الخطوة الأولى هي الأصعب في صعود السلم العقاري

انعدام السيولة التي سببتها الأزمة المالية زاد الأمور صعوبة

المشروعات الجديدة تقدم الكثير من الحوافز لشراء العقارات («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من تراجع أسعار العقار في العديد من المواقع العالمية فإن دخول السوق العقارية الآن أصبح أكثر صعوبة من أي وقت سابق حتى في ذروة فقاعة الأسعار العقارية. والسبب هو انعدام السيولة بسبب أزمة الائتمان العالمية. ولكن حتى مع محاولات حكومية لمساعدة العائلات الصغيرة، وتقديم شركات العقار بعض التسهيلات بهدف بيع العقارات الجديدة للقادمين الجدد إلى السوق، فإن الحركة في قطاع المدخل ما زالت بطيئة، خصوصا مع استمرار فترة الكساد.

وفي بريطانيا خصصت الحكومة موقعا إلكترونيا لتعريف الشباب بالفرص العقارية المتاحة لهم والتسهيلات التي تقدمها لهم الحكومة، كما يحدد الموقع الشروط المطلوبة للتقدم إلى المنح الخاصة المتاحة. ولا تشترط الحكومة البريطانية شراء عقارات جديدة من أجل تقديم تسهيلاتها بل تعرض المساعدة حتى على العقارات القديمة المتاحة من شركات التسويق. ومن ضمن البرامج التي تقدمها الحكومة لصغار السن الداخلين لسوق العقار للمرة الأولى برنامج التمويل الرخيص لنسبة من القرض العقاري تتراوح بين 15 و50 في المائة من قيمة القرض المطلوب.

وفي حالات وجود عقار جديد يمكن للمشتري الجديد أن يستأجر العقار بغرض الشراء، ولكن دون الالتزام بهذا الشراء في نهاية فترة تمتد إلى ثلاث سنوات. وفي نهاية الفترة يمكن للمستأجر أن يشترى حصة في العقار تبدأ من 25 في المائة تزيد كلما تحسن دخله، ويستمر في دفع الإيجار على النسبة المتبقية من العقار. وكان البرنامج في الماضي يسمى الملكية المشتركة، ولكن هذا الاسم تغير الآن إلى «درجات السلم العقاري» للدلالة على شراء العقار على مراحل وفق القدرة الشرائية.

ومع بداية فترة الكساد في العام الماضي قدمت الحكومة البريطانية تسهيلات ائتمانية مباشرة لهذا البرنامج قيمتها 400 مليون إسترليني، بالاتفاق مع 130 شركة بناء كبرى وافقت على دخول المبادرة بحجم تمويل مماثل. وتتوجه مثل هذه البرامج إلى محدودي الدخل الذين يقل دخلهم السنوي عن 60 ألف إسترليني. كما تسهم شركات خاصة بمزايا إضافية منها دفع الرسوم القانونية وأحيانا شراء المفروشات ضمن ثمن العقار.

من البرامج الأخرى المتاحة ما يقدمه صندوق اسمه «إنغلش بارتنرشيب» للمشترين الجدد بإتاحة فرصة شراء نصف العقار في البداية، مع عدم فرض أي رسوم أو إيجار على النصف الثاني لمدة أربع سنوات ثم يبدأ المشتري بعدها في دفع نسبة متزايدة من بقية العقار وفقا لظروفه المالية. وتقول الجهة المشرفة على المشروع إن الكثير من صغار السن القادمين للسوق حديثا لا يفكرون في التقدم لهذه البرامج على أساس أنها موجهة فقط إلى ذوي الدخل الصغير أو هؤلاء الذين يشغلون وظائف حيوية مثل المدرسين والممرضات ورجال الإطفاء والشرطة. ولكن الواقع أن البرامج مفتوحة للجميع ولا يشترط فيها إلا مستويات دخل تقل عن 60 ألف إسترليني سنويا، وهو شرط يعمّ قطاعات عريضة من الشباب. وكل ما على الراغبين في الاستفادة من هذه البرامج القيام به هو الاطلاع على المواقع الإلكترونية وطلب المعلومات.

من الفوائد الأخرى المستترة لمثل هذه البرامج أن الجهات الحكومية وشبه الحكومية المشاركة في التمويل تشترط بعض المعايير البيئية والمعيشية في العقارات التي تمولها والتي يجب لشركات العقار الالتزام بها، مثل حجم الغرف وعدد الحمامات وشروط التصميم. ولا تتقيد الشركات في العقارات الخاصة بهذه الشروط. ولذلك يمكن للمشتري عبر برامج المساعدة الحصول على عقارات أفضل من تلك التي يمكن الحصول عليها من السوق المفتوحة وبالتمويل التجاري. بل إن هناك بعض المشروعات الإسكانية كبيرة الحجم التي يباع نصفها تجاريا والنصف الآخر عبر البرامج المدعمة، وفي النهاية لا يمكن معرفة الفارق بين وسيلة للشراء لأن العقارات كلها متشابهة في النوعية وفي القيمة.

وتعتبر شركات العقار هذا الاختلاط جيدا للمحافظة على قيمة العقار، وعدم تكرار أخطاء الماضي عندما كانت تُخصَّص مبان بعينها للسكان الفقراء وذوي الدخل المحدود، مما أكسبها سمعة رديئة، حتى بعد أن اشتراها مستثمرون آخرون. وفي المشروعات المختلطة يدفع بعض السكان نسبة من الثمن ولذلك فهم يحافظون على صيانة العقار مثل الآخرين من ذوي الملكية المطلقة، كما أنهم يحرصون على زيادة حصتهم في هذه العقارات.

ولكن إذا كان اختيار العقار سهلا بالنسبة إلى المشترين الجدد فإن اختيار التمويل ليس كذلك. فعلى الرغم من الانخفاض القياسي في أسعار الفائدة الأساسية على العملات الرئيسية بما يتراوح بين ربع في المائة للدولار ونصف في المائة للإسترليني وواحد في المائة لليورو، فإن أسعار الفائدة المفروضة على القروض العقارية انفصلت بعد أزمة الائتمان عن أسعار الفائدة الأساسية. وتتراوح أسعار التمويل العقاري العالمية بين أربعة في المائة وستة في المائة، مع شروط تدبير نسبة كبيرة من مقدم الثمن أيضا.

وفي حالة الملكية المشتركة أو المتدرجة، فهناك قيود إضافية أيضا. فلا تشارك كل البنوك في مثل هذا التمويل ومن يشارك منها يفرض رسوما مرتفعة تصل إلى حدود سبعة في المائة. وتناشد جمعيات الإسكان في بريطانيا الحكومة لكي تتدخل بتقديم تسهيلات إضافية في مجال التمويل العقاري للمستهلك، وليس فقط مساعدة البنوك المتعثرة. ولأن بعض البنوك تدخل نطاق الملكية الحكومية الآن، فإن البعض ينتظر ضغطا من الحكومة كأكبر مساهم في البنوك لتقديم قروض ميسرة للجدد في مجال العقار.

ويقول سايمون ديفيد مدير مجموعة «دومنيون» العقارية في لندن إن البرامج المتاحة لا تقيد الموقع الإسكاني وتتيح فرصا في مواقع جيدة حتى في قلب لندن. فهناك مثلا مشروع مجمع «ويلتون بلازا» الفاخر الذي تعرض فيه الشقق بمبلغ 350 ألف إسترليني وتشترط البنوك دفع مقدم يبلغ حجمه 87 ألف إسترليني. ولكن عن طريق برامج الملكية المشتركة يمكن للمشتري أن يدفع مقدما لا يزيد عن 21 ألف إسترليني لكي يشتري حصة ربع شقة، مع دفع إيجار رمزي على الحصة الباقية.

وبالإضافة إلى البرامج الحكومية فإن شركات التطوير العقاري أيضا تقدم العديد من الحوافز للمشترين الجدد. وهي حوافز تتراوح بين هدايا رمزية مثل اشتراك مجاني في جيمنيزيوم، وتصل إلى إمكانية الإعفاء من الإيجار أو الفوائد عند شراء نسبة 75 في المائة من العقار مع تسهيلات معفاة لمدة عشر سنوات لشراء الحصة الباقية.

وتقول مصادر الاستشارة في السوق إن بعض العروض الخاصة لتسهيل شراء العقار للجدد في السوق تماثل البرامج الحكومية. ولكنهم ينصحون بقراءة تفاصيل التعاقد جيدا ومقارنة المتاح في السوق قبل التعاقد مع شركة بعينها. كما يجب حساب المزايا على المدى البعيد بغض النظر عن الحوافز المعروضة عند الشراء.

وتقدم معظم الشركات العقارية الكبرى حوافز للمشترين الجدد، ومنها شركة «بارات هومز» التي تقدم حوافز الشراء بلا مقدم ضمن برنامج اسمه «دريم ستارت». ويدفع المشترون ضمن هذا البرنامج أقساط القرض العقاري على نسبة 75 في المائة من العقار، وبلا فوائد أو إيجار على النسبة الباقية لمدة عشر سنوات. وهناك برامج آخر اسمه «هيد ستارت» يتيح شراء العقارات الجديدة مع دفع أقساط على نسبة 85 في المائة من الثمن وإرجاء النسبة الباقية حتى عشر سنوات بعد الشراء أو عند إعادة البيع.

وتقدم العديد من الشركات الأخرى برامج مماثلة، ومنها شركة تتيح استئجار العقار على أساس التجربة قبل الشراء، وإذا قرر المستأجر شراء العقار فإن الشركة تحسب له الإيجار الذي دفعه وكأنه مقدم لثمن البيع. وإذا أراد المشتري في بريطانيا مقارنة البرامج كافة التي تتيح حوافز للمشترين الجدد، فيمكن هذا من موقع إلكتروني واحد هو «smartnewhomes.com»، ويقدم هذا الموقع جميع البرامج والحوافز في جميع أنحاء بريطانيا على خريطة جغرافية مفصلة. وتظهر أبحاث الموقع أن هذه البرامج والحوافز تجذب أكبر نسبة من المشترين الجدد في السوق. ويقول مدير الموقع دافيد بيكسون إن أسعار السوق انخفضت بما فيه الكفاية لإثارة اهتمام المشترين، وإن الحوافز تحول الاهتمام إلى صفقات.

* حلول التمويل للمشتري الجديد: البداية بالاستشارة

* فيما يجد المشتري الجديد نفسه أمام غابة من الخيارات المالية الصعبة والأسئلة التي تحتاج إلى إجابات صحيحة، فإن خطوة البداية الصحيحة واضحة وهي استشارة خبير مالي. ويمكن لمثل هذا الخبير أن يقدم نصائح مجانية على أساس أن الشركات التي يتعامل معها تدفع له عمولته. ولكن يجب الحرص في التأكد أن الخبير يعمل لصالح المشتري لا لصالح الشركات. ويمكن التأكد من هذا بالاستعانة بأكثر من خبير.

وهناك الآلاف من عروض التمويل المتاحة في السوق من البنوك والشركات المالية لقروض متعددة لها شروط مختلفة. وبفضل الإنترنت يمكن الآن مقارنة العديد من هذه العروض واختيار الأفضل من بينها عبر مواقع متخصصة يتعرف منها المستثمر على عروض لم يكن يسمع بها من قبل. ولكن المواقع الإلكترونية لا تتفاوض مباشرة مع البنوك على تقديم عروض خاصة وهي تعرض المتاح وتترك الأمر للمستثمر لكي يكمل الإجراءات ويتعامل مع البنك بنفسه. أما الوسيط المالي فهو أحيانا يعثر على أفضل العروض بمفاوضات مباشرة مع البنوك، وهي عروض قد لا تكون متاحة على الإنترنت، كما أنه يقوم بإجراءات تقديم الطلبات ومتابعة الإجراءات كافة.

ولكن حتى في حالات استخدام الوسطاء، من الأفضل قضاء بعض الوقت من البحث على الإنترنت لمعرفة أرخص القروض المتاحة ومقارنة ذلك بما يمكن للوسيط أن يقدمه. ولا ينصح المستشارون بدفع أي أتعاب مقدما للوسيط حتى تتم الصفقة. كما يجب التأكد من أن الوسيط مستقل تماما عن البنوك التي يتعامل معها. ولا يطلب بعض الوسطاء دفع عمولات لأنهم يحصلون عليها من البنوك، كما أن بعضهم يعفي المقترض من العمولة في حالة شراء وثائق تأمين أو خدمات مالية أخرى.

أما عن أنواع القروض المتاحة فهي تنقسم إلى القروض ثابتة الفائدة لفترات تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات. وتسهم القروض ثابتة الفائدة في تسهيل التخطيط المالي وتحمي من ظروف ارتفاع أسعار الفائدة، وهي واردة خلال العامين المقبلين. ولكن البنوك لا تقدم حاليا قروضا ثابتة الفائدة ذات قيمة جيدة مرتبطة بسعر الفائدة الأساسي، وأفضل القروض قيمة في بريطانيا حاليا لا تقل فوائده الثابتة لمدة من سنتين إلى خمس سنوات عن أربعة إلى خمسة في المائة، مع عمولات كبيرة لتدبير القروض تحصل عليها البنوك مقدما.

ولكن البديل يمكن أن يكون في قروض متغيرة الفائدة مرتبطة بسعر الفائدة الأساسي، وهي الآن أقل في التكلفة من القروض ثابتة الفائدة. وهي تصلح لهؤلاء الذين يمكنهم تحمل زيادات طفيفة متوقعة في أسعار الفائدة. والحل الأمثل كما يراه الخبراء هو اختيار أفضل المتاح حاليا ولمدة عام على الأقل، على أمل أن تستقر أسعار القروض العقارية تتاح بعده أسعار أفضل للقروض ثابتة الفائدة عما هي عليه الآن.