لبنان يشهد طفرة عقارية جديدة بسبب الهدوء الأمني والنمو الاقتصادي

الأسعار ترتفع بنسبة 40% في النصف الثاني من عام 2009

TT

عاد لبنان عقاريا خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى الواجهة، إذ تعرضت له الكثير من تقارير المؤسسات العقارية الدولية والمحلية، مثل بنك عودة و«ليبانون أوبورتشونيتيز»، خصوصا الطفرة العقارية الثانية التي تشهدها البلاد وبشكل خاص في العاصمة بيروت وللمرة الثانية منذ ثلاث سنوات. وقد تساءلت «غلوبال بارابارتي»، التي أفردت تقريرا موسعا عن الطفرة الأخيرة، عما إذا كان لبنان قادرا من الناحية الاقتصادية والأمنية على الحفاظ على نمو الأسعار والطفرات التي تحصل. وأكدت «غلوبال» أن الطفرة التي شهدتها البلاد العام الماضي (2009) جاءت على خلفية الطلب العالي أو ارتفاع الطلب على العقارات في لبنان بعد التطورات السياسية والمالية الكثيرة والأخيرة في الخليج خصوصا دبي واليمن. ويأتي هذا الطلب في معظمه، كما يبدو من المهاجرين اللبنانيين في الخارج والأغنياء والمستثمرين العرب من دول الخليج الذين حولوا الكثير من الأموال في الفترة الأخيرة، لهذه الغاية. وأكدت الأرقام المأخوذة عن بنك عودة ومؤسسة «رامكو»، أن معدل سعر العقار السكني في وسط العاصمة بيروت ارتفع في النصف الثاني من العام الماضي بنسبة لا تقل عن 40.7 في المائة (37.4 في المائة بعد حساب التضخم)، أي ما يساوي 6000 دولار للمتر المربع الواحد، نسبة إلى ما كان عليه في الفترة نفسها من عام (2008). ويبدو أن النشاط العقاري والإنشائي المكثف وكثرة المشاريع في الربع الأول من العام الماضي عززا من سمعة لبنان وقوة أسواقه خلال الركود العالمي، وساهما في جذب المزيد من المستثمرين العرب واللبنانيين. إذ لم يتأثر النظام المصرفي في لبنان أيضا كثيرا بأزمة الائتمان الدولية والركود الاقتصادي، إذ يمنع هذا النظام كما هو معروف التعامل بالقروض العالية المخاطر (ارتفع نشاطه عام 2008 بنسبة 20 في المائة وهي الأعلى في المنطقة حسب أرقام بنك عودة - أي ما يساوي 15.6 مليار دولار في سبتمبر (أيلول) 2009). وتأتي هذه الزيادة على الأسعار على خلفية الزيادة أو الارتفاع الذي حصل العام السابق وبعد اتفاق الدوحة بين الأطراف اللبنانيين (مايو (أيار) عام 2008) الذي أعقب الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل صيف 2006، ووصلت نسبة الارتفاع على الأسعار السنة الماضية حسب الأرقام الأخيرة إلى 26.8 في المائة. ولم تتراجع أيام الحرب إلا بنسبة 7.5 في المائة، تبعها تراجع آخر عام 2007 بنسبة أقل وصلت إلى 6.2 في المائة.

وحسب الأرقام التي نشرتها المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات عام 2008، فإن مواطني الإمارات العربية المتحدة يشكلون نحو 42 في المائة من المستثمرين العرب في لبنان، وقد وصلت قيمة الاستثمارات آنذاك إلى نحو 1.1 مليار دولار. وأكدت مؤسسة «رامكو» (Ramco Real Estate)، فإن أسعار العقارات في وسط العاصمة بيروت لا تزال أعلى بنسبة 33 في المائة عن أسعار المناطق المجاورة لها في المدينة، وهي تواصل ارتفاعها السنوي بنسبة لا تقل عن 24 في المائة. وحتى في المناطق التي تعتبر فاخرة وممتازة وساخنة من الناحية العقارية في بيروت مثل منطقة فردان والروشة وعين المريسة وراس بيروت قريطم وغيرها، فإن أسعار العرض لا تزال ترتفع أيضا، ويتراوح سعر المتر المربع حاليا بين 3500 دولار و4000 دولار. ولا تشير الأرقام الأخيرة كما ذكرنا إلى تأثير الركود العالمي على الأسواق بشكل كبير باستثناء قطاع العقارات الدنيا أو الرخيصة الموجهة للطبقات المتوسطة والفقيرة، حيث تراجعت الأسعار كما يشير بنك عودة بنسبة تتراوح بين 10 و15 في المائة، بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء وبالتحديد الإسمنت.

وتشير أرقام هيئة تسجيل الأراضي التي ركزت عليها مؤسسة «ليبانون أوبورتشونيتيز» إلى أن عام 2008 كان حجم المبيعات العقارية فيه أكثر من العام السابق (2007) بنسبة 54 في المائة، أي ما يساوي 6.48 مليار دولار. ووصل عدد الصفقات عام 2008 أيضا إلى 167 ألف صفقة، بارتفاع نسبته 8.4 في المائة عن عام 2007. واستحوذت بيروت العاصمة على نحو 53 في المائة من عدد الصفقات، وجاءت بعدها منطقة المتن بنسبة 20 في المائة تقريبا، تلاها منطقة كسروان بنسبة 12 في المائة. أما الشمال فلم يستحوذ إلا على نحو 7 في المائة من عدد الصفقات، وجاء الجنوب في المؤخرة بنسبة 6 في المائة تقريبا.

كما تؤكد الأرقام التي نشرها بنك لبنان عن سوق القروض العقارية، على حداثته، أن نسبته من الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت عام 2008 لتصل إلى 6 في المائة، وقد ارتفعت هذه القروض نفسها بنسبة لا تقل عن 34 في المائة نسبة إلى ما كانت عليه عام 2007. وقد تعدت قيمتها 1.7 مليار دولار. وأشار البنك أيضا إلى أن النمو الاقتصادي في لبنان عام 2008 كان الأعلى منذ أكثر من 15 عاما، أي منذ عام 1993، حيث وصلت نسبته إلى 8.5 في المائة، ويتوقع ألا تقل نسبة النمو للعام الماضي عن 6 في المائة. ورغم هذا التراجع فإن الاقتصاد اللبناني يتقدم إلى الأمام على عكس التيار وما حصل لدول العالم إثر الركود. ولذا تتوقع الكثير من المؤسسات المالية والعقارية الدولية والمحلية أن يتواصل هذا النمو ويتواصل الارتفاع على الأسعار والنشاط العقاري في لبنان خلال السنة الحالية السنة المقبل إذا ما حصلت أي تطورات أمنية على الأرض. وحسب أرقام وزارة السياحة أيضا فإن عدد السياح في البلاد قد ارتفع في الربع الأول من العام الماضي بنسبة 61 في المائة عما كان عليه في الربع الأول من عام 2008 - بأكثر من 761 ألف سائح - وكان العدد قد ارتفع أيضا عن عام 2007 من أكثر من مليون سائح إلى 1.3 مليون عام 2008. ويعتبر هذا القطاع من القطاعات الاقتصادية الرئيسية في لبنان، إذ يستحوذ على 67 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويرتبط ارتباطا جوهريا بأسواق العقار والترفيه وخصوصا قطاع الفنادق والشقق والعقارات الفاخرة. ومن شأن هذا الارتفاع على عدد السياح زيادة الطلب على العقارات العادية والفاخرة في البلاد، وزيادة الطلب على غرف الفنادق، وبالتالي زيادة عدد المشاريع البناء والتطوير. ولا يزال لبنان في المرتبة الثالثة في المنطقة من ناحية معدل سعر المتر المربع، بعد إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. ويأتي بعده حسبما يؤكد مؤشر «غلوبال»، المغرب والأردن ومصر. ويصل معدل سعر المتر المربع في إسرائيل إلى 5.7 ألف دولار، والإمارات 5.2 ألف دولار، أما لبنان فيصل إلى 2.8 ألف دولار.

ومن المشاريع العقارية المهمة التي يشهدها لبنان حاليا، ذكرت «غلوبال» مشروع «بيت مسك» الذي تصل قيمته إلى 800 مليون دولار. ويتخذ المشروع الذي يتوقع أن يؤمن السكن لأكثر من 15 ألف شخص شمال منطقة المتن الجبلية موقعا له. وعندما أعلن عنه في منتصف العام الماضي، أكد المسؤولون أنه يتوزع على مساحة 655 ألف متر مربع، وسيؤمن الفيلات والشقق السكنية والبانتهاوس، بالإضافة إلى النوادي والخدمات والحدائق والمراكز التجارية ومواقف السيارات وغيره. وتم بيع 32 في المائة من العقارات المفترض العمل بها منذ يوليو (تموز) العام الماضي، ويصل معدل سعر المتر المربع في الشقق السكنية إلى نحو 1.6 ألف دولار، أما في عقارات البانتهاوس فيصل إلى 2.1 ألف دولار. ويجري الحديث أيضا عن «برجي بيروت» أو «بيروت تاورز» الذي تصل تكلفته إلى 125 مليون دولار. وتقوم بالمشروع العقاري الفاخر الذي يتواصل العمل عليه، مؤسسة «بلاس برابارتيز» التي تعتبر من المستثمرين العقاريين في دبي. ويشمل المشروع برجين سكنيين بطول 23 طابقا، تضم الاستوديوهات والشقق السكنية وغيره من شتى أنواع الشقق المطلوبة في الأسواق وتؤمن خدمات حديثة. كما يجري الحديث أيضا عن مشروع «فينوس» الذي تقوم بتنفيذه شركة «فينوس للتطوير العقاري» في منطقة مارينا في السوليدير. وتصل تكلفة المشروع الذي ينتشر على مساحة 7.5 ألف متر مربع. وسيكون المشروع محاطا بالحدائق ومناطق العدو وملاعب الأطفال. ويضم المشروع الضخم أيضا ثلاثة أبراج سكنية فاخرة بالطبع كما هو حال الكثير من المشاريع على الواجهة البحرية للمدينة والقريبة من وسطها. البرج الأول يكون بارتفاع 30 طابقا، أما الثاني فبارتفاع 26 طابقا والثالث بـ20 طابقا.

وتتراوح مساحات الشقق في الأبراج بين 250 مترا مربعا و650 مترا مربعا، وتضم بعض الأبراج برك السباحة وغرف التمارين الرياضية ومراقب لسيارات الزوار ومناطق تجارية. ويصعب الحديث عن المشاريع العقارية المهمة في لبنان وبيروت العاصمة بالطبع من دون الحديث عن مشروع «ساما» الذي أعلن إطلاقه في أغسطس (آب) العام الماضي (2009) من قبل شركة «أنطونيوس بروجاكتس». والمشروع الضخم عبارة عن برج متعدد الخدمات بارتفاع 50 طابقا في منطقة الأشرفية القريبة من الوسط التجاري. وعلى هذا الأساس وإذا ما تم الانتهاء من العمل في البرج عام 2014 كما هو مقرر فإن البرج سيكون أعلى مبنى في لبنان وبارتفاع 200 متر. ويؤمن المشروع الضخم بالإضافة إلى المكاتب الشقق السكنية التي تتراوح مساحتها بين 300 متر و1500 متر والمحلات والمراكز الترفيهية والتجارية.