توقعات بارتفاع في أسعار العقارات يصل إلى 20% بماليزيا العام الحالي

مع انتعاش الأسواق بفعل تحسن ملحوظ في نمو الاقتصاد

تحسن الوضع الاقتصادي في ماليزيا أعاد الانتعاش إلى قطاع العقارات
TT

لا تعتبر ماليزيا عادة من الأسواق العقارية الدولية المعروفة التي يلجأ إليها المستثمرون في كل موسم لاصطياد الفرص، لأسباب كثيرة، أقلها بعدها عن الأسواق الدولية المعروفة في أوروبا والولايات المتحدة وفي آسيا نفسها في هونغ كونغ وطوكيو، فضلا عن أسواق أميركا اللاتينية الصاعدة مثل البرازيل. ومع هذا تتجه ماليزيا هذه الأيام وعلى خلفية الاستقرار السياسي النسبي الذي نعمت به البلاد منذ رحيل رئيس الحكومة السابق عبد الله بدوي ومجيء نجيب رزاق إلى مكتب رئاسة الحكومة في أبريل (نيسان) العام الماضي 2009، إلى نمو اقتصادي كبير يعتبر من أكبر نسب النمو المتوقعة في القارة الآسيوية بعد الهند والصين هذا العام 2010. كما تعمل الحكومة على الكثير من المشاريع الضخمة والمتعلقة بالبنى التحتية الأساسية وتطوير قطاع الصحة والقطاع الحكومي وتحسين أدائه ومحاربة الفساد والحد منه، فضلا عن المناطق الاقتصادية الحرة كمنطقة إسكندر القريبة من سنغافورة، وتطوير القطاع الصناعي والخدماتي الذي يطال القطاع العقاري أيضا. وبسبب هذا النمو المتوقع بنسبة تتراوح بين 4 و5 في المائة، يتوقع الكثير من خبراء الأسواق العقارية والكثير من المؤسسات الدولية المعروفة والمحلية الحكومية أن ترتفع أسعار العقارات السكنية بنسبة لا تقل عن 20 في المائة في النصف الأول من هذا العام، وأن تستعيد الأسواق العقارية على مختلف أنواعها عافيتها السابقة والتي فقدتها بعد أزمة الائتمان الدولية وما تبعها من ركود اقتصادي دولي كما يؤكد خمسون في المائة من أعضاء هيئة التطوير الإسكاني والعقاري الماليزية «ريهدا»(REHDA) ، ولا بد من الذكر هنا أن خمسة في المائة من أعضاء الهيئة يعتقدون أن أسعار العقارات ستتراجع كما حصل العام الماضي، إذ تراجع عدد الصفقات العقارية بنسبة 30 في المائة في النصف الأول من العام الماضي، وتراجعت أسعار العقارات على خلفية الركود الاقتصادي العالمي والمحلي عامي 2008 و2009 بنسبة 0.9 في المائة. وقد ترافق الركود أيضا مع فترات من عدم الاستقرار السياسي، مما دفع الكثير من المستثمرين الأجانب بعيدا عن الأسواق، كما أدى الركود إلى وقف العمل في الكثير من المشاريع العقارية وتأجيل وإفلاس بعضها الآخر. كما شهد الناتج المحلي الإجمالي تراجعا بنسبة 3.6 في المائة العام الماضي على خلفية الركود العالمي بعد أن كان يشهد نموا قبل ذلك ومنذ عام 2002 بمعدل 5.57 في المائة. إلا أن المتفائلين باستعادة الأسواق العقارية عافيتها يبنون توقعاتهم على الأداء الاقتصادي الممتاز في النصف الثاني من العام الماضي وبشكل خاص في الربع الأخير، حيث بدأت تظهر بوادر النمو الممتاز. ويبنون ذلك أيضا على خلفية تراجع معدلات الفائدة وسهولة الحصول على القروض العقارية وإلغاء الكثير من الرسوم والضرائب المتعلقة بالإسكان والعقارات، وتخفيض بعضها الآخر لتشجيع الأسواق وتحريكها. أضف إلى ذلك بالطبع، وهو من أهم عوامل عودة النمو والانتعاش الاقتصاديين، الاستقرار السياسي منذ وصول رزاق إلى الحكم والذي كان عاملا مهما أيضا في استعادة ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية بماليزيا وأسواقها الواعدة.

وكان على نجيب رزاق، رئيس الحكومة الجديد الذي يعد بالكثير هذه الأيام، أن يحاول أن يخفف العجز المالي العام أو العجز في الميزانية والذي كان سيئا خلال السنوات القليلة الماضية، حيث وصلت نسبته إلى 7.4 في المائة حسب تأكيد مؤسسة الأبحاث الاقتصادية الماليزية «مير» (MIER)، وهي أعلى نسبة عجز منذ أكثر من عشرين سنة. وكان معدل نسبة العجز بين عامي 2005 و2008 قد وصل إلى 3.5 في المائة. على أي حال فقد لجأت الحكومة أيام بدوي عام 2008 إلى جملة من التحفيزات الخجولة التي لم تتعد قيمتها الملياري دولار، أي 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. واستهدفت هذه التحفيزات فقط البنى التحتية والمساعدة على دعم أسعار الوقود بعد أن ارتفعت بنسبة لا تقل عن 40 في المائة منذ ست سنوات.

وبعد مجيء رزاق إلى جملة ضخمة من التحفيزات الاقتصادية للخروج من الركود والتراجع الاقتصادي في مارس (آذار) الماضي وصلت قيمتها إلى نحو 18 مليار دولار أي 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حسبما ذكرت «غلوبال غايد». ولأن التحفيزات تتواصل لمدة عامين فإن تأثيرها أيضا سيكون قويا هذا العام وداعما للأسواق التجارية وأسواق العقار بشكل عام. ولم تتركز هذه التحفيزات على البنى التحتية فقط، بل طالت قطاعات كثيرة مهمة ترتبط أيضا بعمل الأسواق الدولية والتناغم معها وتطوير الأسواق المحلية خصوصا من ناحية الخدمات المالية وتكوير المعاملات وتسريعها، مثل القطاع المصرفي والاستثمار في الأصول والمالية الخاصة أو الفردية وغيرها من عوامل التخفيف الضريبي.

وبشكل عام تعتبر الأسواق العقارية المحلية في ماليزيا من أسهل الأسواق من ناحية الملكية، حيث لا توجد رسوم عند الشراء، ويمكن الحصول على قروض من الكثير من المؤسسات وبأسعار منخفضة وبنسبة مائة في المائة، كما تتراوح فترة القروض بين 30 و75 سنة. وقد وصلت قيمة هذه القروض في العام الماضي 2009 إلى نحو 52 مليار دولار، بارتفاع نسبته 11 في المائة عما كانت عليه العام السابق، أي ما يساوي نحو 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما انتعشت سوق الإيجار خلال السنوات القليلة الماضية أيضا بسبب تخفيض البنوك والمؤسسات الإقراضية العقارية أسعار قروضها والفائدة عليها، وقد تراجعت بشكل عام من 6.7 في المائة في سبتمبر (أيلول) عام 2006 إلى 4.8 نهاية العام الماضي.

ومع هذا ورغم النمو المستعاد على الصعيدين الاقتصادي والعقاري فإن ماليزيا لا تزال تعاني من مشكلة تمليك الأجانب التي يطالب الكثير بتحريرها واتباع النظم الحديثة وفتح الأسواق أمام تملك الأجانب لدعم الأسواق وتحريكها، وزيادة عدد المشاريع، وبالتالي تزايد الوتيرة الاستهلاكية كما كانت وعدت الحكومة عام 2006. فحتى الآن لا يسمح للأجنبي بتملك من العقار ما قيمته أكثر من 145 ألف دولار. وتحتاج المعاملات الحكومية لهذه المسألة على الأقل شهرين. وهناك خلاف على هذه السياسة الحكومية إذ تختلف القيم من منطقة إلى أخرى ويحرم بعضها بعضا من الكثير من المستثمرين المحتملين.

كما أن الأسواق العقارية الماليزية أيضا تعاني من فترة طويلة من كثرة العرض والمعروض في الأسواق من العقارات للبيع، حيث تشير الأرقام الحكومية إلى أن عدد الشقق أو الوحدات العقارية الممتازة التي لم تبع وبقيت شاغرة في الأسواق عام 2004 وصل إلى أكثر من 84 ألف عقار، ورغم تراجع العدد فإن عدد الوحدات العام الحالي لا يقل عن 66 ألف وحدة عقارية أو عقار. لكن أيضا وبسبب النهوض الاقتصادي وكثرة المشاريع الحكومية الداعمة، يتوقع بعض الخبراء أن يتضاءل عدد العقارات الشاغرة عند نهاية العام الحالي، أي أن المشكلة ستتضاءل، لا بل ستنزل إلى الأسواق الكثير من العقارات الجديدة والحديثة والمطلوبة بكثرة هذه الأيام.

كما عملت الحكومة منذ سنوات، خصوصا منذ نهاية عام 2003، على الكثير من مشاريع الدعم الإسكاني وتأمين السكن الرخيص لمعظم الطبقات المتوسطة والفقيرة والمدقعة، وعلى غرار البرازيل ومعظم اقتصادات العالم الثالث الصاعدة حاليا تم بناء ما لا يقل عن 100 ألف وحدة سكنية لهذه الغاية منذ سبع سنوات.

وفي هذا الإطار وعدت الحكومة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ببناء 44 ألف وحدة سكنية جديدة تتراوح أسعار الوحدة بين 6 و10 آلاف دولار. وتخطط الحكومة قبل نهاية العام الحالي لإنهاء العمل على بناء ما لا يقل عن 74 ألف وحدة سكنية أو عقار للطبقات المحتاجة.

على أي حال فإن أسعار العقارات في ماليزيا لا تزال أقل مما كانت عليه قبل الأزمة المالية الآسيوية الأخير في التسعينات. وقد كانت قد ارتفعت قبل الأزمة ومنذ عام 1991 حتى عام 1995 بنسبة 26 في المائة، وبعدها وحتى حصول الأزمة بنسبة لا تقل عن 20 في المائة، قبل أن تتراجع بنسبة لا تقل عن أربعين في المائة في بعض مناطق وعقارات العاصمة كوالالمبور.

وتقول «غلوبال غايد» في مؤشرها الأخير عن ماليزيا، والذي يعتمد في معظمه على الأرقام الحكومية والمؤسسات الدولية والخاصة، إن المؤشر (نسبة ارتفاع أسعار العقارات) ارتفع بنسبة 2.3 في المائة (أي 0.7 في المائة بعد الأخذ بعين الاعتبار معدل التضخم) عام 2005، وفي العاصمة بالذات ارتفع بنسبة 6.5 في المائة (3.35 في المائة بعد التضخم). وقبل ذلك ارتفع في العاصمة بنسبة 6.5 في المائة (أي 5 في المائة بعد التضخم).

أما في عام 2006 فقد ارتفع المؤشر بنسبة 2.1 في المائة (1.4 في المائة بعد التضخم)، وفي العاصمة بنسبة 5.3 في المائة (أي 1.7 في المائة بعد التضخم). أما عام 2007 فقد ارتفع المؤشر بنسبة 4.8 في المائة (أي 2.6 في المائة بعد التضخم)، وفي العاصمة بنسبة 7.9 في المائة (أي 5.7 في المائة بعد التضخم). أما عام 2008 وبعد الركود، فقد ارتفع المؤشر بنسبة 4.7 في المائة، ولكن ذلك فعليا وبعد حساب التضخم لا يشكل إلا تراجعا بنسبة 0.66 في المائة، وفي العاصمة كوالالمبور أيضا ارتفع بنسبة 4.5 في المائة، أي بتراجع بنسبته 0.9 في المائة بعد الأخذ بعين الاعتبار معدل التضخم.

على أي حال لا تزال الأرقام الأخيرة تشير إلى أن ماليزيا عقاريا ومن الناحية الدولية لا تزال في المؤخرة، خصوصا نسبة إلى الأسواق الأخرى في آسيا، ولا يأتي ربما بعدها على لائحة الأفضل أداء إلا إندونيسيا على الأرجح. وتأتي هونغ كونغ على رأس اللائحة بمعدل سعر يصل إلى 15 ألف دولار للمتر المربع الواحد. تأتي بعدها اليابان بـ13 ألف دولار، ثم سنغافورة التي تشهد طفرة عقارية حاليا بـ11 ألف دولار للمتر المربع، ثم الهند وتايوان والصين بسعر 3 آلاف دولار، ثم كمبوديا وتايلاند والفلبين وأخيرا ماليزيا وإندونيسيا، ولا يتعدى سعر المتر المربع فيها أكثر من 1.4 ألف دولار.

ولذا ستعمل الحكومة على تغيير هذه الأرقام خلال السنوات القليلة المقبلة، إذ تخطط لنسب نمو اقتصادي كبير، وتخطط أيضا لنفض قطاع التعليم وتحفيز التقنيات الحديثة وخلق أرضية لها، فضلا عن أنها تحاول أن تصبح من الدول المتقدمة والمتطورة في المنطقة الآسيوية والعالم برمته. ولذا تعزز الحكومات منذ فترة القطاع المالي وخدماته والقطاعات الاستثمارية برمتها، وتتجه لتشجيع الأجانب إلى الاستثمار في البلاد واستقطاب الصناديق العالمية الاستثمارية.