هل تؤثر أزمة دبي على العقار البريطاني؟

وسط مخاوف من مبيعات فورية قد «تحرق» أسعار العقار التجاري

متاعب دبي قد تصل إلى التأثير على قطاع العقار البريطاني («الشرق الأوسط»)
TT

يخشى خبراء عقار في لندن أن تمتد آثار أزمة إعادة جدولة ديون شركة «دبي العالمية» إلى عقارات لندن، ويعتقد البعض منهم أن بعض العقارات الفاخرة والتاريخية المملوكة لشركات من دبي سوف تطرح قريبا للبيع القريب بأي ثمن الأمر الذي قد ينعكس سلبيا على مستوى الأسعار في السوق، خصوصا في القطاع التجاري وقطاع الإسكان الفاخر.

ورغم أن بعض العقارات المتميزة مثل «غراند» و«أديلفي» لن تتأثر بالبيع السريع ويمكنها أن تحقق قيمتها التي تبلغ نحو 400 مليون إسترليني تقريبا، فإن المخاوف تمتد إلى الكثير من مجمعات المكاتب في لندن المملوكة لشركات دبي التي يمكن أن تهبط في أسعارها خلال عام 2010 بمجرد شعور المتعاملين في السوق أن عمليات البيع اضطرارية مما يهدد الانتعاش الذي كان قطاع العقارات التجارية قد بدأ يشهده في الشهور الأخيرة.

ويزيد من تعقيد المشكلة أن ديون القطاع العقاري التجاري في بريطانيا، من مستثمرين آخرين يبلغ حجمها نحو 200 مليار إسترليني، ومعظمها ديون مستحقة خلال العام الجديد، من شأنها أن تعرض القطاع للخطر خصوصا لو ظهرت حالات عجز عن الإيفاء بالديون في مواعيدها على غرار وضع «دبي العالمية».

وذكر تقرير عقاري أصدرته شركة متخصصة اسمها «سي بي آر إي» أن قيمة الديون المشكوك فيها في هذا القطاع البريطاني لا تقل عن 79 مليار إسترليني. كما أضاف بحث آخر من بنك «إتش إس بي سي» أن 85 في المائة من القروض العقارية التجارية التي قدمتها البنوك في السنوات الخمس الأخيرة تقع ضمن دائرة الخطر، وتحتاج إلى قيمة عقارية لا تقل عن 132 مليار إسترليني لضمانها. وبناء على المعطيات المتوفرة في السوق حاليا يستقر الرأي على أن القطاع التجاري سوف يفقد 10 في المائة من قيمته خلال عام 2010.

وعلق الخبير ماثيو غريشام من شركة «هاتفيلد فيلييس» المتخصصة في إعادة جدولة الديون العقارية أن الأوضاع المتردية في السوق تهدد بموجة كساد في القطاع سوف تكون الثانية منذ عام 2007. وأضاف أن الأمور كانت تتجه إلى تحسن في القطاع التجاري حتى وقعت أزمة دبي التي أخذت السوق على غرة وأثارت مخاوف المستثمرين من وجود متعثرين آخرين لم يظهروا بعد.

هذا وتملك شركة «استثمار» التابعة لـ«دبي العالمية» كلا من عقارَي «غراند» و«أديلفي». وزادت المخاوف بعد الإعلان في الأسبوع الماضي عن بيع فندق أميركي مملوك للشركة نفسها في مزاد علني إيفاء لقرض من بنوك أميركية. ولم تعلن شركة «دبي العالمية» عن نيات بيع أي عقارات في بريطانيا ولكن مصادر السوق هنا تعتقد أن العقارات البريطانية تقع على قمة لائحة المبيعات المحتملة. وكانت شركة «استثمار» قد باعت عقارين تجاريين في لندن خلال الشهر الماضي بمبلغ عشرة ملايين إسترليني، بالإضافة إلى حصة في مشروع اسمه «غريت بورتلاند ايستيت».

ويؤكد عقاري آخر يعمل في شركة «نايت فرانك» اسمه جيمس لويس أن عقارات لندن تمثل الخطوة الأولى في تحقيق مبيعات سريعة لشركة «دبي العالمية» لأنها أكثر العقارات سيولة وسهولة في البيع، كما أنها تحقق أعلى العوائد في حالات البيع السريع. وأكد وكلاء بيع عقارات متميزة يعملون لصالح مستثمرين عالميين أنه لو عرضت الشركة الإماراتية عقاراتها البريطانية المتميزة للبيع «فلن تكون في بيعها خلال خمس دقائق صعوبة».

ويعزو كلايف بول من شركة «ويكفيلد» هذا الطلب الفوري إلى قوة الطلب العالمي على لندن التي يعتبرها المستثمرون الأجانب رخيصة نسبيا بالمقاييس التاريخية. وهو يؤكد أن كل عرض للبيع في العقارات المتميزة يقابله نحو عشرين طلبا جاهزا للشراء. وأحد نماذج العقارات الجيدة مبنى «غراند بلدنغ» في ميدان «ترافلغار سكوير»، وهو مبني تاريخي وبه مستأجرون من الدرجة الأولى ويتسابق على شرائه الكثير من كبار المستثمرين والصناديق السيادية. وهو يعد أحد المعالم العقارية في لندن.

وتعد لندن رخيصة الآن بسبب تراجع القيمة في قطاع العقار التجاري بنسبة 44 في المائة منذ عام 2007، بالإضافة إلى ضعف الجنيه الإسترليني إزاء العملات الرئيسية الأخرى. وتشهد السوق الكثير من المستثمرين الجدد بالإضافة إلى العرب والروس الذين تخصصوا منذ سنوات في هذه السوق. وأحد هؤلاء المستثمرين الجدد كوريا الجنوبية التي أنفق صندوق معاشات واحد فيها نحو مليار إسترليني على شراء العقار البريطاني في العام الماضي وحده.

يضاف إلى ذلك شركات وصناديق الاستثمار البريطانية التي تمتلئ خزائنها بالنقد السائل الذي أودعه مستثمرون محليون يبحثون عن فرص استثمار أفضل بدلا من عوائد البنوك المزرية. إحدى هذه الشركات تسمى «ليغال آند جنرال» قالت إنها تبحث عن فرص جدية في السوق البريطاني وتجد صعوبة في الحصول على أصول جيدة.

وقد يكون في هذا الوضع بعض التناقض بين الخوف من تراجع السوق ووجود مثل هذا الحجم من الطلب. ولكن الأوضاع الواقعية تشير إلى عدم رغبة البائعين في إتمام الصفقات في سوق متدنية الأسعار، وإن كانت تتحسن، وشعور البنوك بأن الكثير من المستثمرين يواجهون متاعب ائتمانية لا تعرف البنوك حجمها الحقيقي. وعلى هذه الخلفية كانت الأسعار تتحسن شهرا بعد شهر حتى وصلت إلى نسبة 1.6 في المائة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهي أعلى نسبة زيادة منذ أربع سنوات.

من ناحية أخرى تعترف بعض أوساط السوق أن مشكلة «دبي العالمية» وحدها ليست بالحجم الذي يؤثر على السوق البريطانية لأن ممتلكاتها العقارية في بريطانيا ليست بالحجم الكبير. ولكن تأثيرها المعنوي هو الأهم لأنها قد تكون الهزة التي تتهاوى معها أحجار الدومينو.

ويلخص الوضع روبرت وير رئيس شركة «كونيغار» التي استحوذت على عقارات تجارية حجمها 70 مليون إسترليني في الشهور الأخيرة، في أن هناك الكثير من المتاعب في السوق العقارية البريطانية التي لم تعلن بعد، وأن الأمور سوف تتجه إلى المزيد من التراجع قبل أن تتحسن. ولكنه أشار أيضا إلى وجود الفرص الجيدة للشركات التي تملك التمويل النقدي الفوري والمستعدة للتحرك السريع.

وترسم شركة عقارية أخرى اسمها «ماكس بروبرتي» صورة المستقبل القريب للسوق بأنها سوف تتأرجح بين الصعود والهبوط. فمن ناحية هناك الطلب العالي على العقارات الجيدة ومن ناحية أخرى ليس هناك طلب من الشركات على مساحات المكاتب، ولذلك فالإيجارات ما زالت متدنية، وهناك الكثير من العقارات المكتبية التي سوف تصل إلى السوق للبيع خلال فترة بداية العام الجديد. ولكنه من ناحية أخرى، لا يهول من حجم مشكلة «دبي العالمية» ويصفها بأنها «تخلف مؤقت» عن الوفاء بالديون وبحجم يمكن لعقارات بريطانيا أن تستوعبه بسهولة.

وتريد الوكالات العقارية المحافظة على مستوى الأسعار وعلى تحسنها حتى يمكنها أن تجري صفقات البيع بسهولة، ولذلك فهي تنزعج من أي أنباء تفيد بمتاعب مستثمرين أو تخلف في الوفاء بأقساط القروض العقارية. فمع زيادة المعروض من العقارات المتاحة للبيع القسري، يتراجع الطلب وتتأثر السوق سلبيا خصوصا مع ظهور شكوك في أن الأسعار تتجه نحو إلى المزيد من التراجع.

وبمعنى آخر يخشى خبراء السوق أن تكون متاعب «دبي العالمية» مجرد بداية لمتاعب حقيقية في السوق على نطاق أوسع. والمعاناة الأكبر في هذه الحالة سوف تكون للبنوك التي أقرضت بإسراف لشركات العقار في وقت الذروة، واكتشفت بعد ذلك عجز تلك الشركات عن الوفاء بالتزاماتها على غرار الشركة الإماراتية. ومن أكبر البنوك التي تستعد لهزة عقارية في القطاع التجاري «رويال بنك أوف سكوتلند» الذي أنقذته الحكومة البريطانية من السقوط في أزمة الائتمان الأولى قبل شهور. فهذا البنك هو الأكثر إقراضا في القطاع التجاري الذي فقد أكثر من 40 في المائة من قيمته خلال العام الماضي في أسواق بريطانيا وأميركا وأيرلندا وإسبانيا.

وتعد ديون شركة «دبي العالمية» هي قمة جبل الجليد المخفي تحت سطح الماء حيث لا تتعدى ديونها مبلغ ثمانية مليارات دولار، من جملة ديون عقارية تجارية على مستوى أوروبا وأميركا تزيد على 4900 مليار دولار. وهو حجم لا تستطيع معه الشركات المتورطة التخلص من ديونها بالبيع كما سبق وفعلت في بداية التسعينات لأن هذا معناه ببساطة انهيار السوق وخسارة الجميع. ومن ناحيتها تحاول البنوك إنقاذ الموقف بعدم التمسك بالسداد الفوري وإنما بمد المزيد من القروض في الحالات التي يمكن تسويتها بحيث تتماسك السوق وترتفع فيها القيمة مرة أخرى إلى مستويات يمكن بها خدمة الديون. ويخشى المحللون أن تكون البنوك مساهمة في تصعيد الأزمة بقروض جديدة سوف تصبح متعثرة، وبقيمة لا تقل عن 132 مليار دولار في بريطانيا وحدها، وهي نسبة تمثل نحو 27 في المائة من إجمالي الإقراض العقاري التجاري في بريطانيا.

وبلغ من حجم المشكلة أن بنك إنجلترا، وهو البنك المركزي، يراقب الوضع عن كثب وينصح البنوك بعدم إعادة تمويل القروض التي تزيد في قيمتها عن قيمة العقارات الضامنة لها. ويخشى البنك استمرار هذا الوضع وتأثيره على السوق ويأمل أن تتوصل الشركات إلى حلول لمشكلة السيولة لديها قبل حلول مواعيد سداد القروض، وإلا تحولت هي الأخرى إلى نماذج مماثلة لشركة «دبي العالمية». وفي حالة الشركة الإماراتية حلت مواعيد سداد القروض، التي تعتقد مصادر السوق أنها تفوق قيمة الأصول، مع عدم قدرة الشركة على السداد من ناحية وعدم رغبة البنوك في مد المزيد من التمويل من ناحية أخرى.

وهناك نماذج متعددة وكثيرة في أوروبا والولايات المتحدة لشركات متعثرة على غرار «دبي العالمية» وذلك بعد موجة انتعاش كانت القروض فيها تزداد بنسبة 38 في المائة سنويا. وخلال فترة الذروة العقارية ازدادت شهية الشركات للتوسع بالقروض، كما ازدادت أيضا رغبة البنوك في الإقراض حتى لا تفوتها فرصة الانتعاش العقاري. واستمر الانتعاش مع وجود المستثمرين الراغبين في دفع الأسعار المتصاعدة بعيدا عن أساسيات السوق من علاقة الثمن بقيمة الإيجار، وتكلفة البناء. ولكن الأمور تعقدت بعد أزمة الائتمان التي انتهت فيها لعبة الإقراض السهل، التي مدت البنوك خلالها القروض للمضاربين وليس فقط لشركات العقار وحدها. ومع تراجع القيمة في السوق وجدت البنوك المفرطة في الإقراض أنها مكشوفة لمخاطر غير محسوبة وغير مغطاة بأصول عقارية. واضطرت البنوك البريطانية المكشوفة في هذا القطاع إلى إلغاء قروض رديئة من حساباتها بقيمة 22 مليار إسترليني. وحولت بعض البنوك ديونا مشكوكا في تحصيلها، بحجم 39 مليار إسترليني، إلى الحكومة البريطانية التي تملك معظم أسهم البنوك شبه المؤممة. وقامت الحكومة من جانبها بإنقاذ البنوك وضخ السيولة لها لإنقاذها وإنقاذ القطاع العقاري من الانهيار في القيمة.