ناطحات السحاب الفاخرة الحل الأمثل لمواجهة مشكلات الازدحام والتلوث في الهند

تحتوي على فيلات وحدائق وغابات وحمامات سباحة ومراكز تسوق

برج شيرباتي في مومباي («الشرق الأوسط»)
TT

أصبحت أحدث أمنيات الباحثين عن شراء العقارات في الهند، هي الحصول على عقار في ناطحة سحاب، يحتوى على حدائق غناء بين الطوابق، وأيكات بالشرفات، وحمامات سباحة داخلية وفلاتر لتنقية الهواء مع إطلالة لا يحجبها شيء على البحر والسماء. ولكي تقابل صناعة العقارات الهندية ذلك الطلب المتزايد، أصبحت تناطح السحاب. وتعد مدينة مومباي من أكثر المدن الهندية التي تحتوي ناطحات سحاب. فمن طواحين الهواء إلى مراكز التسوق، ومن الأكواخ إلى ناطحات السحاب يتغير الأفق حاليا في مومباي. فخلال أشهر معدودة، سيكتمل تشييد عدة ناطحات سحاب جديدة تزيد أدوارها على الخمسين في قلب المدينة.

وفي الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد الهندي انتعاشا غير مسبوق، يتزايد ازدحام المدن وتلوثها، وبالتالي يتزايد الطلب على متنفسات فاخرة وغير ملوثة. فالمال ليس العامل الحاسم عندما يتعلق الأمر بشراء تلك المنازل الفاخرة في السماء التي تتراوح أسعارها بين 3.33 مليون دولار و9 ملايين دولار.

ويعد برج السافوي الذي يتكون من 21 طابقا في طريق «نيبيان سي» واحدة من أكثر المناطق رقيا حيث تبلغ مساحة كل فيلا من فيلاته 5200 قدم مربع تتكون من أربع غرف نوم، وحمام سباحة وقاعة رياضية تطل واجهتها الزجاجية على «بحر العرب».

كما يتمتع «إبسيلون فيلاز» الذي يقع في مدينة بنغالور، التي تشتهر بكونها مدينة التكنولوجيا، بخصوصية شديدة، حتى إن الكثيرين لا يعرفون بوجوده. ومن جهة أخرى، ليس مسموحا بالتقاط الصور. ولا يبدى المروجون المسؤولون عن المدينة تعاونا مع وسائل الإعلام، حتى إنهم يدعون أنهم أشخاص آخرون إذا ما تلقوا اتصالات هاتفية من الصحافيين الذين يحاولون الحصول على معلومات بشأن المشروع.

ويقطن داخل ذلك التجمع الذي لا يمكن دخوله إلا عبر الدعوات الخاصة بعض المشاهير مثل راؤول درايفيد لاعب الكريكت السابق، وسونيل الذي كان يعمل سابقا بشركة «برينتنيا إنداستريز»، وويم إلفرنيك التنفيذي بشركة «سيكو» الهندية.

ويشتمل المنزل الفاخر بذلك التجمع الخاص على أربع غرف نوم مرفق بكل منها حمام خاص وخزانة ملابس بحجم قاعة فسيحة، وخمسة حمامات وغرفتين للخدمات، وبار ومنطقة للشي وغرفة للبخار والتدليك وبرغولا وعلية. ويتراوح متوسط الإيجار بين 15.5 ألف دولار في الشهر وصولا إلى ما يزيد على 22 ألف دولار.

وترغب كل شركات المقاولات في التفوق على الآخرين في مجال البناء الفاخر. فعلى سبيل المثال، قامت «كومار أوروبا» التي أنشأت مشروع «سكاي فيلا» في برابهادفي في بانغلور، ببناء كل فيلا على مبعدة أربع طوابق من الأخرى للسماح بإنشاء أيكة من الأشجار بينهما. ويقول المتحدث الرسمي: «تطل الفيلات الأولى الموجودة في الطابق العاشر على مشهد مذهل. كما سيتم تزويد تلك الفيلات بنظام أمني متطور ومزود ببطاقات إلكترونية لاستخدام المصاعد. وتتكون بعض تلك الفيلات من دورين أو ثلاثة».

وفي وورلي في مومباي، سيتم إقامة أحد أكثر الأبراج ارتفاعا في البلاد (298 مترا) على أنقاض طاحونة هواء قديمة. ويقول المطور العقاري كاسليوال: «سيكون أكثر المباني المتوافقة مع البيئة ارتفاعا في العالم».

ويضيف كاسليوار إن المبنى الموفر للطاقة يحد من الحرارة، كما سيتم معالجة الهواء من خلال مصنع لتنقية الهواء لكي يمنح سكانه هواء خال من الروائح والتلوث، وسوف يمتد كل مبنى في ذلك البرج على مساحة 10 آلاف قدم مربع.

وسوف يتم معالجة البرج صوتيا أيضا للحدّ من ضوضاء الشوارع، كما سيتم معالجة القمامة والصرف والمياه داخل المبنى نفسه. ولأول مرة، سوف يتم طلاء البرج بأكمله بمادة الكوريان وهي من مواد البناء باهظة الثمن والمستخدمة في المطابخ.

ومن جهة أخرى، يعد «إنديا بالز» من أكثر ناطحات السحاب شهرة في مومباي وهو يتكون من 65 طابقا مزود بحديقة شاسعة. كما تقدم شركة المقاولات خدمات فندقية خاصة للسكان.

وعلى مقربة منه، تقع ناطحة السحاب «جوبيتار ميلز» المكونة من 75 طابقا، و«راهيجا بلاتينيوم أند ويفز» المكونة من 80 طابقا في وورلي، وإلى جوارها مباشرة يوجد مشروع بناء ناطحة السحاب «ديناميكس - بالواس» بماري لاينز المكون من 65 طابقا، بالإضافة إلى البرجين التوأمين اللذين يتكونان من 60 طابقا في تارديو.

ولأنه يعد من أطول الأبنية في مومباي حيث يبلغ ارتفاعه نحو 301 متر أو ألف قدم، فإن «شيرباتي سكايز» يبشر بأنه سوف يكون ذا طراز مغاير لناطحات السحاب كافة في الهند أو في آسيا. وذلك حيث إن العقل المدبر وراء ذلك الطراز ليس غريبا على عالم ناطحات السحاب، وهو المهندس المعماري الشهير رضا كابول الذي يعود له الفضل في إنشاء أكثر المباني ارتفاعا في الهند وهو مبنى «شيرباتي أركيد» والمضاف إلى كتاب «ليمكا» للأرقام القياسية في عام 2003.

وتعتمد مواد البناء الأساسية على الإسمنت المعزز، والزجاج والصلب والألمنيوم لإضفاء لمسات ناعمة وحريرية على البناء. ويغطي البناء منطقة رئيسية تقدر مساحتها بفدانين، ويشبه تصميم البناء امرأة ترقص على المسرح ويتكون من 7 طوابق لانتظار السيارات يمكنها استيعاب 300 سيارة، كما يبلغ عدد أدوار البرج نحو 81 طابقا.

ولكي يوفي بمعايير المتانة والتوافق مع البيئة فسوف يتضمن التصميم تدوير مياه الأمطار وإدارة مخلفات المياه وتدويرها ضمن أشياء أخرى. ومن المتوقع أن يستغرق بناء الناطحة نحو خمس سنوات.

ويبدو أن السبب الذي جعل مومباي تتجه إلى الصعود عموديا هو أن ذلك قد أصبح الحل الوحيد، فقد أصبح المعماريون وشركات البناء يركزون جهودهم على بناء ناطحات السحاب لأنها أكثر إدرارا للربح، حيث تستطيع إقامة الكثير من العقارات في مساحة صغيرة للغاية. كما يبدو أن ناطحات السحاب الحل الوحيد للمدن المكتظة مثل مومباي.

فمن جهته، يقول المعماري حافظ كونتراكتور رائد التصميمات الرائدة في مومباي: «يجب علينا تقبل المباني المرتفعة باعتبارها قدرا محتوما. حيث يبلغ عدد سكان مومباي 18 مليونا ولا تتجاوز مساحتها 470 كيلومترا مربعا، وعندما تنظر إلى ذلك العدد الهائل من السكان الذي يقطن تلك المساحة الصغيرة فستجد أن الصعود إلى أعلى أصبح الحل الوحيد». ويتوقع كونتراكتور أن يتزايد عدد سكان المدينة حتى يصل إلى 30 مليونا في الأعوام المقبلة: «كيف سوف تتعامل مومباي مع تلك الزيادة؟ يبدو أن الحل الوحيد هو التوسع عموديا، وعندما نفعل ذلك سوف تقف المدينة على قدميها وتربح المزيد من المال».

وسرعان ما سوف يتم الانتهاء من إنشاء برجين سكنيين في مومباي: المبنى الإمبراطوري (149 مترا)، وبرج الهند (301 متر).

وعلى الرغم من أن معظم تلك الأبراج ما زال تحت الإنشاء، فإنك تستطيع أن تلمس فخامتها من «كيجاي هاوس» في وورلي الذي تم تصنيفه باعتباره من أكثر المباني التجارية باهظة الثمن في مومباي. ويحتل وزير الطيران الهندي برافول باتيل الذي يمتلك البناء بأكمله، الطوابق الثلاثة الأخيرة من ذلك المجمع السكني الخاص. ويتم وصف منزله الذي تبلغ مساحته 35 ألف قدم مربع بأنه «قصر في السماء». وهؤلاء الذين رأوا البناء الذي يتكون من ثلاثة طوابق وحمام السباحة الضخم المرفق به يقولون إنه أقصى درجات الرفاهية. فيقول أحد زواره: «إن غرفة نومه تبلغ مساحتها ألف قدم مربع، وغرف النوم تم تصميمها بطرز مختلفة، فمثلا هناك غرفة مصممة بالكامل على الطراز المغربي بالإضافة إلى أن غرف المنزل كافة مطلة على البحر».

ومن جهة أخرى، تعد أسعار «إن سي بي إيه» الذي يتكون من 22 طابقا في «ناريمان بوينت» في مومباي والمطل على البحر عالية، فقبل عدة سنوات تم بيع شقة تحتوي على أربع غرف للنوم بسعر قياسي كان يبلغ 7.5 مليون دولار، وهو ما يعني أن سعر المتر كان يبلغ نحو 2170 روبية للقدم المربع. ومما لا شك فيه أن امتلاك شقة هنا يعكس مكانة معينة في المجتمع، فمن جهته، يقول فنوغوبال دوت رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية: «لقد أسهم النمو الاقتصادي وتزايد التكامل مع الاقتصاد العالمي وتزايد الاستثمارات المحلية والخارجية في تعزيز الطلب على شراء المباني سواء للإقامة أو للعمل، وهو ما عمل بالضرورة على تعزيز نمو صناعة العقارات». وأضاف أن ذلك كان واضحا من عدد الأبنية المرتفعة التي برزت في سماء المدن الهندية، بالإضافة إلى انشغال شركات المقاولات والبناء بعمليات تشييد ناطحات السحاب.

ومع ذلك فإن العاصمة دلهي وضواحيها ما زالت متأخرة إلى حد بعيد مقارنة بالمدن الهندية الأخرى في ما يتعلق بناطحات السحاب. وبالنسبة إلى عمليات البناء الحديثة فمن المتوقع أن يتألف برج «أبيك» الذي يتم بناؤه في حيدر آباد من 100 طابق بارتفاع يصل إلى 450 مترا. ومن المتوقع أن يحتوي برج «لانكو هيلز» في حيدر آباد الذي يقام على مساحة 100 أكرة من 90 طابقا. وقد صادقت «هيئة التنمية المدنية» في حيدر آباد على تشييد برج من 30 طابقا تحت إشراف «إلينز غروب»، سيكون من أكثر المجمعات السكنية ارتفاعا في مدينة «هاتيك».

ومن جهته، يقول هاري شالا المدير الإداري لشركة «إلينز غروب»، إن ذلك المشروع يعتمد على الميكنة مثل أنظمة الدخول الأمنية المعتمدة على علم المقاييس الحيوية ولوحات التحكم التي تعمل باللمس بالإضافة إلى وجود زر لاستدعاء المصعد داخل المنزل، واتصال بالواي فاي، ومركز للتسوق ومجمع للسينما والمسرح ومنشآت للترفيه.

وسوف يضع برج «نويدا تاور» الذي يقع في ضواحي العاصمة دلهي، والذي صممه المعماري حافظ كونتراكتور، الهند على خارطة العالم بارتفاعه الذي يصل إلى 710 أمتار، ولكن المشروع متوقف في الوقت الراهن. ويعد برجا «بنغالورو ترف» (660 مترا)، و«ماهاريشي فيديك فيشاوا براشاسان» (678 مترا)، اللذان من المقرر إنشاؤهما على مقربة من «جبلبور»، من بين الأبراج التي تتنافس على تصنيف أكثر الأبراج ارتفاعا في الهند.

على أي حال، تقول شركات البناء إنه بالمقارنة مع الدول الآسيوية الأخرى، فإن الهند أكثر تشددا في السماح بإقامة الأبراج الشاهقة.

ويبدو أن الافتقار إلى الخبرات الفنية من العوامل الأخرى التي تجعل الهند متأخرة في مجال بناء ناطحات السحاب، فيقول سمير شوبرا مدير «ري ماكس» الهندية: «في الهند، لا يوجد وعي بأهمية الأبنية المرتفعة، كما أن الخبرة المطلوبة ما زالت تقتصر على عدة شركات وبالتالي فإن تكلفتها مرتفعة وتستغرق وقتا طويلا. كما أننا في الهند ما زلنا لم نصل إلى مستوى التطور الذي يسمح لنا بإنجاز عمليات البناء في وقت قصير مما يجعل أي قطعة أرض تصبح مدرة للربح في فترة قصيرة للغاية، كما أن خططنا ليست متوافقة تماما مع أهدافنا بعيدة المدى».

وفي الوقت الراهن أصبحت ناطحات السحاب يُنظر إليها باعتبارها الحل الوحيد لأزمة المساحة التي يعانيها المجتمع المدني في الهند. وبما أنه يوجد ما يشبه التشبع في ما يتعلق بالأراضي المتاحة داخل حدود المدينة بالنسبة إلى أنواع الاستخدامات كافة سواء كانت سكنية أو تجارية، فإن الحل يكمن في إعادة توزيع الأرض وإقامة أبنية شاهقة البناء مما يوفر مساحة كبيرة جدا بكل قدم مربع. وذلك حيث لم يعد ارتفاع البنيان خيارا بل إنه أصبح ضرورة.

ومن جهته يقول غاغان سينغ الرئيس التنفيذي لشركة «جونز لانغ لال سالي مغرايج»: «في البداية تقدم الأبنية المرتفعة لشركات البناء فرصة توفير تكلفة الأرض، فهم يفتحون لأنفسهم مجالا أكثر اتساعا، مما يعني أن بيع الوحدات سيكون أكثر رخصا ونفعا من حيث إدراره للربح، وهو ما يعد خبرا طيبا للمستثمرين والمشترين على حد سواء. ولكن من جهة أخرى، فإن السماح ببناء الأبنية الشاهقة في بعض الأماكن يمكن أن يتسبب في انهيار للبنية التحتية وانخفاض في الأسعار».

ولكن الحكومة تتحرك في الاتجاه الصحيح، حيث قدمت خطة «ماستر بلان 2021» مشروعا لتنمية وتطوير 27 ألف هكتار. كما أنها وافقت في الوقت نفسه على مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البناء الضخمة وبناء ناطحات السحاب، حيث يكون بإمكانهم إقامة أبنية يتراوح ارتفاعها من 14 إلى 16 طابقا إذا ما وافقت شركات البناء على أن يشتركوا معا في البناء على مساحة لا تقل عن 4000 متر مربع، يتم إنشاء مصنع لمعالجة الصرف عليها حتى لا يضر بنظام الصرف العام وإنشاء مصنع للطاقة الشمسية لتوليد جزء من الطاقة بالإضافة إلى بناء حظيرة لانتظار السيارات تحت الأرض. وفي النهاية، على الرغم من أن الهند تبذل جهودا حثيثة كي تتجه إلى أعلى، فإنها ما زال أمامها طريق طويل لتقطعه.