تقرير: ارتفاع النشاط العقاري التجاري في الشرق الأوسط وأوروبا 30% العام الحالي

يتوقع استمرار معاناة بعض الأسواق الأميركية حتى 2025

وصلت قيمة الصفقات العقارية التجارية في الربع الأول من هذا العام إلى نحو 20 مليار يورو (26.7 مليار دولار) أي أكثر بنسبة 75 في المائة عما كانت عليه في الربع الأول من العام الماضي
TT

فيما تتحسن الأخبار العقارية والأسواق في الكثير من مناطق العالم خصوصا آسيا، حيث تشهد بعض المواقع العقارية المهمة طفرة على عدة صعد، تبدو العناوين الخاصة بأسواق العقار الأميركية متقلبة ومحيرة تدور حول الموضوع ذاته رغم التفاؤل، وهو أن الأسواق لا تزال بعيدة عن الانتعاش لأسباب كثيرة، وربما سيستغرق الأمر وقتا أطول بكثير مما كان متوقعا في السابق. وركزت الكثير من العنوان على كلمات «توجهات غير مؤكدة للنمو»، «الانتعاش البعيد» و«الطويل...» وغيرها.

بأي حال، فقد توقع تقرير أخير لمؤسسة «جونس لانغ لاسال» الدولية المهمة، أن ترتفع المبيعات في قطاع العقارات التجارية في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة ثلاثين في المائة هذا العام، ويأتي هذا في وقت غير متوقع إذ من عادة الأشهر الأولى من كل عام أن تكون هادئة في هذا القطاع المهم والمتنامي بسرعة. وقد وصلت قيمة الصفقات العقارية التجارية في الربع الأول من هذا العام إلى نحو 20 مليار يورو (26.7 مليار دولار)، أي أكثر بنسبة 75 في المائة عما كانت عليه في الربع الأول من العام الماضي (2009). ورغم أن نسبة المبيعات أو عدد الصفقات كانت أقل في الربع الأول من العام الحالي (2010) فإن بعض الخبراء والمعلقين يؤكدون أن الأسواق بدأت تستعيد نشاطها، وسيزداد هذا النشاط العامين الحالي والمقبل.

وكانت حصة بريطانيا حصة الأسد من هذه المبيعات والصفقات، إذ وصل حجمها إلى أكثر من 7.8 مليار يورو (دولار)، أي ثلث المبيعات تقريبا. وجاء بعدها كما هو متوقع ألمانيا وفرنسا والسويد وسويسرا الدول التي سجلت ارتفاعا في النشاط العقاري التجاري أكبر على الصعيد الربعي مما سجلته العام الماضي وبنسب واعدة.. فمن عادة الزبائن والمستثمرين ألا ينشطوا كما سبق أن ذكرنا في الأسواق في الأشهر الأولى من العام، ولذا يعتبر الربع الأول من كل عام في قطاع العقارات التجارية ربعا هادئا أو راكدا إذا صح التعبير، وعادة ما ينتظر هؤلاء المستثمرون نهاية العام لإتمام وعقد صفقاتهم.

لكن «لاسال» تتوقع في تقريرها الأخير الذي نشرته أن يتزايد النشاط بشكل تدريجي ومطرد هذا العام في القطاع المهم، ووصلت قيمة المبيعات أو الصفقات العقارية التي حصلت في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ بداية العام الحالي إلى 100 مليار يورو (دولار)، وهناك الكثير من الصفقات الضخمة على الطريق أو يجري التفاوض بشأنها حاليا.

وتتوقع «لاسال» أن تصل قيمة الصفقات العقارية الصناعية في أوروبا هذا العام إلى 90 مليار يورو (دولار) أي أعلى بنسبة 30 في المائة عما كانت عليه العام الماضي.

ويقول نايغل روبرتس، رئيس «آي إم آي إيه» للأبحاث العقارية في «جونس لانغ لاسال»، في هذا الصدد، إن سوق العقارات الصناعية الممتازة تجذب المستثمرين أكثر من غيرها هذه الأيام، ويبدو هذا واضحا من النشاط المحموم والعائدات الكبيرة في قطاع المكاتب الفاخرة الذي يتركز في الكثير من الدول الأوروبية. ويبدو أيضا أن مدينة لندن ووسطها التجاري حازا أيضا على أكبر نسبة من هذا النشاط الأوروبي، إذ لا يزال الطلب مرتفعا وعاليا، ولا تزال الأسعار تنمو في القطاعات العقارية الفاخرة والنوعية والممتازة سواء أكانت في قطاع المكاتب أو قطاع العقارات السكنية أو الصناعية. ومع هذا فإن بقية الأسواق تبدي استقرارا ملحوظا ومهما ينبئ بارتفاع وتيرة الصفقات وحجمها خلال العامين المقبلين.

ويضيف روبرتس «بينما لا يزال التعافي الاقتصادي هشا، فإن الثقة في أوساط عالم الأعمال تتزايد يوميا، ومع تحسن وضع معدلات الفائدة فإن الطلب العالي من المستثمرين الرئيسيين يسهم في تراجع العائدات نسبيا. ورغم أن معدلات الفائدة المنخفضة لا تزال تسهم في النشاط العقاري الحالي، فإن المستثمرين يبحثون عن ترتيبات طويلة الأمد تضمن معدلات معقولة مع عائدات ممتازة مقابل ذلك في شتى القطاع، خصوصا قطاع إيجار العقارات السكنية والصناعية والتجارية.

وفي هذه الأثناء، أشار صندوق البنك الدولي إلى حصول فقاعة عقارية في منطقة آسيال باسيفيك ومنها أستراليا. ورغم أن الصندوق أكد أنه لا يوجد هناك إثبات دامغ بأن الفقاعة ستحصل خلال فترة قصيرة أو متوسطة، فإن هناك إمكانية لحصول فقاعة عقارية أو على صعيد الأملاك والأصول إذ ما بقيت الأوضاع الاقتصادية الجالية على حالها، بسبب وجود الكثير من الإشاعات في الأسواق. ويقول تقرير الصندوق بهذا الخصوص إنه كما يحصل في الفقاعات العقارية، يقوم الناس بشراء الكثير من العقارات لغايات الربح بدلا من غاية السكن، وهذا ما يحصل حاليا في الكثير من بلدان آسيا باسيفيك التي تضم تايلاند والصين وإندونيسيا وماليزيا وهونغ كونغ والكوريتين وجزر السلمون والمارشال وبابوا نيو غينيا ونيوزيلندا وأستراليا وكمبوديا وبروناي وسنغافورة وفيتنام وتايوان والفيلبين واليابان وغيرها. وكانت أسواق العقار الآسيوية بشكل عام قد صمدت أمام عاصفتي أزمة الائتمان الدولية والأزمة التي تبعتها من ركود وانهيار المصارف الدولية، وبدأت بالتعافي قبل غيرها من أسواق العالم.. وهناك بعض المناطق التي بدأت تسجل معدلات ارتفاع مهمة غير طبيعية ومفاجئة من أستراليا إلى هونغ كونغ وسنغافورة وغيرها. وجاءت هذه العودة إلى النمو أو هذا التعافي والانتعاش في الأسواق العقارية منذ منتصف العام الماضي، وربما قل ذلك في آسيا باسيفيك، على خلفية التحفيزات الحكومية الضخمة التي وضعتها الحكومات في المنطقة، والتي وصلت إلى مئات المليارات من الدولارات، بالإضافة إلى تراجع معدلات الفائدة وبشكل تاريخي كما هو الحال في أوروبا، والأهم من ذلك مواصلة توافد المستثمرين الأجانب على المنطقة وقطاعاتها الحديثة والناشة مع البنى التحتية، وبالطبع من بينها أسواق العقار التي بدأت تضيق أمام الطلب المتزايد من أبناء الطبقة الهندية المتوسطة والأغنياء الصينيين الذين يبحثون عن تنويع أصولهم وأملاكهم وخوض غمار أسواق قريبة وجديدة والاستفادة من الفرق في قيمة صرف العملات الدولية. كما دفعت معدلات الفائدة المنخفضة في أوروبا وأميركا الشمالية إلى بحث الكثير من المستثمرين من هذه البلدان عن الأسواق الآسيوية للاستفادة من الفرق في صرف العملات في عائداتهم. وقد ارتفعت الأسعار العقارية في أستراليا منذ العام الماضي بنسبة لا تقل عن 13 في المائة بسبب معدلات الفائدة المنخفضة وتحسين الشروط أمام الراغبين لأول مرة في دخول الأسواق. ورغم أن هناك أحاديث كثيرة عن احتمال عودة معدلات الفائدة إلى الارتفاع، فإن الطلب لا يزال على أشده في أستراليا خصوصا على العقارات السكنية. وقد لجأت الحكومة الصينية إلى الكثير من الإجراءات المهمة في محاولة منها لمنع حصول أي فقاعة عقارية تعوق النمو الاقتصادي العام، مثل عدم قبول شركات البناء أي مبالغ أولى أو «مقدم» من الزبائن قبل انتهاء العمل بالعقار وإنهائه، ومنعها من رفع أسعارها.. وذلك بعد أن ارتفعت أسعار العقارات في أكثر من 70 مدينة في الصين بنسبة تصل إلى 11 في المائة، وأكثر في مارس (آذار) 2010 نسبة إلى ما كانت عليه في مارس العام الماضي (2009). كما يفترض مثلا على الشركات الصينية في إطار الإجراءات، الإعلان علنا عن العقارات المعروضة للبيع وبيعها بعد عشرة أيام من الإعلان. وقد هددت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية والريفية، شركات البناء والشركات العقارية بشكل عام بعقوبات كبيرة إذا ما أسهمت في خلق نقص متعمد للعقارات في الأسواق.

وعوضا عن الشروط الكثيرة المفروضة حاليا على الشركات العقارية في الصين، فإن الحكومة تشدد أيضا الشروط على امتلاك المواطنين عقارا ثالث عبر رفع كلفتها. وقد أشار استطلاع أخير لـ«تشاينا مورنينغ بوست» مؤخرا، إلى أن هونغ كونغ لا تزال من أغلى مدن العالم حتى الآن، وأن المواطن هناك بحاجة إلى عشر مرات معاشه السنوي للتمكن من شراء شقة صغيرة. ومن بين أكثر من مائتين واثنتين وسبعين مدينة كانت هونغ كونغ أغلى المدن والتي يصعب تحمل نفقاتها وأسعارها إلى جانب لندن في بريطانيا وسيدني في أستراليا ونيويورك في الولايات المتحدة.

وفيما ركز تقرير صندوق النقد الدولي على الصين، فإنه سلط الأضواء أيضا على أستراليا التي تعتبر الأسوأ من ناحية معدلات أسعار العقارات نسبة إلى معدلات الدخل العام في منطقة آسيا باسيفيك بعد الهند. إذ إن الأسعار فيها ترتفع فيها بشكل خطير يتعدى قدرة المواطنين العاديين، كما كان الحال في السنوات الأخيرة في بريطانيا وقبل الركود العالمي.

وعلى صعيد الولايات المتحدة على الجانب الآخر من المحيط، أكد تقرير لمؤسسة «فيسيرف» المختصة في تقنية الخدمات المالية، أن الأسواق العقارية المهمة في الولايات المتحدة والتي شهدت طفرات كبيرة وارتفاعا كبيرا على الأسعار قبل الركود لن تعود إلى معدلات النمو السابقة قبل عام 2025. ويجري الحديث هنا عن ولايات فلوريدا وكاليفورنيا وأريزونا ونيفادا. وأن أسعار العقارات في البلاد ستواصل تراجعها وستصل نسبة التراجع هذا العام إلى سبعة في المائة قبل أن تعود وتستعيد أنفاسها نهاية العام المقبل (2011)، مع استثناءات قليلة - وحتى هذا التعافي سيكون طويلا.

ويبدو أن هذا التعافي سيكون طويلا ولن يصل في المناطق التي يتوقع أن يتواصل فيها ارتفاع معدلات البطالة، إذ من شأن ذلك تدني الطلب على العقار، وارتفاع حالات المصادرة، مثل ما يحصل حاليا في المناطق الصناعية في أوهايو وإنديانا وميتشغان. ومع هذا سجلت بعض المناطق والولايات الأخرى علامات قوية على التعافي والانتعاش العقاري مثل كولومبيا وبيتبيرغ وتكساس وواشنطن ونيويورك. ويتوقع لها أن تستعيد أنفاسها خلال سنوات قليلة. وينطبق هذا الأمر أيضا على المناطق والولايات التي لم تشهد فعلا تراجعا كبيرا على الأسعار فيها خلال الركود الاقتصادي العالمي. كما أن هناك علامات أخرى على بدء الانتعاش في الأسواق العقارية، ويبقى الأمر مجرد علامات، خلال الأشهر الماضية، وبشكل محدد منذ الربعين الثالث والرابع العام الماضي. وقد ارتفع حجم المبيعات في قطاع العقارات السكنية من 4.5 مليون عقار في يناير (كانون الثاني) إلى 6.5 مليون عقار في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، وهي أعلى نسبة ارتفاع منذ عام 2006. وهذا كان متوقعا أيضا مع الإعفاءات الحكومية التي تصل قيمتها إلى 8 آلاف دولار للمشترين للمرة الأولى، ومعدلات الفائدة المنخفضة وأسعار العقارات المتدنية جدا في بعض المناطق. ومع هذا فإن صعوبة بيع القروض العقارية الفاسدة بدأت بدورها أيضا تسهم في دفع الأسواق باتجاه دفة الانتعاش والتعافي.