التدهور يتواصل في الأسواق العقارية الأيرلندية

الأسعار تراجعت منذ بداية 2007 بنسبة 25 %

تؤكد معظم التقارير الأخيرة بشأن أسواق العقار في ايرلندا تراجع الأسعار ومواصلة تراجعها
TT

كانت ايرلندا في السنوات الأخيرة من الدول الأوروبية التي شهدت عدة طفرات اقتصادية واستهلاكية وخصوصا الطفرة العقارية الهامة التي رفعت الأسعار بشكل لم يسبق له مثيل في الجزيرة الصغيرة غرب بريطانيا. إلا أن أزمة الائتمان الدولية وما تبعها من أزمات أدت إلى الركود الاقتصادي العالمي، كانت قاسية على ايرلندا وضربتها أكثر بكثير من غيرها من دول الاتحاد الأوروبي. ويعتبر الركود الحالي في البلاد أسوأ ركود تشهده ايرلندا خلال القرن الماضي. وطال ذلك بالطبع العقارات وأسواقها جميعا والتي تراجعت أسعارها خلال العامين الماضيين بنسبة محترمة قريبة من النسب البريطانية التي تتعدى العشرة في المائة سنويا. وكانت أسعار العقارات أيام الطفرة وقبل الركود، والتي تعتبر أيضا أطول طفرة في الدول الأوروبية، إذ تواصلت من عام 1996 إلى عام 2006 أي عشر سنوات على الأقل. وخلال هذه الفترة أو الطفرة ارتفعت الأسعار في العاصمة دبلن وحدها بنسبة 360 في المائة وفي خارجها بنسبة 253 في المائة والمناطق الداخلية وغيرها بنسبة لا تقل عن 280 في المائة. ووصل معدل نسبة الارتفاع بشكل عام في البلاد إلى 270 في المائة آنذاك، وسجلت السنوات العشر نموا لا يقل عن 14 في المائة في كل سنة. وكان معدل سعر المنزل أو العقار بداية عام 1996 لا يزيد عن 75 ألف يورو أما الآن فإن معدل سعر المنزل لا يزال أكثر من 235 ألف يورور. وفي عام 1998 ارتفعت الأسعار بنسبة لا تقل عن 30 في المائة، وهي نسبة قريبة من نسب العاصمة البريطانية لندن. لكن الفرق بين أسعار العاصمة لندن والمناطق الأخرى وخصوصا المناطق المحيطة بها تغير أيضا فيما لم يتعد الفرق في سعر المنزل الـ10 آلاف يورو أصبح الفارق الآن 130 ألف يورو (في بعض المناطق). وحصل ذلك حينها على خلفية تزايد الروابط السياسية والاقتصادية بين ايرلندا وأوروبا ونمو الأجور والتوسع الهائل الذي حصل على قطاع القروض العقارية والبضائع المالية الخاصة بهذا القطاع تلك السنوات. وهي نفس العوامل التي أدت حاليا معكوسة إلى تراجع الأسعار ومواصلة تراجعها كما تؤكد معظم التقارير الأخيرة بشأن أسواق العقار في ايرلندا. كما انه خلال الطفرة الطويلة والأخيرة تم بناء ثلث المنازل الموجود في ايرلندا أي ما يصل إلى نصف مليون منزل أو عقار معظمها شاغر هذه الأيام. وفيما لم يبن أكثر من 33 ألف منزل جديد عام 1996 وصل عدد المنازل المبنية جديدا عام 2005 إلى 81 ألف منزل. ورغم الأزمة الحالية يتوقع أن يتم بناء أكثر من 16 ألف منزل جديد هذا العام ( العام المقبل – 2010 - سيتراجع العدد إلى 14 ألف منزل ). كما أن قيمة العقارات الايرلندية بكاملها قد قفزت وتضاعفت أربع مرات خلال تلك السنوات لتصل إلى أكثر من 412 مليار يورو. ويقول نيال اوغريدي المدير العام لقسم استراتيجية الأعمال في «بيرمينانت تي اس بي» بهذا الصدد: «لقد مررنا بعقد غير عادي في أسواق العقار الإيرلندية. وكان هذا العقد أشبه بتحد بالنسبة للكثيرين وخصوصا الذين كانوا يحاولون دخول سوق العقار. وبالنسبة للبعض الآخر كالملاك العاديين، فقد جلب العقد الماضي فرصا ووعودا هامة وبالنسبة لآخرين كان فترة ترف... لا يوجد أدنى شك بأن الطفرة التي حصلت خلال العقد الماضي كانت على أسس قوية، وفي ظل معدلات فائدة منخفضة ونمو في قطاع الوظائف... وبالتطلع إلى الأمام فإن أسس الطفرة لم تتغير ولا تزال موجودة في الأسواق، مع أن الارتفاعات الكبيرة والقديمة لن تتكرر». وأفاد مؤشر «تي اس بي وأي اس آر آي» (Permanent TSB/ESRI ) الأخير، بأن أسعار العقارات في ايرلندا تراجعت بنسبة 1.1 في المائة في سبتمبر( أيلول) الماضي، وتراجعت العقارات أيضا خلال الأرباع الثلاثة الأولى هذا العام بنسبة لا تقل عن 11.1 في المائة ( كانت 7 في المائة العام الماضي – 2008) وان مستوى الأسعار الحالي مطابق لمستوى الأسعار التي شهدتها البلاد قبل ست سنوات أي عام 2003.

وأكد تقرير آخر لغلوبال برابرتي، أن ايرلندا تعيش أسوأ ركود اقتصادي في تاريخها الحديث وان أسعار العقارات تواصل تراجعها بشكل خطير. وفيما تشهد بعض البلدان الأوروبية بعض التعافي في أسواقها العقارية وبدأت الأسعار تستعيد أنفاسها كما هو الحال في بريطانيا والسويد وفرنسا وغيرها، يتواصل هذا التراجع في ايرلندا، وقد شهد شهر أغسطس هذا العام اكبر نسبة تراجع على الأسعار في تاريخ البلاد وكان الأسوأ اداء على الصعيد العقاري منذ القرن الماضي. وحسب مؤشر تي اس بي فإن معدل سعر المنزل في ايرلندا وصل إلى 235.2 ألف يورور (دولار) في أغسطس (آب) هذا العام، أي بنسبة 1.5 في المائة اقل من الشهر السابق عنه أي يوليو (تموز 2009). وعلى هذا الأساس تكون أسعار العام الحالي حتى الآن اقل بنسبة 13 في المائة عما كانت عليه قبل عام واقل بنسبة 24 في المائة عما كانت عليه في بداية عام 2007 وبالتحديد في فبراير (شباط). وكان فبراير آخر شهر من أشهر الارتفاعات على الأسعار والطفرات العقارية التي تواصلت لعشر سنوات كما ذكرنا. ويضيف مؤشر تي اس بي بأن معدل سعر المنزل وصل في سبتمبر العام الحالي إلى 235.2 ألف يورو مقارنة بـ 261.5 ألف يورو في ديسمبر (كانون الثاني) الماضي، واقل بكثير مما كان عليه آخر أيام الطفرة في فبراير 2007 حيث وصل آنذاك إلى 311 ألف يورو. ومنذ ذلك الوقت تراجعت الأسعار فعليا مع الأخذ بعين الاعتبار معدل التضخم بنسبة لا تقل عن 25 في المائة. ويقول نيال اوغريدي المدير العام لقسم استراتيجية الأعمال في «بيرمينانت تي اس بي» بهذا الصدد أن معدل التراجع لا يزال مستقرا منذ عدة أشهر وهناك فروقات كثيرة بين الكثير من المناطق حيث تراجعت الأسعار في العاصمة دبلن أسرع بكثير من غيرها من المناطق بسبب الكمية من العقارات الشاغرة والتي لم تجد زبائن لها منذ بدء أزمة الائتمان الدولية عام 2007. كما أن حالات الإفلاس والمصادرات ارتفعت بشكل كبير منذ ذلك الوقت مما ترك عددا كبيرا من العقارات الشاغرة في العاصمة واثر على أحوال السوق وأسعار العقارات نفسها.

وبالعودة إلى العاصمة يقول المؤشر الإيرلندي للأسعار إن أسعار العقارات في دبلن تراجعت في سبتمبر هذا العام بنسبة 2.1 في المائة، وفي المناطق المحيطة بها كان التراجع بنسبة 1.3 في المائة فقط. وقبل ذلك في أغسطس تراجعت الأسعار بنسبة 2.4 في المائة. وفيما تراجعت الأسعار في المناطق المحيطة أيضا من سبتمبر العام الماضي حتى سبتمبر العام الحالي بنسبة 11.1 في المائة كانت نسبة التراجع داخل العاصمة بنسبة لا تقل عن 19.1 في المائة. وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي أو الأرباع الثلاثة الأولى وصلت نسبة التراجع على أسعار عقارات العاصمة بنسبة 14.4 في المائة، أما في المناطق المحيطة فلم تتعد النسبة الـ 10 في المائة.

وبالنسبة لمعدل سعر المنزل في العاصمة وضواحيها فقد أكد المؤشر أيضا أن معدل سعر المنزل في دبلن في سبتمبر هذا العام وصل إلى 300 ألف يورو والضواحي 202 ألف يورور تقريبا.

بأي حال، فإنه يتوقع للاقتصاد الإيرلندي حاليا بان يتراجع أو ينكمش بنسبة 9 في المائة هذا العام وبنسبة 2.5 في المائة العام التالي (2010) بعد أن انكمش العام الماضي (2008) بنسبة 3 في المائة. ولا تتوقع المؤسسات الأوروبية والايرلندية الرسمية والخاصة أي تعاف اقتصادي أو عودة للنمو قبل عام 2011 وهذا الأمر نفسه ينطبق على مسألة تعافي أسواق العقار وأحوالها واستعادة الأسعار استقرار ووقف تراجعها.

كما أن الأرقام المتوفرة تشير إلى أن تراجع عدد المشاريع الجديدة وتوقف عمليات البناء (تراجع البناء بنسبة 38 في المائة العام الماضي وحده ) أدى إلى رفع معدل البطالة في ايرلندا في يوليو الماضي إلى 12.2 في المائة. وان قطاع البناء أكثر القطاعات تأثرا بما يحصل سلبا في القطاعات العقارية والاقتصادية. ونسبة البطالة هذه أعلى من نسبة البطالة عام 2007 بنسبة 4.6 في المائة . ويتوقع أن يرتفع هذا المعدل العام المقبل ليصل إلى 15 في المائة و16 في المائة عام 2011. وهذه النسب من أسوأ النسب الأوروبية بشكل عام حتى الآن. وتشير المعلومات المتوفرة في الأسواق أن البنك المركزي الأوروبي بدأ بتخفيض معدلات الفائدة في أغسطس عام 2008 ووصل هذا المعدل إلى أدنى حد له تاريخيا في مايو ( أيار) العام الحالي (2009) ولا يزال حتى الآن.

وعلى هذه الخلفية تراجع معدل الفائدة في ايرلندا من 5.5 في المائة وأكثر في سبتمبر العام الماضي إلى 2.62 في المائة في أغسطس العام الحالي.

وبالرغم من هذا التخفيض الهائل والتاريخي– وهو ما يخيف المحللين ويقلقهم- فإن معدل منح القروض العقارية واصل تراجعه وتراجع بنسبة 5.7 في المائة في الربع الثاني من العام الحالي عما كان عليه في نفس الفترة من العام الماضي. ووصلت قيمة هذه القروض 113.65 مليار يورو. وتراجعت في أغسطس هذه القيمة لتصل إلى 109 مليارات يورو، أي بتراجع نسبته 10 في المائة عما كانت عليه في نفس الشهر العام الماضي.

وفيما يستعد بعض الدول الأوروبية لبدء تخفيف الشروط على القروض العقارية قليلا لتحريك الأسواق واستعادتها نشاطها، تواصل البنوك والمصارف الإيرلندية تشديد الشروط على القروض العقارية، ويتوقع أن يتواصل هذا الموقف حتى نهاية العام الحالي.

بأي حال فإن موقع ايرلندا العقاري اثر هذه التطورات الدراماتيكية خلال السنتين الماضيتين في القارة الأوروبية في منتصف اللائحة تقريبا وبالتحديد في المرتبة التاسعة بعد ايطاليا وفنلندا واليونان وسويسرا وفرنسا وروسيا وبريطانيا وموناكو التي لا تزال تتربع على رأس اللائحة منذ فترة طويلة. وفيما يصل معدل سعر المتر المربع حاليا في أسواق موناكو العقارية إلى أكثر من 35.5 ألف يورو، يصل معدل سعر المتر المربع في ايرلندا حاليا إلى 5.4 ألف يورو. وجاء بعد ايرلندا لوكسمبورغ والدنمارك وتشيكيا واسبانيا التي كانت أكثر الدول تأثرا بفقاعات العقارات خلال العقد الماضي وأكثر الدول التي سجلت نموا كبيرا قبل أزمة الائتمان. وبعدها جاءت اندورا وهولندا بسعر 3.5 ألف يورو للمتر المربع وثم مونتينيغرو ورومانيا وبولندا والنمسا وألمانيا والبرتغال وأوكرانيا في باطن اللائحة وبسعر 2.8 ألف يورو للمتر المربع الواحد.