مواقف سياسية شجاعة تفتح شهية العرب للعقار التركي

الاهتمام العربي بالعقار يتوجه إلى المنطقة في الوقت الحالي

نجاح السياسة التركية شجّع الاهتمام العربي بسوق العقارات التركي («الشرق الأوسط»)
TT

قبل عام واحد ظهرت موجة الاهتمام العربي الأولى بالعقار التركي، بعد عروض ناجحة لمسلسلات رمضانية مدبلجة إلى العربية أظهرت مدى التوافق التركي مع أسلوب الحياة العربية، مع انفتاح يتطلع إليه كثيرون في المجتمع الإسلامي المحافظ. وشهدت وقتها أسواق السياحة والعقار رحلات مكوكية من الشباب العربي، الذي ذهب لاكتشاف تركيا على ارض الواقع، بعد أن عايشها تلفزيونيا لمدة شهر كامل. وأسفرت الرحلات عن العديد من حالات الاستثمار في العقار التركي كوجهة سياحة، مفضلة عن أنحاء أوروبا الأخرى.

ولكن الاهتمام العربي الآن بالعقار التركي يأتي من مصادر أخرى، قوامها نجاح السياسة التركية الايجابية تجاه دول وشعوب المنطقة. من هذه التطورات في الشهور الأخيرة، إلغاء تركيا لمناورات عسكرية مشتركة مع إسرائيل بعد سلوكها المشين في حرب غزة، وفتحها الحدود مع سورية من دون تأشيرات دخول، ولأول مرة بين دولة عربية وأخرى غير عربية، ثم تطوعها للتوسط في مفاوضات سلام بين سورية وإسرائيل، وأخيرا إتمام اتفاق استراتيجي للتعاون الاقتصادي والأمني مع العراق. ورحب العرب أيضا بموقف رئيس الوزراء التركي رجب اردوغان في مؤتمر دافوس، عندما غادر غاضبا أثناء مناقشة مع الرئيس الإسرائيلي بيريز، لم يحصل خلالها على الوقت الكافي لشرح وجهة نظره. وكانت حصيلة هذه المواقف مجتمعة إغداق الثناء على الساسة الأتراك، وتمنيات بأن يكون لهم دور ايجابي لجمع شمل المنطقة سياسيا واقتصاديا، بدلا من التدخلات السلبية التي تقوم بها دول مجاورة أخرى غير عربية. لكن على الجانب الاقتصادي كان التأثير أكثر ايجابيا بلفت أنظار المستثمرين العرب إلى تركيا، كبلد ثري بالمصادر السياحية والعقارية وبيئة إسلامية محافظة، يمكن الاطمئنان للاستثمار فيها بلا تفرقة ضد المسلمين كما يحدث في بعض الدول الأوروبية الأخرى. ويعتقد معظم من اختاروا تركيا منطلقا للاستثمار العقاري أن الوقت الحاضر هو التوقيت الأفضل لدخول السوق، نظرا لان البرلمان التركي ينظر في مشروع قانون يفتح السوق التركي للاستثمار العقاري الأجنبي، ويزيل معظم العقبات التي تعرقل هذا الاستثمار في الوقت الحاضر. وقد لفتت هذه المتغيرات نظر المستثمر الأوروبي أيضا، الذي زاد من إقباله على بعض المواقع التركية انتظارا لانفتاح السوق، وبناء على معطيات السوق في الوقت الحاضر.

فالعقار التركي تقل قيمته الآن بنسب تصل إلى 30 في المائة عما كان عليه في ذروة الطفرة العقارية، كما أن البنوك التركية ما زالت تتمتع بنسب أعلى من السيولة ولا تمانع في الإقراض العقاري للأجانب بضمان العقار نفسه. ويسود الشعور بأن الاقتصاد التركي يعود إلى الانتعاش مع عام 2010، حيث الليرة التركية التي انخفضت أمام الدولار الأميركي بنسبة 15 في المائة، استعادت بعض قيمتها بالارتفاع إلى قيمة 1.5 ليرة لكل دولار، بعد أن كانت 1.8 ليرة للدولار. وحافظت تركيا على معدلات متوسطة من التضخم ليس من المتوقع لها أن تزيد على ستة في المائة هذا العام.

ويقول مستشار عقاري في اسطنبول، اسمه عمر تاكر، إن معدلات الفائدة التركية تتجه نحو الانخفاض، وان العقار التركي أصبح متاحا للمرة الأولى للطبقة المتوسطة. ويضيف أن العديد من شركات التنمية العقارية تعود إلى الأسواق الآن بمشروعات سوف تدخل السوق في منتصف العام المقبل. وهو يرى أن الوقت الحاضر هو أنسب توقيت لدخول السوق التركي. ولكنه يضيف أن هناك العديد من العقبات أيضا التي يجب أن ينتبه إليها المستثمر الأجنبي، مثل الحذر من المحتالين والمشروعات الوهمية وتقديرات القيمة العشوائية، والتعامل مع شركات رديئة أو محامين غير أمناء. من الصعوبات الأخرى أيضا البيروقراطية الحكومية، والقيود التي ما زالت تفرض على المستثمرين الأجانب، الأمر الذي دفع بعض المستثمرين الأوروبيين إلى الدخول في شراكة مع مواطنين أتراك لتوثيق العقارات على أسمائهم مع اتخاذ خطوات قانونية لضمان حقوقهم.

من المصاعب التي ذكرها بعض المستثمرين الأجانب أيضا، صعوبة التعامل باللغة التركية لمن لا يعرف اللغة الانجليزية، وهي لغة التعامل الثانية. كما أن بعض المحامين يلجأون إلى خفض الأسعار في الأوراق الرسمية لتجنب رسوم تمغة وضرائب مرتفعة، لكن خبراء العقار لا ينصحون بذلك حفاظا على القيمة الحقيقية للاستثمار.

لكن بعد كل المصاعب، فإن تركيا ما زالت تقدم فرصا نادرة في كل قطاعات السوق السعرية وفي العديد من المناطق الساحلية والمدن الرئيسية. ويستخدم مستثمرون نظام تمويل تركي خاص اسمه «سينيت» كبديل للاقتراض العقاري. ويسمح هذا النظام بالتمويل بلا فوائد عن طريق كتابة صكوك مؤجلة على المشتري يتم تمزيقها دوريا مع دفع قيمتها. وهو نظام يشبه إلى حد كبير صيغة الشيكات مؤجلة الدفع.

وفي اسطنبول أعلنت الحكومة التركية عن مشاريع تنمية عقارية، خصوصا في القسم الأوروبي من المدينة، الذي ما زالت تمنع الاستثمار الأجنبي في بعض أحيائه. وأدى الإعلان إلى موجة عارمة من المضاربة العقارية من الأتراك أنفسهم، توقعا لارتفاع الأسعار. ولكن مع تأخر المشاريع الحكومية بعد أزمة التمويل العالمية، اضطر مستثمرون إلى إعادة طرح هذه العقارات في السوق مرة أخرى. ويأمل هؤلاء أن تؤدي وعود الحكومة بقرب فتح الأسواق إلى الأجانب إلى موجة انتعاش ثانية في الأسعار.

ويلجأ الأجانب في الوقت الحاضر إلى الإيجار المؤقت إلى حين تتاح لهم الفرص القانونية للشراء. وينتظر البعض الآخر بعض الفرص العقارية النادرة. وفي اسطنبول مثلا تتوجه الأنظار إلى العقارات الساحلية على خليج البوسفور، حيث المشاهد الساحلية الجذابة. لكن الأسعار قد تكون خيالية في بعض العقارات التاريخية، حيث تعرض في السوق الآن فيلا مطلة على البحر مباشرة في منطقة قنديلي على الجانب الآسيوي من مضيق البوسفور. وهي تطل على المياه مباشرة وقريبة من حي الأعمال في المدينة، وتحتوي على نحو 14 غرفة نوم. أما السعر المطلوب فيها فهو 45 مليون يورو.

وهناك فرص مماثلة لفلل اصغر حجما وتحتاج إلى عمليات ترميم بأسعار لا تزيد على ثمانية ملايين يورو. ولكن هذه الأسعار هي الاستثناء وليس القاعدة، حيث تبدأ الأسعار عادة من 250 ألف يورو لشقق ساحلية، وتقل عن ذلك في وسط المدينة.

هذا ويزداد الإقبال الأجنبي على العقار التركي طوال فصول العام، فالبلاد ذات مناخ مشمس معتدل خلال ثلاثة فصول في العام على الأقل، كما أن الأسعار فيها اقل منها في الدول السياحية المتوسطية الأخرى، بما يجعل المقارنة لصالح تركيا دائما. فالعقار المماثل يقل في ثمنه بنسبة الثلث في تركيا عنه في فرنسا أو اسبانيا. تركيا أيضا ليست مزدحمة بالسياح، وأسواقها السياحية جديدة نسبيا، ولديها الكثير من المناطق الطبيعية الجميلة على البحر المتوسط وبحر إيجه، وتنتشر المنتجعات الساحلية على الكثير من الشواطئ التركية.

وفي العديد من المناطق السياحية الجديدة تبدأ أسعار الفيلات الساحلية، تسليم عام 2010 من حوالي 190 ألف دولار، وحتى حدود نصف المليون دولار وفقا للمساحة والموقع. وهناك العديد من المشاريع التي بيعت هذا العام وحققت ارتفاعا طفيفا في قيمتها خلال العام الأخير، مما يشير إلى عودة الاستقرار النسبي إلى الأسواق. ويفضل العديد من المستثمرين تركيا لتزايد الإقبال السياحي عليها وصيفها الطويل. لكن السبب الرئيسي للشراء في تركيا هو فرص الزيادة الكبيرة في قيمة العقار في المستقبل، وقيمة العوائد الايجارية خلال الصيف الطويل. وتصل درجة الحرارة الصيفية في تركيا إلى حوالي 28 درجة حتى نهاية الصيف، ثم تنخفض إلى حوالي 11 درجة خلال فصل الشتاء، الذي يكون في العادة ممطراً.

وطبقت تركيا في السنوات الأخيرة اشتراطات آمان صارمة في العقارات السياحية الجديدة، خصوصا فيما يتعلق بمقاومة الزلازل. وكل المنشآت الجديدة تحمل معها ضمانا لمدة خمس سنوات، وخدمات صيانة جيدة لفترة ما بعد البيع. كما تجري الآن العديد من التحسينات للبنية التحتية، منها توسيع المطارات والطرق، خصوصا في المنطقة السياحية جنوب غربي تركيا. وتناسب المستثمر العربي بوجه خاص لأنها دولة إسلامية، كما أن شعبها محافظ ومنفتح على الثقافات الأخرى في الوقت نفسه. ولا يقع من تركيا في أوروبا إلا نسبة ثلاثة في المائة من مساحتها، بينما الأغلبية الساحقة من أراضيها تقع في قارة آسيا. وهي قريبة جغرافيا من المنطقة العربية ولا يستغرق الطيران إليها من منطقة الخليج إلا ثلاث ساعات في المتوسط.

وهناك عدة مطارات دولية تخدم المنطقة السياحية في تركيا، منها بودروم ودالمان واتاليا. وتنتشر بالقرب من هذه المطارات المنتجعات السياحية في المدن الساحلية. وتستقبل هذه المطارات عشرات الرحلات يوميا من شركات التشارتر ورحلات الطيران الرخيص من أوروبا مما يسهل الوصول إليها من أي مكان.

شروط الدخول والخروج تختلف من جنسية لأخرى، لكن السياح يحصلون في العادة على تأشيرة دخول وخروج متعددة الرحلات، تصل في مدتها إلى ثلاثة أشهر وتتكلف حوالي 15 دولارا. ويمكن أيضا الحصول على تأشيرة متعددة الرحلات لمدة عام (بتكلفة 600 دولار) ولمدة خمس سنوات، وتصل تكلفتها إلى حوالي 3000 دولار.

ولا بد قبل اتخاذ قرار الاستثمار في العقار التركي مراجعة الجوانب العملية، التي يجب أن يستعد لها المستثمر نفسيا حتى لا يفاجأ بها. والنقطة الأساسية في عملية الشراء هي ضرورة الاستعانة بشركة عقارية ذات سمعة جيدة، وأيضا بمحام يتحدث لغات أخرى غير التركية (العربية أو الانجليزية). ومن الأفضل تدبير التمويل اللازم من بلد المنشأ لان الاقتراض العقاري من تركيا قد يكون أغلى ثمنا. وتستخدم تركيا الليرة الجديدة في التعامل، وهي عملة استبدلت بها الليرة القديمة التي عانت من التضخم بعد انهيارها في التسعينات. وفي المناطق السياحية تقبل العملات الأخرى بسهولة، خصوصا اليورو والإسترليني.

ولدى الشراء يدفع المشتري ضرائب نقل ملكية تصل إلى حوالي ثلاثة في المائة من ثمن الشراء. وبخلاف الدول الأوروبية الأخرى، فان ضريبة البيع لا تدفع بعد تخطي زمن ملكية العقار خمس سنوات. وقبل خمس سنوات يدفع البائع ضرائب مبيعات على فارق سعر العقار بين الشراء والبيع بنسبة تتراوح بين 20 و40 في المائة. وهناك العديد من الضرائب المحلية الأخرى التي يتكفل بها المستثمر، تشمل ضريبة البلدية والعوائد والصيانة.

وهناك أيضا تكاليف مصاحبة لعملية الشراء منها أتعاب المحامي، وتبلغ في المتوسط حوالي 300 دولار، وتكاليف الترجمة، حوالي مائة دولار وتكاليف التوثيق، وهي حوالي 120 دولارا. هناك أيضا ضريبة الشراء وحجمها حوالي 1.5 في المائة من ثمن الشراء وضريبة الحكومة، وتصل إلى 180 دولارا، وضريبة محلية قيمتها 15 دولارا. وتضاف أيضا ضريبة العقار بحجم نصف في المائة، ثم تكلفة توصيل الكهرباء والماء. وتحتم الحكومة التركية حصول المشتري على تأمين إلزامي ضد الزلازل. وفي العقارات المشتركة ضمن مجمعات سياحية يدفع المشتري مساهمة في الصيانة تصل إلى ما بين 200 و600 دولار سنويا.

خطوات قانونية لشراء العقار التركي

* قبل الشراء لا بد للمشتري أن يتأكد من قيام المحامي بكل الخطوات القانونية المطلوبة. ويلتزم المحامي بتنفيذ عدة جوانب قانونية ضرورية منها:

* أن يكون بائع العقار هو مالكه القانوني.

* مراجعة وثيقة ملكية العقار بدقة.

* التأكد من عدم وجود أي ديون أو مشاكل ملكية حول العقار.

* مراجعة الشروط الواردة في الوثيقة للتأكد من عدالتها بالنسبة للمشتري.

وبعد إتمام المراجعة تتم كتابة التعاقد ويوقع عليه البائع والمشتري. ويتقدم المحامي للحصول على صك الملكية الجديد الذي يسمى Tapu، وهو يستغرق في العادة ما بين شهرين وثلاثة أشهر لإتمامه. بعد ذلك يتم تحويل الملكية العقارية للمشتري الجديد، ويتم التوقيع عليها في حضور المحامي. ويمكن إجراء هذه العملية الشكلية من المحامي نفسه بعد منحه توكيلا قانونيا. وبعد إتمام هذه الخطوة تكون كل الرسوم والضرائب مستحقة الدفع، وتحول الوثائق مرة أخرى لتسجليها حكوميا لإتمام ملكية العقار.