كيف يمكن تفادي الوقوع في مسكن سيئ

مشكلات استئجار المساكن في مدينة نيويورك

مدينة مثل نيويورك الأميركية يكمن فيها عدد لا نهائي من المخاطر التي يصعب تبينها لدى اختيار العقارات
TT

عندما يتعلق الأمر بالمنازل والزوجة فربما تؤدي تجربة سيئة إلى تغيير خيارات المرء مدى الحياة. وفي مدينة مثل مدينة نيويورك الأميركية، حيث يتوفر عدد لا نهائي من التحديات في العيش بصورة دائمة، يكمن عدد لا نهائي من المخاطر التي يصعب تبينها لدى اختيار العقارات. تتضمن الخيارات السيئة موقع المبنى، والجيران الذين يصعب تحملهم سواء أكانوا بشرا أم قوارض، ومشرفي المباني الذين يقطنون على مسافات بعيدة منها، والواجهات الزجاجية للمباني التي تجعلها شديدة الحرارة، ووسائل الرفاهية التي يتضح فيما بعد أنها بلا جدوى.

الدليل على ذلك الواقعة التعسة لروب بالادينو. فقبل ثلاثة أعوام استأجر شقة سكنية تحتوي على غرفة نوم واحدة في الطابق الخامس لبناية جديدة في حي تجارة الملابس، ومقابل 3800 دولار شهريا حصل على فناء مساحته 600 قدم مربع بني فوق أربعة طوابق من المحلات التجارية. وقال بالادينو، الأعزب، البالغ من العمر 52 عاما، وصاحب شركة إعلام رقمي، والذي يرغب في استضافة أصدقائه في الهواء الطلق: «كانت تلك شقة كبيرة، ولقد اعتقدت حقا أنها تستحق بضع مئات إضافية من الدولارات شهريا». وفي أعقاب إزالته المحتويات القديمة من الشقة سارع بوضع بعض الأثاث كطاولة وبعض الكراسي وشواية وأضواء أعياد الميلاد، ثم بدأت بعد ذلك تتساقط أعقاب السجائر من جيران بالادينو ـ 40 طابقا أو حوالي 280 شقة. وظن بالادينو أن جيرانه الذين يتكون غالبيتهم من الشباب الذين يتقاسمون الشقق السكنية كانوا يعتقدون أن أعقاب السجائر هذه ستذهب إلى الشارع. وقال «لكن بدلا من تنزل إلى الشارع بدلا من ذلك بدأت تحرق المظلة وكراسي الفناء وقد جعلني ذلك أدخل في لعبة محاولة تبين نوعية السجائر التي ألقيت».

وقد لقيت أشياء أخرى كثيرة طريقها إلى باحة بالادينو، مما جعله يطلب من المشرف على العقار تنظيفه أسبوعيا. ثم فوجئ في صبيحة أحد الأيام بزوجين يابانيين تبدو عليهما علامات الحزن على باب شقته. لم يستطيعا التواصل معه ليعلماه عن السبب، لكن كان من الواضح أنهما يرغبان بشدة في الدخول إلى الفناء مما جعله يسمح لهما بالدخول. ليتضح أن قطتهما قفزت من الطابق 36 إلى ساحته. بيد أن بالادينو أصر على الاستمتاع بما يعتبره غالبية أهل نيويورك أمرا محببا، حتى أقام في إحدى الليالي حفلة في الهواء الطلق تعارضت مع نقاش حاد بين زوجين في الطابق الثامن أو العاشر وصل إلى مسامعهم. وقال «عندما سقط أول طبق حلوى كان أشبه بطلق ناري وتطايرت قطع الزجاج في كل مكان وهربنا إلى الداخل وتساقطت بعض الأغراض الأخرى ـ تمثال صغير ولعبة طفل ومجسم سيارة، بعد ذلك لم يكن المكان آمنا في الخارج». تخلى بالاديو عن فنائه الثمين وتبعه بالشقة بعد ستة أشهر. ثم انتقل بعد ذلك إلى شقة في الدور الثالث في منطقة تجارة اللحوم. ويقول إنه يفكر الآن في استئجار فناء آخر أو سطح عمارة سكنية إذا كانت في طابق عالٍ جدا. وقال «إذا كنت في الدور السادس عشر مع باحة خلفية وهناك 9 أدوار فقط فوقك فالأمر مختلف تماما. فسيكون هناك مصادر أقل للإزعاج». وقال إن الأفراد الذين يدفعون تأمينا للسكن في الدور العلوي ربما يكونون أكثر لطفا واحتراما. هناك العديد من الأفراد الذين لا يحملون ضغينة ضد شققهم أو عماراتهم، بل الموقع هو الذي يؤذيهم. فعلى سبيل المثال، عادة ما يحجم الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من مصعد عن فعل ذلك مرة ثانية. فيقول لورانس ميتشل، وسيط العقارات في برودنشيال دوغلاس إليمان «إنهم يشعرون بأن المصاعد كثيرة الجلبة وأن الأشخاص أيضا يميلون إلى التجمع أمامها».

ويشير بول بورسل مؤسس شركة «تشارلز روتنبيرغ ريالتي»، إلى رفض البعض الآخر العيش أسفل سطيحة منزل (البدروم) بعد المعاناة من الفيضان الذي يسببه انسداد الصرف وما شابه. كما أن سكان شقق الدور السادس في العمارات السكنية التي لا توجد بها مصاعد لا يكررون التجربة إذا ما توفرت لهم الظروف، إضافة إلى ذلك فكثير من سكان الطابق الأرضي يتعهدون بالسكن في الأدوار العليا. وعندما انتقلت ألينا مونوز إلى نيويورك قبل أربع سنوات تقريبا تقاسمت شقة من غرفتين تواجه الشارع مع العديد من شركاء السكن. وقالت مونوز، التي تبلغ من العمر 27 عاما، وصاحبة «كولنترو»، وهي مؤسسة تعمل في مجال خدمات المطاعم «لم نكن نحصل على إضاءة طبيعية لأن الستائر كانت دائما مغلقة حفاظا على الخصوصية من الشارع. فبإمكانك سماع كل المحادثات التي تدور في الشارع. وكذلك بواب المبنى الذي يقوم كل صباح بغسل الممشى الجانبي والنوافذ وهو ما يجعلني أستيقظ في أيام السبت والآحاد على ما يشبه صوت حريق يهب على نوافذي». مأساة الأدوار السفلية التي تعانيها موينز زاد من تعقيدها الموقع: فالبناية التي تسكن بها مقابلة لكنيسة. وقالت «في صباح أيام السبت والآحاد يمكنك سماع الأطفال يلعبون والآباء يراقبونهم ليتركوهم يلهون كيفما أرادوا. وفي ليالي الثلاثاء والخميس تقف مجموعة من المدخنين بالخارج، وتستطيع سماعهم إذا ما كنت بالطابق الأرضي». عادة ما يكون الأفراد الذين يدخنون التبغ والذين يحدثون جلبة عالية أكثر تواجدا في الملاهي الليلية والحانات والمطاعم لكن الموقف لا يكون جيدا إذا ما وجدت هذه الحانات بالقرب من سكان الطوابق السفلى. وما إن يلدغ البعض من هذه الأماكن مرة يلجأ العديد منهم إلى فحص البناية التي سينتقلون إليها بدقة حتى إنهم يقومون بزيارات ليلية متأخرة للتأكد من نشاط النادي الذي يكون غير ظاهر طوال اليوم. لكن ربما يكون من الأسهل افتقاد هذه الكوابيس السمعية في البناية الأخرى في صورة مركز للإطفاء أو شيء ربما يكون أكثر غموضا. قامت فلافي باغنول مديرة الاتصالات في شركة Thrillist.com باستئجار شقة في شارع إيست 64th قريبة لكنها ليست مواجهة لجادة ساكند أفنيو. لكن الشاحنات التي تقطع الطريق آخر الليل في ساكند أفنيو عندما تصطدم بشيء أشبه بمطب تطلق انفجارا رعديا يثير الرجفة. وقالت بانغول «نظرت مرات عدة كي أرى إذا ما كان هناك مطب صناعي أو حفرة لكن لم يكن هناك شيء ربما كان ذلك جزءا غير ممهد في الطريق. وقد حاولت استخدام سدادات الأذن والستائر السميكة المانعة للضوضاء والموسيقى لكن لا شيء استطاع أن يؤثر عليها، ولم أتمكن من النوم بصورة جيدة لمدة عامين». وعندما انتهى عقد الإيجار اشترت شقة صغيرة تواجه ساحة شارع West 60s.

وقالت «الأمر الذي بحثت عنه لدى استئجاري الشقة هو أنني فتشت عما إذا كان هناك الكثير من المرور مثل الحافلات العامة وتأكدت من أنني لست على الطريق الرئيس. ثم زرت الشقة مرة أخرى خلال الليل لأتأكد من مدى حجم الضوضاء مع فتح وإغلاق النوافذ. أما سكان المدينة الآخرون فيهربون من الإزعاج الذي قد يتسبب فيه بعض أقربائهم، ففي ديسمبر (كانون الأول) استأجرت كولين ماثيز البالغة من العمر 27 عاما مع صديقها ريني غونزاليس البالغ من العمر 35 عاما شقة من الباطن من صديق لعائلة ماثيز التي كانت عبارة عن غرقة واحدة في عمارة ليس بها مصاعد مقابل 600 دولار شهريا. وقالت: عندما انتقلنا إلى هنا واجهنا مشكلة بسيطة مع الفئران. ثم في يناير (كانون الثاني) بينما كنت أنام بالشقة أحسست بوخز بسيط في قدمي صحوت من نومي لأرى فأرا يعدو مبتعدا عن السرير. ومنذ شهرين بدأ الأمر يزداد سوءا، حيث كنا نرى فأرا أو فأرين في اليوم الواحد. وعندما زحف فأر على ذراعها هذا الصيف وشربت قدحا من القهوة المختلط بروث فأر سعيا للبحث عن شقة أخرى. لكنهما تعلما الدرس فبدآ خلال رحلة البحث عن شقة أخرى البحث عن عدد من العلامات مثل الروث والثقوب الغريبة بين الحوائط والأدوار. وتقول ماثيز، أخصائية الدعاية «اشترينا شقة من طابقين بدت جيدة جدا في أول الأمر» لكنهم تخلوا عنها عندما اكتشف غونزاليس، مصور الفيديو أدلة قوية على ما تركوا من أجله الشقة السابقة. ثم استأجروا أخيرا شقة كبيرا ذات غرفة نوم واحدة في مبنى قديم لكنه جيد الصيانة وليس به مصاعد في شارع East 88th بالقرب من جادة ماديسون مقابل 1600 دولار شهريا وفي اليوم الذي تركوا فيه شقتهم بسبب الفئران كان جارهم في الأسفل ينتقل من المنزل لنفس السبب. أما لي أليكساندر، المنتجة التلفزيونية، فقد فسخت عقد إيجارها بعد شهرين من الانتقال إلى مبنى في ماركس بلاس والذي تبين أن به فئرانا تعيش في الحائط وغرفة غسيل الملابس. وعندما وجدت شقة الدور الأرضي لم يخطر ببالها أن تبحث عن آثار للفئران مثل وجود مبيدات حشرية وتحذيرات بالحفاظ على مخلفات القمامة مثل العلب مغلقة بإحكام. وعندما تولد لديها الاقتناع بأن العيش في الطابق الأرضي يعني العيش بالقرب من منطقة الحشرات الضارة سارعت إلى الانتقال إلى شقة في الأدوار العليا بالقرب من ناصية سكند أفنيو. اختفت مشكلة الفئران بالنسبة لها لكنها واجهت صنفا آخر من الإزعاج كان بإمكانها تفاديه لو أنها زارت المكان خلال الليل فسكنها يقع داخل مدى موسيقى فرقة «ستومب» التي تعزف على الأدوات المعدنية كأغطية عجلات السيارات وأغطية صفائح القمامة. وقالت: كانت دورة المياه الخاصة بي تطل على الساحة الخلفية لمسرح فرقة ستومب لذا كنت أستمع إلى العرض كاملا من الساعة الثامنة إلى الساعة الحادية عشرة من دورة مياهي. لقد كان الأمر مريعا وبه الكثير من الضوضاء. عاشت ألكسندر هناك عدة سنوات قبل الانتقال إلى رأس قائمة الانتظار (وشقة بالدور العلوي) في ستويفيسانت تاون، الذي يتكون من مجمع سكني لا يقرع سكانه على أغطية صفائح القمامة. بيد أن مالكي العقار رفعوا الإيجار دون مبرر. وتقول أليكساندر «بالنسبة للجانب المهم إنها شقة هادئة وجميلة للعيش بها عدا عن الزيادة الغريبة في الإيجار». وتوضح تجربة أليكساندر، صعوبة معرفة المشكلات ما لم يكن بالفعل لديك حساسية معرفة الخطر. وقال ماثيو غرب الذي اشترى هو وزوجته بيتسي لتشتنستين شقة من غرفتين في برج لينكولن في أبر وست سايد منذ عشرة أعوام «لن أشتري مرة أخرى شقة مجددة». وعندما كانت لتشتنستين حاملا كانت الصفقة جيدة وكانا سعيدين بعدم اضطرارهما إلى تجديد الشقة، لكن غروب مستشار الرعاية الصحية قال إنهما يندمان على ذلك، فقد أحبط هو وزوجته من الصيانة الرديئة والإصلاحات الرخيصة والمطبخ الضيق الذي اضطرا إلى تحمله. ويبدي أحد جيرانهما ندمه على أمر آخر، فقد تحولت شرفة الطابق الخامس عشر إلى مصدر تهديد بعد ولادة ابنتهما، وقال ويندي سيغل، مستشار العمل في كلية الحقوق بجامعة نيويورك «ما إن ولدت ابنتي أردت أن أغلقها إلى الأبد حتى لا تخرج إليها. وأنا أفضل الحصول على شقة أكبر». ويقول بورسل، وسيط العقارات إن من بين الأمور التي تتكرر والتي سمعها هي بشأن أمر لا يوجد فعلا. وقال «سمعت العديد من الأشخاص يقولون لن أسكن في مبنى جديد مرة أخرى حتى يكتمل بناؤه وأشاهد المكان الذي سأقطن به». بالنسبة لبورسل فقد ترك الشقة ذات الواجهات الزجاجية التي تطل على الجنوب مقابل شقة تطل على منظر طبيعي ناحية الشمال. وقال «كانت الشمس حارقة حتى في فصل الشتاء كانت الشقة مثل صندوق ملتهب». كما اشتكى أيضا من «تلف الأرضيات من كثرة التعرض للشمس إذا لم أغلق الستائر كل يوم، لذا ما الفائدة في أن أرى منظرا طبيعيا كل يوم؟»، على العكس من بورسل كان هناك عدد من الباحثين عن شقق قالوا إنهم قضوا فصول شتاء كثيرة لم يروا أشعة الشمس عبر النافذة لكن البعض منهم يفضل الإقامة دون أشعة الشمس مع وجود مشرف للسكن. وتقول لورا زانزال، التي تبلغ من العمر 24 عاما، المستأجرة التي تعمل في العلاقات العامة «لم يكن هناك مشرف على المبنى في شقتي السابقة وكانت تلك كارثة في حد ذاتها» وقد تقاسمت زانزال شقة في شارع إيست 89th بعمارة ليس بها مصاعد مع ثلاث أخريات وكان مشرف السكن يقطن في كوينز. وقالت «عندما كانت لا تصلنا التدفئة كنا نتصل به وإذا ما اتصل واحد منا فقط لم يكن يحدث ذلك تأثيرا كبيرا عليه. وكانت الشهور الأولى التي عشناها هناك كانت التيار الكهربي ينقطع وكان يقول لنا خمس دقائق وما يجعلك تتصل به مرة أخرى ليؤكد لك أنه قادم. هذا الخريف وبعد أقل من عام انتقلت مع اثنتين من رفيقاتها إلى مبنى مكتمل الخدمات وقالت «بمجرد أن نتصل لنبلغ عن وجود مشكلة يهرع إلينا شخص خلال دقائق».

* خدمة «نيويورك تايمز»