تراجع عدد الصفقات العقارية في رومانيا بنسبة 43%

الاعتماد على المستثمرين الأجانب جمد الأسواق

TT

كانت دول أوروبا الشرقية من أكثر الدول تأثرا بأزمة الائتمان الدولية وما تبعها من ركود اقتصادي عالمي وأزمات مصرفية، كما يؤكد الكثير من الخبراء. ويحذر هؤلاء من مغبة تعطيل الركود الاقتصادي للتطور الديمقراطي والاقتصادي الحاصل منذ التسعينات في هذه البلدان ذات الأسواق الناشئة والجديدة على السوق المنفتحة والبنى التحتية المنهكة. وكانت الأسواق العقارية في الكثير من هذه الدول الأوروبية الشرقية جزءا من هذا المخاض السياسي والاقتصادي العام. وشكل قطاع العقارات إلى جانب قطاع الخدمات المالية دعامة أساسية للاقتصادات في هذه الدول وجزءا لا يتجزأ من النمو الاقتصادي. كما شهدت الكثير من هذه الدول أيضا خلال السنوات الماضية طفرات عقارية لم تشهدها في تاريخها ومن هذه الدول بلغاريا ورمانيا وبولندا وتشيكيا والمجر وغيرها، بسبب الاهتمام الأجنبي ورخص الأسعار وتغيير بعض القوانين وانضمام الكثير من البلدان إلى منظومة الاتحاد الأوروبي. لكن الركود قضى على هذه الطفرات وأعاد مرة أخرى النمو العقاري وحركة الأسواق إلى الوراء. ومن هذه الدول رومانيا وعاصمتها بوخارست، التي تتواصل التقارير عن تراجع الأسعار فيها منذ فترة طويلة وبالتحديد منذ عام 2007. وكانت آخر التقارير الصادرة عن المؤسسات الحكومية قد أكدت أن مبيعات العقارات السكنية تراجعت بنسبة 27 في المائة في أبريل (نيسان) هذا العام نسبة إلى ما كانت عليه في مارس (آذار)، بداية العام. كما أن عدد الصفقات العقارية قد تراجع في بداية العام الحالي أي في يناير (كانون الثاني) بنسبة 27.23 في المائة عما كان عليه في الشهر نفسه من عام 2008. ووصل العدد إلى 17 ألف صفقة بينما كان العدد عام 2008 نحو 24 ألف صفقة عقارية. وعلى هذا الأساس تكون نسبة التراجع على عدد الصفقات من يناير عام 2007 إلى يناير هذا العام قد وصلت إلى 43.2 في المائة. وكان يناير عام 2007 وهو نهاية الطفرة العقارية في البلاد قد سجل ما لا يقل عن 31 ألف صفقة عقارية. ويبدو أن سهولة الحصول على القروض قبل عام 2007 قد تركت الأسواق في وضع غير متوازن، خصوصا على صعيد العرض والطلب. وقد ساهمت أزمة الائتمان الدولية وما تبعها من أزمات مالية، كما يبدو أيضا بلجم الطلب وإحجام الكثير من الناس العاديين والمستثمرين عن دخول الأسواق في مثل هذه الظروف. ولا يبدو أن تخفيف أسعار الفائدة على القروض العقارية والسيطرة على معدل البطالة كافيان لدفع الزبائن باتجاه الأسواق التي تشهد تراجعا كبيرا على الأسعار منذ نحو ثلاث سنوات.

وتوقعت صحيفة «ستاندارد» الرومانية منذ فترة في أحد مقالاتها عن أسواق العقار المحلية، أن أسعار الأراضي قد تتراجع هذا العام بنسبة لا تقل عن 90 في المائة. وأن كلفة العقارات أو بكلام آخر العقارات قد تخسر نصف قيمتها هذا العام نسبة إلى ما كانت عليه في نهاية الطفرة العقارية عام 2007.

ولهذا السبب أيضا أعطت الحكومة الرومانية الضوء الأخضر في منتصف مايو (أيار) لبناء مطار جديد في مدينة براسفو التي تبعد عن العاصمة بوخارست نحو 170 كيلومترا. ويعتبر موقع المطار من المواقع الاستراتيجية والمهمة في البلاد على الصعد السياحية والعقارية والاستثمارية، إذ إنه في وسط البلاد ووسيلة سهلة للوصول إلى البحر الأسود وجبال الكارباث وترانسيلفينيا في الشمال الغربي (مسقط رأس دراكولا). وبالنهاية يهدف المشروع إلى تشجيع المستثمرين والمستأجرين الأجانب من جديد على العودة إلى الأسواق واستغلال الفرص الموجودة وبالأسعار الحالية التي تعتبر تنافسية إلى أقصى حد والتي تراجعت حتى الآن بنسبة لا تقل عن 30 في المائة هذا العام. وفي هذا الإطار على الأرجح أن تقدم تنزيلات خاصة للعقارات السكنية الجديدة في المنطقة في إطار مشروع المطار لزيادة قابلية الأجانب للعودة إلى الأسواق. كما تفكر بعض الشركات كما يحصل في الولايات المتحدة الأميركية والكثير من بلدان العالم في الفترة الأخيرة من إغراءات للزبائن، في تقديم الأثاث وبعض المميزات الخاصة مجانا للمشتري.

وكان لتراجع الأسعار وعدد الصفقات العقارية الفترة الماضية آثار سلبية على قطاع البناء والإنشاءات والتطوير، فكما حصل في الكثير من بلدان العالم تم تجميد الكثير من المشاريع وإلغاء أخرى بعد أزمة الائتمان الدولية، ومع هذا لا تزال هناك علامات متفائلة في هذا القطاع اليانع والحساس. وشهد هذا القطاع وسط التراجعات الحادة على الأسعار ارتفاعا بنسبة 19 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي نسبة إلى ما كان عليه العام السابق. كما ارتفعت أيضا نسبة التصاريح والأذون العقارية بنسبة لا تقل عن 13 في المائة. وفضلا عن هذا عادت بعض المشاريع المعروفة إلى الواجهة ومنها ما كان مهددا بالإفلاس والإلغاء نهاية عام 2007 مثل مشروع «بلانوراما «(Planorama) في العاصمة بوخارست الذي انتهى العمل به أخيرا وتمكن من بيع جميع العقارات الجديدة فيه والتي يصل عددها إلى ألف عقار أو وحدة سكنية. وقد تمت عملية البيع قبل انتهاء المشروع. وفي هذا الإطار لا بد من الذكر أن مجموعة «بلانوراما» هي مجموعة معروفة جدا في رومانيا على الصعيد العقاري، وقد بدأت نشاطها من مجموعة من المستثمرين في عام 2005. ويعتبر مشروعها العقاري في العاصمة من أنجح المشاريع الرومانية العقارية في السنوات القليلة الماضية. ومن المشاريع التي بدأت فيها المجموعة مشروع «دومنا شيكا» الذي كان الأول لها في العاصمة عام 2005 ويشمل أربعة أبراج سكنية حديثة ومركزا تجاريا ومباني من المكاتب من الدرجة الأولى والثانية ومنافع خدماتية بالطبع كالمقاهي والملاهي والمطاعم والأندية الرياضية. ووصلت تكلفة المشروع لنحو 100 مليون يورو.

أما المشروع الثاني فكان مشروع «البحيرة» الواقع بين بحيرة بلامبويتا وإحدى الحدائق العامة الكبيرة في العاصمة. وتم بناء ما لا يقل عن 72 ألف متر مربع من العقارات الجديدة في إطار المشروع الذي يفترض أن يكون على الخط الدولي الجديد بين العاصمة وبراسفو. ويشمل المشروع بناء 3300 وحدة سكنية ومركز تجاري وعدة مرائب للسيارات وغيرها من الخدمات العامة والحديثة. وهناك مشروع آخر للمجموعة في بلويستي وبكلفة أكثر بكثير من كلفة مشروع العاصمة، تصل إلى 186 مليون يورو. ويشمل المشروع بناء أكثر من 2400 وحدة سكنية حديثة. بأي حال، فإن أسعار العقارات في رومانيا بدأت تراجعها عام 2007، وواصلت ذلك حتى الآن، ووصلت نسبة التراجع في بدايات العام الماضي أحيانا إلى 30 في المائة، وذلك بعد ارتفاعات على الأسعار سنويا بنسبة 50 في المائة قبل نهاية الطفرة. وكانت الأسعار قد بدأت ارتفاعاتها الهائلة عام 2002، حيث ارتفعت أسعار الشقق القديمة في بوخارست بنسبة لا تقل عن 160 في المائة بين عامي 2005 و2007 بسبب الهجوم الأجنبي الأوروبي بشكل خاص على عقارات المدن الكبرى والمراكز المهمة. وقد ساهم انضمام رومانيا في الاتحاد الأوروبي بداية عام 2007 في دفع الكثير من المستثمرين إلى التحرك في الأسواق قبل العملية وبعدها في محاولة لاقتناص الفرص قبل تغير الأسعار وأسعار الفائدة، لكن العائدات منذ ذلك الوقت لم تكن جيدة إذ جاء الركود العالمي ليطفئ لهيبها ويعيدها إلى مستويات عادية.

ويذكر في هذا الإطار أنه لا توجد قيود في رومانيا على تملك الأجانب، لكن ملكية الأرض مسألة أكثر تعقيدا، إذ تتطلب الإقامة والعمل في البلاد. ومنذ بداية عام 2012 سيسمح للأجانب والمواطنين غير التابعين لدول الاتحاد الأوروبي بتملك الأراضي.

ولا تزال رومانيا حاليا في المرتبة السابعة أوروبيا من ناحية عائدات الإيجار الاستثمارية وذلك بعد مقدونيا وأوكرانيا والمجر وهولندا وبولندا وبلجيكا. ويصل معدل العائدات في مقدونيا إلى 9.9 في المائة، بينما لا يتعدى ذلك في رومانيا الـ5.5 في المائة. ويأتي بعد رومانيا كل من تركيا وكرواتيا وألمانيا وإيطاليا وسلوفينيا وسلوفاكيا وفنلندا والنمسا.. إلخ.

ويقول التقرير الأخير لمؤسسة كوليارز إنترناشيونال حول الأسواق العقارية والأوضاع الاقتصادية في البلاد هذا العام، إن الناتج المحلي الإجمالي في رومانيا ارتفع بنسبة 7.9 في المائة العام الماضي، وكانت قطاعات الإنشاء والتجارة من أنشط القطاعات الاقتصادية. كما ارتفعت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتصل إلى 9 مليارات يورو. واتخذ البنك المركزي آراء عدة للحد من معدل التضخم، ويبدو أن القطاعات تمكنت منذ العام الماضي في تخفيض هذا المعدل من 9 إلى 6.5 في المائة، كما وصلت نسبة العجز في الميزانية من الناتج المحلي الإجمالي إلى 5 في المائة.

وتقول المؤسسة إنه بالرغم من أن رومانيا تسجل أكبر معدل للنمو الاقتصادي في دول الاتحاد، فإنها ستواجه الكثير من الصعوبات خلال السنوات المقبلة إذا ما تواصل الركود. فأزمة الائتمان حرمت البلاد من الكثير من التمويلات الأجنبية التي تعتمد عليها مما أدى إلى تراجع قيمة العملة المحلية وأسواق المال والبورصات. ففيما وصلت نسبة التراجع على العملة إلى 10 في المائة العام الماضي وصلت نسبة التراجع على أسواق المال إلى 70 في المائة. ولهذا لا تزال شحة التمويلات والسيولة إحدى أكبر المشكلات التي تواجها رومانيا حاليا وأسواقها العقارية والتي ستواجهها خلال السنوات المقبلة أيضا.

وحول الأوضاع الاستثمارية في البلاد العام الماضي تقول كوليارز إن الكثير من القطاعات لا تزال بحاجة إلى التطوير خاصة على صعيد البنى التحتية والمواصلات، كما أن هناك نقصا كبيرا في المكاتب الممتازة والحديثة والمساحات الصناعية المتطورة. بالإضافة إلى أن معظم العقارات السكنية لا تزال تحت المستوى المطلوب أوروبيا ودوليا في العاصمة والمدن الأخرى.

ويبدو أن الكثير من المستثمرين الذي نشطوا في الأسواق لاقتناص الفرص، يتجهون بسبب الأزمة المالية إلى العقارات القادرة على تأمين عائدات شهرية مثل الإيجار.