أصحاب العقارات يرفعون أسعارهم بنسبة 6.5 % في بريطانيا

قلة العرض ترفع الأسعار.. والمكافآت المالية تُنشّط القطاع الفاخر

TT

تواصلت التقارير الهامة عن أسواق العقار البريطانية، بعد أسابيع من التقارير الخاصة بارتفاع أسعار العقارات في الربع الثاني من العام الحالي، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية السلبية، والتأكيد الحكومي على عمق الركود الاقتصادي، الذي أدت إليه أزمات الائتمان والبنوك. وقد أكد تقرير أخير لمؤسسة «رايت موف» أن الأسعار التي يطلبها أصحاب العقارات لبيع عقاراتهم والتخلص منها في العاصمة لندن، ارتفع بنسبة 6.5 في المائة عما كان عليه السنة الماضية (2008).

وأضاف التقرير أن هذه النسبة أعلى من نسبة ارتفاع عام 2007، حيث وصل معدل سعر المنزل من 10 سبتمبر (أيلول) إلى 10 أكتوبر (تشرين الأول) هذا العام إلى أكثر من 461 ألف جنيه (700 ألف دولار تقريبا). ولم يتعد سعر العرض أو أسعار أصحاب الملك لعقاراتهم عام 2007، التي كانت تعتبر أفضل سنوات الطفرة العقارية الـ 413 ألف جنيه (600 ألف دولار تقريبا). ويعود ذلك بالطبع إلى نقص عدد المنازل أو العقارات المعروضة أو المتوفرة في الأسواق هذه السنة، حسب ما تؤكد معظم المؤسسات العقارية الرسمية والخاصة، التي تتابع أرقام السوق. ويحجم الكثير عن بيع منازلهم بسبب صعوبة الحصول على منازل بديلة، وتدنى عدد المنتجات الخاصة بالاستقراض.

كما أشار التقرير إلى أن أسعار العرض هذه ارتفعت منذ سنة في كل من انجلترا ومقاطعة ويلز، وترافق ذلك مع ارتفاع أسعار العقارات بنسبة 2.8 في المائة الشهر الماضي. ووعدت الحكومة قبل أيام بإصلاحات خاصة في قطاع أسواق القروض العقارية وسبل منحها، ويتوقع من الهيئة الخاصة الموكلة هذه الإصلاحات أن تقدم اقتراحات إلى الحكومة بتشديد الشروط على منح القروض ووقف العمل بالكفالة الذاتية، مما من شأنه إعاقة النمو على الأسعار ووقفه لسنوات طويلة حسب رأي الخبراء.

وعلى أساس تقرير رايت يكون سعر العرض في انجلترا وويلز قد ارتفع بما لا يقل عن 6 آلاف جنيه (9 آلاف دولا ر) العام الماضي، ووصل معدل السعر المطلوب للعقار حوالي 230 ألف جنيه ( 345 ألف دولار). كما ارتفع عدد الباحثين عن العقارات الفاخرة، التي يتعدى سعرها المليون جنيه (1.5 مليون دولار) نتيجة ارتفاع نسبة المكافآت المالية في قطاع البنوك، التي وصل حجمها هذا العام أكثر من 9 مليارات دولار.

وأشارت الأرقام إلى أن عدد المنازل التي كانت معروضة للبيع في انجلترا وويلز هذا العام وصل إلى 95 ألف عقار، أي بارتفاع نسبته 36 في المائة عما كان عليه الوضع نهاية عام 2007.

وكانت تقارير كثيرة تناولت التطورات على أسواق العقار، منها ما يركز على ارتفاع الأسعار، ومنها ما يركز على تراجع عدد القروض وغيرها. وقبل تقرير «رايت موف» نشرت هيئة الإسكان الوطنية تقريرا معاكسا، قالت فيه إن أسعار العقارات ستتراجع هذا العام بنسبة 12 في المائة، بينما سيكون تراجعها العام المقبل (2010) اقل أي بنسبة 4.6 في المائة، قبل أن تستقر عام 2011 وتعاود ارتفاعها بنسبة 1.1 في المائة. وحسب تقرير الهيئة فإن الذين اشتروا عقاراتهم منذ عام 2007 لن يستفيدوا من الأسعار ونموها قبل عام 2014. وفي الوقت الذي تركزت الأحاديث في العاصمة البريطانية لندن عن ضرورة رفع الضرائب وتخفيض النفقات لسداد الديون الحكومية الضخمة لاستعادة زمام الأمور بعد سنتين من التراجعات الاقتصادية والعقارية، خرجت بعض وسائل الإعلام بعناوين داخلية مثيرة على الصعيد العقاري، إذ أكدت الـ«إيفنين ستاندرد» المسائية، على سبيل المثال، أن أسعار العقارات في لندن سترتفع بنسبة 40 في المائة من الآن حتى عام 2014، بينما ستواصل أسعار المناطق الأخرى تراجعها، وستعاني من ذلك التراجع في المستقبل القريب. واعتمدت الصحيفة في تقريرها على تقرير هام لمؤسسة نايت فرانك العقارية الهامة والموثوقة في العاصمة، الذي يقول إن أسعار العقارات في العاصمة، والمناطق الجنوبية الشرقية ارتفعت منذ بداية العام بنسبة 2 في المائة، وأن الأسعار على المستوى الوطني العام ستواصل تراجعها، وستكون هذه النسبة العام المقبل 3 في المائة. إلا أن لندن تبدو هي الاستثناء، حيث تتوقع المؤسسة أن ترتفع فيها الأسعار العام المقبل بنسبة 3 في المائة، وبنسبة 9 في المائة عند نهاية عام 2011. ويتوقع أن تصل نسبة الارتفاع منذ الآن وحتى عام 2014 إلى 38 في المائة. واعتبرت نايت فرانك توقعاتها وأرقامها، دلالة على بداية التعافي العقاري في العاصمة لندن والمناطق الجنوبية الشرقية في انجلترا، خصوصا في قطاع العقارات الفاخرة بعد صمود الأسواق العقارية السكنية أمام الركود والأزمات المالية. ويعود ذلك في معظمه كما يبدو إلى شدة الطلب على العقارات الممتازة في وسط العاصمة من داخل بريطانيا وخارجها. كما يتوقع أن تحصد لندن وأسواقها العقارية فوائد كثيرة من التعافي الاقتصادي التدريجي حول العالم وفي أوروبا، مع التوقعات بأن يحافظ الجنيه الإسترليني على أسعاره المنخفضة في أسواق الصرف على المدى المتوسط.

وبالتالي ستجد لندن نفسها في وضع تحسد عليه، إذ إن أسعار صرف الجنيه المتدنية ستشجع الكثير من المستثمرين في الخارج والباحثين عن موقع قدم وسط العاصمة إلى دخول الأسواق وتحريكها وفي النهاية رفع الأسعار. وقد ارتفعت الأسعار في العاصمة في السابق بنسب اكبر بكثير من نسب المناطق والمدن البريطانية الأخرى، خصوصا في عامي 2006 و2007، أي قبل بدء الأزمات المالية بنسبة 60 في المائة تلاها تراجع عام 2008 بنسبة 24 في المائة.

وكان تقرير سابق لنايت فرانك قد أكد في هذا الإطار، أن أسعار العقارات الممتازة في المناطق الهامة وسط لندن قد ارتفع الشهر الماضي بنسبة 1.3 في المائة، وأن معدل التراجع السنوي على الأسعار انخفض من 12 في المائة إلى 8.9 في المائة حتى من أغسطس العام الماضي إلى أغسطس العام الحالي. كما أن أسعار العقارات بشكل عام لا تزال اقل مما كانت عليه في مارس (آذار) العام الماضي بنسبة 18 في المائة، وان نسبة الارتفاع على الأسعار في الأشهر القليلة المقبلة قد وصلت إلى 9 في المائة.

ويقول المتحدث باسم نايت فرانك ليام بيلي، إن القوة التي تتمتع بها أسواق لندن العقارية قد فاجأت الكثيرين، فنسبة الارتفاع الشهر الماضي جاءت على خلفية ستة أشهر من التحسن والنمو على الأسعار. «الأسعار حاليا اقل بنسبة 8.9 في المائة عما كانت عليه قبل سنة من الآن، والمناطق التي شهدت ارتفاعات كبيرة بنسبة 8 في المائة و9 في المائة هي تشيلسي كينزينغتون ونوتينغ هيل»، وهي من المناطق السكنية المرغوبة والغالية جدا في العاصمة. «إن حجم المتوفر من العقارات في الأسواق الشهر الماضي كان أقل بنسبة 30 في المائة عما كان عليه في سبتمبر العام الماضي». ومقارنة مع ما كان متوفرا من هذه العقارات في الأسواق عام 2007، فإن نسبة التراجع على العقارات المتوفرة في الأسواق قد تراجع بنسبة لا تقل عن 50 في المائة «ما يفسر صمود الأسعار ومعاودتها إلى الارتفاع رغم الركود الاقتصادي». ولقد ارتفع عدد الباحثين عن العقارات أيضا في هذه المناطق الشهر الماضي بنسبة تتراوح بين 30 و80 في المائة. وخلال الأسابيع الثلاثة من الشهر الماضي ارتفع أيضا عدد الباحثين عن العقارات في المناطق الساخنة في لندن بنسبة 75 في المائة عما كانت عليه في سبتمبر العام الماضي. وحول قطاع إيجار المكاتب والمراكز التجارية، يبدو أن لندن كالعادة لا تزال أغلى العواصم في العالم، خصوصا العواصم الأوروبية، حيث أكد مؤشر نايت فرانك الخريفي للأسواق الأوروبية «أي ام آي»، الذي يغطي 22 عاصمة أوروبية، انه في الوقت الذي تراجع فيه معدل إيجار المكاتب في العواصم الأوروبية خلال الستة أشهر الماضية بنسبة 12 في المائة، حافظت لندن على أسعارها وصمدت أكثر من غيرها، ووصل معدل إيجار المتر المربع في المكاتب حوالي 800 يورو، والمتر المربع في المراكز التجارية حوالي 5.5 ألف يورو. ورغم أن التراجع على الأسعار قد طال بعض مناطق لندن كالعاصمة الايرلندية دبلن والعاصمة الاسبانية مدريد، فإن التوقعات تشير إلى ارتفاعها في لندن العام المقبل، خصوصا في المناطق الرئيسية والهامة. وقبل ذلك بأسبوع أكد تقرير لبنك هاليفاكس الهام على الصعيد العقاري والقروض العقارية، أن أسعار العقارات السكنية بشكل عام ارتفعت الشهر الماضي بنسبة لا تقل عن 1.6 في المائة، وبعد ثلاثة أشهر متتالية من الارتفاعات وخامس شهر من الارتفاعات أيضا هذا العام. إلا أن التقرير الشهري لهاليفاكس قد أكد أيضا على الجهة الأخرى أن النسبة السنوية على تراجع الأسعار وصلت هذا العام إلى 7.4 في المائة. وحسب بيلي، فإن العامل الرئيسي الذي ساهم في رفع الأسعار في بعض مناطق لندن الساخنة هو ضعف الجنيه الإسترليني أمام العملات الأجنبية، لان الأسعار تراجعت في مارس هذا العام بنسبة 50 في المائة إذا تحدثنا بالدولار. ورغم التحسن على الأسعار بين مارس وسبتمبر، تواصل الاهتمام الأجنبي بالعقارات الممتازة والفاخرة، خصوصا التي يتعدى سعرها المليوني دولار. وكانت نسبة المشترين الأجانب وسط العاصمة في الربع الثاني من العام الماضي قد وصلت إلى ذروتها من بين زبائن العقارات، حيث وصلت إلى 68 في المائة من مجمل المستثمرين. ووصلت نسبة عدد المستثمرين الأجانب من الزبائن في أغسطس الماضي حوالي 50 في المائة. والتغيير الوحيد الذي طرأ على اهتمام الأجانب هو سرعة عقد الصفقات هذه المرة. وقد اشتد الطلب كما يبدو هذا العام من قبل المستثمرين في جنوب إفريقيا والإمارات العربية المتحدة ونيجيريا والصين والهند والأردن وكازاخستان. أضف إلى ذلك بداية دخول الصينيين على الخط تدريجيا وبقاء الروس على رأس عدد المستثمرين الأجانب، حيث تصل نسبتهم 12 في المائة من مجمل هؤلاء المستثمرين الأجانب. ويشير هاليفاكس إلى أن الطلب المتزايد والمرتفع في العقارات مقابل العدد القليل من المعروض فيها من المنازل والعقارات ساهما بشكل مباشر في رفع الأسعار خلال الفترة الماضية. ويأتي الطلب المتزايد والمرتفع مدعوما بمعدلات الفائدة المنخفضة على الصعيد الوطني العام والتجاري في أسواق القروض، بالإضافة تراجع الأسعار نسبة إلى ما كانت عليه عام 2007. لكن من شأن ارتفاع معدل البطالة وانخفاض النمو في المداخيل أن يلجم الطلب المرتفع على العقارات في المستقبل. لكن الإشارات المشجعة في الأسواق بدأت ترفع عدد العقارات المتوفرة في الأسواق، الأمر الذي من شأنه أيضا لجم النمو الحالي على الأسعار ولو كان بنسب قليلة.

وبناء على تقرير هاليفاكس، فإن أسعار العقارات قد ارتفعت في بريطانيا بنسبة 3 في المائة تقريبا في الربع الثالث من هذا العام، وهذا أول ارتفاع ربعي على الأسعار منذ سنتين، أي منذ الربع الثالث لعام 2007. كما أن معدل سعر العقارات العام قد ارتفع الشهر الماضي على الصعيد الوطني العام بنسبة 1.7 في المائة ( 4000 دولار تقريبا).

وعلى الصعيد السنوي، كانت الأسعار الشهر الماضي، كما سبق وذكرنا، اقل بنسبة 7.4 في المائة، عما كانت عليه في نفس الشهر من العام الماضي. وكانت نسبة التراجع السنوية على الأسعار قد وصلت في أبريل (نيسان) الماضي بنسبة 17.7 في المائة.