليه في أغسطس العام الماضي.

وارتفع الطلب على العقارات أيضا، إذ سجل ارتفاع عليها بنسبة 36 في المائة في مارس (آذار) الماضي، نسبة إلى ما كانت عليه في مارس العام الماضي، خصوصا في قطاع العقارات السكنية على مختلف أنواعها. كما أكدت بعض المصادر الصينية العقارية، أن أسعار العقارات في مدينة شنغهاي قد ارتفعت بنسبة 19 في المائة من مارس إلى يوليو (تموز) هذا العام، بسبب التراجع الكبير على معدلات الفائدة وتوفر القروض هذا العام. ويتوقع أن تواصل الأسعار في شنغهاي وفي جميع أنحاء البلاد خلال هذا العام والعام المقبل. تأتي هذه التطورات الجديدة على أسواق العقار الصينية، بعد الطفرة التي شهدتا الأسعار عام 2007، حيث ازدادت المخاوف آنذاك من حصول فقاعة عقارية تضر بالنمو الاقتصادي العام، مما أدى إلى تدخل الحكومة واتخاذ الكثير من الخطوات للجم الأسعار والأسواق. وقد غيرت الحكومة بعض قوانين تملك الأجانب بداية العقد الحالي، ورفعت بعض الضرائب وشددت من شروط منح القروض، وغيرها من الخطوات الكفيلة بالسيطرة على الأسواق ومنع أي أنهار. وقد جاءت هذه الخطوات متزامنة مع أزمة الائتمان الدولية والركود الاقتصادي العالمي مما أدى إلى بدء تراجع نمو الأسعار في بداية العام الماضي، قبل أن تتراجع لأول مرة منذ سنوات في النصف الثاني من العام الماضي. وحسب أرقام مؤشر العقار الوطني (سي آر آي ايه اس)، فقد تراجعت أسعار العقارات السكنية بنسبة 3.2 في المائة في العاصمة بكين العام الماضي، ورغم أنها لم تتراجع في شنغهاي فعليا، بقيت نسبة الارتفاع على أسعارها قليلة وغير فعالة وبنسبة لا تتعدى الـ2 في المائة. ويتوقع أن تواصل أيضا الأسعار ارتفاعها ويتواصل ارتفاع الطلب على العقارات في المدينة مع احتضان المعرض العالمي (وورلد اكسبو 2010). أما في العاصمة بكين، التي شهدت تراجعا ملحوظا على الأسعار بعد الألعاب الاولمبية، فقد أشارت الأرقام إلى أن سعر المتر المربع ارتفع فيها بنسبة 26 في المائة منذ يناير (كانون الثاني) حتى شهر يونيو (حزيران) هذا العام، وارتفع الطلب على العقارات بنسبة 147 في المائة في النصف الأول من العام الحالي نسبة إلى ما كانت عليه في النصف الأول من العام الماضي.

وأشار التقرير الأخير لمؤسسة كوليارز انترناشونال بهذا الصدد، إلى أن التعافي الاقتصادي في الربع الثالث من هذا العام قد أدى إلى ارتفاع عدد الصفقات العقارية في قطاع العقارات الفاخرة في العاصمة بكين.

وقد ارتفع أيضا حجم الحجوزات العقارية المبكرة على جميع أنواع العقارات، خصوصا العقارات الفاخرة والشقق الممتازة في المدينة، بنسبة عالية جدا وصلت إلى 131 في المائة نهاية أغسطس، بعد أن كانت هذه النسبة في مايو (أيار) لا تتعدى الـ98 في المائة.

وحول الاحتياطي العقاري الفاخر، تقول كوليارز إن عدد العقارات الفاخرة ارتفع في بكين في نهاية الربع الثالث من هذا العام بنسبة 4.5 في المائة من ربع إلى آخر وبنسبة 16 في المائة سنويا ليصل عدد هذه العقارات إلى حوالي 56 ألف عقار. وقد تم الانتهاء من العمل في ثلاثة مشاريع خاصة بالفلل تضم ما لا يقل عن سبعمائة فيلا جديدة.

كما تم الانتهاء من العمل في مشروع «ايجيان غيمز فيليج» للشقق الفاخرة أو الممتازة بسعة لا تقل عن ألف شقة. كما جهز مشروع «بكين ماريوت ايغزاكيوتيف» بسعة 168 شقة جديدة.

بشكل عام، لا تزال الأسواق العقارية الفاخرة في العاصمة بكين نشطة مع ارتفاع عدد الصفقات والأسعار، مما يعتبر بيئة مثالية ومناسبة للمستثمرين والمشاريع النوعية الجديدة، لكن قطاع العقارات الفاخرة المرفقة بالخدمات لا يزال بطيئا، ويمر أصحابه في حالة ترقب وتقنين المشاريع. كما ارتفع الطلب على إيجار العقارات الفاخرة في الربع الثالث من هذا العام، لكن عدد العقارات الفاخرة المتوفرة في الأسواق قد تراجع بنسبة 28 في المائة نهاية الربع الثالث.

ولا يزال السوق لصالح المستأجرين بشكل عام، ووصل عدد العقارات الفاخرة المتاحة في الأسواق في الربع الثالث من هذا العام، أكانت فللا أم شققا فاخرة أم شقق خدمات إلى 2.3 ألف عقار.

وعلى الصعيد الاستثماري، نشط المستثمرون المحليون والأجانب في قطاع تطوير المشاريع، ولا يزالون يبحثون عن العقارات والمشاريع النوعية في المناطق الاستراتيجية في العاصمة. وهناك مشروعان ضخمان، أحدهما في منطقة تشاويانغ تقدر مساحته بـ58 ألف متر مربع، والآخر في دونغ شينغ بمساحة لا تقل عن 42 ألف متر مربع. بأية حال فإن الارتفاع على الأسعار لم يكن متوقعا من قبل الكثير من الخبراء في الأسواق المحلية في هذه الفترة، ومن شأن الأوضاع الاقتصادية الجيدة بعد التدخل الحكومي العام الماضي، دعم الأسواق السكنية والفاخرة على حد سواء، وزيادة عدد المشاريع وسرعة تنفيذها.

ويتوقع أن يتم تسليم ما لا يقل 25 ألف وحدة سكنية فاخرة من العام الحالي حتى عام 2011. أما قطاع الفلل فحصته المستقبلية أيضا تصل إلى حوالي 3 آلاف فلا لنفس الفترة.

وعلى هذا الأساس ستكون نسبة الفلل الشاغرة في نفس الفترة أيضا حوالي 27 في المائة.

وعلى ضوء التطورات الأخيرة في الأسواق تتوقع المؤسسات المالية الحكومية والخاصة المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية في قطاع العقارات الفاخرة والفلل، خصوصا من قبل الشركات العقارية الاستثمارية المعروفة بالـ«ريتز» (REITs)، وشركات الأسهم الخاصة وشركات التأمين وغيرها من الصناديق الاستثمارية الهامة.

وعلى صعيد قطاع المكاتب في بكين، فإن المعلومات الأخيرة تشير إلى ارتفاع الطلب على المكاتب في الربع الثالث من هذا العام. ويبدو أن أكثر الجهات نشاطا في هذا المضمار هي الشركات المالية المحلية، وان الحركة في معظمها باتجاه المكاتب الجديدة، رغم أن العديد من أصحاب الملك يرفعون أسعار الإيجار تدريجيا، ورغم أن الكثير من المشاريع تم تأخيرها وتأجيلها بسبب الاحتفالات الأخيرة بالذكرى الستين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.

ويتوقع أن يتم تسليم المكاتب الجديدة للشركات في الربع الرابع والأخير من هذا العام، لذا لم يسجل تسليم أي منها في الربع الثالث من هذا العام. لكن مشروع «غريت تشاينا» أضاف خلال الربع الثالث ما مساحته 6.5 ألف متر مربع من مساحة المكاتب من الفئة الأولى الخاصة المفروزة لقطاع التأجير. كما تم الانتهاء من مشروع مشابه في قطاع الإيجار أيضا تحت اسم «هوز دي» في حي المال في العاصمة.

وتم الانتهاء أيضا من مشاريع أخرى لكن من فئة «بي» أو الدرجة الثانية، وفي حي المال أيضا ومنها «اف أي تي بلازا». وبشكل عام تكون مساحة المكاتب المتوفرة في العاصمة خلال الربع الثالث من هذا العام، قد وصلت إلى 10.6 مليون متر مربع أي بزيادة نسبتها 0.3 في المائة عن الربع الثاني وبزيادة نسبتها 9 في المائة عن العام الماضي. ووصلت مساحة المكاتب الممتازة أو درجة «ايه» منها إلى أكثر من 4.3 مليون متر مربع، أي بزيادة نسبتها 0.15 في المائة عن الربع الثاني، بينما وصلت مساحة مكاتب الدرجة الثانية أو الفئة «بي» 6.2 مليون متر مربع بزيادة نسبتها 0.4 في المائة عن الربع الثاني.

تواصل الشركات المحلية كما سبق وذكرنا في قطاع العقارات الممتازة والفاخرة، اخذ دور الريادة في حجم الاستثمارات بشكل عام وأكثر نشاطا من الشركات الأجنبية في الربع الثالث بسبب التطورات الاقتصادية الإيجابية خلال هذا العام والتدخل الحكومي. وتم بيع ما لا يقل عن أربعة مبانٍ هامة في العاصمة خلال هذا الربع ومنها «صاني ريجينس» لشركة «سيتيك سيكيورلايتيز»، ويضم المبنى ما مساحته 53 ألف متر مربع من المكاتب. كما اشترت «ميديا تيك» مبنى «رايكوم انفوتاك بارك تاور». وتم بيع تشيهاي تاور بي وسي لمستثمر محلي. واشترى بنك الصين ما مساحته 60 ألف متر مربع من المكاتب. وتتوقع مؤسسة كوليارز المعروفة أن يتم إضافة أكثر من مليون متر مربع من مساحة المكاتب الممتازة ومن الدرجة الثانية «بي» في العاصمة بكين خلال الربع الأخير من هذا العام وقبل بداية العام المقبل. مما سيرفع مساحة المتوفر من المكاتب من الفئتين في الأسواق بنسبة 13.5 في المائة. كما تتوقع المؤسسة أن تكون معدلات الإيجار في هاتين الفئتين مستقرة خلال السنتين المقبلتين. كما يتوقع أن تتواصل سيطرة الشركات المحلية على هذه الأسواق العقارية في المستقبل القريب. بأية حال فإن الأخبار الأخيرة على ارتفاع الأسعار في العقارات السكنية الهامة والعادية وفي قطاع المكاتب، وبدء وقف التراجع الذي حصل منذ الربع الثاني للعام الماضي، تشير إلى إمكانية استقرار الأسواق خلال السنوات المقبلة، وربما التعرض للمزيد من التصحيح من وقت لآخر من دون وقف النمو. ومن شأن ذلك يدفع الشركات الأجنبية الأميركية والأوروبية والشرق أوسطية إلى هذه القطاعات، التي تشهد نموا مطردا منذ سنوات، الذي من شأنه أيضا إلى تحسين أوضاع أسواق العقار وتنافسيتها وبالتالي رفع الأسعار.