بريطانيا: الغموض وتراجع الأسعار يزيد من تردد المشترين

أسواق العقار فيها رهينة للأوضاع الاقتصادية

المنافسة في قمة السوق تحمي من التقلبات («الشرق الوسط»)
TT

لم تعد القراءة سهلة لأسواق العقار الدولية وسط تحولات اقتصادية تؤثر جذريا على أسواق العقار وتزيد من غموضها. فمن أزمة في الاقتصاد اليوناني وخطر حكومة بريطانية ائتلافية هشة إلى أخطار في منطقة اليورو بأسرها مع ضعف الدولار، لا يدري المستثمر الدولي في العقار ماذا يفعل ولا إلى أين يتوجه. ولكن في الوقت الذي تتراكم فيه الأنباء السلبية عن ركود وتراجع في بعض أسواق العقار الدولية، يحذر بعض الخبراء من قراءة خاطئة للسوق والتعامل مع الأسواق من منطق مذعور. ويدعو هؤلاء إلى التريث مع تأكيد بعضهم أن الأسعار ما زالت تنمو في بعض الأسواق، مثل وسط لندن، وإن كان هذا النمو يأتي بوتيرة أقل مما كانت عليه في الماضي القريب.

ويتفق خبراء من شركات العقار الكبرى مثل «نايت فرانك» و«سافيل» و«هامتونز» على أن مزيدا من الانهيار العقاري غير وارد في المرحلة المقبلة في الأسواق الدولية لعدة أسباب منها أن الأسعار تراجعت بالفعل إلى معدلات مقبولة في معظم الأسواق، وأيضا لاستمرار الطلب وبعض السيولة من المستثمرين. ولكنهم مع ذلك يرون أن المستقبل أصعب من الماضي مع استمرار مخلفات أزمة الرهن العقاري التي عصفت بأرباح البنوك وجعلتها أكثر تقشفا في الإقراض.

وأول النصائح التي يوجهها الخبراء إلى المستثمر الدولي هي الاختيار الجيد وإجراء الكثير من البحث قبل الشراء. ولا خوف في الوقت الحاضر من ضياع الفرص لأن السوق في الوقت الراهن هي «سوق المشتري» حيث تتعدد الاختيارات وتزداد الضغوط على الأسعار مع مرور الوقت. وهو تغير جذري عما كانت عليه الأسواق منذ سنوات قليلة حيث كان البائعون وشركات العقار يملون شروطهم على المشتري.

ومع ذلك يجب عدم التردد في التقاط الفرص الجيدة حيث يعود النمو البطيء غير ملحوظ في الوقت الحاضر. ففي آخر إحصاءات جمعية الإقراض العقاري البريطانية «نيشن وايد» التي نشرت هذا الأسبوع، جاء أن أسعار العقار البريطاني زادت في آخر 12 شهرا بنسبة 10.5 في المائة، وهي أكبر نسبة نمو منذ عام 2007. ولم تكن هذه الزيادة بسبب ارتفاع عدد الصفقات وإنما لارتفاع الطلب مع ندرة في العقارات المعروضة للبيع. وأضافت جمعية «نيشن وايد» تحذيرا من إساءة تفسير هذا التحول على أنه عودة للانتعاش، حيث هذه النسبة سوف تتراجع في الشهور المقبلة نتيجة لطرح عدد أكبر من العقارات إلى السوق. وأشار خيبر في الجمعية إلى أن زيادة الأسعار خلال الربع الأخير تراجعت عما كانت عليه في الربع الأسبق من 1.5 في المائة إلى 1.1 في المائة.

والاعتقاد السائد هو أن أزمة الائتمان قلبت أوضاع السوق وأفرزت مناخا جديدا وأثرت على جميع الناشطين في سوق العقار بصورة أو بأخرى. فالبنوك لم تعد سخية في تقديم قروضها وتستبعد الذين تقل درجة ملاءتهم المالية عن الحد المقبول. وهي تفرض شروطا قاسية على تكاليف الإقراض وأسعار الفائدة على القروض العقارية التي انفصلت عمليا عن أسعار الفائدة الأساسية المعلنة من البنوك المركزية. وبات وضع الأسواق المالية منعكسا أيضا على الشركات التجارية التي وجدت أن التجمد الائتماني امتد إلى قطاعات استهلاكية وأثر على نشاط البيع للسلع المعمرة والسيارات والمشتريات الموسمية. ويقول كريس مور كبير الاقتصاديين في جمعية «نيشن وايد» إن هناك الكثير من عدم الثقة المبالغ فيه في الأسواق حاليا بسبب عدم وضوح الرؤية، وإن هذا الوضع قد يؤدي إلى تجمد الكثير من القطاعات في السوق ويسبب المشكلات للبائعين والمشترين على السواء.

وتعود بعض أسباب الخمول في أسواق العقار إلى تردد المشترين الجدد في القفز على السلم العقاري في أسرع وقت ممكن للحاق بركب الأسعار، ففي الوقت الحاضر يفترض البعض أنه كلما ابتعد عن السوق فترة انخفضت الأسعار أكثر. ولكن هذه الفترة قد تكون انتهت حيث الأسعار مستقرة في معظم الأسواق وبعضها أخذ في الارتفاع مرة أخرى.

وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤية فإن الأمر الثابت هو ضرورة إيجاد استراتيجيات جديدة للمستقبل. فالمطلوب في هذه الأوقات الصعبة هو تحجيم الأضرار والاستفادة من الأوضاع السائدة.

وتفرض المتغيرات في أسواق العقار حاليا ضرورة اقتناص الفرص المتاحة وتجنب المخاطر. ولكن ذلك يحتاج إلى قراءة صحيحة من المستثمر. وهناك بعض النصائح الموجهة للمستثمر في المرحلة الحالية أهمها:

> استغلال الفرص المتاحة وعدم انتظار المزيد من تراجع الأسعار: فعلى الرغم من أن مستويات المبيعات والأسعار حاليا دون المستوى، فإن المستثمر على المدى البعيد لا يهمه التذبذب الآني والأفضل له الحصول على ما يريد بدلا من انتظار السوق، بينما السوق لا تنتظر أحدا. وهناك تخفيضات كبيرة في الأسعار حاليا، كما أن الكثير من البائعين عمليون ويريدون البيع على أساس أن الأسعار المخفضة ما زالت تمثل لهم نسبة كبيرة من الأرباح بالمقارنة إلى ما دفعوه في العقار قبل سنوات. وتعم هذه التخفيضات على كل قطاعات السوق حتى القطاع الفاخر فيها.

> التمويل: التمويل هو الرقم الصعب في السوق حاليا، فهو يتم بمبالغ أقل وبتكاليف أعلى. وتقول مصادر السوق البريطانية إن أسعار العقار لن تزيد في العام المقبل عن معدلاتها الحالية وإن مبالغ التمويل لن تزيد وقد تقل بمعدلات تصل ما بين 10 و20 في المائة. ولا يعني هذا بالطبع نهاية عصر الاستثمار العقاري الذي ما زال يعتبر أحد محركات السوق الرئيسية حيث الإيجارات ما زالت إلى صعود. وعلى الرغم من توقعات البعض بأن معدلات الفائدة الأساسية في طريقها إلى الارتفاع حاليا فإن انعكاس هذا الارتفاع على القروض العقارية غير مضمون وقد لا يعني أن البنوك سوف تنشط في مد المزيد من الإقراض.

> ضرورة البحث عن الموقع الجيد: حتى في أوقات التراجع هناك بعض المناطق التي تستفيد من مشروعات تطوير خاصة ترفع الثمن فيها في معارضة للتيار العام. وتنصح شركة عقار لندنية مستثمريها بالتوجه إلى المناطق التي ستقام فيها دورة الألعاب الأولمبية المقبلة في لندن عام 2012 وبعض مناطق شرق لندن التي يجري الإنفاق فيها حاليا على مشروعات تجميل وتستفيد من خطوط حديدية سريعة إلى أوروبا. كما أن منطقة «ناين إلمز» جنوبي النهر تستفيد من مشروعات عملاقة لتطوير موقع محطة كهرباء ومساحة كبيرة بجوار النهر تشمل مبنى السفارة الأميركية الجديد الذي يكتمل عام 2016.

> لا للمضاربة: في ذروة أسواق العقار البريطانية لاحظت شركة «نايت فرانك» العقارية إقبالا كبيرا من الهواة والمضاربين وغير المتفرغين لشراء الأراضي والعقارات بأسعار متضخمة على أساس توقعات المستقبل وليس على أساس قيمتها الفعلية حاليا. وتنصح الشركة هؤلاء بالخروج من السوق أو تلقي النصيحة لأن أحوال السوق تغيرت. ولم تعد السوق واعدة، خصوصا في مناطق المشروعات الجديدة في المدن. ولا بد في كل الأحوال استشارة الخبراء قبل الشراء حتى لا يتحول الاستثمار العقاري إلى خسارة.

> التعامل في ذروة القطاع العقاري: يتبع قطاع قمة سوق العقار منطقا مختلفا عن بقية سوق العقار حيث يتعامل فيه الأثرياء من كل أنحاء العالم. وشهد هذا القطاع زيادة في الأسعار بنسبة 35 في المائة هذا العام وحده. ومن المتوقع أن يستمر هذا القطاع من أقوى قطاعات السوق في المستقبل المنظور لمن يتعامل في عشرة ملايين دولار فأكثر. وكان حجم الطلب العالمي على عقارات لندن وحدها في العام الأخير 9.5 مليار إسترليني (14 مليار دولار تقريبا). وفي الآونة الأخيرة ساد القلق هذا القطاع بعد اقتراح فرض ضرائب ورسوم على الأثرياء غير المقيمين في بريطانيا. ويفكر بعض غير المقيمين في بيع عقاراتهم في لندن والاستقرار في مناطق أوروبية حرة مثل موناكو، وإذا حدث ذلك فسوف تتاح فرص شراء نادرة في بريطانيا.

> فرص متعددة في المزاد أو الشراء المباشر: في بريطانيا يقع القطاع الأكثر استقرارا وربحا في الفئة السعرية من نصف مليون إسترليني إلى مليون إسترليني. ويستوعب هذا القطاع معظم المشترين في السوق ومنهم بعض الجدد. كما تعرض فيه أفضل الفرص لهؤلاء الذين يضطرون للبيع لعقبات مالية أو للهجرة. وتوجد نسبة كبيرة من هذه العقارات في بيوت المزاد تبيعها البنوك سدادا للقروض بأسعار تقل أحيانا عن معدلات السوق. أيضا تعرض شركات العقار كما كبيرا من هذه العقارات في نهاية السنة المالية للتخلص منها لمن يشتري بالجملة. وتوفر هذه الفرص هوامش ربح جيدة.

ولا بد من التزام الحكمة التقليدية في أسواق العقار المضطربة حاليا وهي الاستعانة باستشارة الخبراء وضرورة معاينة العقار على الطبيعة قبل الشراء وإجراء الأبحاث الضرورية حول العقار والمنطقة المحيطة واختيار الموقع بدقة والاستثمار للمدى البعيد.

أما عن تحولات المستقبل المتوقعة فيشير إليها المستشار العقاري ديفيد سميث من شركة «كارتر جونز» الاستشارية في لندن حيث يقول إنه على الرغم من الارتفاعات السعرية التي شهدها السوق البريطانية في الشهور الأخيرة، لا بد من وضع هذه الزيادة في إطارها الصحيح لأنها لا تعبر عن نشاط في السوق بقدر ما هي زيادة في الطلب عن العقار المعروض في الأسواق. وهو يضيف أن الزيادة مدعومة ببعض العوامل الأخرى مثل انخفاض أسعار الفائدة الذي قد يرتفع مرة أخرى في أقرب مما يتصور البعض نظرا لعودة خطر التضخم مرة أخرى.

ومع عودة ارتفاع أسعار الفائدة فإن نسبة ارتفاع أسعار العقار سوف تتراجع. وقد يحدث هذا خلال النصف الثاني من العام الجاري. وهو يرى أن معظم المشترين في بريطانيا ينتظرون حاليا نتيجة الانتخابات العامة وتأثير أي ميزانية جديدة على أسواق العقار قبل الارتباط بأي صفقات عقارية.

وأوضحت إحصاءات عن نسبة المشترين الجدد في السوق أنهم ما زالوا عند نسبة 26 في المائة، الأقل من النسبة التاريخية التي تصل إلى 40 في المائة، على الرغم من وجود بعض الحوافز في السوق مثل الإعفاء من ضرائب العوائد (ستامب ديوتي) حتى 250 ألف إسترليني للمشترين الجدد.

من العوامل الأخرى أن نسبة المشترين نقدا انخفضت قليلا في العام الأخير من نحو 42 في المائة إلى 37 في المائة مما يعني أن المشترين نقدا ساهموا في تخليص السوق من العقارات المطروحة فيه أثناء فترة أزمة التمويل العقاري. وتشهد الأسواق عودة تدريجية للمشترين بواسطة القروض العقارية. ولكن بعض المخاوف تبقى في السوق البريطانية، خصوصا فيما يتعلق بتوجهات أي حكومة بديلة بعد الانتخابات العامة التي جرت هذا الأسبوع. فهناك وعود من حزب الليبراليين الأحرار بفرض ضريبة إضافية على العقارات الفاخرة التي يزيد ثمنها عن مليوني إسترليني، كما تؤثر قوانين قد يصدرها حزب المحافظين لخفض نسبة العجز على إنجاز الاقتصاد البريطاني وبالتالي على أسعار العقار فيه.