كأس العالم 2014 والألعاب الأولمبية 2016 ينعشان أسواق العقار في البرازيل

5% من 7 ملايين سائح يرغبون بشراء منزل في البلاد

TT

البرازيل.. البرازيل، سيتردد هذا الاسم ربما خلال سنوات قليلة كما يتردد اسم الصين والهند حاليا في عالم الاقتصاد والنمو أو ما يطلق عليه الاقتصادات الصاعدة والناهضة حول العالم. ولا ينطبق الأمر على الوضع الاقتصادي العام، بل على كثير من القطاعات المهمة خصوصا قطاعي السياحة والعقار اللذين يعتبران من أكبر القطاعات جاذبية للمستثمرين الأجانب الكبار والصغار على حد سواء. ولا عجب إذن - في ظل الفوضى والتناقضات الكثيرة الحاصلة في أسواق العقار الدولية هذه الأيام - أن تأتي الأخبار العقارية من جميع الجهات المحلية والدولية، أكثر إيجابية، وتعد بمستقبل زاهر على الصعيدين المحلي والاستثماري بشكل عام. وقد أكدت كثير من التقارير الهامة أن الرياضة أشعلت أسواق العقار في البلاد وخلقت طفرة جديدة وجذبت كثيرا من المستثمرين المحليين والأجانب وخصوصا مناسبتي استضافة البرازيل لكأس العالم في كرة القدم صيف 2014، والألعاب الأولمبية الصيفية 2016. ويتوقع أن تؤدي الطفرة الحالية في أسواق العقار بالترافق مع مشاريع ضخمة لتطوير البنى التحتية وارتفاع الطلب على العقار والمنازل على الصعيد الوطني، إلى تمتين أسواق العقار وتنميتها وتطويرها لسنوات كثيرة مقبلة. ولا بد هنا من ذكر أن هاتين المناسبتين ستعززان النمو الاقتصادي في البلاد على المدى القريب، خصوصا أن البرازيل ستكون أول بلد في أميركا اللاتينية يحتضن الألعاب الأولمبية الصيفية، وكان آخر مرة استضافت فيها أميركا اللاتينية كأس العالم، عام 1978 في الأرجنتين. ويقول أحد تقارير مؤشر غلوبال الدولي في هذا الإطار إن المطورين العقاريين شهدوا نموا كبيرا في المشاريع والمبيعات بين عامي 2006 و2008 أي قبل اشتداد وطأة الركود الاقتصادي العالمي. ويبدو أن الطفرة قبل كأس العالم والألعاب الأولمبية قد بدأت بارتفاع هائل في الطلب على العقارات من الطبقات المتوسطة الصغيرة والكبيرة وبعض أبناء الطبقة العاملة. وقد ساهم الركود العالمي كما يبدو في النصف الثاني من عام 2008 بتخفيف حدة الطفرة الناتجة عن هذا الطلب، لكن بعد الموافقة على استضافة مدينة ريو دي جنيرو الألعاب الأولمبية السياحية الشهيرة، عادت الطفرة أقوى من ذي قبل. ففي الربع الثالث من العام الماضي (2009)، ارتفعت أسعار العقارات الجديدة بنسبة لا تقل عن 25 في المائة عما كانت عليه في الربع الثالث من العام السابق عليه (2008). كما ارتفع عدد العقارات الجديدة بنسبة لا تقل عن 44 في المائة أي من 5.4 ألف وحدة سكنية إلى 7.8 ألف وحدة سكنية عما كانت عليه العام السابق حسب أرقام مؤسسة «سيريلا برازيل رياليتي» التي تعتبر أكبر المطورين العقاريين في البلاد.

وعلى هذا الأساس ارتفع معدل عدد المبيعات بنسبة 13 في المائة وعدد الوحدات المباعة بنسبة 28 في المائة.

وسجلت المؤسسة في الربع الأخير من العام الماضي أيضا ارتفاعا في قيمة العقود الموكلة إليها قبل المبيعات، حيث وصلت إلى أكثر من 916 مليون دولار أي نحو ثلاث مرات عما كانت عليه في نفس الفترة من العام السابق حيث كانت نحو 357 مليون دولار. وبالطبع لم تكن «سيريلا» وحدها المستفيدة من التطورات العقارية الإيجابية والهامة في الأسواق البرازيلية حاليا، إذ سجلت كثير من الشركات والمؤسسات المحلية والدولية ارتفاعا في عدد المشاريع والمبيعات والأسعار وعلى النمو العقاري بشكل عام كما تؤكد الأرقام الحكومية.

ولا يمكن الاستهانة بالتطور الحاصل في البرازيل حاليا، ودور الأسواق العقارية بالتحسن الاقتصادي أو الاستقرار والنمو الاقتصاديين اللذين تعيشهما البلاد. وقد بدأت القصة مع الرئيس لولا دي سلفا وإصلاحاته الاقتصادية المهمة التي اتخذها وأدت إلى ارتفاع معدلات الأجور على كثير من المستويات وتخفيض معدل البطالة. كما أدت هذا الإصلاحات إلى تطوير النظام المالي مما خلق نظاما ماليا جديدا خاصا بالإسكان والعقار يمكن من خلاله للعمال والموظفين الحصول على قرض عقاري. ولهذا السبب بالذات نما الاقتصاد البرازيلي خلال وجود لولا دي سلفا بنسبة لا تقل عن 4.7 في المائة بين عامي 2004 و2008. لكن العام الماضي لم يكن بالإمكان تحاشي الركود على الرغم من أن آثاره لا تزال ضئيلة. وقد انكمش الاقتصاد البرازيلي بنسبة 0.7 في المائة فقط ويتوقع أن يتعافى الاقتصاد هذا العام ويسجل نموا بنسبة 3.5 في المائة على الناتج المحلي الإجمالي.

فبعد إعادة انتخابه عام 2006 رصدت الحكومة البرازيلية ما لا يقل عن 236 مليار دولار للمشاريع الخاصة بتطوير البنى التحتية وقطاع الإسكان وحل مشكلاته وخصوصا سد النقص الهائل في عدد العقارات التي تحتاجها البلاد الذي يصل إلى نحو 7.5 مليون عقار. ولهذا أيضا أصبحت البرازيل في المرتبة الثانية من ناحية أفضل الأسعار في أميركا اللاتينية بعد المكسيك. إذ يصل معدل سعر المتر المربع في المكسيك 3.2 ألف دولار وفي البرازيل (الثانية) 2.2 ألف دولار، أما المرتبة الأخيرة فهي ألبيرو بـ944 دولار للمتر المربع الواحد. ويبدو أن مدينة ناتال عاصمة إقليم ريو غراندي دو نورتي التي تعتبر من المناطق العقارية المهمة للمستثمرين الأجانب في البرازيل من المدن التي ستستضيف بعض مباريات كأس العالم عام 2014 وستكون مسرحا لها. وستقام مناسبة اقتصادية خاصة في المدينة في مايو (أيار) المقبل برعاية «نورديست انفست» ولمدة ثلاثة أيام. ويتوقع أن يحضر المناسبة قطاعات كثيرة أهمها القطاع السياحي والعقاري وصناديق الاستثمار والتحوط والمطورون العقاريون بشكل عام. والمناسبة فعلا فرصة للمستثمرين الأجانب الراغبين بالاستثمار في البرازيل خصوصا قطاعي السياحة والعقار للتعرف على الواقع الجديد في البلاد وإمكانات الأسواق وحاجاتها. ومن شأن أدائها الاقتصادي الممتاز خلال السنوات القليلة خصوصا أيام الركود، أن يشجع المستثمرين الأجانب أكثر من أي وقت مضى على دخول الأسواق. وهناك سوق ضخمة في قطاع العقار يطلق عليها اسم سوق الطبقة المتوسطة؛ التي يرتفع لديها الطلب على العقار يوما بعد يوم خصوصا في مدينة ناتال التي يبلغ النقص العقاري فيها نحو 130 ألف وحدة سكنية. والأهم من هذا أن الحكومة رصدت ما لا يقل عن مليار دولار لتطوير البنى التحتية في المدينة لاستقطاب المستثمرين الأجانب. ومن القطاعات التي تعمل الحكومة على تحسينها وتطويرها الطرقات والفنادق والمواصلات العامة، وستبني في خطة طموحة أيضا في المدينة أكبر وأحدث مطار في أميركا اللاتينية حتى الآن الذي سيتمكن من استيعاب أربعين مليون مسافر سنويا بعد افتتاحه.

وستضم مناسبة «نورديست انفست» في المدينة حاليا عوضا عن الشركات العقارية المحلية الكبرى والصغرى، أكثر من 105 من المستثمرين العقاريين الدوليين من اثني عشرة دولة منها اليابان وأميركا وإسبانيا والأرجنتين وسنغافورة. وبالتالي ما قيمته نحو نصف مليار دولار من الأموال الاستثمارية. وذكرت بعض التقارير الأخرى والخاصة بالبرازيل وأوضاعها السياحية والعقارية أن التوقعات تشير إلى نمو متواصل لرياضة الغولف في البرازيل خلال السنوات المقبلة وبالتالي إلى نمو في القطاع العقاري المرافق لهذه الرياضة الغنية والمتنامية. ويبدو حسب الأرقام الأخيرة أن كثيرا من الناس يربطون بين لعبة الغولف وامتلاك منزل للعطلات في البرازيل. ويتوقع أن تتلقى الرياضة كثيرا من الاهتمام الاستثماري قبل بدء الألعاب الأولمبية عام 2016 خصوصا في المدن الكبرى التي توجد فيها ملاعب ممتازة ومعروفة مثل باهية وريو دي جنيرو وساو باولو. وينشط البريطانيون على هذا الصعيد كما يبدو سواء كانوا من إنجلترا أو اسكوتلندا أو أيرلندا. ويتوقع أن يتم تصميم ملاعب الغولف الخاصة بألعاب ريو الأولمبية من قبل نخبة من الأسماء المهمة في تاريخ اللعبة مثل جاك نيكولاس ارنولد بالمار وغريغ نورمان. وأكدت بعض التقارير الحكومية والخاصة أيضا أن قطاع الإيجار - وعلى خلفية النمو العقاري ونمو الطلب - يشهد نموا ملحوظا. ويبدو أن ارتفاع عدد العقارات المخصصة لقطاع الإيجار جاء استجابة للطلب المحلي وارتفاع الطلب الخارجي أي ارتفاع عدد السياح بشكل كبير في كثير من مناطق البلاد. كما أن هناك عائدات ربحية ممتازة في قطاع الإيجار في البرازيل هذه الأيام مما يجذب كثيرا من المستثمرين الأجانب خصوصا الأوروبيين والبريطانيين منهم. وتؤكد مؤسسة «لونلي بلانيت» المعروفة أن مستقبل السياحة في البلاد على المدى القريب ممتاز وآفاق النمو عالية ولم يعد المستثمرون كما في السابق يركزون على ريو دي جنيرو بل أصبحوا يقصدون كثيرا من المدن والمناطق الأخرى كساو باولو التي تعتبر من أهم المراكز البرازيلية التقليدية التي تشهد نشاطات ثقافية محلية ودولية على الدوام. وبالإضافة إلى ساو باولو، يقصد السياح والمسثمرون في قطاع السياحة والعقار التابع لها هذه الأيام منطقة ايغواسو الحدودية مع الأرجنتين، أي في القسم الشمالي الشرقي من البلاد. ويمكن أن يستفيد المستثمرون جيدا من هذه التطورات البرازيلية خصوصا على الصعيد السياحي في الاستثمار العقاري وتتوقع بعض المؤسسات الدولية أن تشهد البرازيل طفرة سياحية خلال السنوات المقبلة، إذا ما تواصلت الإصلاحات الاقتصادية وتواصل النمو والاستقرار السياسيان. والأمر ينطبق على كثير من دول أميركا اللاتينية كما يبدو مع ارتفاع عدد السياح سنويا وارتفاع عدد الفنادق والعقارات الخدماتية والمنتجعات والمراكز التجارية المرافقة. فخمسة في المائة على الأقل من كل سبعة ملايين سائح يزور البرازيل سنويا يرغبون بشراء منزل ثان في البرازيل كما تشير الإحصاءات الحكومية الأخيرة. ومع هذا لا بد من أن نذكر هنا أن نسبة المستثمرين الأجانب لا تزال قليلة جدا من نسبة المستثمرين المحليين رغم أنه بعد الإصلاحات الحكومية صار بإمكان الأجنبي التملك في البلاد من دون عقبات، باستثناء ربما بعض المناطق الحدودية والساحلية المعنية بالأمن الوطني. على أي حال، فبعد أن تغير وضع القروض العقارية وشعور المصارف والبنوك بالأمان وتحرير السوق وتوسعها نسبيا، ساهم ذلك في إنعاش الأسواق العقارية وحركة البناء وأصبحت الفترة الزمنية الخاصة بهذه القروض تصل إلى 30 سنة بدلا من 12 سنة أو 15 سنة كما كان معظمها في السابق. وتتراوح معدلات الفائدة التي تفرضها البنوك على القروض العقارية بين 12 و13 في المائة بعدما كانت عام 2005 لا تقل عن 16 في المائة. وهي تواصل تراجعا مع ارتفاع النمو العام. وتقدم المؤسسات الإسكانية الحكومية قروضا لمدة 30 سنة بمعدل فائدة يصل إلى 12 في المائة. ولا تزال نسبة قيمة القروض من الناتج المحلي الإجمالي قليلة نسبيا ولا تتعدى 2.2 في المائة أي ما قيمته 28 مليار دولار. وكانت هذه النسبة عام 2005 لا تقل عن 1.4 في المائة عام 2005 وكانت قيمتها لا تتعدى 13 مليار دولار تقريبا حسب إحصاءات 2008.