السوق تتحدى مخاوف فقاعة العقارات في الصين

560 مليار دولار حجم سوق العقارات الصينية * 45 مليون دولار ثمن منزل في شنغهاي

مدخل شقة في مشروع طوموسون في ريفيرا
TT

يبلغ سعر المنزل الفسيح المكون من طابقين، الذي يحتوي على أسرة صنعت أعمدتها من جلود التماسيح، وأبواب مصنوعة يدويا من البرونز ومطعمة بكريستال سواروفسكي، 45 مليون دولار.

لا يزال هذا المنزل معروضا في السوق، لكن تشارلز تونغ مطور «طومسون ريفييرا»، المجمع السكني الفاخر المطل على النهر في قلب الحي المالي، يقول إنه لا يجد مشكلة في وجدان مشترين لهذا النوع من المنازل بأسعار مشابهة. وقال تونغ، وهو جالس على مقعده الذي صممه فيرساتشي: «إننا نبيع ما بين ثلاثة إلى أربعة شقق شهريا. هناك بعض الأفراد هنا الذين يرغبون في مزيد من الرفاهية وأسلوب حياة جديد».

يتفق الجميع على أن الصين تقف في وسط انتعاشة عقارية مميزة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت الصين قد دخلت فقاعة عقارية آخذة في التنامي. فعندما انهارت الأسواق العقارية المزدهرة الأخرى - في الولايات المتحدة على سبيل المثال - أدت إلى انكماش الاقتصاد ككل. وفي حالة الصين، سيؤدي انفجار الفقاعة إلى تأثيرات على العالم أجمع، فالصين أضخم اقتصاد متسارع النمو، وقد كانت حتى اللحظة الراهنة المحرك الرئيسي لسحب العالم من الكساد. نتيجة لقلق بكين الواضح، عمدت السلطات الصينية في الآونة الأخيرة إلى السيطرة على الاعتمادات المالية اليسيرة التي أسهمت في تمويل النمو السريع، من خلال وضع صعوبات أمام مشتري المنازل في الحصول على قرض عقاري ثان. وتشير الإحصاءات الحكومية، التي تحظى بمصداقية واسعة النطاق، إلى أن حصيلة بيع المنازل في الصين خلال العام الماضي بلغت 560 مليار دولار، بزيادة قدرها 80 في المائة عن العام الماضي. ومع ارتفاع أسعار المنازل يحجم مطورو العقارات عن بناء مزيد من الوحدات السكنية والفيلات والشقق مرتفعة الأسعار، التي تحمل أسماء مثل «ريتش غيت» و«بارك أفنيو» و«بالي دي فورفورشن». دلائل الثراء بادية في الصين. فقد اشترى مستثمر في شنغهاي 54 شقة في يوم واحد، وبيعت فيلا بثلاثين مليون دولار العالم الماضي، وفي ديسمبر (كانون الأول) دفع كونسورتيوم 3.5 مليار دولار ثمنا لقطعة أرض في إقليم قوانغتشو، وهو ما اعتبر واحدا من أعلى الأسعار التي تدفع في عقارات في أي مكان في العالم. وفي مدينة تيانجين في شمال الصين أنشأ مطورو العقارات «مدينة عائمة» تتكون من مجموعة من الجزر مبنية على محميات طبيعية، وتضم فيلات وأسواق تجارية، ومنتجع تزلج قالوا إنه سيكون أضخم منتجع للتزلج داخل الصالات في العالم، وقد بلغت تكلفة المشروع 3 مليارات دولار.

يقول آندي شيه، الاقتصادي السابق في بنك مورغان ستانلي، الذي يعمل محللا ماليا مستقلا: «هذا نوع من الجموح، فهذه فقاعة بكل المقاييس التقليدية».

ويتدافع المضاربون إلى الحصول على هذه الوحدات السكنية بناء على التوقعات باستمرار ارتفاع الأسعار، مثلما ارتفعت الأسعار سنويا لمدة عشر سنوات ماضية. كما تعمل شركات التنمية العقارية القوية مع الحكومات المحلية في تحويل المدن القديمة إلى مدن حضرية جديدة. لكن مدينة شنغهاي، أكثر المدن الصينية ثراء وإبهارا، هي مركز هذا النمو. فيشير الخبراء العقاريون إلى ارتفاع أسعار العقارات في المدينة بمعدل 150 في المائة عن عام 2003، ليرتفع سعر الوحدة السكنية التي تبلغ مساحتها 1100 قدم مربع إلى 200 ألف دولار، في الوقت الذي يصل فيه دخل المواطن العادي في شنغهاي إلى 5 آلاف دولار سنويا.

أسعار الشراء التي اجتاحت المدينة أدت إلى وصول أسعار بعض قطع الأراضي إلى مليار دولار، وقائمة طويلة من الانتظار. ويقول آندي شيانغ، المدير التنفيذي الذي ادخر مبلغا ضخما من المال للحصول على شقة بقيمة 1.3 مليون دولار في منطقة شنتياندي الراقية. وبعض المناطق السكنية الفاخرة مثل طومسون ريفييرا، تتكون من أربع أبراج ذهبية تطل على نهر هوانغ بو، وهي ذات حديقة مركزية مصممة على شكل تنين. ويضم مدخل المجمع السكني أعمالا أصلية لفنانين مثل سلفادور دالي وفنانين صينيين مشاهير. أما الشقق القليلة التي صممها آرماني وفيندي وفيرساتشي فتبلغ إيجاراتها شهريا ما بين 7 آلاف إلى 17 ألف دولار. وهو مستوى مرتفع لا يطيقه سوى كبار المديرين التنفيذيين لشركات مثل «جنرال موتورز». أما الأفراد الذين يشترون شققا هنا، فهم أثرياء مثل ليو يكيان، ثري شنغهاي، الذي تقول مجلة «فوربس» إن ثروته تبلغ 540 مليون دولار. بدأ ليو، 47 عاما، مشوار تحقيق الثروة كسائق تاكسي في شنغهاي، وكون ثروته عبر الاستثمار في سوق الأسهم. وخلال مقابلة أجريت معه هذا الأسبوع اعترف بامتلاكه مئات الشقق في شنغهاي، قال إنه لا يستطيع أن يتذكر عددهم، من بينها شقة بمساحة 6 آلاف قدم مربع في طومسون ريفييرا، اشتراها في عام 2008 بـ11.5 مليون دولار.

وقال ليو، مشيرا إلى أنه يجمع أيضا الأعمال الفنية والتحف وأحجار اليشب الكريمة: «أنا أستثمر في العقارات، وأعتقد أن أسعار العقارات في شنغهاي سترتفع خلال السنوات السبع أو الثماني القادمة».

وفي محاولاتها للتخفيف من حدة السوق، تقوم الحكومات المركزية والمحلية بإدارة هذا الخيط الرفيع. وقد كانت مبيعات الأراضي المصدر الرئيسي للدخل الحكومي، حيث ارتفع الدخل الحكومي منها العام الماضي بمقدار 234 مليار دولار، وهو ما يعادل ثلث قيمة برنامج التحفيز الصيني الذي يقدر بنحو نصف تريليون دولار.

وقد تحولت إمكانية وجود البلاد وسط فقاعة إلى قضية مثار جدل في البلاد، فيرى بعض الاقتصاديين من أمثال نيكولاس لي لاردي في معهد بيترسون للاقتصادات الدولية في واشنطن، أن الانتعاش الاقتصادي يدفعه التحول الحضري الذي يخلق الإسكان مرتفع الأسعار.

فيما يرى محللون آخرون أن ارتفاع الأسعار حدث نتيجة لجشع المطورين العقاريين والسياسات الحكومية التي لم توفر إسكانا رخيصا للعمالة المهاجرة إلى المدن الكبرى. وعلى الرغم من المخاوف بحدوث فقاعة هنا، يقول تونغ إن أسعاره عادلة، خصوصا بسبب الثروات الكبيرة المخبوءة في الصين. فشركته المدرجة في البورصة تسيطر عليها عائلته. وقال: «لي صديقة، تصنع الملابس النسائية وتملك شركتها 20 في المائة من أسهم السوق العالمية، ومع ذلك فشركتها ليست مدرجة في البورصة».

بيد أن أسعار طومسون ريفييرا تواصل ارتفاعها. فآخر الشقق السكنية التي بيعت كان سعر القدم المربع الواحد حوالي 2.300 دولار، في الوقت الذي بيع فيه القدم المربع في الشقق الفاخرة في مانهاتن بمدينة نيويورك في الولايات بأقل من 1.900 دولار في الربع الأخير من 2009، بحسب مؤسسة «برودنشيال دوغلاس إليمان» العقارية. سعر شقة سكنية في طومسون ريفييرا في شنغهاي يمكن أن يوفر لصاحبه منزلا فاخرا في لوس أنجليس مساحته 6.000 قدم مربع من تصميم فرانك ليود رايت، بسعر 10.5 مليون دولار، أو منزلا يحتوى على 22 غرفة في نيو كانان بولاية كونيتيكت بمبلغ 24 مليون دولار.

لكن وكلاء البيع في طومسون ريفييرا يقولون إن هذه ستكون العاصمة المالية المستقبلية للعالم.

ويقول وانع يادونغ: «انظر إلى الباب البرونزي، تكلفته تبلغ 50.000 دولار، وهذه الأجهزة المنزلية صنعت في ألمانيا، أما الزجاج فتم استيراده من بلجيكا والجاكوزي من إيطاليا. ولا تقلق بشأن ضياع مفتاحك، فهذا القفل قادر على التعرف عليك من راحة يدك».

* خدمة «نيويورك تايمز»