العقار الفاخر في المغرب يقاوم انخفاض الأسعار في انتظار عودة الطلب

الشركات العقارية تلجأ إلى تحسين الجودة والتجهيز كبديل عن تخفيض الأسعار

TT

أخرجت الأزمة قطاع العقار الراقي والسياحي المغربي من الظل. فبعد أن كانت الشركات المغربية التي تعمل في هذا الفرع تعمل في صمت مستفيدة من الطلب الأجنبي المتزايد على المغرب واستثمارات مغاربة المهجر، وجدت هذه الشركات نفسها مضطرة لإعادة توجيه عرضها نحو السوق الداخلية بسبب انحسار الطلب الأجنبي والتراجع القوي لطلب مغاربة المهجر على خلفية الأزمة المالية العالمية.

وأصبحت هذه الشركات تستغل كل الوسائل الممكنة للترويج لمشاريعها في السوق المحلية، من الرسائل الهاتفية القصيرة، والملصقات في الشوارع الكبرى، والإعلانات في التلفزيون والصحافة. فالأغلبية الساحقة من الإعلانات عبر الرسائل الهاتفية القصيرة التي يتلقاها المغاربة أصبحت تتعلق بعروض عقارية. كما أن مشاريع عقارية سياحية أنجزت في سفوح جبال الأطلس قرب مراكش أصبحت تقدم في الإعلانات التلفزيونية على أنها مشاريع للسكن الاقتصادي.

وتجد الشركات العقارية، التي تعمل في مجال العقار الفاخر والسياحي، نفسها في وضعية جد حرجة. فمن جهة تم تسويق جزء من مشاريعها قبل اندلاع الأزمة بأسعار جد مرتفعة، وتلقت الشركات تسبيقات من المشترين الأوائل على أساس هذه الأسعار المرتفعة، التي أسهمت بشكل كبير في تحقيق المشروع، إذ إن تمويل المشاريع العقارية في المغرب يعتمد بشكل أساسي على تسبيقات المشترين. ومن جهة ثانية أصبحت ظرفية الأزمة تتطلب من الشركات العقارية تخفيض مستوى أسعار العرض من أجل اجتذاب مستثمرين واستكمال تسويق المشروع. غير أن تخفيض الأسعار من شأنه أن يغضب المشترين الأوائل الذين اشتروا بأسعار عالية، الشيء الذي سيخلق متاعب للشركة ويجعلها تضحي بمستثمرين فعليين في سبيل اكتساب مستثمرين محتملين.

وللالتفاف حول هذه المشكلة لجأت الشركات إلى حيلة تمكنها من جعل عروضها أكثر جاذبية دون المساس بمستوى الأسعار، وذلك عبر تقديم تجهيزات إضافية، كمطابخ وغرف نوم كاملة التجهيز، ونظم رفيعة للتكييف والتهوية، وغيرها من الهدايا الثمينة التي ترفع من قيمة وجودة الشقق والفلل المعروضة، كبديل عن تخفيض الأسعار.

وتوقع سمير بنمخلوف، رئيس الفيدرالية المغربية للوكلاء العقاريين، أن تستمر أسعار العقار السياحي والفاخر في المغرب في مقاومة التوجه الانخفاضي لفترة في انتظار عودة الانتعاش للطلب ومعاودة الارتفاع. وقال بنمخلوف لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يتوقع انخفاضا عاما في الأسعار. وأضاف «كما يقال فإن العقار يمرض ولا يموت، وتطور الأسعار العقارية غالبا ما يتخذ شكلا تدرجيا تتناوب فيه فترات ركود واستقرار مع فترات ارتفاع».

وأضاف بنمخلوف أن آثار الأزمة المالية العالمية على العقار في المغرب كانت متباينة حسب المدن. ففي المدن السياحية كمراكش، والمحطات السياحية الشاطئية الجديدة التي تم إطلاقها في إطار المخطط الأزرق، عرف القطاع أزمة حادة بسبب المخزون الكبير من الشقق والفلل التي تم إنجازها في العامين الأخيرين. وأشار إلى أن تسويق هذا المخزون يتطلب مراجعة أسعار العرض. وقال «من قبل كان هذا العرض موجها للمستثمر الأجنبي، لذلك فإن أسعار العرض كانت تفوق كثيرا القدرة الشرائية للمغاربة. فالعامل المتقاعد في أوروبا كان يجد تلك الأسعار رخيصة مقابل أسعار العقار في بلده الأصلي، وبالتالي كان يقبل على الشراء. لكن هذه الأسعار كانت باهظة جحدا بالنسبة للمستثمر المغربي. أما اليوم، فقد انحسر الطلب الأجنبي، وأدى ارتفاع أسعار العقار في المغرب خلال السنوات الماضية وانخفاض أسعار العقار في أوروبا بسبب الأزمة المالية إلى تقارب في مستوى الأسعار، وبذلك فقد المغرب امتيازه مقارنة مع أوروبا. كما أن الشركات العقارية أصبحت اليوم مضطرة إلى توجيه منتوجها إلى السوق الداخلية. وبالتالي أصبح مطلوبا منها اعتماد أسعار عرض متلائمة مع القدرة الشرائية للمغاربة». وأضاف بنمخلوف أن الأسعار انخفضت فعلا في مراكش بنحو 25 في المائة بسبب الأزمة، نظرا لحجم الإنتاج في سياق الطفرة العقارية والإقبال الكبير الذي عرفته مراكش في السنوات الأخيرة.

أما في مدن أخرى كالدار البيضاء والرباط حيث يوجد طلب قوي على السكن الفاخر، الذي يقابله ضعف حاد في العرض، فإن الأسعار تتجه للارتفاع. ويضيف بنمخلوف «في الدار البيضاء طلب قوي على جميع أصناف السكن، ويقدر النقص في الدار البيضاء بنحو 160 ألف وحدة سكنية. لذلك فإن أسعار العقار في الدار البيضاء في ارتفاع مستمر».

وأشار بنمخلوف إلى أن الدار البيضاء أصبحت تعاني من اختناق بسبب ندرة الأراضي، وتأخر إصدار قانون التهيئة الجديد، الذي يرتقب أن يرخص لضم أراض زراعية جديدة للنطاق الحضري. وأضاف أن أسعار الأرض في الدار البيضاء أصبحت جد مرتفعة. وتتراوح أسعار الأرض بالنسبة للمناطق المخصصة لبناء العمارات السكنية بين 12 و13 ألف درهم للمتر المربع، وتصل إلى ما بين 50 و60 ألف درهم في المناطق الراقية التي يكثر عليها الطلب. أما في المناطق الموجهة لبناء الفلل فالأثمان تتراوح بين 6 آلاف درهم و20 ألف درهم، حسب المناطق ومدى قربها من مركز المدينة (الدولار يساوي 8.3 درهم مغربي).

أما طنجة التي تعرف مجموعة من المشاريع الكبرى، فتعاني بدورها من ضعف الطلب على العقار الفاخر، كما هو الشأن بالنسبة لمدينة فاس أيضا وأغادير، وغيرها من المدن السياحية التي عانت من تراجع الطلب الأجنبي في الوقت الذي تم فيه إنجاز الكثير من المشاريع العقارية الفاخرة التي كانت موجهة لهذا الطلب.