الإقراض العقاري أصبح للأثرياء فقط

البنوك في المرحلة الحالية تنظر إلى المخاطر قبل الأرباح وتريد أن تسلم من القروض الرديئة

العقارات الفاخرة تحرك أسواق 2010 («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من تقارير ارتفاع الأسعار في بضع مناطق من لندن، وفي بريطانيا بوجه عام، بنسبة 6 في المائة العام الماضي، فإن توقعات أسعار العقار الدولية بشكل عام ما زالت راكدة في سكون لا تتحرك صعودا وقد تنزلق هبوطا. ولكن العامل الأكثر تأثيرا في الأسواق حاليا ليس أسعار العقار ولا حجم نشاط شركات المعمار وإنما وضع البنوك التي ترفض حاليا الكثير من طلبات التمويل.

فعلى الرغم من أن الإقراض العقاري يعتبر من أساسيات العمل المصرفي ومن أهم روافد أرباحه، فإن البنوك في المرحلة الحالية تنظر إلى المخاطر قبل الأرباح وتريد أن تسلم من القروض الرديئة بأي ثمن. وهي لا تقرض الآن إلا إلى قطاع الأثرياء ولهؤلاء الذين لا يحتاجون إلى الاقتراض أصلا! وفي قطاعات كاملة، مثل قطاع الإقراض الاستثماري، تقول مصادر السوق إن الأموال المرصودة للإقراض جفت تماما ولا يمكن الحصول عليها كما كان الوضع قبل فترة الكساد. وتنتظر البنوك انعكاسات موجة عدم وضوح الرؤية لكي تعيد حسابات الإقراض بناء على القيمة الجديدة للعقار. فحتى الأثرياء لا يستطيعون الحصول الآن على أكثر من 70 في المائة من قيمة العقار وعليهم تمويل الباقي نقدا.

وفي الماضي كان المقترض العقاري العادي يبحث عن عقار في متناول ميزانيته ثم يبحث عن بنك أو شركة تمويل أو جمعية عقارية تمول له الجزء الأكبر من الثمن، بنسبة تصل في العادة إلى 85 في المائة. وكان هذا المشتري يجد أن البنوك وشركات التمويل كلها تتنافس لإقراضه بضمان قيمة العقار.

وفي قمة العقار الفاخر في السوق، حيث العقارات تفوق قيمتها العشرة ملايين دولار كحد أدنى، يختلف الموقف قليلا. فكلما زاد المبلغ المطلوب اقتراضه تقلص عدد البنوك المستعدة للإقراض. وتحول الوضع الآن إلى العكس حيث تتنافس البنوك على قمة السوق، ولا يجد المقترض العادي من يلتفت إليه.

وتنشط سوق العقارات في قطاع القمة في الربع الأول من كل عام لأن شراء العقارات باهظة الثمن يتم تمويله من الحوافز المالية التي يحصل عليها العاملون في الأسواق المالية في نهاية كل عام. وتتوجه هذه الحوافز في أغلبها إلى مجال العقار. خبراء العقار في هذا القطاع من السوق يؤكدون أن معظم المشترين يساهمون بنسب تتراوح بين 20 و30 في المائة من ثمن العقار وأنهم يملكون في العادة أصولا أخرى لا تقل في قيمتها عن قيمة العقار الذي يتم الاقتراض عليه.

وفي الوقت الذي تفرض فيه البنوك الكثير من الرسوم والفوائد على المقترض الصغير، فإنها في الواقع تقدم بعض الحوافز للمقترض الكبير. وتقدم البنوك سعر فائدة أقل من أسعار الفائدة السائدة في السوق. وتتيح بعض الشركات المتخصصة في لندن قروضا في الوقت الحاضر بسعر فائدة لا يزيد عن 4 في المائة لقروض أكبر من المليون جنيه إسترليني. وهو سعر يقل عن سعر الإقراض العقاري من البنوك للمستثمر الصغير الذي يلامس الـ5 في المائة على الرغم من أن سعر الفائدة الأساسي في السوق ما زال لا يزيد عن نصف في المائة.

وتقدم البنوك أيضا الكثير من المرونة في شروط السداد، وهو أمر غير متاح للمقترضين الصغار. فالمشتري في هذا القطاع يبغي قروضا تتيح له فرصة دفع نسبة كبيرة في أوقات معينة والامتناع عن الدفع تماما في أوقات أخرى. وبسبب هذا الوضع لا يقبل الكثير منهم على تعاقدات بأسعار ثابتة للفائدة.

وفي قطاع النخبة لا يعتبر التمويل هو الرقم الصعب في المعادلة العقارية وإنما ندرة العقار الفاخر المناسب. ففي القطاع الفاخر لا تتوافر الكثير من العقارات السوبر في السوق في الوقت الحاضر على الرغم من وجود فائض من العقارات العادية بسبب ضعف القوة الشرائية. وتقول إحصاءات بنك إنجلترا إن نسب تداول العقار البريطاني هذا العام أقل مما كانت عليه في عام 2007 بنحو 20 في المائة. ولكن في القطاع السوبر تزداد نسبة الطلب هذا العام عما كانت عليه منذ عام واحد بنحو 9 في المائة.

ويقول وكيل شراء عقاري في قمة السوق إن المشترين في فئة المليوني جنيه إسترليني لا يجدون العقارات المناسبة بهذا المبلغ بين المتاح في السوق، وعندما يعثرون على العقار المناسب يجدون طابورا من المشترين الأثرياء ينافسونهم على العقار نفسه. وهو يضيف أن الموقف أصعب في قطاع المليون إلى مليوني جنيه إسترليني حيث انخفض حجم العقارات التي تعرض للبيع في السوق بنسبة 20 في المائة، وزاد أيضا، بالنسبة نفسها، عدد المشترين في هذا القطاع.

ويلجأ الكثير من المشترين في القطاع الفاخر إلى الاستعانة بوكلاء شراء يبحثون لهم عن العقار المناسب ويعرضون الشراء على الفور أحيانا من قبل عرض العقار في السوق. ولقاء هذه الخدمات يدفع المشتري في العادة نسبة تصل إلى 15 في المائة فوق سعر السوق، ولكنه يضمن عدم مزاحمة آخرين له في شراء العقار أثناء تدبيره مصادر التمويل اللازمة له. البائعون أيضا في هذا القطاع يفضلون عدم عرض عقاراتهم في الصحف علنا، وهم يرفضون تعليق لافتات «للبيع» على عقاراتهم الارستقراطية، ولذلك فهم يفضلون التعامل مع وكيل شراء عقاري ينهي كل الإجراءات في هدوء، أحيانا من دون أن يشعر الجيران في العقار المجاور أو يعرفون أن العقار كان معروضا للبيع.

وعلى الرغم من التسهيلات التي تقدمها البنوك في القطاع الفاخر فإنها تلجأ الآن إلى بعض الخدع المصرفية التي تريد من خلالها أن ترفع نسبة أرباحها. من هذه الخدع:

* حساب تكاليف الإقراض سنويا: يجب على البنوك أن تحسب تكاليف الإقراض يوميا، ولكن بعضها ما زال يلجأ إلى الحيلة القديمة بحساب التكاليف سنويا. ويعني هذا أن المقترض ينتهي به الأمر بدفع تكاليف على مبالغ يكون قد سددها بالفعل! ففي بداية العام يكون حجم القرض مليون دولار مثلا ويحسب البنك حجم التكلفة مقدما على مبلغ المليون دولار، ولكن حجم القرض الفعلي يتقلص تدريجيا ويكون في نهاية العام أقل من المليون دولار وفقا للأقساط التي دفعها المقترض، ولكنه يستمر في دفع فوائد على كامل مبلغ المليون دولار حتى نهاية العام!

* عمولات تدبير القروض: تطالب بعض البنوك بعمولة لتدبير القرض، كوسيلة لجني المزيد من الأرباح. وهذا الأسلوب آخذ في الزيادة في السنوات الأخيرة إلى درجة أنه بدأ يضر بمصالح المقترض الذي يقبل على هذا النوع من القروض بافتراض أن تكلفة الاقتراض أقل منها في بنوك أخرى. ولكن المقترض لا يعرف أنه يدفع تكاليف أكثر بسبب هذا البند غير المعلن أحيانا. ولذلك لا بد من إدخال أي عمولات لتدبير القرض ضمن التكاليف قبل المقارنة بتكاليف الاقتراض من بنوك أخرى.

* الالتزام بوثائق تأمين مرتبطة بالقروض: وهي حيلة تلجأ إليها البنوك لأن هوامش أرباح وثائق التأمين على العقارات الفاخرة أكبر أحيانا من أرباح القروض، وتفيد البنك في نسبة عمولة عالية. وهنا أيضا لا بد من البحث والمقارنة في تكاليف التأمين قبل الاتفاق على ربط القرض بوثيقة تأمين معينة. والأفضل في كل الحالات الحصول على القرض من مصدر وعلى التأمين من مصدر آخر.

* غرامة الدفع المبكر للقروض: تحاول البنوك ربط المقترض بها لأطول فترة ممكنة، ولذا فهي تلجأ أحيانا إلى فرض غرامات باهظة على المقترض إذا دفع مبالغ إضافية من القرض قبل انتهاء مدته، أو إذا حاول سداد كل القرض قبل نهاية فترة التعاقد. وتمنع هذه الغرامة أحيانا المقترض من الاستفادة من عروض خاصة تعرضها البنوك الأخرى. وفي بعض الأحيان تفرض البنوك على المقترض البقاء معها لفترات ثابتة من بداية القرض أو التحويل إلى نسب فوائد متغيرة بعد نهاية فترة الفائدة الثابتة. وكلما كان المقترض حريصا في عدم الموافقة على شروط تعجيزية كان ذلك أفضل له من أجل تحجيم التكاليف من ناحية واكتساب مرونة الحركة من بنك لآخر، من ناحية أخرى.

* تقديم حوافز للمقترضين الجدد فقط. وهي حيلة ما زالت تعتبر قانونية ويلجأ إليها الكثير من البنوك لزيادة حصتها من السوق. فهي تقدم حوافز وتخفيضات وفترات سماح وعروض مغرية ولكن للمقترضين الجدد فقط. أما عميلها القديم فهي تهمله لأنه مكبل بالشروط السابقة التي يجد معها صعوبة في إنهاء تعامله مع البنك. هذه السياسة ليست في صالح البنوك على المدى البعيد لأن الاهتمام بالعميل الملتزم بالبنك أفضل للبنك تسويقيا من إهماله وتوجيه الاهتمام إلى عملاء آخرين.

ويقدم هذا القطاع من السوق الكثير من الدروس المستفادة لشركات العقار العربية وأيضا للبنوك، ففي مشروعات القطاع الفاخر لا بد أولا من التأكد من وجود العملاء المناسبين قبل الاستثمار في مشروعات عقارية قد لا تكون مناسبة. وأفضل وسيلة للتعرف على السوق هي إجراء دراسات جدوى وسؤال الفئة التي يمكن أن تقبل على العقار المخطط له. من ناحية أخرى لا بد للبنوك أن تهتم بعميلها الملتزم وأن تقدم له بعض الولاء بدلا من إهماله والبحث عن آخرين جدد في السوق تقدم لهم الحوافز بالجملة من أجل توسيع حصتها من السوق. وفي كل الأحوال ينبغي الاهتمام بكبار العملاء وتوفير مستويات الخدمة التي يتوقعونها حتى لا يلجأوا إلى التعامل مع بنوك غير وطنية.

أكبر زيادة في الأسعار منذ عام 2007 ـ أسعار لندن ما زالت تعاند التيار

* أشارت أحدث إحصاءات أسعار العقار في لندن من شركة «نايت فرانك» إلى أن أسعار بعض المناطق ارتفعت في شهر فبراير (شباط) الماضي بنسبة 3.2 في المائة وهي أكبر نسبة ارتفاع شهري منذ شهر أغسطس (آب) 2007. وكانت معظم هذه الزيادة، وفقا للشركة، في القطاع السعري الذي يقع بين الخمسة والعشرة ملايين إسترليني.

ولكن بوجه عام أشارت إحصاءات عدة بنوك وشركات أخرى من بينها «نيشن وايد» و«هاليفاكس» إلى أن أسعار العقار تراجعت على المستوى البريطاني للمرة الأولى في عدة شهور. وقال بنك «هاليفاكس»، وهو من أكبر البنوك العاملة في مجال الإقراض العقاري، إن الأسعار تراجعت بنسبة 1.5 في المائة، بينما قالت شركة «نيشن وايد» إن النسبة هي واحد في المائة فقط خلال فبراير الماضي. وقالت البنوك إن سوق العقارات العادية في بريطانيا عانت من سوء الطقس وزيادة في عدد العقارات المعروضة للبيع مع ندرة المشترين. ولكن هذه العوامل لم تؤثر في القطاع الفاخر. وعلى الرغم من ارتفاع المعروض من العقارات الفاخرة بنسبة سبعة في المائة خلال شهر فبراير الماضي، فإن الطلب المرتفع، وفقا لإحصاءات شركة «برايم لوكيشن»، كان أكثر من المعروض العقاري.

وكانت أهم عناصر هذا الطلب المرتفع صفقات عقدت لصالح مشترين أجانب، بالإضافة إلى صفقات مع مصرفيين حصلوا على علاوات في نهاية العام. وجرت الصفقات بسرعة قبل أن تتجه الأسعار إلى الارتفاع مرة أخرى.

وفي القطاع السوبر فاخر قال ليام بيلي من شركة «نايت فرانك» إن الارتفاع الذي تحقق أخيرا في أسعار هذا القطاع يعود إلى ندرة المعروض من العقارات السوبر في السوق. وقدر بيلي تراجع الإمدادات بحوالي 22 في المائة عما كانت عليه في العام الماضي.

وفي الوقت نفسه ارتفع الطلب بنسبة 30 في المائة عما كان عليه خلال أي وقت من السنوات الخمس الماضية. وكان الطلب الأجنبي هو المكون الرئيسي بنسبة 45 في المائة في القطاع الذي يفوق ثمنه المليوني إسترليني خلال العام الأخير.