انتعاش نسبي يعيد النشاط إلى العقار الفرنسي

فرنسا الأفضل أوروبيا في نوعية المعيشة

العقارات الفرنسية تقدم قيمة مستقرة وأسلوب حياة مميزا («الشرق الأوسط»)
TT

في الربع الأخير من العام الماضي استقرت أسعار العقار الفرنسي عند مستويات ما زالت تقل عما كانت عليه في العام الماضي، ولكن فرنسا حافظت على مركزها الأول كأفضل دولة أوروبية في نوعية المعيشة للعام الخامس على التوالي. وفي مناطق ساخنة مثل المدن الفرنسية الكبرى والعاصمة باريس، بدأت الأسعار تتماسك وترتفع، وسجلت عدة شركات عقارية عددا من الاستفسارات الجديدة عن العقارات المتاحة في السوق. هذه العوامل مجتمعة كانت من أبرز أسباب عودة البعض إلى الاستثمار في العقار الفرنسي لأنه يقدم فرصة جيدة في المحافظة على رأس المال وزيادته.

ووفقا لأحدث الأبحاث الأوروبية عن نوعية المعيشة التي تعتمد على عدد من العوامل مثل تكاليف المعيشة ومعدلات الجريمة والمناخ والبنية التحتية والخدمات الصحية، تألقت فرنسا في المقدمة للعام الخامس على التوالي على رغم أن التقرير ذكر مساوئ البيروقراطية الفرنسية. وكان الرأي السائد هو أن فرنسا تقدم أفضل أسلوب للحياة العصرية في أوروبا. وتشمل مزايا أسلوب الحياة الفرنسي تخصيص وقت طويل لتناول الغداء، والتواصل مع العائلة والأصدقاء، ومتعة التجول في باريس أو في الريف الفرنسي.

ويشير التقرير نفسه إلى أن أسعار العقار في الريف الفرنسي حاليا تعد في أفضل حالاتها من حيث القيمة، حيث توجد منازل ريفية جيدة بأقل من 150 ألف يورو. ويمكن اختيار العقار في الموقع الفرنسي الملائم لأسلوب الحياة المطلوب بين الريف وباريس وعدد من المناطق الساحلية مثل بيرانيس وكوت دازور، وحتى جزيرة كورسيكا.

وفي المركز الثاني جاءت أستراليا وبعدها سويسرا ثم ألمانيا. أما بريطانيا فقد تقهقرت إلى المركز 25، وتسبقها في ذلك إسبانيا التي جاءت في المركز 17. ويعد هذا الترتيب المتقدم لفرنسا من أكبر حوافز شراء العقارات فيها سواء للاستثمار أو المعيشة الدائمة أو الموسمية. كما أن الاستقرار الاقتصادي فيها من حيث القيمة ومستوى الأسعار يتفوق كثيرا على الأسواق الناشئة التي جذبت كثيرا من الاستثمار العقاري أثناء فترة الطفرة، لكنها لم تقدم القيمة التي توقعها المستثمرون فيها، فكانت من أول المناطق التي عانت تراجع الأسعار وأكثرها تأثرا.

ولم تتعرض فرنسا للانتقادات التي تعرضت لها إسبانيا من حيث التطوير المكثف للعقار وتذبذب الأسعار، وتهدف الحكومة الفرنسية إلى تسهيل خطوات شراء وملكية العقار في فرنسا للمواطنين الفرنسيين، وهي إجراءات يستفيد منها المستثمر الأجنبي أيضا. ويجري العمل أيضا على إلغاء الروتين الذي يعرقل الاستثمار العقاري.

ولعل العامل السلبي الوحيد في العقار الفرنسي هو ارتفاع سعر اليورو إزاء الدولار والإسترليني، الأمر الذي يجعل شراء العقارات الفرنسية باهظة حتى مع انخفاض ثمنها نسبيا. ولكن على المستثمر أن يتذكر أن عوائد العقار وقيمة بيعه سوف تكون أيضا باليورو.

والأمر المشجع في العقار الفرنسي أن نسبة التراجع أثناء الأزمة الاقتصادية لم تزد عن 2.5 في المائة في المتوسط، أي أقل بعدة أضعاف مما أصاب أسواقا أوروبية أخرى. وبالمقارنة مع بريطانيا، خرجت فرنسا من حالة الكساد خلال النصف الثاني من العام الماضي، بينما بالكاد خرجت بريطانيا لتوها من الكساد وبنسبة ضئيلة لا تتعدى 0.1 في المائة. ويضيف الخبراء عوامل أخرى مشجعة للاستثمار العقاري الفرنسي أهمها:

لا ينظر الفرنسيون إلى العقار على أنه استثمار بهدف الربح، كما هو الحال في الدول الأوروبية الأخرى، ولذلك لا توجد عمليات مضاربة ومنافسة على شراء العقار، مثلما هو الحال في بريطانيا مثلا. ويعزز هذا التوجه استقرار السوق وتماسكه.

ظلت الأسعار مستقرة في فرنسا خلال أسوء فترات الركود والكساد بخلاف أسعار العقار البريطاني مثلا. ويدل هذا على الصحة الجيدة التي يتمتع بها سوق العقار الفرنسي.

تطلب البنوك الفرنسية نسبة 25 في المائة على الأقل للإقراض العقاري، ويفرز هذا التوجه هؤلاء الذين يستطيعون الاستثمار العقاري عن هؤلاء الذين لا يملكون رأس المال الكافي.

لم تقامر البنوك الفرنسية على فقاعة العقار الأميركية وهي تتوجه أكثر إلى السوق الفرنسي المستقر، ولذلك يستمد العقار الفرنسي استقراره من استقرار القطاع المصرفي الفرنسي أيضا.

هناك لوائح وقوانين تحكم الاستثمار العقاري الفرنسي، والمشترون فيه يتحملون مسؤولية العقار، وهم بالتأكيد ليسوا مضاربين مثل مستثمري العقار في مواقع أخرى.

تتوجه معظم الاستثمارات العقارية الفرنسية نحو الملكية من أجل الإقامة طويلة الأجل، مما يزيد من استقرار الأسواق ويعزز قيمتها على المدى الطويل.

تراجعت المبيعات العقارية الفرنسية في العام الأخير بنسبة 34 في المائة بسبب عزوف المستثمرين الأجانب، ويضع هذا المشتري الأجنبي في موقف قوي من أجل التفاوض للحصول على أفضل الشروط. ويعم هذا الموقف معظم المناطق الفرنسية باستثناء قلب باريس ومناطق في المدن الجنوبية التي ينتظر المستثمرون فيها ظهور عقارات للبيع في السوق.

وفي باريس بدأت بوادر الانتعاش بالفعل وفقا لشركات العقار العاملة في أحياء وسط العاصمة. وفي منطقة تسمى «المثلث الذهبي» بجوار الشانزلزيه بيعت مؤخرا شقة علوية مساحتها 300 متر مربع بمبلغ ستة ملايين يورو لمصرفي فرنسي عائد من لندن. وبيعت شقة أخرى أصغر منها حجما بأربعة ملايين يورو، في صفقتين سريعتين في بداية هذا العام أعادا روح الانتعاش لباريس مرة أخرى.

وتقول شركات العقار التي نفذت هاتين الصفقتين: إن التوجهات التي ظهرت في سوق العقار الباريسي في الشهور الأخيرة مشجعة حيث انخفضت الأسعار في العام الماضي بنسبة 10 إلى 15 في المائة، كما عاد إلى السوق المشتري الفرنسي بعد أن هجر العاصمة للأجانب لسنوات طويلة. ولاحظت الشركات أن العقارات المعروضة لا تبقى كثيرا في السوق وتجتذب أكثر من مشتر في الوقت نفسه. وكانت الأسعار قد ارتفعت في باريس، مثلما كان الحال أثناء الطفرة في عدد من الأسواق الأخرى. وفي باريس كان الارتفاع قويا بثلاثة أضعاف خلال عشر سنوات. ولكن التباطؤ بدأ في النصف الثاني من العام الماضي، وإن كانت الأسعار حافظت على معظم مكاسبها. ولم يتراجع متوسط السعر في باريس إلا بنسبة 1.9 في المائة، إلى 6500 يورو للمتر المربع، أو 650 ألف يورو للشقة متوسطة الحجم. ولكن الانخفاض الكبير كان في عدد الصفقات الذي تراجع بنسبة 23 في المائة للعقارات القديمة و25 في المائة للجديدة.

وفي بعض الأحياء الراقية في مركز المدينة استمرت الأسعار في الارتفاع بلا هوادة طوال فترة الركود. وارتفعت الأسعار في الحي السادس بنسبة 4.2 في المائة منذ عام 2007 كما كانت الزيادة بنسبة 6.7 في المائة في الحي الخامس. وكانت أسباب هذا النمو أن المشتري في باريس يرغب في الموقع الجيد والمشاهد الخارجية. ويعرف المشتري الفرنسي أنه بشراء العقار الباريسي يشتري سلعة نادرة لأن باريس تختلف عن لندن أو نيويورك في أن البناء الجديد فيها شبه مستحيل بسبب قيود البلدية.

ولكن الأمور تختلف قليلا في الضواحي القريبة من باريس التي اعترفت شركات العقار أن أسعارها انخفضت قليلا في العام الأخير من متوسط 15 ألف يورو للمتر المربع إلى 13 ألف يورو فقط. ويعزو مديرو شركات العقار في باريس تماسك السوق إلى عدم وجود نسبة ديون تذكر على العقارات. فالمستثمر الفرنسي لا يشتري العقار كاستثمار ولا يبيعه مضطرا، وفي بعض الأحياء تقتصر المبيعات على حالات الإرث أو الانتقال إلى عقارات أصغر أو أكبر حجما.

ويتنافس على السوق الفرنسي حاليا مجموعة من المستثمرين الأجانب على رأسهم مستثمرو الشرق الأوسط، يليهم مستثمرون من أميركا اللاتينية وإيطاليا. ولكن الروس والأميركيين والبريطانيين تراجعوا عن الاستثمار في السوق الفرنسية ربما لأسباب تتعلق بضعف الدولار والإسترليني إزاء اليورو.

ويتكرر مشهد سوق العقار الباريسي على الساحل الجنوبي في منطقة كوت دازور التي توفر أسلوب المعيشة الفرنسي في مناخ دافئ وخلاب يطل على البحر المتوسط مع خلفية من التلال الخضراء. وطالما جذبت هذه المنطقة عبر السنين أجيالا من الأثرياء سواء من الفرنسيين أو من الأجانب. ويحتفظ الأثرياء الأجانب بفيلا في سان تروبيه وشقة في باريس إلى جانب العقار الرئيسي الذي يقيمون فيه سواء في أوروبا أو في موطنهم الأصلي.

وفي مدينة سان تروبيه، التي تمنع قوانين العقار فيها بناء المزيد من العقارات في التلال الخضراء المحيطة بالمدينة، تكتسب الأسعار هوامش إضافية سنويا مهما كانت أحوال السوق. ويعيش في المدينة عدد كبير من الأثرياء الفرنسيين والأجانب، ويتحدد سعر الفلل في المدينة بالموقع والمناظر التي تطل عليها وقربها من الساحل. ويقول جوناثان غراي مدير شركة بوشومب العقارية في المنطقة: إن أسعار العقارات النادرة التي تطل على البحر مباشرة ارتفعت من ثلاثة إلى خمسة أضعاف منذ عام 2004، وهي مستمرة في الزيادة.

أحد العقارات المعروضة للبيع في سان تروبيه حاليا تسوقه شركة إيميل غارسين بمبلغ عشرة ملايين يورو، وهو يقع على الشاطئ بمرسى خاص على مساحة 3500 متر من الأراضي ومبني على مساحة 270 مترا مربعا. ولكن خارج نطاق المدينة بدأت الأسعار تتراجع قليلا في موجة تصحيح طال انتظارها، بعد خمس سنوات ظل معدل الارتفاع السنوي خلالها يقفز بمعدلات 15 في المائة سنويا. وتعتقد الشركات أن السوق حاليا هي سوق مشترين حيث يستغرق المشترون وقتا طويلا في فحص العقار وموقعه ومزاياه قبل الاتفاق على الشراء. ويقبل المشترون على المواقع التقليدية في سان تروبيه وانتيب وكان.

ويتأقلم البائعون مع هذه المتغيرات حيث كانوا في الماضي يبالغون في الأسعار المعروضة. وفي حين كان البائع لعقار استثنائي يطلب مثلا 30 مليون يورو وهو يتوقع أن يحصل على 20 مليون يورو فقط. فهو الآن لا يطلب أكثر من 22 مليون يورو إذا كان يريد البيع بسعر 20 مليونا.

وكما هو الحال في باريس فإن معظم المبيعات تتوجه إلى مشترين فرنسيين يبحثون عن ملاجئ آمنة لاستثماراتهم بعد تراجع عوائد البنوك وبعد خروجهم من البورصة.

* نصائح عملية للمشتري في فرنسا

* إذا لم تتم الصفقة في موعدها يفقد المشتري المقدم الذي دفعه!

* هناك عدد من مواقع بيع العقار الفرنسي على الإنترنت وكثير من الشركات التي تسوق ما تعتقد أنها فرص عقارية ثمينة للمستثمر الأجنبي. ولكن على المستثمر أن يدرس السوق أولا وأن يستمع إلى نصائح غيره من المستثمرين قبل الإقبال على قرار الشراء. من هذه النصائح التي توجه للمستثمر:

لا بد من فهم خطوات بيع العقار في فرنسا التي تختلف فيها عن أي مكان آخر.

تطبق قوانين مختلفة على أنواع العقارات المختلفة، فشراء فيلا غير شراء مزرعة.

لا بد من التأكد من عضوية شركة العقار في هيئة عقارية فرنسية ولا بد من الاجتماع بمندوبي الشركة في مكاتب الشركة.

من الممكن أن يفقد المشتري المقدم الذي دفعه عند التعاقد إذا لم يتمم صفقة الشراء في الوقت المحدد لها.

تصبح الصفقة نافذة المفعول في أوائل خطوات الشراء، ولذلك لا توجد مشكلة في فرنسا لمستثمر ثالث يدخل على الخط لخطف الصفقة، كما يمكن أن يحدث في بريطانيا.

يطلب القانون الفرنسي تقارير عن كل عقار بما يحتويه من مواد معينة مثل الإسبستوس والرصاص، وعما إذا كان يعاني مشكلات هيكلية.

لا يمكن لمالك العقار أن يوصي بعقاره لمن يشاء في وصيته. فالأمر يتبع القانون الفرنسي بالنسبة للورثة الشرعيين.

تصل تكاليف الشراء في المتوسط إلى نسبة 7.5 في المائة من ثمن الشراء.

تختلف شروط تطوير العقار من مجلس محلي لآخر ولا بد من الاستشارة القانونية قبل إجراء أي تعديلات على العقار بعد الشراء.